حتى يصبح الإجهاض عملية آمنة وشرعية : أخلاقيات وآليات التغيير

التصنيفات: غير مصنف

حتى يصبح الإجهاض عملية آمنة وشرعية

أخلاقيات وآليات التغيير*

أن توفير الأمان والشرعية لعمليات الإجهاض يشكل مسألة حياة أو موت بالنسبة للنساء. بناء على ذلك، يتناول هذا العدد من مجلة قضايا الصحة الإنجابية موضوع الإجهاض من منظور أولئك النساء اللاتي عشن التجربة، وعانين مشقة معالجة المضاعفات الناجمة عن الإجهاض غير الأمن وغير الشرعي، ومن منظور أولئك النساء اللاتي يناضلن لإرساء قواعد الإجهاض الأمن والقانوني على مستوى العالم. أن هذه المقالات تتضمن رسالة قوية تستند على المعطيات التالية:

  • أن هناك ملايين النساء وعشرات الآلاف من الدايات والأطباء الذين يمتلكون الكفاءة اللازمة لإجراء عمليات الإجهاض وهم مدفوعين إلى التصرف أو الشعور وكأنهم مجرمون.

  • أن هناك عدد ضخم من القوانين العتيقة والملتوية حول الإجهاض يبدو وكأنها أصدرت لمجرد التحايل عليها.

  • أن هناك تسامح كبير تجاه خدمات الإجهاض المتدنية بل والمرعبة في سوئها وهي الخدمات التي يحصل عليها من لا يقدرن على تحمل نفقات خدمات أفضل.

  • أن هناك تبديد غير مبرر لحياة النساء. صحيح أن علاج المضاعفات الصحية الناتجة عن عمليات الإجهاض غير الآمنة وغير القانونية يتسم بقدر من الإنسانية وهذا الأمر أفضل من لا شيء، إلا أن ذلك يعد أقل القليل وربما يقدم بعد فوات الأوان.

تذكرنا المقالات الواردة في هذا العدد بأنه سواء حظيت النساء بدعم شريك الحياة والأسرة والأطباء والحكومات والمجتمع أم لم ينلن ذلك الدعم، فإنهن يلجأن إلى الإجهاض. كما تذكرنا أن النساء اللاتي يخضن تجربة الإجهاض وكذلك من يوفرون نوعية جيدة من الخدمات في هذا المجال لهم الحق في الشعور بكرامتهم وباحترام الناس لهم، كما أن للنساء الحق في الحياة. فمتى سيتحقق ذلك؟

يعتبر الإجهاض الآمن والشرعي أحد مفاتيح الصحة الإنجابية للنساء. يبدو أن المؤتمر الدولي للسكان والتنمية الذي سينعقد عام ١٩٩٤ قد استقر على توفير دعم كبير لقضايا الصحة الإنجابية للنساء، غير أن موضوع الإجهاض يظل من أكثر الموضوعات الشائكة في هذا المجال.

وبغض النظر عن توجهات مجموعات الضغط المناهضة للإجهاض، فإن أهم الإشكاليات التي على المؤتمر مواجهتها تتمثل في عدم اعتبار الإجهاض في عداد وسائل تنظيم الأسرة. ما هي إذن نظرة النساء لتنظيم الأسرة؟ وكيف يستثنى من الحق في الوقاية من ولادة غير مرغوب فيها الحق في التخلص من حمل غير مرغوب فيه؟ وكأنما اللجوء إلى تنظيم الأسرة أمر ممكن طالما لم تفشل وسائل منع الحمل، بل وكأنما لم تفشل هذه الوسائل أبدًا. أن أصوات النساء الواردة على الصفحات القادمة توضح أن التحكم في الخصوبة كل لا يتجزأ مهما كانت الوسائل الفرعية التي يمكن استعمالها. كما تبين تلك الأصوات أنه مهما كان انتشار استعمال وسائل منع الحمل، إلا أن ذلك من شأنه فقط التقليل من الحاجة إلى الإجهاض وليس القضاء عليها.

قبل مائة عام كانت هناك إدانة للإجهاض وكان العديد من دعاة الحفاظ على الفضيلة ينظرون إليه نظرة دونية. وفي هذا الإطار، استبعد كثير من القائمين على حملات تنظيم الأسرة موضوع الإجهاض حتى لا يبدون استفزازيين أو متطرفين. أما اليوم، فإن استعمال وسائل منع الحمل أصبح مسألة ليس فقط مقبولة اجتماعيًا، بل تعتبر هي السلوك الاجتماعي المسئول بعينه. ونتيجة لاستبعاد موضوع الإجهاض، لم تبدأ الحملات من أجل الإجهاض الشرعي إلا بعد فترة طويلة في أغلب الأقطار، هذا إن وجدت أصلاً.. إن الادعاء بأن الإجهاض لا يمثل وسيلة من وسائل تنظيم الأسرة قد يبدو منطقيًا إذا نظر إليه من خلال هذا المنظور التاريخي، إلا أنه يبدو كذلك من وجهة نظر النساء. وهناك بكل تأكيد خلل ما حينما بفهم الناس بطرق مختلفة مفاهيم ومعان مثل الوالدية المخططة، وتنظيم الأسرة، والتحكم في الخصوبة والإنجاب.

مقابلات مارجوث مورا وجورج فيلاريال مع النساء اللاتي كن بحاجة إلى العلاج نتيجة لمضاعفات ما بعد الإجهاض في بوجوتا تشير إلى الصعوبات التي تواجهها النساء مع وسائل وسائل منع الحمل،وهي كلها صعوبات معروفة لدينا جميعًا. فهي تظهر أن العديد من النساء أو من شركائهن في الحياة أما لا يستعملون وسائل منع الحمل أصلاً أو يفشلون في استعمالها بطريقة منتظمة أو يستعملون وسيلة أقل فاعلية مما هو متاح لهم نظريًا. كما يتضح من هذه المقابلات أن النساء لا يتخذن مسبقًا القرار باللجوء إلى الإجهاض ولا يعتقدن بالضرورة أنه أفضل من وسائل منع الحمل الأخرى.

بل تبين أن النساء يخضن عمليات الإجهاض حينما لا يوجد أي بديل آخر ممكنًا. إن العلم بإمكانية التحكم في الخصوبة قديم قدم وجود الجنس البشري. وتتولد الحاجة إلى الإجهاض بسبب النواقص المرتبطة بوسائل منع الحمل. وهكذا تلجأ النساء إلى الإجهاض حينما يكون قد فات أوان استعمال وسائل منع الحمل فيجدن أنفسهن بحاجة إلى حل آخر. وهذا كما تشير إليه خبرة النساء يدخل أيضًا في إطار تنظيم الأسرة قبل الدخول الفعلي لوسائل منع الحمل على الساحة لم يكن غريبًا أن تخوض النساء ثلاث أو ست، أو عشر أو حتى عشرين عملية إجهاض خلال حياتهن. أما اليوم، فهناك أعداد متنامية من النساء اللاتي يستطعن القول بأنهن استعملن بفاعلية وسائل منع الحمل طوال حياتهن الإنجابية. تشير البيانات الواردة في مسح ميداني حديث حول مدى انتشار استعمال وسائل منع الحمل في بيرث باستراليا إلى مدى التقدم الذي وصلت إليه بعض الأقطار في هذا المجال.

وبفضل التطورات التي أدخلت على كفاءة وتوافر وسائل منع الحمل وانتشار استعمالها،وتزايد تقبل الرجال لاستعمال النساء لتلك الوسائل، فإن العديد من النساء لم يقعن في رشك الحمل غير المرغوب إلا مرة واحدة فقط. إلا أنهن احتجن في النهاية إلى إجراء عملية إجهاض أما النساء اللاتي لا يتمتعن بنفس المزايا واللاتي ما زلن يشكلن الأغلبية في العديد من أقطار العالم، فإنهن يحتجن إلى إجراء تلك العمليات مرات أكثر من الأخريات هل يجب إجبار هؤلاء النساء على الاحتفاظ بالحمل؟ أم يجب إدانتهن باعتبارهن مجرمات،أو الحكم عليهن بالموت لأنهن لم يستعملن وسائل منع الحمل بطريقة جيدة؟

يشير مقال جوتليب مبانجيل وآخرون إلى أن معدلات الانتهاك الجنسي لطالبات المدارس من قبل رجال أكبر سنًا يمثل مشكلة حقيقية في تنزانيا. كما يشير مقال جو مورفي لوليس وآخرون إلى أن الشابات غالبًا ما يكن أكثر عرضة للحمل غير المقصود وهو ما ينتهي في معظم الأحيان بالإجهاض. ومن ناحية أخرى، يرى مقال مورا وفيلاريال أن النساء اللاتي يخضن عمليات الإجهاض هن على الأرجح نساء يعشن علاقات مستقرة ومتواصلة. الأمر المشترك بين كل هؤلاء النساء هو المعرفة المجزأة والمنقوصة حول أجسادهن وحول الدورة الإنجابية ووسائل منع الحمل. ويؤكد كل الكتاب مركزين على الغياب الواسع للتربية الجنسية ونتائج ذلك على العلاقات الجنسية أن المجتمع يخفق في القيام بمسئولياته تجاه النساء ثم يقوم بإدانتهن ومعاقبتهن إذا ما خضن تجربة الحمل غير المرغوب فيه.

وعلى الرغم من كل هذه النتائج والحقائق، فإن المناهضين للإجهاض يشيرون إليه على أنه شر من رجس الشيطان والى القائمين عليه على أنهم أشخاص جشعين وغير أخلاقيين، وأخيرًا إلى النساء على أنهن ضحايا هؤلاء المجهضينوحيث أن أصواتهم ترتفع أعلى من أعدادهم، فقد نجحوا في إبقاء الأغلبية صامتة وفي تصوير الإجهاض على أنه من الموضوعات غير المحترمة.

تشعر العديد من الحكومات والمنظمات أنها غير قادرة على مواجهة الانتقادات التي يثيرها الموضوع فهم يخشون مهما كانت المواقف التي يتبنوها أن يثيروا سخط جماهيرهم. صحيح أن الكثير متفقون مع كون الإجهاض غير الشرعي وغير الآمن سبب أساسي في وفيات الأمهات، إلا أنهم مستعدون فقط للدفاع عن وسائل منع الحمل كحل للمشكلة. وبالتالي، ينتهي بهم الأمر إلى مساندة استمرار الإجهاض على وضعه غير الشرعي مهما كانت العواقب سيئة.

يستند المناهضين للإجهاض على أن الدين والتقاليد والقانون إلى جانبهم. إلا أنه لو صح أن الإجهاض مفتاح للصحة الإنجابية للنساء، فمن الضروري التحدث عن أخلاقيات الإجهاض من منظور يتمحور حول النساء. ويذكرنا مقال اينجبورج ريتزلاف استنادًا إلى مبادئ طبية واسعة القبول بأنه من غير الأخلاقي الامتناع عن ممارسة إجراءات طبية قد تنقذ حياة إنسان وتوفر له الحماية الصحية، ويندرج الإجهاض الآمن ضمن تلك الإجراءات. ربما يخشى مناهضو الإجهاض من الاستقلالية التي تحصل عليها النساء حينما يفزن بالحق القانوني في الإجهاض، أو يتطلعون إلى الحد من هذه الاستقلالية. ويشير المقال المذكور أعلاه إلى أن الإجهاض الذي يستم باستعمال مضادات البروجستوجين مثير للجدل لأنه يقربنا أكثر باتجاه وسائل منع الحمل التي يمكن أن تتحكم فيها النساء. كما يرى أن هذه الوسيلة تبشر بيوم تستطيع فيه النساء ممارسة الجنس دون خوف مثلهن في ذلك مثل الرجال، وهو الإمكانية التي يتم حجبها عن معظم النساء اليوم والتي قد تشكل تهديدًا نظرًا للتغيير العميق الذي ستؤدي إليه في أدوار الجنسين.

قد يعتقد آخرون أنه إذا حملت المرأة عليها أن تقبل بل وتبارك الحمل، مهما كانت الظروف. وعلى الرغم من هذا تؤكد دراسة برو موخيرفي بورتوريكو أن العديد من النساء يخضن تجربة الإجهاض بالذات لأنهن يردن أن يكن أمهات مسئولات. وتحتاج هنا للاتفاق حول الفرق ما بين الحمل المرغوب فيه بكل ما يصحبه من سعادة وحماس، والحمل غير المرغوب فيه بكل الرفض واليأس الذي قد ينطوي عليه. كما إننا بحاجة إلى الخوض في كل المناطق الرمادية التي بينهما، والتي تنبع من ظروف حياة النساء بحيث تؤدي لإشكالية في استمرار الحمل بغض النظر عما تريده النساء.

أما باترشيا بيتي جونج، فهي تطالبنا بالتفكير بطريقة مختلفة في أخلاقيات الإجهاض من خلال إعادة بناء رؤيتنا لموضوع الحمل. فهي تؤكد على أن الأمومة غير المقصودة أمر غير أخلاقي رغم أن كثيرًا ما يتم تمجيدها. وهي تطرح مسألة القيمة الأخلاقية للتضحيات التي تقدمها النساء، خاصة فيما يتعلق بالنظر إلى النساء بصفتهن أمهات. كما أنها تطالبنا بالتفكير في عملية وهب الحياة من خلال الحمل على أنها هدية يمكن الامتناع عن تقديمها سواء قبل أو بعد تشكل الجنين.

إلا أن اهتمام المناهضين للإجهاض ينصب على وضع وحماية الجنين أكثر مما يركز على وضع وحماية الأم. فهم كثيرًا ما يحولون الجنين إلى شيء مقدس وينتقصون بذلك من قيمة المرأة التي تحمله، معتبرين أنها مجرد وعاء. إن التعديل الذي أدخل على الدستور الإيرلندي فيما يسمى بـ الحق في الحياة، على سبيل المثال، ينظر إلى حياة المرأة. ويشير مقال جو مورفي إلى أن العديد من الناس لم يفهموا طبيعة التعديل الذي صوتوا عليه قبل ما يقرب من عقد، إلا حينما هددت أحدى الشابات المغتصبات بالانتحار حيث كان القانون المذكور يمنعها من اللجوء إلى الإجهاض.

يذكرنا المناهضون للإجهاض وكأننا لا نعلم ذلك أن الإجهاض يعني قتل الجنين. لكنهم لا يصرحون بأن مرجعيتهم الأخلاقية تستند على الاعتقاد بأن النساء اللاتي يلجأن للإجهاض يستحققن المعاناة أو الموت. كما يعتقد بعض المناهضين للإجهاض في الولايات المتحدة الأمريكية أن من حقهم إحراق الممتلكات وقتل الأطباء الذين يمارسونه. أما أكثر النتائج المترتبة على القوانين والمبادئ المناهضة للإجهاض فهي أن البدائل الوحيدة المتوافرة أمام النساء تتمثل في دفع أسعار باهظة للحصول على إجهاض آمن،والمضاعفات الصحية أو حتى الوفاة بسبب الإجهاض، أو في ممارسة أمومة غير إرادية، أو عرض الأطفال للتبني.

بناء على تجربتها الخاصة، تعتقد ماري جان مارش مقارنة بين أخلاقيات التخلي عن طفل للتبني وأخلاقيات اللجوء إلى الإجهاض. فقد مثل التبني بالنسبة إليها أكثر الخبرات إيلامًا وتدميرًا وإثارة للجدل،هذا على الرغم من التوقعات التي كانت قد مهدتها لها التعاليم الكاثوليكية. أنها تعبر عن رحلة البحث عن النفس التي تمارسها كل النساء للوصول إلى معرفة الذات حينما يواجهن خبرة الحمل واتخاذ القرار. وهي ترى أن كون الإنسان متدنيًا لا يعني بالضرورة مناهضة الإجهاض، ويوافقها في ذلك العديد من المفكرين الدينيين وعلماء اللاهوت. وتؤكد كل من سوزانا بانويل وآخرون أن هناك العديد من المدارس المستمدة من الفكر الإسلامي التي توافق على الإجهاض حتى مراحل معينة من الحمل. وعلى سبيل المثال، هناك بعض ممن يعتقدون أن الحياة الإنسانية على عكس الحياة البيولوجية تبدأ فقط بعد ۱۲۰ يوم من الحمل. وهناك في ذلك ما هو مشترك مع المفهوم المسيحي خلال القرون الماضية حول الركل” (أي بداية حركة الجنين) والذي لا يعتبر إنهاء الحمل قبل هذا الموعد إثما.

وعلى الرغم من أننا لن تتناول وجهة نظر الأديان الأخرى، إلا أنه من الملفت للانتباه أن اللاهوت الكاثوليكي يؤكد على أهمية وعي وإدراك الفرد في اتخاذ القرارات الأخلاقية والي يعتبر الإجهاض أحدها. أن النساء الكاثوليكيات في جميع أنحاء العالم يمارسن الإجهاض ومن بينهن كثيرات يعتبرن أنفسهن متدنيات. كما قد لا يعلم الكثيرون أن اليهودية تعتبر بداية الحياة الإنسانية عندما يظهر رأس الطفل أثناء عملية الولادة وأن صحة وحياة المرأة يحظيان دائمًا بالأولوية. إننا بحاجة إلى مزيد من المعلومات حول هذا الموضوع وحول رؤية الأديان الأخرى والتي ناقشت جميعًا هذه القضايا بتنوع وتعمق كبيرين.

يمثل موضوع الإجهاض الانتقائي إشكالية خاصة حيث يقال أن اختبارات ما قبل الولادة تضفي بعدًا مهمًا للقرارات المتعلقة بالحمل في هذه الحالة. ويرى كثير من الناس أنه من الأسهل تفهم فكرة عدم الرغبة في الحمل على الإطلاق عن عدم الرغبة في الحمل بسبب معلومات معينة خاصة بالجنين. يصف مقال مادو كيشوار الانتشار الواسع لإجهاض أجنة الإناث في الهند وهو ما يمثل مشكلة اجتماعية حقيقية ناتجة عن تدني قيمة البنات والنساء. على أي حال تمتد استنتاجات المقالة إلى كافة حالات الإجهاض، فبينما قد لا نتفق مع الأسباب الخاصة التي تجعل بعض النساء يلجأن إلى الإجهاض، إلا أن ما ينبغي التوجه إليه هو الظروف الاجتماعية والاقتصادية التي تجبر على ذلك وليس إدانة الإجهاض في حد ذاته. قد نتساءل، على سبيل المثال، ما إذا كان الإجهاض بسبب الاغتصاب أو بسبب الفقر أقل انتقائيةمن الإجهاض المبني على أساس جنس الجنين. ويمكن أن نستنتج أن قرار اللجوء إلى الإجهاض هو قرار أخلاقي ومسئول وهو حسب البحوث المتضمنة في العدد، قرار يمكن أن نثق في قدرة النساء على اتخاذه.

حتى يصبح الإجهاض أمنا:

لقد أصبحت تكنولوجيا الإجهاض آمنة للغاية، ويمكن توفير هذه الخدمة في بيئة معقمة بمجرد أن تقرر المرأة أنها لا تستطيع المضي في الحمل. ويرى القائمين على توفير هذه الخدمة أن الإجهاض ليس من شأنه تعريض حياة أو صحة أو خصوبة المرأة للخطر. كما تتوافر التدريبات والوسائل التي يمكن تقديمها مباشرة لأطباء أمراض النساء وللممارسين العاملين وللدايات والممرضات.

وتذكرنا فرانسس كيسلينج أن هذا لا يشكل سوى جزء مما يعنيه الإجهاض الآمن. فلا يمكن الفصل بين الأمان والشرعية حينما يتعلق بالإجهاض. وتشير إلى الأسباب المختلفة التي تجعل الإجهاض غير الشرعي غير آمن في نفس الوقت. فعلى سبيل المثال،الأمان يعني عدم الشعور بالخوف من ارتياد عيادة بسبب أن الشرطة قد تقتحمها في ذلك اليوم بالذات. إن أمان الإجهاض يعني تحويل العملية من سر مشين إلى وسيلة مقبولة اجتماعيًا لتحديد النسل بحيث تصبح خدمة متوافرة علنيًا ويقوم بتقديمها ممارسين أكفاء مدربين تدريبًا جيدًا. ويمكن أن يتم ذلك فقط حينما يصبح الإجهاض شرعيًا. وبالتالي، فإن النضال من أجل الإجهاض الآمنلا يكفي بحد ذاته بل يحتاج في نفس الوقت إلى القيام بحملات من أجل جعله شرعيًا، وهو الأمر الذي بدأت تقوم به بعض المنظمات بالفعل.

ويشكل الوضع في إندونيسيا مثالاً جيدًا على هذا التداخل. إذ يشير مقال جوهان وآخرون إلى أن الحكومة قد أعلنت قبل سنوات قبولها وسيلة منع الحمل من خلال التحكم في الدورة الشهرية. وقد أصبحت هذه الخدمة متوافرة واستفادت منها بعض النساء، إلا أنه بسبب عدم تغير القانون، فقد واجه أطباء أمراض النساء والممارسين العامين والدايات عدد من الصراعات والشكوك. فعند مناقشة الأخصائيات الصحيات أتضح أنهن يشعرن بالتعرض للخطر بسبب عدم وضوح القانون.

ويشير نفس النموذج إلى أن جعل الإجهاض شرعيًا لا يكفي في حد ذاته، حيث ينبغي وضعه موضع الممارسة العملية كما هو الحال بالنسبة لأية سياسات مرتبطة بالخدمات الصحية. وما زالت حياة النساء مهددة بسبب الإجهاض غير الآمن في الهند وزيمبابوي وأقطار أخرى متعددة على الرغم من تغيير القوانين حيث أخفقت هذه البلاد في توفير نوعية جيدة من الخدمات تكون متاحة للجميع وفي متناول يدهم.

أن المشكلة المتعلقة بموضوع الإجهاض غير الشرعي متشابكة ومعقدة. وتشير العديد من الدراسات من البرازيل وإيرلندا وتنزانيا، وإندونيسيا وجزر الفيجي، وجنوب أفريقيا إلى أن تجريم النساء والأطباء قانونًا يفرض إجراء تلك العمليات في ظروف خطرة بل ومخيفة. وبالإضافة إلى ذلك، فإن النساء والأطباء لا يقومون بذلك بمفردهن حيث كثيرًا ما تتخذ النساء هذا القرار مع شريك الحياة ومع آخرين. وتتولد شبكات من المساعدة على إجراء الإجهاض، وتتضمن هذه الشبكات الأطباء والأمهات والأقارب والأصدقاء. ويلجأ بعض الممارسين الطبيين ممن لا يقومون بالإجهاض بأنفسهم إلى إحالة النساء إلى آخرين ويوفرون الحماية لأولئك الذين يمارسون هذه العمليات. كما يقوم الصيادلة والعطارين ببيع وسائل إجهاض لأي شخص يريد أن يبتاعها وهو على غرار المولدين التقليديين والأخصائيين الصحيين غير المدربين يوفرون ما يخفق القطاع الصحي الرسمي عن تقديمه. كما يعم الفساد العديد من المسئولين الرسميين ورجال الشرطة والقضاء. وتشير كل من مريدولا ساناث ونزهات شامين إلى المهازل التي قد تصل إليها بعض الحالات المقدمة أمام المحاكم حيث تتعرض النساء لتعليقات الإعلام الساخنة بينما يتم الإفراج عن الأطباء سواء اعتبروا مذنبين أم لا. تعود معظم القوانين المناهضة للإجهاض إلى القرن التاسع عشر. ومن السخرية أن أغلبية هذه القوانين قد ولدت في أوروبا وتم فرضها على البلاد المستعمرة كجزء من قوانين العقوبات التي لم تعد قائمة اليوم في البلدان ذاتها التي أنتجتها. وهكذا ما زالت النساء في الأقطار الحاصلة التي استقلت تقع تحت نير الاستعمار.

ولكن هل نجحت القوانين المناهضة للإجهاض وإحالة القضايا أمام المحاكم في منع الإجهاض؟ إن الإجابة هي بالإيجاب وبالسلب في نفس الوقت تشير مارجريت اريلها إلى أن كون الإجهاض غير شرعي ويتم في ظروف غير آمنة قد ساهم في البرازيل في إجبار العديد من النساء على الاحتفاظ بحمل غير مرغوب فيه. إلا أن ذلك لا يؤدي إلى جعل هذا الحمل مرغوبًا فيه.

وفي المقابل،هل يزيد تقنين الإجهاض من حدوث حالات الإجهاض؟ الإجابة على ذلك معقدة هي الأخرى. قد يؤدي تقنين الإجهاض إلى تحرير بعض النساء ممن لم يكن قادرات أو مستعدات للإجهاض غير الشرعي، إلا أن هناك عوامل أخرى تؤثر على معدلات الإجهاض ذلك أنه وفقًا لبيانات المستشفيات التي تلخصها لنا اريلها وباربوزا،يبدو أن الانتشار الواسع لدواء سيتوتيك (cytotec) قد رفع من معدلات الإجهاض في البرازيل بينما لم يكن القانون قد تغير. والأهم من ذلك أن التشريعات لا تأتي من فراغ. فالبلاد التي جعلت الإجهاض آمنًا من خلال تقنينه وتوفير نوعية جيدة من وسائل منع الحمل هي التي شهدت انخفاض في معدلات الإجهاض. ويبين مقال راشيل باين من خلال أمثلة هولندا والولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي إن توفير التربية الجنسية للجميع بالتزاوج مع برامج جيدة لتنظيم الأسرة بما في ذلك الإجهاض الآمن والشرعي هي وسائل أفضل حتى يتمكن صانعي السياسات من تحقيق هدف خفض نسب الإجهاض.

إذا كانت القوانين المناهضة للإجهاض تمثل إشكالية فإن تغيير تلك القوانين قد يمثل إشكالية أكبر. وقد يوافق البعض على جعل بعض حالات الإجهاض شرعية، إلا أن موافقتهم تقف عند هذه الحدود. فهناك العديد من التساؤلات التي تثير جدلاً واسعًا ومنها: هل يمكن القبول بوجود فئة تنفرد بالتحكم في متى يمكن أو لا يمكن – إجراء الإجهاض الشرعي ؟ ما الشوط التي يجب توافرها لجعل الإجهاض شرعيًا؟ هل يمكن قبول عمليات الإجهاض بعد الشهر الثالث للحمل؟ ما الحد الأقصى للوقت المقبول قانونًا: أين وبيد من ينبغي أن تتم هذه العمليات؟ هل ينبغي أن تقوم التأمينات الصحية بتغطية تكلفة هذه الخدمات؟ ما الوسائل التي يجب استخدامها لكل مرحلة. إننا نرحب بمزيد من الدراسات في المستقبل تقدم لنا رؤية متنوعة وجديدة حول هذه الموضوعات.

يستند الذين ينشطون من أجل تحرير قوانينهم لجعل الإجهاض آمنا للنساء على عشرات السنوات من التجارب. فحتى في الأقطار التي تغيرت فيها القوانين، هناك العديد من أساليب العرقلة والتأجيل التي وقفت حائلاً أمام النساء. من هذه العقبات الحاجة إلى تدبير الأموال اللازمة أولاً، أو ضرورة السفر إلى أماكن بعيدة، أو الحاجة إلى الحصول على تصريحات متعددة، أو مشقة الوصول إلى من يوافق على تقديم الخدمة،أو التأجيل في إجراءات التحويل الطبي، واخذ مكان احتياطي في قائمة الانتظار. أن عمليات التأجيل التي تحدث في انجلترا وفي ويلز والناتجة عن القصور في تنظيم هذه الخدمة تشكل أمثلة جيدة للأخطاء التي ينبغي تفاديها.

وهناك أيضًا عقبات تنبع من أوضاع النساء أنفسهن. فهناك من يحتجن إلى مزيد من الوقت للتفكير أو حتى ن للتراجع عن قراراتهن. وهناك أخريات لا يدركن أنهن حوامل إلا بعد مرور وقت طويل. كما توجد من يخشين مفاتحة الآخرين في هذا الأمر أو طلب المساعدة. وتشير ن ورقة اريلها وباربوزا إلى أن العديد من النساء قد لا يعون أن الانتظار يضاعف المخاطر حينما يحدث الإجهاض في ظروف السرية. فهل يمكن القول أن هؤلاء النساء ومن بينهن العديد من الشابات أكثر ذنبًا؟ وهل هناك تخوف من أن تكون الأمور مبسطة للغاية أمام النساء؟

آليات التغيير

أينما كان الإجهاض غير آمن،تواجد العديد من أناس الذين بذلوا مجهودات عظيمة للتخفيف والوقاية من مخاطر الإجهاض. فقد وفروا سريًا عمليات إجهاض آمنة،وعالجوا بأحسن ما في وسعهم المضاعفات الناتجة عن عمليات الإجهاض، وساعدوا النساء في الوصول إلى ممارسين لن يتسببوا في وفاتهن، وحاولوا إقناع حكوماتهم بتغيير السياسات والقوانين الجارية.

ولا يمكن حصر عدد النساء والرجال الذين سعوا على مدى أيام وسنوات لا تحصى في بلد تلو الآخر لجعل الإجهاض عملية أكثر أمانًا وأكثر شرعية ولو بدرجة محدودة. في بعض الأحيان نجحوا فقط بعد عقد أو ما يزيد في منع نسبة ضئيلة من الوفيات، أو في إدراج حالة إضافية للاستثناءات التي تتضمنها القوانين المجرمة للإجهاض، أو في استصدار أحكام أكثر إيجابية من المحاكم. لقد حدث التغيير ببطء مؤلم.

حينما أعلنت سيمون دي بوافوار ونساء أخريات شهيرات في فرنسا أنهن قمن سرًا بعمليات إجهاض ساعدن بذلك النساء الأخريات في الحصول على الحق الشرعي في الإجهاض. إلا أننا نتساءل كم من النساء يشرعن اليوم بالقدرة على الإعلان عن ذلك على الملأ، وكم منا خاضت تجربة الإجهاض الآمن والشرعي أو غير ذلك من أشكال الإجهاض؟

لقد ارتفعت أصوات النساء وتكاثرت مسيراتهن، كما أنهن قدمن المطالب ودخلن في مناقشات منطقية. واجهن الإحساس بالذنب والعزلة والخجل الذي يمكن أن تشعر به النساء وساعدن نساء أخريات في السفر إلى أقطار أخرى لتفادي مخاطرة الإجهاض السري في بلدانهن. وقد نجحنت النساء بالتعاون مع الاخصائيي الصحيين المتعاطفين في تطوير خدمات سرية آمنة طبيًا، ظهرت إلى العلن في الوقت المناسب، وعادة ما تم ذلك في إطار حملة أوسع من أجل جعل الإجهاض عملية مقننة. لقد قامت النساء بمساندة نساء أخريات على المستوى الفردي وألقين الضوء على خبرات النساء وعملن على طرح القضايا أمام المحاكم بالتعاون مع رجال القانون والاخصائيين الطبيين المتعاطفين مع قضيتهن وذلك في أغلب الأقطار التي أصبح فيها الإجهاض اليوم آمنًا ومشروعًا.

ويؤكد مقال جو مورفي لوليس بقوة على أن هذه هي الطريقة التي حدث بها التغيير.. أي بقيادة النساء، وأن هذا هو ما يحدث حتى في بلد مثل ايرلندا التي انتشرت فيها لفترة طويلة حالة من اليأس من إمكانيات التغيير، فما الذي يمنع أن يحدث نفس الأمر في مناطق أخرى من العالم؟

ويأتي المؤتمر الدولي للسكان والتنمية في لحظة محورية بالنسبة لمستقبل الإجهاض. فما الذي سوف يحدث في أروقة السلطة؟ أن الحكومات والمنظمات المشاركة في المؤتمر في وضع قوى يسمح لها بالتوصية بالإجهاض الآمن والمقنن كسياسة يتبناها العالم أجمع. فهل سيتم كسر جدار الصمت؟ إن الصحة الإنجابية وحياة أعداد لا تحصى من النساء في كفة الميزان.

تكريمًا لذكرى كل النساء اللاتي انتهت حياتهن نتيجة للإجهاض غير الآمن وغير الشرعي حيث لم يكن أمامهن اختيار آخر.

النصب التذكاري لروزي جيمينيز، الولايات المتحدة،

النصب التذكاري لروزي جيمينيز، الولايات المتحدة، ۱۹۹۱

في ذكرى كل النساء اللاتي انتهت حياتهن بسبب الإجهاض السري غير الآمن.. حيث لم يكن أمامهن خيار آخر

 

*العدد2- نوفمبر 1993 من ص 5- ص 10.

شارك:

اصدارات متعلقة

الحصاد - عامان على الخلع " دراسة تحليلية "
دليل تدريبي " العنف ضد النساء "
فتحي نجيب والحركة النسائية المصرية وحقوق الانسان
ممنوع على الستات
ماما تحت الأنقاض
تشويه مش طهارة
العمالة المنزلية : استغلال جنسي تحت نظام الكفالة
المرآة لم تحررني، بل زادتني بوعي وثقل تاريخي كأنثي