(طيبة) في عددها الرابع النساء والسلطة

يتناول هذا العرض من طيبة موضوعًا شائكًا يتعلق بعلاقة النساء بالسلطات الرسمية من سلطات سياسية وتشريعية وتنفيذية، ومدى إسهام إحدى هذه السلطات أو بعضها أو كلها مجتمعةً في تكريس التمييز ضد النساء، والذي تم تناول الشكل الشعبي منه في العدد الماضي. كما يتناول العدد أيضًا محاولات النساء للنفاذ من خلال أحابيل تلك السلطات لتحقيق بعض أهدفهن في الحصول على حقوقهن السياسية والاجتماعية

وفي إطار التعرض لبعض هذه السلطات تأتي ورقة العدالة تفتح عينيهاللباحثة الشابة لمياء لطفي. وفيها تقارن لمياء بين أحكام الزنا في الشريعة الإسلامية والقانون الوضعي المصري، حيث يظهر التناقض الشديد بين أحكام الشريعة في حالة الزنا والتي تساوي بين الرجل والمرأة، وأحكام القانون المصري التي تتميز بالانحياز الشديد إلى الرجل في تحد صارخ لأحكام الشريعة، رغم الإدعاء بأن الشريعة الإسلامية هي مصدر القوانين.

كما يحتوي العدد أيضًا على بحث آخر مترجم عن القوانين التي تميز بين النساء والرجال، وهو لباحثة قانونية شابة أيضًا هي باسكال فورينيه، وفيه تقدم صورةً أخرى من صور التمييز ضد المرأة أمام القوانين، ولكن التمييز هنا يأتي من منطلق ذكوري أبوي كما هو الحال مع أحكام القضاء المصري التي تعكس وضع المرأة كملكية خاصة للرجل، وتقيم وزنًا كبيرًا لمشاعرها، ففي حالة أحكام القضاء الكندي، تتدخل عناصر أخرى تتمثل في النظرة إلى الإسلام كآخر، وإلى المسلمين كطائفة غريبة من البشر، وينتج عن هذه النظرة إما ألا يطبق القاضي أحكام القضاء الكندي حتى في مجال المعاملات المادية الواضحة، حيث إن المتقاضين ينتمون إلى تلك المجموعة الغريبة من البشر(المسلمين)، وألا يعترف القاضي بأي اتفاقات تمت بين هؤلاء الأشخاص في إطار ديني إسلامي، بزعمه أن هذا اتفاق يتفق و طبيعةالعلاقات الإنسانية، فتكون الطبيعة هنا هو ما نشأ عليه هذا القاضي في مجتمعة الغربي، وفي كلتا الحالتين تعاني المرأة المسلمة كما توضح الكاتبة في بحثها، من خلاله الأمثلة الحية التي تسوقها ، ويثير هذا البحث قضية قضاء الأقليات في المجتمعات كافة، وما يتضمنه من قهر مزدوج ضد النساء.

كما يتعرض العدد أيضًا للسلطات التشريعية متمثلةً في المجالس النيابية، حيث يعرض لكتاب المرأة في المجالس النيابية المنتخبةتحرير سلوى شعراوي جمعة، ويتضمن عدة أوراق تتناول كلّ منها نظام الحصص.

(تخصيص مقاعد للمرأة في المجالس النيابية)، وتتراوح الأوراق بين تجارب بلاد متقدمة تنعم بقدر كبير من الديمقراطية مثل السويد والدنمارك، وبلاد فقيرة نامية مثل بنجلاديش وأوغندا. وتخلص ياسمين صلاح الدين كاتبة العرض في نهاية عرضها، إلى أن كل التجارب، بما فيها تجارب الدول الديمقراطية المتقدمة، تعكس قدرًا من التمييز ضد النساء في المجالس النيابية، تحاول التغلب عليه بنظام الحصص الذي اختلفت حوله الآراء، وإن كنا نرى أنه إحدى وسائل تعويض النساء عن حرمانهن من المشاركة السياسية لفترات تاريخية طويلة، تسببت في ضعف هذه المشاركة عند الحصول على الحق فيها، كما يثبت أحمد زكي في بحثها الوثائقي عن النساء في البرلمان المصري، وفيه يقدم صورةً لمشاركة النساء من حيث خلفية هؤلاء النساء الثقافية والاجتماعية، والأسباب التي أدت إلى تعينهن أو انتخابهن كعضوات بالبرلمان، بالإضافة إلى التطرق إلى مساهمات هؤلاء النساء من حيث الكم والكيف، ويخلص الباحث إلى أن إسهامات النساء تتميز في مجموعها بتجنب المواجهات الحادة مع الحكومة، وإن كانت تأتي بنسبة معقولة، إذا أخذنا نسبة عدد النساء إلى نسبة الأعضاء جميعًا في الاعتبار.

وفي ورقة هالة كمال عن الحركة النسائية كحركة سياسية، تقدم الكاتبة صورةً لصراع النساء مع السلطات السياسية على مدى تاريخ حركتهن. فكما تقول هالة كمال في ورقتها: تبدأ الحركة دائمًا في إطار حركة سياسية وطنية يحتاج فيها الرجال والوطن بأجمع إلى جهود الجميع. ولكن عندما تؤتي الحركة السياسية ثمارها يتمتع الرجال فقط بقطف تلك الثمار دون النساء اللاتي يطلب منهن العودة إلى بيوتهن، مما دفع بالنساء إلى القيام بحركتهن الخاصة التي تتبنى قضايا النساء كنقطة انطلاق أساسية، ولكن الكاتبة تؤكد أيضًا كون الحركة النسائية حركة سياسية واجتماعية أيضًا، حيث تقوم على إدراك علاقات القوى السائدة في المجتمع والتنظيم في سبيل تغييرها في مواجهة السلطات القاهرة.

وفي إطار هذه العلاقة بين الحركة النسوية والسلطة تأتي ورقة يسري مصطفى التي يعرض فيها لشكل من أشكال تهميش قضايا المرأة عن طريق التركيز على القضايا الوطنية والسياسية، وإرجاء المطالب النسائية حتى يتسنى الوقت، مما نحى بهذه المطالب دائمًا إلى ذيل القائمة. ومع أن هذه الورقة تقوم على قراءة لشهادات مجموعة من النساء الناشطات في حركة تدعي التقدمية، وهي الحركة الشيوعية المصرية، إلا أن موقف القيادات – بما فيها النسائية منها تتخذ الموقف نفسه من قضايا النساء بوصفها قضايا فرعية تجب مناقشتها حتى تحقيق الأهداف الوطنية الأعلى“. ولا تكتفي السلطات بأنواعها بتهميش قضايا المرأة، ولكنها كثيرًا ما تتخذ موقفًا عدوانيًا منها، وهذا ما يوضحه كتاب العولمة الجندر والدينالذي تعرضه سهى رأفت، والذي يحتوي على مجموعة من الأبحاث يعرض كلّ منها لموقف السلطة الدينية والحكومية في عدة بلدان كاثوليكية وإسلامية من قرارات مؤتمر بكين الذي تميز في معظمه بالرفض القاطع لهذه القرارات والدعوة لمقاطعتها، بزعم أنها تتناقض وتعاليم الشرائع السماوية، مع عدم دقة هذه العبارة في كثير من الأحيان.

وفي كتابهنساء في مواجهة نساءلعزة كرم، والذي تعرضه لقرائنا هند إبراهيم، تقوم عزة كرم بتقديم صورة السلطات الفاعلة في المجتمع المصري من سلطة الدولة وسلطة الجماعات الإسلامية، بالإضافة للجمعيات الأهلية التي تقوم على أسس علمانية، وتقدم صورةً مقربة للتفاعلات بين هذه السلطات المختلفة والأسلحة التي تستخدمها كلُّ سلطة عن طريق إجراء مقابلات مع أهم ممثلات لكل سلطة ومناقشتهن في رؤيتهن الأنوع العلاقات بين السلطات وأثرها علي علاقات القوي في المجتمع المصري. أما إليزابيث بيشوب فهي تقدم في ورقتها رؤية تتسم بالجدة في علاقة النساء بالسلطة، حيث تقدم الورقة لدور النساء في البيروقراطية المصرية (التي تمثل في أحيان كثيرة سلطة الدولة، حيث الدولة هي من يحفظ ملفات المواطنين ويمتلك المعلومات عنهم)، وتزعم بيشوب في ورقتها أنه باحتلال النساء للوظائف الكتابية في كل المصالح الحكومية، بما فيها العسكرية منها، يتم تأنيث البيروقراطية وبالتالي تأنيث الدولة المصرية نفسها. وقد نتفق أو نختلف حول تلك النتيجة ولكنها بلا شك تفتح المجال لمزيد من الدراسات عن النساء في هذا القطاع الحكومي وما يتمتعن به من سلطة، وهل ستؤدي هذه السلطة البيروقراطية بالنساء إلى التدرج في المناصب الحكومية حتى يصلن في يوم من الأيام إلي إرتقاء أعلاها، وأن يتحقق نوع من التأنيث الحقيقي للدولة المصرية؟ وإذا كانت الأبحاث السابقة تدور حول نماذج محددة لممارسة السلطة في أماكن بعينها، فإن الأبحاث التالية تدور حول نظريات السلطة في علاقتها بالنساء. وفي هذا السياق يأتي بحث رجائي موسى عن ما بعد النسوية، وهي نظرية يزعم موسي أنها تعمل على هدم السلطة المركزية من موقعها في الهامش، حيث المزيد من الحرية التي يتيحها الوجود على الهامش. أما الدراسة النظرية الثانية فهي تحتاج لتقديم حيث هي عرض لكتاب أصل العائلةلفريدريك إنجلز، وهو كتاب مؤسس في مجال التأريخ لعلاقة النساء بالسلطة أو بفقدها مع ظهور المجتمعات الذكورية الأبوية، كما تثير نولة درويش في عرضها بعض التساؤلات التي كثيرًا ما راودت قراء هذا الكتاب الذي يقدم كثيرًا من النظريات دون القدرة علي البرهنة العملية عليها. ولكنه مع اختلافنا معه يجب أن نعترف أن مجرد التفكير في الموضوع ومحاولة استخلاص النظريات حوله هو محاولة جديرة بالتقدير الذي حصل عليه الكتاب منذ ظهوره حتي الآن. والدليل على أهمية نظريات إنجلز حول أصل العائلة وارتباطها بالنظام الأبوي والسلطة يظهر في بحث آخر مترجم لراينا راب يتضمنه هذا العدد، حيث أقامت راب في دراستها البناء على أطروحات إنجلز الخاصة بأصل الدولة، وهي تربط بينها وبين النظم السياسية الحديثة، بما فيها الاستعمار وأدواره في العالم الثالث، ولكن ما يؤخذ علي هذه الدراسة أنها تنطلق من أطروحات إنجلز كقضايا مسلم بها دون محاولة مناقشتها قبل بناء أطروحتها عليها.

وإذ تدعو هيئة تحرير المجلة قارئاتها وقراءها إلى الاستمتاع بتلك الوجبة الدسمة من الأبحاث والدراسات الخاصة بعلاقة النساء، بالسلطة تدعوهم أيضًا إلي اشتباك في حوار حول ما يقدم في العدد من أفكار وأطروحات مثيرة للجدل إلي درجة استفزاز في بعض الأحيان، ونحن نرحب بكل استجابات، كما نلح كعادتنا في التعرف علي الآراء النقدية حول مواد العدد

حتى يتسنى لنا أن نقدم ما يطمح إلى تقديمه كلّ من قارئات وقراء طيبة.

شارك:

اصدارات متعلقة

الحصاد - عامان على الخلع " دراسة تحليلية "
دليل تدريبي " العنف ضد النساء "
فتحي نجيب والحركة النسائية المصرية وحقوق الانسان
ممنوع على الستات
ماما تحت الأنقاض
تشويه مش طهارة
العمالة المنزلية : استغلال جنسي تحت نظام الكفالة
المرآة لم تحررني، بل زادتني بوعي وثقل تاريخي كأنثي