صورة النساء في لغة الإعلانات: رؤية نسوية

تاريخ النشر:

2003

اعداد بواسطة:

صورة النساء في لغة الإعلانات: رؤية نسوية

تلعب لغة الإعلانات دوراً كبيراً في تشكيل مفاهيم وقيم مجتمعاتها؛ أي بمعنى آخر أنها تساهم في نشر أيديولوجيات محددة، ومنها نظرة المجتمع للمرأة، حيث يعمل الخطاب الإعلاني على إبراز فكرة تقسيم الأدوار التقليدية بين المرأة والرجل مما يؤدى إلى تدعيم النظرة الشائعة لكل من الرجل والمرأة. لذلك فإن هذه الدراسة محاولة لكشف المفاهيم الاجتماعية المتضمنة من خلال لغة الإعلانات. ولذلك فإن نظرة أشمل لهذا الموضوع توضح العلاقة المتداخلة بين الخطاب اللغوى والثقافة بوجه عام.

ولتحقيق هذا الهدف، تعرض هذه الدراسة لمجموعة من الإعلانات التي نشرت في مجلات وجرائد مصرية، بالإضافة إلى مجموعة أخرى نشرت في مجلات أمريكية في الفترة ما بين 1999 -2000 ؛ لإبراز مدى اتفاق أو اختلاف نظرة مجتمعات مختلفة للمرأة.

إن الافتراض الذي بنيت عليه الدراسة هو أن أي نص لغوى يحتوى على أيديولوجية الكاتب، وبذلك ينقل رسالة إلى المتلقى التي قد تؤثر في عامة الناس بشكل لا شعوری، وبذلك تصبح النصوص اللغوية أيًا كانت صورة من صور مراكز قوى تسيطر على عقول البشر، هذا ما تحاول كشفه دراسات علم اللغة النسوى، التي تحاول إلقاء الضوء على عدم المساواة بين الرجل والمرأة والتحيز والتفرقة بناء على النوع؛ فهذه الدراسة تركز على كيفية تصوير المرأة من خلال اللغة.

يظهر تصوير المرأة من خلال اللغة في كل أشكال الخطاب، وأحدها لغة الإعلانات التي أصبحت من الصور اللغوية الشائعة في المجتمعات الحديثة. فيتعمد كاتبو الإعلانات استخدام مفردات وتركيبات لغوية لتصوير المرأة بصورة غير إيجابية، تساعد على تثبيت مفاهيم بعينها، ويتم هذا الاستخدام بشكل غير مباشر لتصبح سلاحاً أكثر تأثيراً.

وتقوم هذه الدراسة بتحليل لغوى لبعض الإعلانات المنشورة في جرائد ومجلات مصرية بالإضافة إلى مجموعة أخرى منشورة في مجلات أمريكية. وقد تم تقسيم الإعلانات تبعاً للمنتج المعلن عنه. فالمجموعة الأولى خاصة بالخدمات المتصلة بعالم الأعمال، والمجموعة الثانية تختص بالسيارات، والمجموعة الثالثة تعلن عن خدمات مرتبطة بالإجازات والترفيه، أما المجموعة الأخيرة فخاصة بالتليفونات، ومن الملاحظ أن هذه المجموعات لا تعلن عن منتجات خاصة بالرجال فقط أو النساء فقط، وإنما الإعلانات خاصة بمنتجات من المفترض أنها تصلح للجنسين، ولذلك تبدو محايدة مما يجعل الإعلانات ذات تأثير أقوى.

تتضمن إعلانات المجموعة الأولى 21 إعلاناً منشوراً بالجرائد والمجلات المصرية بالإضافة إلى 22 إعلاناً بالمجلات الأمريكية. وتروج هذه الإعلانات للخدمات المرتبطة بالمال والتجارة مثل البنوك، والمؤسسات الصناعية والمالية، ومجلات خاصة بمجال الاستثمار، بالإضافة إلى معاهد أكاديمية لعلوم الإدارة والأعمال. وتكشف هذه الإعلانات عن نظرة المجتمع للمرأة من خلال أساليب لغوية كاختيار المفردات اللفظية، وإيحاءات الألفاظ، بالإضافة إلى التمازج بين النص اللغوى والصورة المصاحبة لذلك النص.

تتضمن الإعلانات الخاصة بتوفير خدمات لرجال الإعمال مفردات لغوية تتصل كلها بالنجاح والابتكار والقوة والذكاء والتكنولوجيا الحديثة. تأخذ هذه المفردات اللفظية أشكالاً نحوية مختلفة، مثل: الفعل والصفة والإسم. تستخدم أفعال مثل:”يدير، يبنى، نبتكر، يفكر، يتفوق، يساعد“. وتوضح هذه الأفعال أن من ينتمى إلى عالم الأعمال لديه الحق والقدرة على التخطيط والتفكير والإرادة لتحقيق الأهداف.

أما الصفات التي تستخدم لوصف من ينتمي إلى هذا العالم، فهي:”ناجح، عملی، أفضل، فعال، مبتكر، الأذكى، قوی“. وكلها صفات توحى بالحرفية والنجاح والعملية والابتكار والقوة. ويوحي استخدامها في هذا المجال بأن هذه الخصائص مقصورة على من ينتمى إلى هذا العالم.

كذلك تستخدم أسماء، مثل:”تحمل المسئولية، النجاح، الذكاء، الكفاءة، المستقبل“. نجد أن استخدام لفظمستقبليوحي بأن هذا هدف كل من يعمل في هذا المجال. ويمكن تفسير استخدام أفعال وصفات وأسماء تحمل جميعًا الإيحاءات الإيجابية نفسها لوصف من ينتمى إلى هذا العالم على أنه محاولة من كتاب الإعلانات لتأكيد وتثبيت هذه المفاهيم.

بالإضافة إلى ذلك، تستخدم مجموعة ألفاظ أخرى تظهر العقبات في هذا المجال، مثل:”التحديات، المشاكل، المنافسة، المشكلة، محيط، وغيرها لإبراز طبيعة التحديات والمشاكل التي تقابل كل من يعمل بهذا المجال، تؤكد الصفات الإيجابية التي سبق الإشارة إليها من قوة وتحمل مسئولية وذكاء وكفاءة.

لذلك فإن المزج بين مجموعة الألفاظ التي توحي بصعوبة المجال، والمجموعة الأخرى التي توحي بقدرات من يعمل بهذا المجال هي تأكيد وتثبيت لقدرات من يعمل بهذا المجال نتيجة ذلك النجاح وتحقيق الأهداف الخاصة بالمستقبل. وبالإضافة إلى استخدام مفردات لغوية تشير إلى إيحاءات إيجابية، تكثر هذه الإعلانات من استخدام ألفاظ توحى بالقوة والتحكم مثل:”تحكم، قوة نفوذ، قوی، قائد، قيادة، كأنما هذه الألفاظ تشير إلى أن القوة والنفوذ في يد من ينتمي إلى هذا العالم.

بعد الإشارة إلى الخصائص التي تميز سكان عالم الأعمال، يجئ الدور على تحديد القارئ المقصود بتلك الإعلانات أي تحديد من ينتمى إلى هذا العالم. ويتم تحديد ذلك عن طريق استخدام الضمائر والتمازج بين النص اللغوى والصور المصاحب له، فتستخدم معظم الإعلانات ضمير المخاطبأنتللإشارة للرجال فقط. لم يستخدم هذا الضمير للإشارة إلى كل من الرجل والمرأة إلا في 6 إعلانات (3 مصرية، 3 أمريكية) من مجموع 43 إعلاناً، وما يحدد استخدام ضمير المخاطب هو الصورة المصاحبة للإعلان.

إذا نظرنا إلى الصور المصاحبة لهذه الإعلانات سواء المصرية أو الأمريكية، نجد أنها في غالبية الأحيان تقتصر على الرجال فقط كأنما هذا العالم الذي يحتاج إلى قوة تحمل لتخطي الصعاب، ويحتاج إلى قدرات ذهنية ونفسية عالية لتحقيق النجاح يقتصر على الرجال؛ حيث تبدو هذه الصفات خاصة بهم فقط. وبالتالي تعمل هذه الصور على تأكيد الصورة الإيجابية للرجل التي تشير إليها هذه الإعلانات، كما سيتضح من الأمثلة التالية. تبرز أحد الإعلانات المصرية التي تعلن عن شركة هندسية صورةأبو الهول، الذي يرمز إلى الحضارة. تربط الصورة بينأبو الهولوالشركة، وكل من يمثلها في الإعلان رجال، كأنما يشير الإعلان إلى أن الرجال فقط هم القادرون على إنشاء وخلق حضارة جديدة.

إعلان آخر عن إحدى شركات التكنولوجيا الحديثة يظهر صورة رجل يمشى على أوراق مليئة بالأرقام تشبه حسابات البنوك. وتوحى هذه الصورة بأن الرجل منغمس في عالم الأعمال والمال، كأنما هو جزء لا يتجزأ من هذا العالم. كما يروج أحد الإعلانات الأمريكية إلى درجة علمية في الإدارة تمنح بواسطة معهد أكاديمي في سويسرا. يتحدث في هذا الإعلان كدليل على سمعة ومصداقية المعهد رجلان يمثلان رجال الأعمال الناجحين الذين درسوا في هذا المعهد. واختيار رجال فقط لتمثيل دارسي المعهد في الإعلان يوحي بأن الرجال هم فقط القادرون على النجاح في هذا المجال.

ويتحدث إعلان أمريكي آخر عن إنشاء مؤسسة عالمية بالهند، وتمثل الصورة المصاحبة للإعلان رجلاً هنديًا. والصورة توحي بالغموض، فهذا الرجل قد يكون ممثلاً للشركة التي تقدم المساعدة أو ممثلاً للناس الذين يحتاجون للمساعدة. وفي كل الأحوال.. فإن أيديولوجية كاتب الإعلان لا تتغير، إنه عالم رجال فقط. فمن الطبيعي، كما يوحى الإعلان، أن يكون الرجل هو من يقدم المساعدة كما أنه هو الذي يحتاج إلى المساعدة. أما غياب المرأة فيشير إلى أنها الاستثناء وليس القاعدة.

نتيجة لاستخدام ضمير المخاطب للإشارة إلى الرجل فقط واستخدام الصور المصاحبة للنص اللغوى للتركيز على حضور الرجل في هذا العالم وغياب المرأة، فإنه من المتوقع أن استخدام ضمير المتكلم الجمع الذي يعود على المتكلم والمتلقى يشير إلى أن المتكلم، كاتبو هذه الإعلانات، كجزء من هذا العالم هم رجال فقط. وبذلك يتأكد أن الرجال فقط هم من يسيطرون على وسائل الاتصال، وبذلك يمتلكون وسائل النفوذ في المجتمع.

وبالإضافة إلى ذلك، يتم استخدام اللفظ المباشررجل أعمالبكثرة في الإعلانات المصرية والأمريكية، دون استخدام اللفظ المقابلسيدة أعمال“. كما أنه يلاحظ عند استخدام الجمع في الإعلانات المصرية أنه يقتصر على جمع المذكر السالمالمستثمرون“.

وقد أكد هذه النظرة إعلانان نشرا بمجلة أمريكية؛ حيث يتحدث كلاهما عن مجلة متخصصة في الشئون المالية والاقتصادية: يعلن أحدهما عن عدد عادي من هذه المجلة بينما يعلن الآخر عن عدد خاص بالمرأة. فمجرد تخصيص عدد خاص للمرأة في هذا المجال يعتبر تمييزاً مبنيًا على النوع؛ لأن الإعلان يمثل النساء كمجموعة مستقلة وليس كجزء من نسيج عالم الأعمال. كذلك تم تأكيد التفرقة من خلال استخدام المفردات اللغوية، فالإعلان الذي يتحدث عن الرجال يستخدم لفظأفكار، بينما الإعلان الآخر الذي يشير إلى المرأة يستخدم لفظعاطفة، واستخدام ألفاظ مختلفة للإشارة إلى الرجال والنساء يستند بالطبع إلى هذه النظرة، التي تدعو إلى عدم المساواة بين الرجل والمرأة وتدعو إلى التمييز بينهما.

كما ذكر سالفاً.. فإن عددًا محدودًا من هذه الإعلانات (6 إعلانات) يشير إلى وجود المرأة في عالم الأعمال؛ حيث يبرز أحد الإعلانات المصرية التي تتحدث عن أحد البنوك صورة لرجل وامرأة ينظران إلى جهاز حاسب آلي، كأنما يتحدثان في شئون العمل، والصورة تؤكد مشاركتهما في العمل نفسه بالإضافة إلى الإيحاء بالمساواة. كما يتضمن إعلان آخر صورة اجتماع عمل / حيث يتحلق المشاركون حول جهاز حاسب آلي ويناقشون بعض المستندات وأعضاء الاجتماع هم ثلاثة رجال وامرأة، وتمثيل المرأة في هذا الاجتماع كرمز لعالم الأعمال حتى ولو بصورة محددة، حيث تمثل الأقلية، يعد خطوة إيجابية على طريق المساواة بين الرجال والنساء.

أما في الجانب الأمريكي، فيروج إعلان أمريكي لمدرسة إدارة في هولندا، ويبرز الإعلان صورة الدارسين حيث تشتمل على الجنسين معاً، كما يصور إعلان أمريكي آخر عن أحد البنوك مجموعة أشخاص من الجنسين، يمسكون بأيدي بعضهم البعض مما يوحى بالمشاركة والمساواة.

ومن الصحيح أن تلك الإعلانات التي تشير إلى المساواة والمشاركة بين الرجل والمرأة مازالت قليلة العدد، وقد يكون تأثيرها محدوداً، ولكنها تمثل بصيصًا من الضوء؛ حيث تمهد الطريق لتغيير بعض المعتقدات والمفاهيم الخاصة بدور المرأة في المجتمع.

و نأتى الآن للمجموعة التالية الخاصة بإعلانات السيارات، وتشمل عشرة إعلانات: 6 إعلانات مصرية و 4 أمريكية، وتعرض هذه الإعلانات لكافة أنواع السيارات. فإذا تأملنا هذه المجموعة نجد أنها تركز على الصورة أكثر من النص اللغوى، الذي قد يكون مجرد جملة واحدة. ومع ذلك فإن المفردات اللغوية المستخدمة بالإضافة إلى الصورة تبرز نظرة المجتمع للمرأة، ومن الملاحظ أن المفردات اللغوية التي تشير إلى خصائص السيارة تتحدث عن الاحتراف والأداء والابتكار والتميز والذكاء، مستخدمة مفردات لغوية، مثل:”الأداء، الاحتراف، التقنية، الأمان، البحث، تكنولوجيا السيارة“. وتظهر صورة الإعلانات هذه الصفات والخصائص التي تتميز باستخدام تقنيات التكنولوجيا كصفات أساسية خاصة بالرجال فقط.

والمفردات اللفظية التي تستخدم لوصف السيارات تحمل إيحاءات إيجابية، كما يتضح الأمثلة التاليةإيداع، عملى ومتميز، الأفضل، ابتكار، اختيار، وكلها صفات توحي بأنها خصائص خاصة بالسيارات ومستخدميها الرجال. وبالتالي فهذه المجموعة من الإعلانات، بالإضافة إلى المجموعة السابقة، تشير إلى أن الرجال يتميزون بقدرات عقلية ومهارات عملية تساعدهم على الإبداع والابتكار. ويشير استخدام لفظاختيارإلى أن حق الاختيار واتخاذ القرار حق مكتسب للرجال فقط.

كما نجد أيضًا أن الإعلانات تظهر الرجل دائمًا في مقعد القيادة للإيحاء بأن القيادة نشاط خاص بالرجال، وأن مقعد القيادة مكان مخصص للرجال فقط. كما أن القيادة ترمز إلى القدرة على التحكم، وهذه إحدى خصائص الرجال كما توحي هذه الإعلانات، وكما تشير نظرة المجتمع سواء المصرى أو الأمريكي. كما أن هذه الإعلانات تستخدم مجموعة أخرى من المفردات اللفظية، التي تشير إلى المرأة أو علاقتها بالرجل مثلعشاق، الجميلة، جمال، يحب“.

ويشير أحد هذه الإعلانات إلى السيارة على أنهاجميلة، وتلك صفة نسائية، كما أن اسم السيارةجولييتليعطي الانطباع بأن علاقة الرجل بالسيارة مثل علاقته بالمرأة. أما النساء في تلك الإعلانات فيظهرن مثلهن مثل السيارة، كإحدى وسائل المتعة والرفاهية المتاحة لرجال الإعلانات.

ومما يؤكد ما سبق قوله عن أيديولوجية إعلانات السيارات، كما في المجموعة السابقة، امتزاج الصور بالنص اللغوى، فعلى الرغم من ظهور فتيات ونساء في بعض الإعلانات، فإن وجودهن لا يلغى النظرة السائدة عن وضع المرأة بل على العكس يؤكدها. فأحد الإعلانات المصرية يقدم صورة لفتاة صغيرة بالإضافة إلى السيارة.. تقول الفتاةأنا عرفت قد إيه بابا بيحبني وبيخاف علىّ لما اشترالنا أول استرا“. ويؤكد استخدام لفظباباأن اتخاذ قرار مثل شراء سيارة للأسرة هو قرار الرجل، فالرجل هو وحده القادر على اتخاذ القرار السليم.

إعلان مصرى آخر يظهر سيدة تتحدث عن اختيار الرجل، عند شراء السيارةاراك تقتني ليجانزا، أراك عاشقًا للتصميم المتميز“. استخدام لفظعاشقًاللمذكر يؤكد أن الرجل هو المقصود باستخدام السيارة وقيادتها، كما توحى بالمقارنة بين السيارة والمرأة حيث إن الرجل يعشق كلاهما.

أما الإعلانات الأمريكية فيبرز أحدها مجموعة من الأشخاص، رجال، ونساء، ولكن في كل الأحوال الرجل في مقعد القيادة والمرأة بجانبه. وبذلك يؤكد الإعلان وجهة النظر التي تجعل من قيادة السيارة نشاطاً رجاليًا، وأن مقعد القيادة بكل ما يرمز إليه من تحكم ونفوذ هو مكان مخصص للرجل فقط.

أما المجموعة الثالثة فهي الإعلانات الخاصة بالإجازات، مثل: الخدمات المقدمة من الفنادق والمنتجعات وشركات الطيران وشركات السياحة. وتعرض هذه الدراسة لـ 32 إعلانًا عن هذه الخدمات (16 إعلاناً مصرياً، 16 إعلاناً أمريكيًا). وعلى الرغم من أن هذه الخدمات مرتبطة بالإجازات، إلا أنها يمكن أن تقدم أيضًا خدماتلرجال الأعمالمثل توفير قاعات مؤتمرات بالفنادق. لذلك نجد أن هذه الإعلانات تقدم مجموعتين متضادتين، كل منهما يستخدم مفردات لغوية تختلف عن الأخرى. فالإعلانات التي تمثل المجموعة الأولى تختص بالراحة والإجازة، لذلك فإنها تستخدم مفردات لغوية، مثل:”ترفيهية، راحة البال، الأوقات الممتعة، الإجازة، استمتاع، الحفلات، المهرجانات، الرقص، بالإضافة إلى استخدام ألفاظ مرتبطة بأماكن الترفيه مثلحمام السباحة، المطاعم، الشاطئ، الديسكوتيك، النادي الاجتماعي، وهي ألفاظ ترسم صورة كاملة لأماكن الترفيه وكيفية الاستمتاع.

وفي هذه المجموعة، نجد أن الإعلانات تشتمل على صور المرأة. وبذلك توحى الإعلانات أن لديه الوقت الكافي للراحة والإجازات هي المرأة التي تستمتع بحياة الرفاهية والكسل. وتعتبر هذه المجموعة هي المجموعة الأساسية التي تظهر فيها المرأة بكثرة. أما تركيز المجموعة الأخرى فهو على الخدمات التي تقدم لرجال الأعمال مستخدمة مجموعة من الألفاظ مثلالعمل، الحاسب الآلي، القوة، وهي ترسم صورة لجدية العمل وازدحام الوقت، وتقدم صورة رجال يركزون على أعمالهم. ومن الواضح أن اختيار تلك الألفاظ التي تثبت الفرق بين العالمين عالم الترفيه والإجازة وعالم الأعمال تعمل على تثبيت الفرق بين الرجال والنساء، كما يتضح من استخدام المفردات اللغوية التي تشير إلى كل منهما.

أما الإعلانات الأمريكية التي تروج لأحد الفنادق والمنتجعات، فتستخدم لفظاسترخىعند الإشارة إلى النساء، ولفظفكر وأفكارعند الإشارة للرجال. واختيار مثل تلك الألفاظ يظهر كيف أن الرجل دائمًا كائن ذو قدرات عقلية، بينما خلقت المرأة فقط للاستمتاع.

ويروج إعلان أمريكي آخر لإحدى جزر سنغافورة، ويستخدم لفظجمال، إحدى الخصائص التي ترتبط دائمًا بالمرأة لوصف الجزيرة. وبذلك نجد أن الجزيرة التي توفر المتعة ترتبط بالمرأة، كأنما هي مجرد كائن جميل خلق لمتعة الرجل. ويستخدم إعلان أمريكي آخر عن إحدى شركات الطيران لفظحلم، الذي يتكرر كثيرًا خلال الإعلان. ترتبط فكرة الحلم دائمًا بعالم خيالي وليس الواقع بل إنها ترتبط أيضًا بالأساطير، أحد الألفاظ المذكورة في الإعلان، وإحدى العبارات التي ترد في الإعلان هيأحلامك لا تنته عندما تستيقظين“. هذه العبارة تؤكد أن هذه الأحلام لا ترتبط فقط بفترات النوم، ولكن تمثل اتجاهًا في الحياة سواء في النوم والاستيقاظ. وكما هو متوقع فإن الصورة المصاحبة للإعلان هي صورة لامرأة نائمة كأنما يقول الإعلان أن النساء هن من يقضين حياتهن في عالم خيالي. وهكذا، نجد أن الإعلانات تربط النساء بالترفيه والاستمتاع بمباهج الحياة، على عكس الرجال الذين يمثلون الرغبة في العمل وبذل الجهد.

إن جميع هذه الإعلانات سواء المرتبطة بالإجازات أو الخدمات المرتبطة بالأعمال تستخدم ضمير المخاطبأنتللإشارة إلى الرجل فقط، كما ذكر سالفاً عند الإشارة إلى الإعلانات الأخرى. وعلى الرغم من وجود نساء في الصور المصاحبة للنص اللغوى مع الرجال، فإن المخاطب دائماً هو الرجل كما يتضح من النص اللغوى. ويتضح ذلك بصورة أكبر في الإعلانات المصرية التي تستخدم جمع المذكر السالم مثلندعوكم، وإذا قيل أن جمع المذكر السالم قد يستخدم للإشارة إلى الجنسين الرجل والمرأة، فإن هذا في حد ذاته يؤكد أن الرجل هو المقياس لكل شيء، وأن المرأة مجرد خروج على طبيعة الأشياء.

أما بالنسبة لاستخدام ضمير المتكلم، الذي يعود على كاتبي الإعلانات.. فإنه بالتبعية كما ذكر سابقاً يوحي بأن المتكلم رجل إذا كان المخاطب رجلاً. وهذا التحليل يؤكد أن الرجال هم المتحكمون في وسائل النفوذ الاجتماعي. فحتى في المجموعة الأولى التي تركز على الترفيه توجه الحديث دائماً إلى الرجل، على الرغم من أن المرأة هي وأطفالها هم من يستمتع بالرفاهية، وبذلك فإن الإعلانات تتضمن أن الرجل هو المسئول عن الاختيار في كل ما يخص حياة أسرته، وليست زوجته حتى في اختيار مكان قضاء الإجازة التي تستمتع بها المرأة كما تشير الإعلانات. وهذا ما يؤكده أحد الإعلانات المصرية التي تعلن عن أحد المنتجعات، وبه تظهر صورة لامرأة تجلس وسط النخيل تقرأ في استرخاء، مما يجعل الصورة تعكس جوًا رومانسيًا حالماً بالإضافة إلى الاستخدام الصريح لكلمةحلم“. بينما عند الحديث عنالحقيقة، كما ذكر في الإعلان، يوجه الإعلان خطابه إلى الرجل الذي قام بالحجز مستخدمًا جمع المذكر السالم وجمع تكسير مثلالأطباء الحاجزين، وبذلك ينقل الإعلان رسالة متضمنة أن الرجال هم المسئولين عن الشئون المالية.

إعلان مصرى آخر عن أحد الشواطئ، يظهر صورة امرأة تجلس في استرخاء في مواجهة الشاطئ وحولها طفلان يلعبان. هذا الوضع يوحي بالراحة والاستمتاع، بينما غياب الرجل (الأب) عن هذا الجو يوحي بأن متعة الاسترخاء، لم تخلق للرجال الذين ربما يكدون من أجل توفير سبل الراحة لذويهم.

كما يبرز إعلان مصرى آخر لشركة مصر للطيران مجموعة من الصور، التي تعلن عن الخدمات التي تقدمها تلك الشركة، ويركز الإعلان على الأدوار التقليدية لكل من الرجل والمرأة؛ فالرجل هو الطيار بينما المرأة هي المضيفة الجوية، على الرغم من أن وظيفة الضيافة في شركات الطيران يقوم بها كل من الرجل والمرأة. ولكن الإعلان يركز على دور المرأة في هذه الوظيفة، كأنما رسالة الإعلان أن المرأة قد خلقت لتخدم غيرها وغالباً ما يكون من تخدمه رجلاً.

وتم نقل الرسالة نفسها للقارئ الأمريكي. فأحد الإعلانات الأمريكية عن شركة طيران يبرز الرسالة بالوسيلة نفسها؛ فالراكب في الإعلان رجل بينما المضيفة امرأة. لذلك نستطيع القول بأن الصورة الشائعة أن المرأة دائماً مسئولة عن الخدمة، والرجل هو الذي يتمتع بتلك الخدمة.

إعلان أمريكي أخر عن شركة طيران يقدم صورة مختلفة إلى حد ما، ولكن النتيجة واحدة، حيث يركز الإعلان على صورة راكبين أحدهما رجل والآخر امرأة، ولكن كل منهما يأخذ وضعاً مختلفاً في الطائرة. الرجل يجرى مكالمة تليفونية، وفي الوقت نفسه يستخدم الحاسب الآلى المحمول؛ مما يوحي أن المكالمة تختص بالعمل. أما المرأة فتمد جسدها، مستغرقة في النوم، وبذلك فإن الرسالة التي ينقلها الإعلان أن الرجل يعمل دائماً والمرأة تستمتع دائماً. وبذلك نستطيع أن نقول إن ظهور أو غياب المرأة في الإعلانات يؤدى إلى النتيجة نفسها، وهي إظهار تفوق الرجل على المرأة.

وتختص المجموعة الأخيرة بالإعلانات عن التليفونات، وهي تشتمل على 9 إعلانات (5 مصرية، 4 أمريكية)، تعلن كلها عن أنواع مختلفة من التليفونات والمحمول وشركات الاتصال. وتقدم هذه الإعلانات بشكل من اثنين، تبعاً للغرض من استخدام التليفون، فقد يستخدم التليفون لتسهيل الأعمال، أو قد يستخدم كوسيلة لتقوية للتواصل مع الآخرين كوسيلة لتمضية الوقت. وبسبب هذا الهدف المزدوج، يوجد اختلاف في عرض هذه الإعلانات. فإذا كان الهدف الإعلان عن الاتصال كوسيلة لتسهيل الأعمال فأن التواجد للرجال فقط، أما إذا كان التركيز على الاتصال كوسيلة للتواصل الاجتماعي والدردشة، فإن التركيز على النساء، كما يتضح أيضًا من الصور المصاحبة لتلك الإعلانات.

وكما ذكر سابقاً.. فإن إحدى وسائل كتاب الإعلانات في عرض رسائلهم هي المفردات اللغوية، فالألفاظ اللغوية المستخدمة للمجموعة الأولى ترسم صورة لعالم الأعمال بكل إيجابياته مثلأعمال، باحتراف، النجاح، المهام، المتكامل، تكنولوجيا، حل“. كما تستخدم أيضًا مجموعة ألفاظ تظهر الجانب المالي مثلفواتير، توفير، دفع، مقدمًا، اشتراكوما شابه، لتظهر، أحياناً، التركيز على المال في الاستخدام. وبالطبع، كما هو متوقع، فإن الصور المصاحبة لتلك الإعلانات هي دائمًا صور رجل، كأنما تقول هذه الإعلانات أن الرجل هو وحده المسئول عن كسب المال وهو بالتالي الذي يهتم بالمحافظة عليه.

أما الألفاظ التي تستخدم مع المجموعة الثانية، فهي:”المجتمع، السحر، الشخصي الحرية، الكلام، وتركز هذه الألفاظ وعلى العلاقات الإنسانية والشخصية التي تمثل عالمًا سحريًا لمستخدميها محققاً لهم الحرية، وأعضاء هذه المجموعة هم عادة من النساء. لذلك فإن الإعلانات تقصر دور المرأة على الكلام، والاستمتاع بمباهج الحياة، دون أن تكون من نسيج العمل في المجتمع.

وأحد الإعلانات المصرية التي تروج لأحد أنواع التليفونات المحمولة تبرز صورة طبيب يرتدى البالطو الأبيض، ويظهر شعار المستشفى – كأنما الرجال هم فقط المهنيون وبالطبع نستطيع أن نستنتج أن التليفون المحمول يستخدم في هذه اللحظة لتسهيل العمل، وليس لأي شيء آخر، بينما يبرز إعلان مصرى آخر عن التليفون المحمول صورة امرأة تجلس وتقرأ في وسط منظر طبيعي. ومن الطبيعي أن نستنتج أن استخدام التليفون المحمول في هذا الوضع هو للتواصل الاجتماعي والدردشة، وهذا الإعلان يظهر أن الكلام والدردشة اهتمامات المرأة، مع الأخذ في الاعتبار أن الكلام عادة ما يقدم في وسائل الإعلام كمجرد نشاط سلبي لا يقدم فائدة للمجتمع.

أما الإعلانات الأمريكية فيروج أحدها لإحدى شركات الاتصال، وهو يركز على صورة مليئة بمجموعة من الناس، يستخدمون التليفون المحمول في الشارع، وأغلبهم من النساء كما أنهن الأكثر بروزاً في الصورة. أما عن الرجال فيظهر عدد قليل منهم في خلفية الصورة، والنص اللغوى يؤكد أن الغرض من استخدام التليفون هو الدردشة فقط. وبذلك يؤكد الإعلان مثل الإعلانات المصرية أن الدردشة في الأساس نشاط نسائی.

والخلاصة أن مجموعات الإعلانات المختلفة – سواء المصرية أو الأمريكية تعرض للأيديولوجيات نفسها، فالإعلانات تركز على مجموعة من الأفكار، منها: أن عالم الأعمال مقصور على الرجال فقط، بينما دور المرأة مقصور على الاستمتاع بمباهج الحياة، النساء مثلهن مثل المنتجات خلقن كأشياء لاستمتاع الرجل. كما أن القوة والنفوذ ثروات مقصورة على الرجل بينما المرأة مجرد تابع.

وبذلك تظهر هذه الدراسة أن الإعلانات لا تروج فقط للمنتجات وإنما تكشف عن المفاهيم الاجتماعية والثقافية لمجتمعاتها، كما أنها تكشف عن وضع المرأة في تلك المجتمعات، ويمثل تلك المجتمعات المجتمع المصرى من المجتمعات الشرقية، والمجتمع الأمريكي من المجتمعات الغربية. على الرغم من أنه من المفترض أن هذين المجتمعين مختلفان تمامًا إلا أنهما يتفقان تمام الاتفاق في نظرتهما للمرأة ووضعها ودورها في المجتمع ونظرتهما لدورها النمطي.

كما يتضح أن المؤسسات المؤثرة في المجتمعات كالإعلام بصوره المختلفة من إعلانات وغيرها تحت سيطرة الرجل، وليس للمرأة دور مؤثر؛ حيث إنها لا هي

تستطيع أن تغير تلك النظرة بسهولة.

 

منى فؤاد عطية: مدرسة بكلية الأداب، جامعة حلوان، ومهتمة بالتحليل النقدي للخطاب والعلاقة بين اللغة والثقافة والأيديولوجية.

Cameron, Deborah, (1995) “Rethinking Language and Gender Studies: Some issues for the 1990’s” in Sara Mills (ed) Language and Gender. London: Longman.

Cameron Debrah, (1997) “Theoretical Debates in Feminist Linguistics: Questions of Sex and Gender” in Ruth Wadok (ed) Gender and Discours. London: Sage.

Coates, J. (1995) “Language, Gender and Career” in Sara Mills (ed) Language and Gender London: Longman.

Cook, G. (1990) “ Goals and plans in Advertising and Literary Discourse”, Parlance 2(@): 48-71.

Cook, G. (1992) The Discourse of Advertising. London: Routledge.

De Francisco, Victoris (1997) “Gender, power and practice: Or Putting your money (and) your Research ) where your mouth is” in Ruth Wadok (ed) Gender and Discourde. London: Sage.

Fairclough, N. (1989a) Language and Power. London: Longman.

Fairclough, N. (1989b) “Critical Discourse Analysis” Parlance 2(1): 78-92.

Fairclough, N. (1995) Critical Discourse Analysis” The Critical Study of Language. London: Longman.

Forceville, C. (1991) “Verbalo-Pictorial Metaphor in Advertisement” Parlance 3(1): 7-19.

Fowler, R. (1981) Literature as Social Discourse. London: Longman.

Fowler, R. (1996) “On Critical Linguistics” in C. R. Coulthard and M. Coulthard (eds) Texts and Practices: Readings in Critical Discourse. London: Routledge.

Goddard, A. (1998) The Language of Advertising: Written Texts. London: Routledge.

Huckin, T. N. (1997) “Critical Discoures Analysis” in T. Miller (ed)( Functional Approaches to Written Texts: Classroom Applications. Washington: English Language program United States Information Agincy.

Mills, S. (1995a) “Introduction” in S. Mills (ed) Language and Gender London: Longman.

Mills, S. (ed) (1995b) Language and Gender London: Longman.

Mills, S. (1995c) Feminist Stylistics. London: Routledge.

Mills, S. (1998a) “Introduction” Language and Literature 7(3): 195-198.

Mills, S (1998b) “Post-Feminist Text Analysis”, Language and Literature 7(3): 235-234.

Piller, I. (2000) “Review of The Car in British Society. Class, Gender and Motoring 189-1939”, Discourse and Society 11(1): 134-5.

Tanaka, K. (1994) Advertising Language: A Pragmatic Approach to Advertisements in Britain and Japan. London: Routledge.

Teo. p. (2000) “Racism in the news: A Critical Discourse Analysos of News Reportings in two Austrian Newspapers” Discourse and Society 11 (1) ; 7-49.

Thornbrrow, J. (1998) “Playing Hard to get: Metaphor and Representation in the Discourse of Car Advertisements”, Language and Literature 7 (3): 254-272.

Thronborrow, J., and S. Waering (1998) Patterns in Language: An Introduction to Language and Literary Stydle. London: Routledge.

Van Dijk, T. A. (1996) “Discourse, Power, Access” in C.R. Coulthard and M. Coulthard (eds) and Practices: Readings in Critical Descourde Analysis. London: Routledge.

Wareing. S. (1990) “ Women in Fiction: Stylistic Models of Reclamation” Parlance 2 (2): 72-85.

Wodak, R. (1997a) “Introduction: Some Important Issues in the Research of Gender and Discourse” in R. Wodak (ed) Gender and Discourse. London: Sage.

R. Wodak (ed) (1997b) Gender and Discourse. London: Sage.

اصدارات متعلقة

الحصاد - عامان على الخلع " دراسة تحليلية "
دليل تدريبي " العنف ضد النساء "
فتحي نجيب والحركة النسائية المصرية وحقوق الانسان
ممنوع على الستات
ماما تحت الأنقاض
تشويه مش طهارة
العمالة المنزلية : استغلال جنسي تحت نظام الكفالة
المرآة لم تحررني، بل زادتني بوعي وثقل تاريخي كأنثي