شهادات على ما حدث

اعداد بواسطة:

شهادات على ما حدث

استوقفت حالة القوة التي تلبستها وهي تعلن قرارها:”خلاص يا أبلة أنا رحت للمحامى علشان أخلعه واخلص منه“.

اندهشت من هذا الإصرار والثقة في اتخاذ القرار وإعلانه، وقبل أن أتحدث عن القرار وإعلانه لابد أن أعرفكم أولاً بصحابته. هي امرأة في الثلاثين من عمرها اسمها أحلام وليس لها أي نصيب من اسمها فقد أتت نازحة من قريتها البعيدة منذ سنوات لا تعرف عددهاكنت عيلة ماسكة أنا وأخوينا في ديل أميضاقت الحياة بهم بعد أنهجالأب واختفى أثره, جاءوا بحثًا عن لقمة العيش في المدينة الواسعة عملاً بنصيحة الخالة المقيمة في واحدة من عشوائياتها ودارت الأيام بهم تماماً مثل أيام غيرهم، هي وأمها عملتا خادمتين في بيوت المنطقة الراقية القريبة من المنطقة العشوائية والأخ عمل كل شيء وأى شيء.

ولما جاء سن الزواج تزوجت أحلام من زوجها الأول الذي عاشت معه عشر سنوات ولم ينجبا ومات في حادث طريق, بعده تزوجت زوجها الثاني الذي قررت أن تخلعه ولم تنجب منه أيضًا وتحكي القصة التي بدأت بالزواج وانتهت بالخلعفتقول: هو راجل أرزقي يشتغل يوم ويبطل يوم اتجوزته في الأوضة اللى أنا ساكنة فيها لوحدى بعد ما ماتت أمي وأخويا هج ولا طفش وما نعرفش عنه حاجة، وبعد شهر من الجواز شاف إن أنا بشتغل كل يوم وبجيب قرش, بس بجيبه بشقايا وصحتي اللي ضاعت في الخدمة في البيوت لاقيته بلط في الخط وبطل ينزل يشتغل, وسابنى أصرف عليه وعلى مزاجه أصله كان بيتعاطى هباب بانجو, ولما وقفت له ضربنى مرة واتنين وعشرة كل يوم بيضربني، وآخرتها عايزني أغير له عقد إيجار الأوضة باسمه ولما رفضت ضربني على عينى بالقلم وبوظهالي خالص ومحتاجة علاج، رحت عملت له محضر في القسم وأخذت تعهد عليه ما يقربش منى وخلاص بعد عيني ما راحت أنا هاخلعه أنا لا عايزة منه أبيض ولا أسود.

ولا نفقة ولا مؤخر يغور ده الخلع ده نعمة ما ينفعش مع الراجل المفترى غيره.”

التيقتأحلامفي بيت واحدة من صديقاتي التي تساعدها في الأعمال المنزلية وتأملت قوتها وهى تقول:”طول ما الواحدة بتشتغل وتجيب قرش ما حدش يقدر يزلهاولأنهامستغنيةكما قالت فقضية الخلع التي رفعتها على زوجها سوف تحررها منه، رغم أنها لا تعرف كم الجهد الذي بذلته نساء ورجال ومنظمات حتى تحصل أحلام على حقها في الخلع لكن قصة أحلام استدعت قصة أم سهام وهي قصة أخرى.

فتح دماغها

أم سهام هي السيدة التي تساعدني في أعمال البيت لا تخلف موعدها معى كل يوم جمعة، وفي يوم جمعة لم تأت أم سهام وانتظرتها وحتى اقترب النهار على الانتصاف سمعت دقات ضعيفة على باب بيتي, فتحت فوجدت طفلة صغيرة لم تصل يدها إلى جرس الباب قالت لي:”أنا سهام بنت أم سهام أمي مش هتقدر تيجى لك النهاردة أصل أبويا ضربها وفتح لها دماغها نزلت دم كتير قوى غرق وشها وهدومها“.

ألقت بي سهام في دوامة الأسى والغضب والعجز، نعم العجز فلست قادرة على فعل شيء حتى أمحو ذكرى الدم المتساقط على وجه وملابس الأم من ذاكرة سهام, ولست قادرة على تضميد جراح الروح والبدن في نفس الطفلة والأم معًا.

وجاءت أم سهام في موعدها التالي ألقت بی ودون أن أسألها حكت ما حدث:”والله ما عملت له حاجة كان قايم من النوم حاوي شر وبيدور على النكد بأبرة ساعة شيطان حلت على البيت كله ومهديش إلا لما فش غله وضربنى ياللا ساعة شيطان وراحت لحالها.

حاولت أن أنقى كلماتي لأحملها سؤالي لماذا تقبلين هذه الإهانة والعنف، لم استخدم هذه المفردات بالطبع، فقالتيعنى أعمل أيه أروح فين بالبنت وأخوها واللي في بطني وأنا كمان شهر وأولد وأقعد من الشغل لو نشفت دماغی ما هو ممكن يطردنا من المطرح تقصد الشقة اللى بتأوينا، وأروح فين أنا والعيال أروح اتكوم مع أخويا وعياله ومراته وأمى وأزاحمهم وهمه كوم لحم عايشين في شقة أوضتين في مساكن الزلزال لو استحملوني مش هيستحملوا عيالي، ولو استحملوني النهاردة مش هيستحملوني بكرة، والبنى آدم مننا تقيل ياللا أهى عيشة وحيطان ساترانا“.

تركتنى وبدأت عملها ولكنها ألقت بالواقع الذي نعرفه الواقع المترابط.. العنف واقع والقهر واقع والفقر واقع, واقع مرير فهل نحمل هذا الواقع معنا ونطالب بضمانات وشروط تحمى من العنف أولاً أم من الفقر أولاً أم من كليهما معا؟

هل منطقياً أن تستدعى قصة أحلام وأم سهام واقعة الطلاق التي حدثت في صعيد مصر منذ أيام والتي جاءت في الصحف كخبر طريف أو نكتة فقد نشرت الصحف أن سيدة في العقد الثالث من عمرها أصيبت بإنفلونزا الخنازير وانتقلت إلى المستشفى لتلقى العلاج وبعد شفائها وخروجها من المستشفى فوجئت بأن زوجها قام بتطليقها خوفًا على نفسه من العدوى.

وهل نستدعى لنضع أمامكم عدد القضايا التي نظرت أمام المحاكم فيما اسمى بتزويج القاصرات في عدد من قرى دلتا مصر.

نعرف أنه ومنذ قادت الرائدة هدى شعراوى النضال في الربع الأول من القرن الماضي وحتى منتصفه من أجل رفع الحد الأدنى لسن الزواج إلى ستة عشر عامًا، وبعد أكثر من نصف قرن, وبنضالات طويلة وشاقة قامت بها منظمات المجتمع المدني وفي القلب منها المنظمات النسوية تم رفع الحد الأدنى لسن الزواج إلى ثمانية عشر عاماً ومع ذلك ما تم الكشف عنه في تزويج القاصرات تجاوز الثلثمائة حالة نؤكد أن هذا ما تم الكشف عنه.

والخطير في القضية أن العقوبات ليست رادعة سواء لأولى الأمر أو للمأذون.

ومؤخرًا تم الإفراج وتبرئة المأذونين المتهمين بتزويج قاصرات ليست القضية مجرد تزویج قاصرات بل إنها تتخطى ذلك لمعنى الإتجار الجنسى بالفتيات القاصرات، ففى واحدة من قرى محافظات الصعيد تم تزويج فتاة خلال شهور الصيف لرجال عرب أربع مرات بل الفتاة نفسها والتي لم يتجاوز عمرها الثمانية عشر عامًا تزوجت ثماني عشر مرة.

إنها مجرد نماذج لحالات سوف يحملها معهم المتوجهين بتقاريرهم إلى الخارج والذين يعملون في حدود الوطن من أجل إلغاء كافة أشكال التمييز.

 

شارك:

اصدارات متعلقة

الحصاد - عامان على الخلع " دراسة تحليلية "
دليل تدريبي " العنف ضد النساء "
فتحي نجيب والحركة النسائية المصرية وحقوق الانسان
ممنوع على الستات
ماما تحت الأنقاض
تشويه مش طهارة
العمالة المنزلية : استغلال جنسي تحت نظام الكفالة
المرآة لم تحررني، بل زادتني بوعي وثقل تاريخي كأنثي