زهرة

اعداد بواسطة:

زهرة

كلما قدت سيارتي يراودني خاطر، أغذيه حتى يلهيني عن الواقع المرير الذي يحيط بأي سائق أو مار في شوارع قاهرة المعز. وحينما أصل إلى مقصدي يتلاشى الخاطر شيئًا فشيئًا أمام أثقال الواقع وهمومه. قد يكون الخاطر حلمًا، أو ملاحظة عابرة على الطريق، أو كابوسًا أجتره أو قضية تستدعي الانتباه والتدخل: وفي كل الأحوال يبقى معي هذا الخاطر طوال الطريق.

منذ عدد قليل من السنوات لاحظت تزايد ظاهرة بنات ونساء الشوارع. أراهن في إشارات المرور وتحت الكباري العلوية، بعضهن في بداية المراهقة يحملن على أكتافهن طفلاً رضيعًا، البعض الآخر مسنات لا يكدن يقفن على الأقدام، يضطررن إلى الجلوس على حافة أي رصيف لالتقاط الأنفاس، وهناك هذه الطفلة الجميلة التي أراها يوميًا في طريق عودتي إلى المنزل، بداخلي أسميها زهرة، ملامحها دقيقة، جسدها قليل، في الشتاء تحمل المناديل الورقية وفي الصيف تحمل عناقيد الفل والياسمين التي لم تتحل بها أبدًا. أخاف عليها من أي من قائدي السيارات المتهورين الذين أصبحوا يحصدون أرواح المواطنين المصريين بمعدلات تكاد تدخل في موسوعة جينيس“.

ترى ما الذي دفع بهؤلاء الفتيات إلى الشوارع؟ ومنذ متى ارتضت الأسر المصرية المتشبعة بالقيم الذكورية والأبوية التي تدعى حمايةالبنات فقامت تقليديًا بإخفائهن خلف جدران وأسوار المنازل أن تكون البنت في الشارع؟

إنه – بلا شك الفقر المدقع الذي تعيش فيه نسبة مهمة من سكان مصر أو أن هؤلاء الأطفال بدون هوية يعترف بها المجتمع لأنهم أولاد حرامولكنهم في كل الأحوال لم يولدوا وقد اختاروا مسبقًا الحياة في الشارع.

وفي ظل تراجع توافر الخدمات المجانية أمام هذه الفئات، لم يعد هناك مجال لترف إرسال أطفال الفقراء إلى المدارس، بل لم تعد هناك إمكانية لإطعامهم، أصبح عليهم حتمًا العمل، أو التسول أو بيع مناديل الورق وعناقيد الفل، أو ممارسة ما يسمى بالرذيلة.

وأتساءل: إلى متى ستظل الابتسامة على وجه زهرة، وإلى متى سيظل وجهها وجه طفلة بريئة؟ غدًا أو بعد غد. ستصدمها سيارة، أو يغتصبها أحد الذئاب البشرية، أو تقبض عليها الشرطة وتودعها في مكان لن تكون فيه بمأمن من كل هذه المخاطر، أو تجد نفسها حاملاً لطفل لا تريده، سيصبح بدوره طفلاً من أطفال الشوارع.

إلى زهرة وكل الزهرات أهدي هذا العمود.

شارك:

اصدارات متعلقة

الحصاد - عامان على الخلع " دراسة تحليلية "
دليل تدريبي " العنف ضد النساء "
فتحي نجيب والحركة النسائية المصرية وحقوق الانسان
ممنوع على الستات
ماما تحت الأنقاض
تشويه مش طهارة
العمالة المنزلية : استغلال جنسي تحت نظام الكفالة
المرآة لم تحررني، بل زادتني بوعي وثقل تاريخي كأنثي