عقد زواج عجم:امرأة عاملة من القرن السادس عشر

تاريخ النشر:

2006

عقد زواج عجم:امرأة عاملة من القرن السادس عشر

المكان: مدينة الإسكندرية.

الزمان: الثلاثاء الموافق 14 يوليه 1551 م.

هي: عجم أبو الخير عبد الله، امرأة في منتصف عمرها؛ فابنها من زوج سابق بلغ مبلغ الرجال، وصار من تجار الثغر، يسبقها صيتها أينما ذهبت، فجميع أبناء الحي يعرفها بالماشطة.

هو: المعلم عبد القادر محمد، شامي الأصل، أبوه هو الحاج محمد حداد وشهرته ابن درويش.

الحكاية: أحب عبد القادر أن يتزوج من عجم، جلسا ليتفقا، ربما في حضور بعض الأهل من الطرفين وكان من بين نتائج الاتفاق :

  • مؤخر صداق كبير، فهو على كل حال ضعف المقدم، على أن تتقاضاه بموت أو فراق.

  • نظير كسوتها لفصلي الصيف والشتاء تتقاضاه منه بشكل شهرى – عكس معظم العقود، حيث كانت الزوجة تأخذ نظير كسوتها سنويًا وشهدت هي بالرضا عن ذلك المبلغ.

  • إذا سافر فعليه أن يؤمن لها مصدرًا للإنفاق عليها.

  • ألا يمنعها من عملها.

  • ألا ينقلها من مدينة الإسكندرية.

  • وقد أشهد على نفسه أنه إن فعل شيئًا من ذلك دون رضاها فلها أن تُطلق نفسها منه.

التعقيب:

الزواج قبول وإشهار، وعقد الزواج(1) ؛ ضمان لحقوق الزوجين، وإلزام لكل منهما فيما اتفق فيه مع الطرف الآخر، ومن شروط العقد – كأي عقد – عدم الإكراه، إذ لابد من رضي الطرفين على ما اتفقا عليه رضاًء تامًا، والعقود التي تشترط فيها المرأة شروطًا خاصة تحمي حقوقها سواء في المسكن المناسب، أو توفير خادمة لمساعدتها، أو تحديد بدل كسوة في فصلي الصيف والشتاء، أو عدم نقلها من مسكنها رغمًا عنها كثيرة، لكن الشروط التي ترتبط بعملها – وهو ما أهتم بالتركيز عليه الآن – فهي وإن كانت قليلة إلا أن وجودها ذو دلالة مهمة.

عندما درست تلك الوثيقة في دراسة عام 1998 تصورت أن دلالة عدم وجود العديد من العقود التي تحوى شروطًا خاصة بالعمل دلالة على ندرة حالات عمل النساء، حتى أني ذكرت في الهامش:(أنه ينبغي ألا يفهم من ذلك أن عمل المرأة كان شائعًا لكن مثل هذه المهنة لا يمكن أن تقوم بها إلا النساء).

إلا أن الدراسة المعمقة لوثائق المحكمة الشرعية أثبتت تواجد النساء في العديد من مجالات العمل، خارج المجال الخاص؛ سواء على مستوى البيع والشراء، والتجارة وصناعات الغزل والنسيج، والدلالة والندابات، إضافة للأعمال الخدمية في مجال التطبيب، مما كون قناعات لدى الباحث بضرورة مراجعة التفكير في الملاحظة الأولية السابقة فوجود هذه الشروط مع التواجد الملحوظ للنساء في الفضاء العام ومجالات العمل العديدة يمكن أن يجعلنا نرى أن الثقافة العامة للمجتمع لا ترى منغصًا من وجودها في هذه الأطر، وهنا يكون وضع شرط يخص عملها مؤشرًا على وجود تغير سلبي تجاه هذا التواجد النسائي في مجالات العمل وليس العكس.

السيدة عجمالمعروفة دائمًا بصناعتها وليس باسم والدها أو أحد ذكور العائلة، كما هو مشهور في الوثائق الرسمية، يبدو أنها على قدر كبير من الذكاء والدراية بما يتفق مع صالحها، وما يمكن أن يشكل تهديدًا ضدها، وهو كما شكل نوعًا من الصعوبة في الاتفاق بينها وبين زوجها المرتقب وليست لدينا تفاصيل كثيرة، فالأوراق التي بين أيدينا لم تمكننا من حضور الاتفاق بينهما، لكن الأكيد – شأن كل زواج – أنهما جلسا ليتفقا ، وما نملكه من أوراق يشى لنا بأن التفاوض لم يكن سهلاً، وربما استغرق وقتًا غير قليل ، بل إنه ظل محل سجال حتى بعد كتابة العقد، فوجود بعض الجمل المضافة إلى نص عقد الزواج بعد كتابته، لتحديد مدة غيابه عنها بثلاثة أشهر، ليكون لها الحق بعدها بالذهاب للقاضي وتطليق نفسها، في مقابل بند آخر بمقدار المبلغ الذي أبرأت ذمته منه في مقابل التطليق الخلعبخمسة أنصاف بعد أن كان كل مؤخر صداقها، يشى لنا بصعوبة التفاوض بينهما وطول أمده.

بعض المهن ترتبط بثقة الناس في محترف أو محترفة هذه المهنة ووظيفة الماشطة واحدة من تلك المهن، فسمعة عجمومعرفة الناس بها هي التي تسمح لها بمزاولة المهنة، لذلك تحدها لم تشترط فقط ألا يحرمها من صناعتها، لكنها اشترطت عليه أيضًا ألا ينقلها من الثغر، حتى لا تصل للنتيجة نفسها. أما مسألة أن زوجها قد قرر لها أو شهد على الزواج المذكور فهو أمر يتفق مع الصياغة الشرعية للنص، لكن يبدو أن الشروط التي أقرها ، هي شروط متفق عليها بين الزوج والزوجة وفق التفاوض بينهما، وإلا ما الذي يدعو رجل أن يشهد وعلى نفسه بشروط هي في الأساس لحماية مصالح الزوجة وليست لحماية مصالحه.

النص:

تزوج المعلم عبد القادر بن محمد الحداد الشامي المعروف بابن درويش بمخطوبته عجم المرأة ابنة أبو الخير بن عبد الله المعروفة بالماشطة على كتاب الله وسنة نبيه الكريم، وصداق جملته من الذهب الأكر وني المتعامل به الآن اثني عشر دينارًا، الحال لها من ذلك أربعة دنانير مقبوضة بيدها باعترافها بذلك والباقي يحل عليه بموت أو فراق على مذهب من يرى ذلك من السادة العلماء رضوان الله عليهم أجمعين، زوجها منه بذلك ولدها المعلم أبو النصر ناصر الدين بن عبد الله المتسبب بالثغر، شهادة شهوده، وذلك بعد أن اتضح من أمرها أنها خالية من زوج…. حلاً للأزواج بشهادة المعلم يوسف بن أحمد بن على.. والحاج رمضان بن عبد الله الحلبي تزوجًا شرعيًا وقبله الزوج المذكور لنفسه قبولاً شرعيًا متصلاً بالإيجاب، وقرر الزوج المذكور لزوجته المذكورة نظير كسوتها عليه لفصلي الشتاء والصيف ما قدره من الفضة الموصوفة أعلاه في كل شهر من تاريخه عشرة أنصاف تقريراً شرعيًا، ورضيت منه بذلك الرضا الشرعي، وشهد عليه الزوج المذكور أنه متى سافر من الثغر وترك زوجته المذكورة بلا نفقة ولا منفق شرعي مدة ثلاثة أشهر، وأنه لا يمنعها من صناعتها ولا ينقلها من الثغر إلا برضاها، ومتى فعل ما يخالف ذلك وحضرت زوجته المذكورة إلى حاكم شرعي، وأخبرته بذلك، وثبت عليه بالطريق الشرعي، وأبرأت ذمته من خمسة أنصاف من باقي صداقها عليه كانت حين ذلك طالقًا طلقة واحدة تملك بها نفسها حرر ذلك في تاريخه عشرة رجب الحرام سنة 958 ه. شهود الحال محمد على موكل الحنفي.

دار الوثائق القومية بالقاهرة:محكمة إسكندرية الشرعية، سجل رقم 1، ص473، وثيقة 1943

 

رمضان الخولي:باحث تاريخي له دراسات وأبحاث في دور الوثائق في الكشف عن أوضاع النساء في حقب تاريخية مختلفة.

(1) عن عقد الزواج وشروطه راجع على سبيل المثال /https://www.muhaddith.org/cgi-bin https://www.zawaj.ws/new/4.htm.

أيضًا a Optns.exe

الكلمات المفتاحية: نص عقد زواج عجم
شارك:

اصدارات متعلقة

الحصاد - عامان على الخلع " دراسة تحليلية "
دليل تدريبي " العنف ضد النساء "
فتحي نجيب والحركة النسائية المصرية وحقوق الانسان
ممنوع على الستات
ماما تحت الأنقاض
تشويه مش طهارة
العمالة المنزلية : استغلال جنسي تحت نظام الكفالة
المرآة لم تحررني، بل زادتني بوعي وثقل تاريخي كأنثي