قواميس السير والتراجم الإسلامية من القرن التاسع إلى القرن العاشر

التصنيفات: غير مصنف

ترجمة:

بقلم:

المنهجيات والمنظومات والمصادر

لدراسة النساء والثقافات الإسلامية المداخلات تبعا للموضوع

قواميس السير والتراجم الإسلامية

من القرن التاسع إلى القرن العاشر

تحتوي هذه المجموعات على قدر وعدد مهم من المداخلات الخاصة بالنساء، إلى جانب مواد متعلقة بالجندر متناثرة في تراجم الرجال. وتعكس أنماط النساء المقدمة في تلك المجموعات الأوساط الثقافية والسياسية التي تحرك مؤلفوها في إطارها، واقتصر تجميع الأعمال المبكرة المتوفرة على الرجال، وذلك على مدار ما يزيد على قرنين من الزمان بعد مجيء الإسلام، وفي أوج الإمبراطورية العباسية ومركزها العاصمة الإمبراطورية الجديدة، مدينة بغداد. وقد تم تأليف هذه الأعمال في الفترة التي قام فيها الباحثون بتجميع وتقييم وتصنيف المواد الأساسية عن الإسلام، أي السيرة النبوية وأحاديث ومآثر الرسول وتلخيص الشريعة وتفسير القرآن. ويبدو أن هؤلاء الباحثين قد تعاملوا مع تلك المواد المتعلقة ببدايات العصر الذهبي في تاريخ الإسلام بحذر شديد. ونتيجة لذلك، هناك صعوبة – في أحيان كثيرة – لفصل علاقات القوى بين الجنسين في المراكز الحضرية التي يعيشون فيها في الإمبراطورية الثرية، عنها في مدن الواحات في الحجاز والتي أعادوها إلى الحياة.

ويعد كتاب الطبقات الكبير لابن سعد (المتوفى عام ٢٣٠هـ. / ٨٤٥م) أقدم مجموعة من السير والتراجم الإسلامية موجودة بين أيدينا، وهو يتناول الطبقات أو الأجيال من الرجال والنساء منذ عصر الرسول وحتى أيام أبي سعد نفسه (وقد قام به المؤلف استنادا إلى كتابات سابقة لم تعد موجودة، وإلى التراث الشفاهي). ويتضمن الكتاب عدد ٤٢٥٠ ترجمة وسيرة حياة، منها ٦٢٩ لنساء، أي بما يعادل 15% من إجمالي عدد التراجم، وترد مجمعة معا في قسم خاص. أما النساء اللاتي تردن في الكتاب فهن إما من صحابيات الرسول أو جئن بعده ولم يتعاملن مباشرة مع سيدنا محمد، بل كن على صلة بأحد الصحابة، وذلك بخلاف كل الرجال الذين يرد ذكرهم في الكتاب من كل الأجيال وصولا إلى من عاصروا المؤلف.

إن الصحابة والصحابيات يتمتعون بأهمية رمزية وعملية كبيرة (وخاصة لدى السنة). وتمثل الصحابيات نسبة كبيرة من إجمالي سير وتراجم النساء والتي تم تدوينها عبر الأجيال، وقد أصبح هذا التركيز على سير الصحابيات إلى حد ما بمثابة نموذج يحتذى بالنسبة للاحقين من كتاب التراجم. ومن أكثر من حظى بالاهتمام ضمن أولئك هن قريبات الرسول وأوليات النساء اللاتي اعتنق الإسلام. وعلى الرغم من أن خط القربي وامتداد النسب الذكوري يحتلان أهمية أساسية، إلا أن السير تصور المجتمع العربي أيام الرسول على أنه مجتمع نصف أمومي (يرجع إلى نسب الأم) حيث ترد إشارات متعددة إلى امتداد علاقات القربي وخط النسب إلى الأم. وكانت السيدة خديجة، أولى زوجات الرسول هي أول من اعتنق الإسلام، إلا أنه لا يتم اعتبار كل قريباته الإناث ضمن أوائل من اعتنقوا الإسلام، فقد تم تحديد مكانة المسلمين الأوائل الذين لا يرتبطون جميعا بعلاقات القربي بالرسول – وفقا لترتيب اعتناقهم الدين. غير أنه – خلافا للصحابة الذكور – لم يرتبط الالتزام الديني للنساء أساسا بمدى المشاركة بالقتال في الحملات العسكرية الأولى. ومن هنا فإن نسبة النساء وعددهن في السيرة النبوية وغيرها من الأعمال التي تركز على النشاط الحربي للمسلمين الأوائل هي نسبة أقل كثيرا مما يرد في كتب السير والتراجم. كما تعد محاولة تفسير الآيات المتعددة التي تشير إلى النساء في القرآن الكريم من بواعث الاهتمام بدراسة سير حياة الجيل الأول من النساء المسلمات. كذلك ارتبطت بعض النساء بتفسير مقاطع من القرآن مما لا يتناول تحديدا علاقات القوى بين الجنسين.

السبب الآخر المهم، وغير الوحيد، لتضمين النساء في مجموعة السير والتراجم يعود إلى دورهن الكمي والكيفي في نقل المعلومات الشفهية، خاصة فيما يتعلق بالأحاديث والسيرة النبوية. ونجد منذ المرحلة الكلاسيكية القديمة قواميس جامعة للأحاديث النبوية الواردة عن ناقلي الأحاديث من الرجال والنساء، والتي تم إصدارها متزامنة مع جمع التراث الصحيح. ويمثل كتاب المسند لابن حنبل (١٦٤هـ./ ٧٨٠م – ٢٤١هـ./ ٨٥٥م)، وهو أحد معاصري ابن سعد في بغداد، واحدا من أولى المجموعات الرسمية الموثوق فيها، حيث تم ترتيب الكتاب تبعا لمصدرها الأصلي، وتضمن التراث الذي ورد عن ۱۲٥ امرأة من إجمالي ٧٠٠ من الصحابة، بنسبة ۱۸% من النساء إلى الرجال. وعندما حل الترتيب تبعا لكتب التراث المصنفة تصنيفا حسب الموضوع، محل الترتيب التابع للمصادر الأولية، ازدادت أهمية الفهارس الخاصة بأسماء المحدثين والمحدثات (أي ناقتي التراث الديني). وقد قام البخاري (المتوفى عام ٢٥٦هـ./ ٨٧٠م) بتأليف أول تلك الفهارس التي تضمنت تجميعا لأهم الأحاديث الصحيحة المصنفة حسب الموضوع بعنوان الجامع الصحيح، كما قام تلميذه ابن أبي حاتم الرازي (المتوفى عام ٣٢٧هـ. / ۹۳۸م) بترتيب المحدثين والمحدثات تبعا لمصداقيتهم. ويتضمن هذان الكتابان من التراث أقساما منفصلة خاصة بالنساء المحدثات. أما ابن حبان (المتوفى عام ٣٥٤هـ./ ٩٦٥م)، وهو باحث في الأحاديث من نيسابور من المراكز الثقافية والتجارية المهمة في هذه الفترة – ألف قاموسا بأسماء المحدثين أهل الثقة، ثم ترتيبه وفقا للأجيال، ويؤكد هذا العمل أن عدد المحدثات من الأجبال الأولى ممن يعتبرن أهلا للثقة هو عدد قليل للغاية (يبلغ عددهن ٢٢٢ محدثة مقارنة بما يقرب من ١٠٠٠ ممن وردت أسماؤهن في مصادر أخرى تتعلق بمعلومات صادرة من الرسول أو عنه). ولم تكن مسألة الانتماء إلى جنس دون الآخر معيارا بالنسبة لعلماء الحديث الكلاسيكيين، حيث لا تختلف نسبة النساء اللاتي يعتبرن أهلا للثقة عند ابن حبان (واللاتي تبلغ نسبتهن 16.5%) جذريا عن نسبتهن من الصحابيات بصفة عامة. غير أنه كان ينظر إلى المحدثات باعتبارهن مختلفات بالقدر الذي يدفع إلى وضعهن في أقسام منفصلة في الكتب، ومن ناحية أخرى، يؤكد شكل كتاب ابن حبان على النقص الحاد في نسبة وعدد المحدثات من الجيلين الثاني والثالث (نسبة 1.9%، وعدد ۹۰ امرأة فقط في مرحلة الخلفاء، مقابل ۱۲ امرأة بالنسبة للجيل الثالث)، كما تنعكس نفس الظاهرة في كتاب. الطبقات الكبيرة لابن سعد.

يتضمن عديد من سير وتراجم النساء معلومات عن السوابق القانونية أو العرفية التي لم ترد مفصلة في القرآن، وهي أمور ترتبط في غالبيتها بالفروق بين الجنسين، مثل طقوس الطهارة، والزواج والطلاق، وإجراءات الدفن، ومظهر النساء. وتشير بعض مصادر التراث بشأن ما كانت ترتديه المسلمات الأوليات، أو يتجنبن ارتداءه إلى بساطة ملابسهن. ففي كتاب الزواج في المراحل المبكرة للإسلام (Gertrude Stern، Marriage In Early Islam) الصادر عام ۱۹۳۹، تخلص جيرترود ستيرن إلى أن تعبير الحجابصار يحمل معنى محددا بحلول القرن التاسع، وهو ما يؤكد المقولة الشائعة بشأن غزل بعض النساء، وبشأن الزي القانوني للنساء الذي يتطلب تغطية كامل الجسد ما عدا الوجه والكفين والقدمين، هي مقولة صادرة عن البيزنطيين والساسانيين، وناتجة عن التأثيرات الإمبراطورية. وعلى الرغم من إمكانية صحة ذلك، إلا أن ابن سعد وكتاب السير والتراجم اللاحقين لم يهتموا بالمسائل القانونية الدقيقة المتعلقة بما هو مسموح به أو محرم على النساء في سياق الحجاب. وهنالك معلومات واردة في هذه السير تدعم فكرة عزل النساء، في حين توحي أجزاء أخرى يتمتع النساء بدرجة أكبر من الحرية. إن صمت كتاب السير وموقفهم الملتبس تجاه هذه القضية ربما يعود إلى قيامهم بنقل المعلومات بطريقة آلية فيما يتعلق بالعصر الذهبي للإسلام، حتى لو كانت تلك المعلومات غير واضحة أو متنافرة. وربما يعكس تناولهم لتلك المسألة التوتر الموجود بين الممارسات في العصور السابقة وبين الواقع المعاش اجتماعيا في زمانهم. وقد يعود ذلك أيضًا إلى افتراض بأن المسلمات الأوليات التزمن بالضرورة بقواعد العزل والزي، وهي القواعد التي ظهرت في مراحل لاحقة، ويبدو واضحا أن أي معلومة تتناقض مع هذا التصور يتم إرجاعها إلى المرحلة السابقة على نزول آية الحجاب“. ومن المهم الإشارة إلى أنه في سياق السوابق الشرعية أو العرقية يمكن أحيانا الربط بين النساء وأصل القاعدة وذلك في المسائل غير المتعلقة بالنوع الاجتماعي تحديدا، مثل السرقة والعبيد المحررين والصدقة. إن الإشارة إلى النساء باعتبارهن نماذج شرعية وقيمية في مجموعات السير والتراجم لابن سعد وآخرين قد تزامنت مع العصر الكلاسيكي لتطور القانون الإسلامي. ويوحي ذلك بأن التحليل على أساس الجندر في الكتب القانونية الأولى من شأنه تحقيق التكامل وتعميق الملاحظات المستمدة من السير.

إن الصحابيات والتابعات اللاتي ارتبطن بشكل ما بالأحداث العظيمة والمعجزات أو من عرفن بالتقوى والتفاني للإسلام يمثلن أهمية كبرى لا باعتبارهم مجرد مثل يحتذى بالنسبة لغيرهن من المسلمات، بل أيضًا لكونهن من أوائل المتصوفة في الإسلام. وعلى الرغم من أن الحركة الصوفية قد تطورت في القرنين الثامن والتاسع، أي بعد فترة طويلة من زمن الرسول، فمن الطبيعي أن يكون ابن سعد وابن حبان وكتاب سير كبار المتصوفة قد ضمنوا الصحابة بصفتهم من أوائل المسلمين المخلصين. ونجد أن أقدم قاموس متوفر يضم النساء الصوفيات هو كتاب ذكر النسوة المتعبدات الصوفيات أعده السلمي (٣٢٥هـ./ ٩٣٧م – ٤١٢هـ. / ۱۰۲۱م)، وهو الآخر من أبناء نيسابور في القرن الحادي عشر، ويورد هذا القاموس حوالي ۸۰ امرأة (باستثناء الصحابيات)، مقارنة بعدد ۱۰۰ رجلاً يوردهم السلمي في كتاب طبقات الصوفية. وفي حين نادرا ما تقوم الحكايات عن المتصوفات بذكر التواريخ، إلا أنه يمكن تحديد التواريخ بالاستدلال عليها من مصادر خارجية من العصر الذهبي للصوفية في القرنين الثامن والتاسع.

تتعلق بعض المعلومات، الواردة في السير والتراجم الكلاسيكية للنساء، بالمزايا المادية وبالتبعات السياسية، حيث يشير كاتبو سیر صحابيات الرسول بالتفصيل إلى حالات تلقت فيها بعض النساء نصيبا من غنائم الحروب. فقد ثم تحويل أجزاء من غنائم خيبر إلى بيت المال ليتم إنفاقها في صورة رواتب ومعاشات من خزينة الدولة الإسلامية استمرت على الأقل حتى العصر العباسي. إن موضوع تخصيص قدر من أموال الدولة للنساء أو للذكور من أبناء وأحفاد الصحابيات هو موضوع جدير بمزيد من البحث والدراسة. ونادرا ما يتم تصوير النساء في السير باعتبارهن منخرطات بطريقة مباشرة في الشؤون السياسية، إلا أن سير وتراجم النساء توحي برسائل سياسية تشير إلى مزايا المسلمين الأوائل مع وجود إشارات تحط من قدر الأمويين (الذين قام العباسيون في عام ٧٤٧ بالقضاء على دولتهم ومركزها مدينة دمشق)، في حين تتضمن صورا إيجابية للعباس، وخاصة لزوجته أم الفضل، مع وجود تلميحات حول العلاقات العباسية – العلوية.

وتعد مجموعات السير والتراجم الكلاسيكية مصدرا ثريا للبحوث من منطلق الجندر، والتي ما زالت في حاجة إلى معالجة كاملة. فمن مزايا السير والتراجم أنها تقدم معلومات مركزة حول النساء في هيئة سهلة التناول، إلا أن هذه المواد مجردة من السياق الذي نجده في مصادر أخرى معاصرة لها، مثل السيرة النبوية والأحاديث والملخصات القانونية وكتب تفسير القرآن، وكتب الوقائع التاريخية. ونجد أن اهتمامات النظام الديني والعلمي تؤثر إلى حد كبير على مضمون مجموعات السير والتراجم، بما يفسر لنا غياب المعلومات عن العديد من الأنماط المهمة من النساء، وعن جوانب كثيرة من حياتهن. بل إن الوسيط في تقديم أصوات النساء هم جامعو السير والتراجم من الذكور، كما تؤثر المشاكل المتكررة التي نجدها في النصوص المكتوبة في المرحلة العباسية باعتبارها العصر المثالي للإسلام بطريقة سلبية على هذه الأعمال. كما يؤدي التناقص الحاد في عدد ونسبة النساء، الموثقة أدوارهن في العصور اللاحقة على الجيل الأول من المسلمين، إلى الحد من القدرة على عقد المقارنات بشأن علاقات القوى بين الجنسين خلال العصر العباسي مقارنة بصورة النساء في فجر الإسلام تبعا لما تشكلت عليه آنذاك. إلا أن الأعداد الغفيرة والنسب المهمة لنساء من العصر الذهبي للصوفية واللاتي تم ذكرهن وإلقاء الضوء عليهن في القرن العاشر، هو أمر يؤكد على الدور المهم الذي تلعبه النساء في مرحلة نشأة وتشكل الحركات الدينية. ولعل هذه الصور المثالية البديلة، والتي برزت كرد فعل لانتشار العلوم والقوانين والثراء بل وربما كرد فعل أيضًا للنزاعات السياسية التي أخذت تتزايد في المجتمع الإسلامي، تساهم في استعادة حياة الصحابيات بصفتها حالة مثالية تنتمي إلى الماضي.

المصادر العربية

محمد بن سعد، كتاب الطبقات الكبير، تحقيق العباس، 9 مجلدات، بیروت ١٩٦٠ ١٩٦٨.

 

Muhammad Ibn Hibban, Kitab al- thiqat, ed. M. A. Khan, 8 vols., Hyderabad 1973 – 82.

Muħammad Ibn al-Ħusayn al-Sulamī, Early Sufi women. Dhikr al-niswa al-muta‘abbidāt as-Sufiyyāt, ed. And trans. R. E.
Cornell, Louisville, Ky. 1999.

Ruth Roded, Women in Islamic biographical collections: From Ibn Sa‘d to Who’s Who, Boulder, Colo. 1994.
G. Stern, Marriage in early Islam, London 1939

شارك:

اصدارات متعلقة

الحصاد - عامان على الخلع " دراسة تحليلية "
دليل تدريبي " العنف ضد النساء "
فتحي نجيب والحركة النسائية المصرية وحقوق الانسان
ممنوع على الستات
ماما تحت الأنقاض
تشويه مش طهارة
العمالة المنزلية : استغلال جنسي تحت نظام الكفالة
المرآة لم تحررني، بل زادتني بوعي وثقل تاريخي كأنثي