قضايا إشكالية في البحوث السريرية حول الصحة الانجابية للنساء

ترجمة:

بقلم:

قضايا إشكالية في البحوث السريرية حول الصحة الانجابية للنساء

مع الاهتمام المتنامي بالبحوث حول الصحة الإنجابية للنساء، أصبح ينظر إلى المنظمات القاعدية التي تعمل في صفوف النساء باعتبارها قادرة على القيام بدور خاص في هذا المجال: فتلك المنظمات تحظى بثقة النساء، كما أنها تمثل مصدراً للبيانات يمكن الوثوق فيه. هذه الورقة المستندة إلى خبرات سارثي” – وهي منظمة قاعدية تعمل غربي الهند تتناول آليات البحث المتبناة لإجراء بحوث إكلينيكية حول الصحة الإنجابية للنساء في المجتمعات المحلية، كما تطرح الورقة إعادة النظر في المقاربة الضيقة التي تعتمد عليها منهجية البحوث التي تتم بطريقة فوقية، وتطالب المجتمع المحلي بالانسياق وراء الدراسة بدلاً من أن يحدث العكس؛ وهو ما يخلق ظروفاً غير واقعية لتوفير الخدمات ويجعلها بالتالي غير قابلة للاستدامة بعد انتهاء البحث. وأخيراً، تلقي هذه الورقة الضوء على الاحتياج إلى منهجية تذهب إلى ما يتعدى حدود البحث، وتمنح الاهتمام نفسه لعملية البحث والنتائج التي توصل إليها، وتكون بمنزلة ممارسة مستمرة في إطار الواقع المحيط بالخدمات المتوافرة.

Dilemmas and conflicts in clinical Research on womens Reproductive Health، No 9, May 1997 Renu Khanna

جميع الحقوق محفوظة لمجلة قضايا الصحة الإنجابية ٢٠٠٧

سارثي” (العمل الاجتماعي من أجل السكان الريفيين والقبليين في الهند) منظمة غير حكومية تعمل أساسًا مع السكان القبليين في ولاية جوجارات غربي الهند. يتضمن عملنا تنظيم وتمكين المجتمعات المحلية بالقرى إلى جانب برامج تقديم الخدمات.

بدأت سارثيفي عام ۱۹۸۷ برنامجاً متواضعاً حول صحة النساء، استجابة لاحتياجاتهن المعلنة، مع السعي إلى النهوض بالرعاية الخاصة بحالات الولادة(1). كلما تقدم عمر البرنامج، أضيفت عناصر جديدة إليه. مع حلول عام ١٩٩٢، كانت هناك برامج حول صحة النساء في ثمان قرى: وقد تم تدريب ثمان نساء من تلك القرى، منهن دايات تقليديات على العمل ك أروجيا ساخي” (رائدات ريفيات حفاة في محال أمراض النساء).{ تعبير الأطباءالحفاة استخدم في السبعينيات لوصف المقاربة التي كانت سائدة في الصين حول تدريب عاملين صحيين من أعضاء المجتمع العاديين }. وقد تضمن عملهن تقديم الرعاية الصحية للأم والطفل، ومعالجة بعض الأعراض التناسلية العادية بعقاقير من الأعشاب المعتمدة. وإضافة إلى ذلك، أنجزت سارثيبرنامجاً حول صحة المجتمع المحلي في ٦٠ قرية بواسطة ١٢ ممارس صحي من الذكور.

لقد أبرزت الممارسة الميدانية للأروجيا ساخي وجود عديد من الاحتياجات الصحية التي لا تلبي في صفوف النساء وبالأخص: العقم، والإجهاض غير الآمن، والأمراض المنقولة جنسياً. وبالتالي، قررنا أن نركز جهودنا على الأمراض المنقولة جنسياً، وإدراج الذكور فيما يتعلق بصحة النساء خلال المرحلة التالية لعملنا.

كانت عملية بناء العناصر المتعددة للبرنامج الصحي استجابة للاحتياجات التي عبر عنها السكان، وتميزات بالعمل على بناء معارف ومهارات النساء والرجال في المجتمع المحلى بشكل تدريجي لتلبية الاحتياجات الصحية المحلية. وقد اعتمدنا أساساً على الموارد المحلية، بما في ذلك العلاج بالأعشاب، مع الاستعانة بالنظام الصحي الحكومي فيما يتعلق بالرعاية الثانوية. كما مثلت البحوث المستندة إلى اهتمامات السكان المحليين الذين يديرونها ويمتلكونها (البحوث الموجهة نحو التغيير بالمشاركة) جزء لا يتجزأ من البرنامج الصحي(2). وهكذا، تطور البرنامج بخطاه الخاصة، دون التعرض للضغوط الزمنية التي تبرز مع التمويل الخارجي.

في حدود الفترة التي كنا فيها على وشك إطلاق المرحلة التالية للعمل حول الأمراض المنقولة جنسياً، وإدراج الذكور في القضايا المتعلقة بصحة النساء، اتصلت هيئة مانحة بمنظمة سارثيفيما بدا أن أولويات تلك الجهة تتناسب مع خططنا. وقد اقترحت هذه الجهة أن تقوم سارثيببلورة مقترح مشروع بحث إكلينيكي تمثل صحة النساء أحد عناصره.

على الرغم من أننا شعرنا بالتوجس في بادئ الأمر، توصلت المناقشات المكلفة التي دارت بين العاملين إلى أن المصداقية التي اكتسبناها من خلال العمل لسنوات طويلة، والعلاقات التي أقمناها مع كل من الرجال والنساء. سوف تكلل هذا البحث بالنجاح كما كان الدعم. الفني على وشك الوصول: فقد عبر بعض الجامعيين المنتمين لأقرب كلية طب عن اهتمامهم بالتعاون مع البرنامج: كذلك استطعنا الحصول على موافقة أفضل معمل موجود في مدينة باروداالقريبة للقيام بالتحاليل المعملية.

تضمنت الدراسة بيانات نوعية وإكلينيكية حول الأمراض المنقولة جنسياً لكل من النساء والرجال؛ وكان على العاملين الميدانيين في سارثيالقيام بالدراسة الكيفية من خلال منهجية المشاركة، بينما يتحمل مسؤولية البحث الإكلينيكي فريق يقوده طبيب أمراض النساء، ورئيس قسم الأمراض الجلدية والتناسلية بكلية الطب، ورئيس المعمل في بارودا. كما اتفق أن يقوم بمساعدة هذا الفريق مجموعة من الأطباء والفنيين بدعم من العاملين في سارثي“.

قررنا البدء بالبحث الإكلينيكي بدلاً من الدراسة الكيفية حتى لا يفتر حماس فريق البحث الإكلينيكي الذي كان متحفزاً للغاية ومستعداً للبدء مباشرة. وكان المفترض إجراء هذا الجزء من البحث في قريتين خلال شهري أبريل وأغسطس من عام ١٩٩٤، مع فاصل أربعة شهور فيما بينهما.

التزمت منهجية البحث في القرية الأولى بالخطوط الإرشادية للدليل التوجيهي. وتم اختيار عينة عشوائية متراصة (٢٠%) تضمنت ٦٠ أسرة من تسع قرى صغيرة ليصل عدد المبحوثين الذين توافقوا مع معايير الدراسة إلى ١٠٩ رجل و ٩٤ امرأة. وقد قررنا إقامة معسكر لمدة يومين من أجل الكشف على أفراد العينة، وأخذ العينات اللازمة للتحاليل المعملية: وكان مقرر إقامة هذا المعسكر في فترة معروفة بانخفاض معدلات الهجرة إلى خارج القرية.

تمت زيارة أسر العينة خمس مرات خلال الأسابيع الأربعة السابقة للمعسكر؛ وقد حرص فريق العمل على تقديم معلومات وافية لأفراد العينة حول أهداف البحث، والمنهجية المتبعة (بما في ذلك تفاصيل حول الكشف الداخلي، وفحص الدم، وأي فحوصات أخرى) وأسباب أهمية إجراء ذلك حتى مع من لا تظهر عليهم أي أعراض مرضية.

أثناء هذه الزيارات، عبأ العاملون الميدانيون استبياناً حول الوضع الاقتصادي الاجتماعي لكل أسرة من أسر العينة، واستمارة تقرير حول الأعراض لكل رجل أو امرأة تنطبق عليهم معايير الدراسة: وكانت هناك موافقة على المشاركة في تلك الفترة، كان هناك ٤٠% من رجال ونساء العينة خارج القرية، كما رفض ۱۸ رجلاً وامرأةً (9.3%) المشاركة في الدراسة، إما لأنهم غير مرضى، أو لأنهم لا يرغبون في الكشف عليهم.

كما بذلت محاولات لوضع سياج حول المدرستين التي أقيم فيهما المعسكر من أجل تأمين الخصوصية والسرية؛ وأقيمت أيضًا أماكن للتبول وجمع البول. ضم فريق الأطباء ثلاث طبيبات، وخمسة أطباء ذكور، وثلاثة فنيين معامل. كما شارك في المعسكر عشرون عامل ميداني من سارثيسبق أن شاركوا في المرحلة التمهيدية.

وعلى الرغم من كل هذا الاهتمام بالتفاصيل جاءت النتيجة كئيبة ففي حين شارك في المعسكر ما يقرب من ۸۰ فرداً، كان هناك تسعة رجال وتسع نساء فقط من أفراد العينة المختارة. أما الآخرون فكانوا عبارة عن نساء من القرية نفسها أومن قرية قريبة يعانون من مشاكل صحية وسمعوا عن هذا المعسكر، من بينهم عشر نساء من قرى تبعد ٣٠ كيلومتراً، منهن اثنتان تعانيان من العقم.

وهكذا لم يشارك نحو ٨٠% ممن كانوا قد أبدوا موافقتهم على المشاركة في هذا البحث. ومن المثير للدهشة أكثر أن نساء العينة اللاتي كن قد أفدن بوجود أعراض لمشاكل تناسلية خلال الزيارات المنزلية (تقريباً نصف النساء) لم يحضرن إلى المعسكر لتلقي العلاج على أيدي طبيبات أمراض النساء. كثيرات منهن ظللن بعيدات عن المعسكر تماماً: واللاتي حضرن كن يسعين إلى الحصول على علاج لأطفالهن وليس لأنفسهن.

أجرى فريق البحث الإكلينيكي والعاملون في سارثيتحريات معمقة بعد انتهاء المعسكر لمعرفة اسباب عدم ظهور أولئك الذين كانوا قد وافقوا ظاهرياً على المشاركة. وقد اكتشفنا أن عديداً من هؤلاء كانوا بعيدين عن القرية خلال هذين اليومين: ومن الأسباب الأخرى التي توصلنا إليها من خلال أعمال ميدانية لاحقة ما يلي: لم تحصل النساء على التصريح بالحضور من قبل الزوج أو الأقرباء الأكبر سناً. عدم رغبة النساء في الحضور لو كان الزوج بعيداً عن المنزل لأنهن يحتجن إلى تصريح مسبق منه، وعقد حفل زفاف في القرية أولى أيام المعسكر. كما علم العاملون في سارثيأن الممارسين الصحيين الحكوميين الذكور قد حطوا من حماس بعض أفراد العينة من خلال بث معلومات مغلوطة أن أغلبية الفريق الطبي من الطلبة (وليسوا أطباء متمرسين كما كان الوضع فعلياً). كما ظهر أن هناك تردد في صفوف بعضهم من أجل الخضوع لفحص الدم (حتى وإن أُعلموا بذلك مسبقاً ).

وفي حين قد تكون تلك بعض الأسباب التي أدت إلى الإحجام الذي شاهدناه، نعتقد أنه قد توجد أسباب أخرى أعمق وراء هذا السلوك أولاً، وعلى عكس ممارساتنا السابقة، لم نكن قد التزمنا بحق المجتمع المحلي في المشاركة منذ البداية بالنسبة لهذا المشروع. فلم نناقش معهم فكرة الدراسة أو أهدافها، كما لم نشرك ممثلى المجتمع المحلي في مرحلة التخطيط للدراسة وتصميمها، بل قمنا بأنفسنا بجميع هذه المهام. وربما يكون ذلك قد أدى إلى توليد شعور لدى المجتمع المحلي أن البحث والمعسكر لن يلبيا احتياجاته.

من الممكن أيضًا أن تكون الزيارات المتكررة للعاملين الميدانيين والتركيز على الصحة الإنجابية والأعراض الخاصة بالمناطق التناسلية قد أثارت القلق والخوف لدى هؤلاء الرجال والنساء، ومنعتهم من المشاركة. وأخيراً، قد يكون من الطبيعي أن يتردد رجال ونساء لا يحملون أي أعراض في الخضوع لتحريات لها طابع التدخل وانتهاك الخصوصية من وجهة نظرهم (الفحوص المهبلية والتناسلية)، والفحوص المعملية، وإجراء مقابلة حول تاريخهم الجنسي لمجرد الدواعي البحثية.

على أساس ما حدث في القرية الأولى، قررنا إجراء تغييرات مهمة في تعاملنا مع القرية الثانية؛ فتم إشراك المجتمع المحلي منذ مرحلة التخطيط، وتضمن ذلك سلسلة من الاجتماعات مع القيادات المحلية ومع مجموعات من النساء، كما عُبئ الشباب المحلي من الجنسين كمتطوعين حددوا على مدى ثلاثة أشهر معظم الاحتياجات، وأجروا الاتصالات مع المجتمع المحلي.

لم نخطط هنا لاختيار عينة، وإنما اتفقنا على دعوة أي شخص يسعى للحصول على العلاج. وبالتالي، سوف يتعلق الأمر هذه المرة بعينة مختارة ذاتياً، بدلاً من عينة عشوائية. إلى جانب ذلك تقرر القيام بتشخيص عام وتنظيم معسكر للعلاج، وعدم الاكتفاء بتشخيص وعلاج خاصين بالمشاكل التناسلية والأمراض المنقولة جنسياً فقط. كما رأينا عدم التركيز بلا داع على الأمراض المنقولة جنسياً أو أمراض الجهاز التناسلي في المناقشات الدائرة مع أفراد المجتمع المحلى، وكان هناك ٤٠ طبيباً من تخصصات متنوعة سيشاركون في معسكر اليومين الذي تقرر عقده خلال فترة نهاية الأسبوع بمركز الرعاية الأولية وبالمدرسة الثانوية في القرية.

اختلف المعسكر الثاني تماماً عن الأول من حيث المشاركة، فقد تم خلاله فحص وعلاج ٨٦٨ شخصاً. من بينهم ۳۷۲ امرأة وفتاة. غير أنه برزت مشاكل أخرى فيما يتعلق بالبحث الخاص بالأمراض المنقولة جنسياً. فالواقع أن الأطباء والعمال الفنيين كانوا مضغوطين بسبب أعداد المرضى. كما اضطرت إحدى طبيبات أمراض النساء (المنسقة الإكلينيكية) إلى الاعتذار عن المشاركة في اليوم الأول للمعسكر بسبب إصابتها بالملاريا. أما طبيبة أمراض النساء الوحيدة الأخرى فقد عانت من صعوبة التعامل مع الأعداد الغفيرة الموجودة.

كما اضطررنا إلى وقف جمع البيانات في الساعتين الأوائل لأنه لم يكن مناسباً أن نقضي أكثر من ساعة للحصول على التاريخ الطبي التفصيلي وتجميع العينات بينما هناك عديد ممن ينتظرون العلاج بالخارج، والواقع، أن المسألة تطلبت بعض الوقت حتى تبلور استراتيجية تمكننا من التعامل مع هذه الأعداد من المرضى.

تم اختيار ٩٤ حالة (٤٩ امرأة و ٤٥ رجل) للبحث حول الأمراض المنقولة جنسياً. وقد أظهرت النتائج المعملية التي جاءت بعد أربعة شهور أن هناك ١٧ حالة مصابة ١٤ سيدة وثلاثة رجال. فبسبب بعض المشاكل الداخلية، لم يتمكن المعمل من تسليم النتائج خلال فترة معقولة، مما جعل المشاركون لا يكفون عن توجيه الأسئلة للعاملين في سارثيطوال هذه المدة. وهو ما شكل ضغطاً على العاملين الذين لم يحملوا إجابات شافية على تلك الأسئلة.

كانت ظروف الخدمة في المعسكر أعلى بكثير مما هو متاح عادة في هذه المجتمعات. ونتيجة لذلك، برزت توقعات غير واقعية؛ فقد كنا خططنا لمتابعة من منتظمة فيما بين أغسطس ١٩٩٤ وفبراير ۱۹۹5، تتضمن نحو ثلاث زيارات لكل حالة حضرت إلى المعسكر. كما تمنا خلال هذه المدة بعدد من الدراسات الكيفية الصغيرة حول الأمراض المنقولة جنسياً. وقد كشف العمل الميداني المكثف، والبيانات الكمية التي تم تجميعها حجم الاحتياجات الصحية للناس التي لا يتم تلبيتها. فقد صادفتنا حالات مثل سقوط الرحم من الدرجة الثالثة، وانتشار واسع للعقم وهي الحالات التي لا يمكن علاجها بطريقة مناسبة في معسكرات صحية مؤقتة.

كما توقفنا عن تجميع البيانات وإجراء البحث لأننا اعتبرنا أنه من غير الأخلاقي الاستمرار في ذلك قبل تلبية احتياجات الناس من الخدمات الصحية، من أجل تحقيق هذا قمنا بتأسيس مجالس لصحة القرية. وتدريب المتطوعين الإناث والذكور من داخل هذه المجتمعات، وتطوير نظم للإحالة، كما قررنا أن تكون أنشطتنا البحثية في المستقبل بالتوازي مع توفير الخدمات الصحية الأساسية النابعة من الاحتياجات المجتمعية.

حتى هذه اللحظة، كانت سارثيقد قامت فقط ببحوث موجهة نحو التغيير، قائمة على المشاركة المجتمعية، وذات ميزانيات منخفضة، وهو ما بدا ناجحاً ومفيداً. في هذه المبادرات البحثية، يقوم السكان المحليون (بما فيهم العاملون في المنظمة) ببلورة الأسئلة البحثية، والمشاركة في الحصول على إجابات لها، وذلك بالوتيرة التي تناسبهم. فعلى سبيل المثال، في أحد البحوث الموجهة نحو التغيير حول العقاقير التقليدية (3)، تم تجميع البيانات من خلال ورش العمل مع المعالجين التقليديين، واللقاءات في القرى مع الكبار، والتمارين بالمشاركة مع أطفال المدارس. كما ساهمت الزيارات الميدانية في الغابات مع النساء المحليات في التعرف على الأعشاب التي تستخدم تقليدياً لعلاج المشاكل التناسلية التي تعاني منها النساء. وقد أدت آلية البحث تلك إلى تمكين هؤلاء النساء اللاتي مثلن مصدر المعلومات الأساسي؛ وحينما قمنا بدمج ما حصلنا عليه من معلومات، بدأت النساء يدركن ثراء المعرفة التي يمتلكنها.

إلا أن المشروع البحثي حول الأمراض المنقولة جنسياً كان ذو طبيعة أخرى؛ فمن شأن البحث الإكلينيكي المساهمة في تحديد مدى جدوى قيام سارثيبتأسيس برنامج للتعامل مع الأمراض المنقولة جنسياً مستنداً إلى المجتمع المحلي، كما يمكن أن يساعد البحث في تقديم البيانات حول مدى انتشار تلك الأمراض. إلا أن هذا الأمر لم يكن على جدول أعمال المجتمع المحلي. ربما لو بدأنا بالدراسة الكيفية، لنجحنا في إعداد السكان بطريقة أفضل للبحث الإكلينيكي؛ ولكننا خشينا من تضاؤل اهتمام الأطباء لو انتظروا حتى الانتهاء من الجزء الكيفي.

وهذا ما جعلنا في حالة تبعية لهؤلاء المهنيين الخارجيين أي أطباء أمراض النساء والفنيين – سواء فيما يتعلق بالتزاماتهم الأخرى، أو بوتيرة عملهم. فنظراً للجدول المتخم لمعمل التحاليل، لم يكن بمقدوره إعارة العاملين لأكثر من يومين على أقصى حد. كما تبين أن هناك صعوبة في أن يأتي الأطباء أكثر من يومين كل مرة. وبالتالي، جاءت عملية تنظيم معسكرات أطول وبأعداد أكبر تتوافر فيها مشاركتهم جميعاً خلالها من المسائل الصعبة، على الرغم من أن إنجاز ذلك كان من شأنه خدمة مصالح المجتمع المحلي بطريقة أفضل.

نظرًا لطبيعة التمويل المطلوب بالنسبة لهذا النوع من البحوث الإكلينيكية، ارتفعت معدلات القلق الخاصة بإنجاز أهداف البحث فخلافاً لأعمالنا السابقة التي تميزت بروح الاستكشاف والبحث؛ ظهرت فجأة الضغوط لتبيان النتائج.

أشارت خبراتنا مع المعسكرين بطريقة واضحة إلى الحاجة لعملية طويلة ومدروسة بعناية، إلى جانب الاتساق مع وتيرة المجتمع المحلي وتلبية احتياجاته بطريقة أفضل. ويبدو لنا أن الاهتمام بالعملية نفسها أمر أساسي من أجل تأمين الموافقة المبنية على المعرفة التي تحترم سلامة الأشخاص الذين يتحولون إلى موضوعات للدراسة؛ وهو المبدأ الأخلاقي المهم وفقًا لمجلس المنظمات الدولية في العلوم الطبية عندما تتعلق البحوث بالبشر(4).

علمتنا خبرتنا في المعسكر الأول أن الموافقة المبنية على المعرفةالتي يتم الحصول عليها خلال مقابلة واحدة أو اثنتين قد لا تكون ذات مغزى كبير للمشاركين في الدراسة. فهناك حاجة إلى عملية تربوية، تتضمن المناقشة والحوار لمساعدة الناس على موازنة الأسباب التي تؤيد أو تنهي المشاركة، والوصول إلى قرار مدروس قبل الانضمام لعينة البحث.

كما أن منع الرجال للنساء في أسرهم من المشاركة في المعسكر قد دفعنا إلى مسائلة معنى استقلاليةالنساء كمشاركات في البحوث داخل مجتمع يعتقد فيه الرجال أنهم يمتلكون أجساد النساء. عند إجراء البحوث قد تتحقق استقلالية النساء فقط من خلال تدخلات طويلة المدى على مستوى المجتمع المحلي تسهل من تمكين النساء، وترفع وعي الرجال بقضايا النوع. ويمكن القول أن الظروف المثالية لهذا النوع من البحوث تتم حينما تكون هذه الممارسات قد استمرت سنوات طويلة.

أثارت خبرة سارثيفي إجراء هذا المشروع البحثي عديداً من الأسئلة، لم نجد لمعظمها إجابات حتى الآن. هل نوعية البحث الإكلينيكي الذي قمنا به حول مدى انتشار أمراض الجهاز التناسلي مناسبة لمنظمة قاعدية مثلنا؟ كيف يجب أن يكون تصميم البحث، وما أنواع الأسئلة البحثية التي تساعدنا على تطوير برامج فعالة؟ والأهم من ذلك، ما حجم البحوث المطلوبة قبل أن نبدأ أو نستطيع البدء في تقديم الخدمات للمصابين؟

نرى أن خبرتنا المحدودة لا تسمح لنا سوى بتقديم وجهات نظر تجريبية / غير نهائية. فنحن نشعر الآن أن البحوث لا يجب أن تكون منعزلة ومستقلة عن الأنشطة بالنسبة للمنظمات القاعدية والدفاعية. فعلى سبيل المثال، لو كان علينا إجراء بحث حول الأمراض المنقولة جنسياً مرة أخرى، سوف نقوم بتجميع البيانات المناسبة كجزء من العمل الجاري للأروجيا ساخي، وسوف نقوم بتطوير مهاراتهن في التشخيص وتدوين التأريخ الصحي. وتعديل استمارات الحالات حتى تستطيع أن نحدد بشكل أفضل ما إذا كانت المرأة مصابة بمرض منقول جنسياً أم بمرض غير منقول جنسياً، والتعرف أيضًا على أي أعراض قد توجد عند الزوج أو الشريك.

ومن شأن تحليل هذه الاستمارات بعد سنة أو سنتين أن يمنحنا فكرة حول حجم الأمراض المنقولة جنسياً المحتملة بالنسبة إلى إجمالي عدد الإصابات المهبلية. كما سيمكننا هذا من تقييم عدد النساء المحليات اللاتي يقمن بالإبلاغ عن أعراض محددة، واللاتي يسعين للحصول على العلاج من الأروجيا ساخي“. هذا النوع من التحليل كاف لكي نقوم بإطلاق برامج وقائية والنهوض بالصحة وفقاً لمقاربة الأعراض المتزامنة التي تنادي بها منظمة الصحة العالمية، على الرغم من محدودية تلك المقاربة. منظمة كمنظمتنا معنية بالصحة، ومستندة إلى المجتمع المحلي، قادرة على تبني مقاربة تمزج بين الحملات التربوية الموجهة للنساء والرجال حول عوامل الخطر التي تتضمنها الأمراض المنقولة جنسياً. وتشجيعهم على إجراء الكشف الطبي المنتظم إلى حين شفائهم هم وشركائهم.

حينما يتم البحث بواسطة فريق بحثي من خارج المجتمع المحلى هناك حاجة إلى خلق الهياكل والأليات التي تسمح بشراكة حقيقية على امتداد عملية البحث فيما بين الفريق الخارجي، والمجتمع المحلي، والمنظمة غير الحكومية القاعدية. كما نعتقد أن القيادة لابد أن تكون للمجتمع المحلي والمنظمة القاعدية في تحديد نوع القضايا والأسئلة التي يجب أن تتناولها البحوث؛ وعلى المنظمات البحثية تعلم الاستجابة للاحتياجات بدلاً من القدوم بجدول أعمال بحثي معد مسبقًا. ينبغي أيضًا وضع الآليات التي تمكن المجتمع المحلي والمنظمة القاعدية من المشاركة النشطة في كتابة المقترحات ووضع الموازنات، هذا من شأنه أن يغير توزيع علاقات القوة الحالي، حيث السلطة في أيدي الباحثين؛ وإلا ستبقى المنظمات غير الحكومية مجرد أدوات تيسر الوصول إلى المجتمعات المحلية التي تكون بدورها مجرد موضوعاتللبحث.

كما يجب أن يكون تصميم البحوث، والمنهجيات المتبعة مناسباً لاحتياجات المجتمع المحلي، ووتيرة الحياة فيه. فعلى سبيل المثال، ينبغي أن يولي الباحثون الأولوية للجداول الزمنية لسكان القرية بدلاً من فرض جداولهم الخاصة المعدة مسبقًا.

كما ينبغي أن تستجيب إجراءات اختيار العينة احتياجات الناس حتى لو أدى ذلك إلى الحد من نطاق تعميم النتائج. من الضروري أن تدمج البحوث القادمة حول المشاكل الصحية توفير الرعاية والمتابعة المناسبة والاستمرارية للخدمات الصحية الأساسية بدلاً من الاكتفاء باستعمال الناس كمصدر للبيانات.

من المهم أن تؤدي الخبرة البحثية إلى تمكين المشاركين على غرار الباحثين، والسماح للناس بترتيب احتياجاتهم حسب الأولوية، وتوجيه الأسئلة المناسبة حول المشاكل التي يحددونها، والمشاركة في جمع البيانات وعملية تحليلها.

أخيراً، يحتاج الباحثون إلى الوصول إلى اللغة المناسبة والأساليب الملاءمة لإبلاغ النتائج البحثية ذات المغزى إلى أعضاء المجتمع المحلي: بهذه الطريقة. يظل الإشراف على عملية البحث ونتائجه بين أيدي المجتمع المحلي، ويكون مفيداً له بأكثر من طريقة.

تم نشر نسخة سابقة من هذه الورقة في نشرة دائرة الطب الصديق، يناير ١٩٩٦. أقدم شكري لزملائي في منظمة سارثيالذين بذلوا جهوداً كبيرة، وشاركوا في كل النضالات المرتبطة بالمرحلة البحثية. كما أقدم الشكر إلى س. سرينافاسان وماسوما ممداني اللذان ساهما بأفكارهما لكل ما جاء في هذه الورقة

شارك:

اصدارات متعلقة

الحصاد - عامان على الخلع " دراسة تحليلية "
دليل تدريبي " العنف ضد النساء "
فتحي نجيب والحركة النسائية المصرية وحقوق الانسان
ممنوع على الستات
ماما تحت الأنقاض
تشويه مش طهارة
العمالة المنزلية : استغلال جنسي تحت نظام الكفالة
المرآة لم تحررني، بل زادتني بوعي وثقل تاريخي كأنثي