قضايا المرأة المصرية بين التراث والواقع

تاريخ النشر:

2004

عرض:

قضايا المرأة المصرية بين التراث والواقع

(دراسة للثبات والتغير الاجتماعي والثقافي)

عبر استخدام أدوات المنهج الأنثروبولوجي المختلفة، والتمكن من الخبرة الميدانية تقدم دكتورة علياء شكرى هذه الدراسة الهامة الصادرة عن مركز البحوث والدراسات الاجتماعية– كلية الآدابجامعة القاهرة (طبعة أولى عام ٢٠٠٣)، والتي تحاول فيها رصد الثابت والمتغير في الثقافة المصرية وعلاقته بقضايا النساء في ظل عولمة للقوانين الدولية، واتساع مظلة الاتفاقيات الدولية ذات الصلة بقضايا المرأة المصرية سـواء على صعيد الأحوال الشخصية أو على صعيد القضايا المرتبطة بتمكينها.

وتعد هذه الدراسة بمثابة نواة لما يمكن أن نطلق عليه أنثروبولوجيا الفضاء الخاص وهو «المجال المتعلق بالأدوار والأنشطة الخاصة بالمرأة والتي تؤثر على مكانتها وعلاقتها وحركتها داخل الأسرة الممتدة / المجتمع المصغر، كما يتضمن أيضًا قدرًا من التدخل من جهة الدولة»(*)

تقع الدراسة في 443 صفحة، متضمنة ثلاثة أبواب تحتوى على ثلاثة عشر فصلاً، إضافة إلى تصدير للدكتورين محمد الجوهرى وحسن حنفي، ومقدمة ثم قائمة بالمراجع والملاحق.

تبدأ المقدمة بعرض للمنهج والأدوات المستخدمة، والدراسات السابقة المرتبطة بموضوع البحـث، وتحديد مجتمعات الدراسة وأسباب اختيارها، فقد اتسعت الدراسة لتشمل خمس محافظات بين بدوية وحضرية وريفية، وذلك في محاولة للوقوف على عتبة تمثل بقدر ما المجتمع المصرى. وتوزعت المحافظات على النحو التالي:

محافظة أسيوط (وجه قبلی)

بندر منفلوط

قرية الطامية

محافظة المنوفية (وجه بحرى)

بندر أشمون

قرية الخور

محافظة الإسكندرية (حضر)

محرم بك

كليوباترا

العجمي

باکوس

القباري

محافظة شمال سيناء (صحراء شرقية)

مدينة العريش

مدينة الشيخ زويد

محافظة مرسى مطروح (صحراء غربية)

مدينة مطروح

منطقة علم الروم وبالتحديد أولاد على

تهتم الدراسة بالأنماط الاقتصادية والاجتماعية والثقافية التي يتميز بها كل مجتمع محلى، وأشكال الضبط الاجتماعى ودرجة التحـضر أو التغيرات التي لحقت بهذه المجتمعات مؤخرًا. ويعد هذا الجزء من الدراسة مدخل عـام، فهو يعين القارئ على الوقوف جيدًا على طبيعة مجتمعات الدراسة، ومن ثم اختيار التساؤلات للبحث بالإضافة إلى ما يمكن أن يلجأ إليه الباحث في هذه المجتمعات للحصول على المعلومات الخاصة بالدراسة.

يعتمد البحث على دليل ميداني، ينقسم إلى عدد من البنود التي تتلخص في الزواج، المهر، العنوسة، الطلاق، التعليم، العمل،ووفقًا لهذه البنود التي سعت المؤلفة إلى تطويرها اعتمدت على مجموعة منتقاة من الدراسات السابقة لتخدم هذا البحث، والتي تتناول عددًا من المحـاور الأساسية: العمل، القانون، التعليم، الطلاق، العنف ضد المرأة، والتحرر. وقد خلصت المؤلفة من أن معظم الدراسات السابقة في مجال المرأة قد أغفلت تناول عدة موضوعات غاية في الأهمية وهي: الذمة المالية للمرأة، حق النساء في الترقية، وحقهن في الميراث وطرق التحايل المجتمعي على هذا الحق.

والسؤال الأساسي الذي تحاول الدراسة الإجابة عليه هو مدى تطبيق القوانين المتعلقة بقضايا النساء في الممارسة الفعلية أو اليومية، بمعنى دراسة الفرق بين الممارسة من جهة والقوانين والتشريعات من جهة أخرى، أو كما تقول المؤلفة الفرق بين القول والفعل.

وفي الباب الثاني الذي جاء بعنوان (قضايا الأحوال الشخصية بين التراث والواقع) تعالج الدراسة، بالتتابع في فصول ستة، القضايا المرتبطة بالزواج والطلاق وتعدد الزوجات والآثار المترتبة على سفر أحد الزوجين للخارج والعنف ضد المرأة وأخيرًا حق النساء في الميراث وأشكال التحايل الاجتماعية التي يمارسها الأفراد ضد هذا الحق.

وبالنسبة لقضية الزواج ترى المؤلفة أن هناك قيودًا مازالت تمارس على الفتاة في اختيار شريك حياتها سـواء في الريف أو الحضر أو البدو وتمارس دورها وذلك استنادًا إلى الموروث الثقافي الذي يبرر في أغلب الأحيان قهر الفتاة وتزويجها ممن تتم الموافقة عليه من الأسرة أو العائلة أو القبيلة. وتؤكد الدراسة أيضًا أن هذا الحق، رغم التعليم والإعلام وغيرهما، مازال منقوصًا في المجتمع الريفي. فهناك حرية نسبية للفتاة في اختيار شريك حياتها، هذه الحرية تقلصها أو تدعمها التجارب الشخصية للأقارب وعلى الأخص الأهل. أما في المجتمع الحضرى فحرية الفتاة ترتبط بالإمكانيات الاقتصادية والمستوى التعليمي والثقافي للأسرة. وفي حالة المجتمع البـدوى حرية البنت أقل كثيرًا من المجتمعين السابقين. فهناك على سبيل المثال في المجتمع البدوي تقليد يسمى (مسك بنت العم) أي على ابن العم أن يمسك ابنة عمه، حتى لو كان عمره 10 سنوات وهي عمرها ٢٠ سنة (كما تذكر الحالات ص 146) ولا يمكن لها أن تتزوج إلا بعد أن يحلها ابن عمها أو «يفكها»، بمعنى أن يعطيها الإذن بالزواج من غيره.

وللمرأة الحق في المهر، ولكنه يخضع في نفس الوقت للبعد الاجتماعي والطبقى للمتصاهرين. وتناقش الدراسة مسألة السن المناسبة لزواج الفتـاة في كل مجتمعات الدراسة، وتذكر أن هناك اتفاقًا عامًا في السنوات الأخيرة حول أهمية وصول البنت للسن القانونية، وأيضًا القدرة الجسمانية لتحمل أعباء الحياة الزوجية. وتشهد هذه المجتمعات، بتفاوت ما، ارتفاعًا ملحوظًا في معدل سن الزواج وذلك بسبب الـتـعـلـيـم والظروف الاقتصادية السيئة التي يمر بها المجتمع ككل.

وفي الفصل الثاني من نفس الباب، تتناول الدراسة القضايا المرتبطة بالطلاق ومدى أحقية المرأة في ظل الثقافة السائدة في طلب الطلاق، والظروف التي تدفع الرجل لتطليق زوجته، والإجراءات المتبعة اجتماعيًا وثقافيًا في حالة حدوث الطلاق، فالبعـد الثقافي والموروث يلعبان دورًا في ممارسة هذا الحق عمليًا، فالرأي لدى الريفيينحسب الإخباريين– أن المرأة لا يجوز لها طلب الطلاق، وقد عـده البعض بأنه حرام وعلى الرجل أن يطلق امرأته قبل أن تطلب هي ذلك حفاظًا على كرامته. لكن هذه الأيام تغير الأمر وأصبح أمرًا عاديًا أن تطلب المرأة الطلاق، أما الحضر فنساؤه أكثر وعيًاكما ترى المؤلفة– وأكثر قدرة على الدخول في منازعات من أجل الحصول على الطلاق، وفي المجتمع البدوى لم يكن ذلك موجودًا حسب التقاليد والعادات، حتى لو تزوج الرجل مرة ثانية أو ثالثة، ولكن الآن ارتفعت نسبة الطلاق بسبب تغيرات في الظروف الاجتماعية والثقافية.

أما بالنسبة لمسألة تعدد الزوجات، تذهب الدراسة إلى توضيح موقف الإسلام من هذه القضية ومن ثم تنتقل إلى مجتمعات الدراسة، بدو وحضر وريف ولكن بدرجات متفاوتة، ففي المجتمع البدوى يتعامل الأفراد مع هذا الموضوع باعتباره حقًا طبيعيًا للرجل أحله الشرع، وتؤسس له التقاليد، بل هو أساس التكوين العائلي، أما في الريف فينظر إلى الأمر بتحفظ ولكن بدون استهجان.

ويتفق الإخباريون أن الرجل يتزوج إذا انتعشت أحواله الاقتصادية أو كان يريد ولدًا، والأمثال الشعبية تعزز هذا المسلك بالإضافة إلى تلاعب الرجال وتحايلهم في هذا الشأن. وتحت عنوان «الأبعاد الطبقية للتعدد» في نفس الفصل تذهب الدراسة نحو هذا الحكم العام «لا تتباين مواقف الرجال من التعدد كثيرًا، بالرغم من اختلاف أوضاعهم الطبقية، ولكن قد يختلف أسلوب التعامل باختلاف الزمان والمكان والمرحلة العمرية، كما قد تؤثر الظروف الاقتصادية بشكل حاسم في ممارسة الرجل للتعدد» ص 231.

تطرح الباحثة سؤالاً رئيسيًا في الفصل الرابع حول الآثار المترتبة على كيان الأسرة واستقرارها عند سفـر أحد الزوجين، فقد أكدت الدراسات السابقة في علم الاجتماع والأنثروبولوجيا على الأضرار التي تلحق بالأسرة بسبب سفر الزوج على وجه التحديد، وهو ما عرف باسم «تأنيث الأسرة المصرية» وترصد الدراسة الحالية أهم الآثار التي تظهر على الأسرة نتيجة سفر أحد الزوجين. وتؤكد المؤلفة على أن أحقية الزوجة في السفر والعمل بالخارج ساعد على بروز مسألة الذمة المالية المستقلة للنساء.

تنتقل الدراسة بعد ذلك في الفصل الخامس إلى تتبع أشكال العنف ضد المرأة وأسبابه وآثاره، ودور التراث في تدعيم السلوك العنيف ضد المرأة، ومن أهم صور العنف ضد المرأة التي تقف عندها الدراسة: الختان «الدخلة البلدي»، العنف الاقتصادي أي منعها من العمل، أو سلبها أموالها، والعنف النفسي والاجتماعي والذي ينتشر بالأكثر بين الشرائح الطبقية العليا والمتوسطة كما اتضح من شهادات الإخباريين. وحسب الدراسة يبقى الضرب أقل انتشارًا نسبيًا في المجتمع الحضري قياسًا على ما هو عليه في الريف والبادية.

قضايا الميراث وأشكال التحايل التي يمارسها الرجل في الغالب للحيلولة دون حصول المرأة على حقها في الميراث هو موضوع الفصل السادس، حيث ترى الدراسة أن التراث يدعم مسألة عدم توريث النساء، وأغلب الناس لا يحبذون توريثها خاصة في الأرض والعقارات، ويفضلون منحها ما يعادل الميراث مبالغ نقدية، وبالطبع بعد تثمين الموروثات بثمن بخس لا علاقة له بسعر السوق. وقد يلجأ الإخوة الذكور– كما تؤكد الباحثة– لأشكال من التزييف والنصب، وخاصة فيما يتعلق بالأراضي والعقارات، مثل تحرير عقود ملكية، بيع وشراء، قبل موت الأب ليقطعوا الطريق أمام توريث البنات، ولعل أبلغ مثل يردد من قبل النساء في هذا الشأن (عاشم ما ريحونا ماتم ما ورثونا)، وهذا يكشف عن نوعية الحياة التي تحياها الفتيات في ظل الأسرة، وأيضًا طريقة التلاعب في الميراث وحرمانها منه.

تتناول المؤلفة في الباب الثالث قضايا تمكين المرأة بين التراث والواقع، وتتناول أربع قضايا رئيسية تؤثر بشكل رئيسي على تمكينها داخل المجتمع، فتتناول حقها في التعليم، والعمل، والاستقلال بالذمة المالية، وأخيرًا حقها في الترقية، وتتناول خلال عرضها العوامل المجتمعية التي تؤثر على نظرة المجتمع للمرأة ومدى أحقيتها في الحصول على حقوقها، وتؤكد الباحثة في نهاية الدراسة على أن المرأة مازالت تعاني من تمييز واضح على مستوى الممارسات اليومية يمنعها من الحصول على كافة حقوقها التي كفلها لها القانون، والشريعة.

ورغم ما تتمتع به الدراسة من جدية وجرأة في تناول بعض الموضوعات وخاصة موضوع الختان، إذ نبهت للتناقض القائم بين ما يردده أفراد المجتمع حول تراجعهم عن إلحاق الأذى بالمرأة، إلا أنهم يمارسـون عـادة الختان سرًا بدعـوى الحفاظ على عفة بناتهن، وتحجيم شهوتهن الجنسية، وما يمكن عمله هو قيام الطبيب بتلك المهمة بدلاً من الداية.

ورغم ذلك يمكننا أن نسوق بعض التساؤلات التي من شأنها أن تفتح مجالاً خصبًا للمناقشة وإثراء موضوع الدراسة.

أولاً: لاحظت أن مفهوم التراث في الدراسة يعادل مفهوم الدين الإسلامي، وكأن التراث يتكون فقط من الدين الإسلامي بالتحديد.

ثانياً: عند الرجوع إلى منظرين إسلاميين (وهذا يحدث كثيرًا) يتم الرجوع إلى كتابات محمد متولى الشعراوي، وهو معروف بعدائه للمرأة، فقد كان ينشر أفكاره ليل نهار على شاشات التليفزيون ويدعو المرأة إلى الرجوع إلى منزلها باعتباره جنتها وملاذ أمنها، وأن المهمة الأولى لها هي تربية أولادها بدلاً من الوقوف في محل أو العمل كممرضةالخ.

ثالثاً: في مسألة التعدد تقول الدراسة «… خاصة أن نظام التعدد ليس تشريعًا إسلاميًا، وإنما كان موجودًا قبل الإسلام فجاء الإسلام ليتعامل معه لا ليشرعه أو يرسخه»، وتقول في صفحة ٢٢٣ «أباح الإسلام تعدد الزوجات في حالات معينة مثل عدم قدرة المرأة على الإنجاب أو ظروفها الصحية، وعدم قدرتها على متطلبات الحياة الزوجية» أعتقد أن هناك تناقضًا واضحًا بين دفاع المؤلفة عن الإسلام باعتباره دينًا لم يشرع للتعدد، بالرغم من أن هذا القول يحتاج لمناقشة، وبين الحالات التي تذكرها لتبرير التعدد في الإسلام فيما يبدو وكأنه تشريع وتبرير لتشيىء المرأة لتصبح مجرد أداة لاستمتاع الرجل وتلبية احتياجاته الجنسية، فيصبح من حقه الزواج في حالات عجزها عن تلبية تلك الاحتياجات ؟ وماذا عن متطلبات الحياة الزوجية بالنسبة للزوجات تعامل الكتاب بشيء من السطحية مع مسألة تعدد الزوجات، حيث أتى بإجابات قاطعة عن أسئلة معقدة طالما دارت حولها المناقشات مثل أسباب إباحة تعدد الزوجات فقد ذكر أنه مجرد تساؤل أطرحه للمناقشة.

 

هند إبراهيم سالم: عضوة من عضوات مؤسسة المرأة الجديدة.

* انظر بحث الفضاء الخاص (تحت النشر)، أجرته مؤسسة المرأة الجديدة عام ٢٠٠٠.

شارك:

اصدارات متعلقة

الحصاد - عامان على الخلع " دراسة تحليلية "
دليل تدريبي " العنف ضد النساء "
فتحي نجيب والحركة النسائية المصرية وحقوق الانسان
ممنوع على الستات
ماما تحت الأنقاض
تشويه مش طهارة
العمالة المنزلية : استغلال جنسي تحت نظام الكفالة
المرآة لم تحررني، بل زادتني بوعي وثقل تاريخي كأنثي