قوانين ظالمة ومجتمع أكثر ظلمًا

اعداد بواسطة:

الحرمان من الحق في الإنجاب

القتل على الأسفلت

التحرش الجنسي.

…. عندما نقول أو نكتب جملة العنف ضد المرأة قد يتبادر للسامع أو القارئ أن العنف ضد المرأة ليس مقصودًا به أو ليس موجودًا ومتجليًا إلا في الضرب أو الاغتصاب أو أحيانًا وكثرت هذه الأحيان القتل الذي لا تخلو صحيفة من أخباره يوميًا، حتى أوشك أن يصبح ظاهرة.

ولكننا نرصد في هذه السطور عنفًا آخر يمارس ضد المرأة ويصيبها إصابات بدنية ونفسية ويصيبها في وجودها رغم إنه قد لا يحدث آثارًا ولا تورمًا في الجسد ولا سيل دماء، إنه العنف الواقع عليها في العمل وقبل أن نبدأ في رصد مظاهر هذا العنف لابد أن نسجل أولاً أن الإحصاءات الرسمية لسنة ٢٠٠٢ سجلت أن ٢٣% من الأسر تعولها نساء من ناتج عملهن، وإحصاءت أخرى وصلت إليها منظمات المجتمع المدني رصدت أن النسبة تصل إلى 57%…

ولنأخذ نماذج من العنف ضد المرأة تمارس وبالقانون، فقانون العمل الموحد القانون ١٢ لسنة ٢0٠٣ يمارس اعتداءً وعنفًا مباشرًا على حقوق المرأة الإنجابية بما يتعارض مع جميع المواثيق الدولية وحقوق الإنسان، وقد انتزع منها حقوقًا كانت قد استقرت وفق قوانين العمل السابقة والملغاة بالقانون الجديد.

فالمادة 91 من القانون تنص على عدم حصول المرأة على إجازة وضع قبل مرور عشرة أشهر على بدء العمل، مما يفسر إحجام جهات العمل عن تشغيل النساء خاصة في القطاع الخاص والخدمي، بل يشترط عمالة الذكور، كما حددت المادة 94 في القانون إجازة رعاية الطفل بمرتين وهي إجازة بدون أجر، وقد تم تفسير هذه المادة تفسيرًا يخص إجبار النساء على تحديد النسل.

وإذا كان هذا القانون قد أعطى باليمين إجازة وضع تسعين يومًا، فإنه أخذ بالشمال ما أعطاه باليمين بوضع شرط الحصول على هذه الإجازة أن يكون عدد العاملين في المنشاة أكثر من خمسين عاملاً، ولا نعرف ماذا تفعل المرأة وهي في حالة وضع إذا كانت تعمل في منشأة؟، لا يعمل بها هذا العدد من العمال وهل في إجبار المرأة على الخروج للعمل بالقانون وهي في حالة وضع شكل من أشكال العنف أم أنه الرحمة والعدل؟.

ولابد أن نذكر أن القانون الحالي ورغم إجحافه بالمرأة عمومًا فإنه أسقط من حمايته العاملات الموسميات والفلاحات وخادمات المنازل وكلهن يعملن ودون أدنى رعاية أو حماية اقتصادية واجتماعية أو صحية. ومن المعروف أن العاملات في هذه القطاعات يخرجن لسوق العمل دون مراعاة لسن، فمنهن طفلات صغيرات ومنهن نساء تجاوزن سن القدرة على العمل الشاق، وعندما نتحدث عن خادمات المنازل لابد أن نتذكر القضية الشهيرة التي اتهمت فيها فنانة بحرق وتعذيب خادمتها، ولابد أن نستعيد ما تنشره الصحف من اتهامات يتبين أنها غير صحيحة لخادمات بسرقة مصاغ مخدوماتهن. كما أن هذا القطاع من العمالة المهمشة وغير الرسمية محرومة فيه النساء من الإجازات، حتى إجازات الوضع المحددة قانونًا، ومن تحديد ساعات العمل.

عنف ولا دلال ودلع..!

وننتقل إلى قطاع آخر لنقرأ ونجيب عن السؤال: هل الواقع في هذا القطاع عنف أم تدليل ورعاية وهو عمالة النساء في الورش؟ ففي دراسة للمركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية جاء أن ٥٤% من العاملين بالورش من النساء وتحديدًا صغيرات السن اللواتي تعملن في المدابغ وصناعة الخراطيم والمواسير البلاستيك، أي أن عملهن ينصب على التعامل المباشر مع المواد الكيماوية. وتثبت الدراسة نفسها أن ٣٢% من العاملين في الأفران حيث يعملن سواء في الورش أو الأفران في بيئة تفتقر لكل شروط السلامة الصحية والأمن الصناعي، كما أشارت دراسات مختلفة إلى تعرض 36% من العاملات في صناعة السجاد يعانين من أمراض بصرية وصدرية وإعاقات جسمانية، كما أن أوزانهن تقل عن الوزن الطبيعي للفتيات في مثل أعمارهن، مع وجود فرق في أطوالهن من 2 إلى 4 سم بالنسبة لمن هن في مثل أعمارهن، وقد فسرت الدراسات هذه الفروق بأنها تعكس نقصًا في النمو. أما في العمالة الزراعية فهي بالأرقام محدودة، إلا أنها واسعة الانتشار حيث تعمل النساء من سن الطفولة وحتى الشيخوخة في الأرض والزراعة سواء المساحات القزمية المملوكة لأسرهن أو كعاملات تراحيل.

وبالإضافة لشروط عملهن شديدة القسوة حيث يعملن في رش المبيدات التي ظهر أن منها المحظور استخدامه دوليًا، ورش الأسمدة وجمع المحاصيل وتعبئتها والعناية بالحيوانات، وهي أعمال شاقة بكل المقاييس، بالإضافة إلى أنها أعمال موسمية لا تضمن دخلاً ثابتاً ولا محدداً، فمن المعروف أن أجر النساء في العمالة الزراعية أقل من أجر الرجال، وطبعًا وكما نعرف فهن محرومات من جميع الضمانات الاجتماعية والصحية. ونعود ونقول، وبالإضافة لكل هذا ومادمنا نتحدث عن العاملات الزراعيات، فلابد أن نتذكر إنه ومع مواسم جنى المحاصيل وفي العطلات المدرسية أن العاملات الزراعيات يتحولن إلى أخبار دائمة في صفحات الحوادث، وإلى سطور تبدأ بحادث مروعوتنتهى بتصريح بدفن الجثث وصرف تعويضات للقتلي خمسمائة جنيه وللمصابين ثلاثمائة جنيه وعادة ما يكون أغلب السيارة المقلوبة من الفتيات إن لم يكن كلهن فيما عدا السائق.

فهل يوجد عنف آخر بعد القتل على الأسفلت سعيًا وراء لقمة العيش أو لدفع مصروفات المدرسة، فبمراجعة الصحف شهور الصيف الماضي سنقرأ أسماءهن وقصصهن فمنهن من كانت تنتظر نتيجة دبلوم التجارة ومنهن من كانت تجمع القروش استعداداً للزواج.

الجوع..!

هل نستطيع أن نتحدث عن مظهر آخر من مظاهر العنف الاقتصادي إذا جازت التسمية ضد المرأة والمتعلق بتدني أجرها في قطاع الصناعة بالإضافة للقطاعات التي سبق ذكرها؟ ففي دراسة أعدها الباحث النقابي صابر بركاتعن حقوق المرأة العاملة ومبادرات الإصلاح السياسي رصد أن نسبة النساء العاملات في القطاع العام تدور حول ٥.١١% من العاملين، وأن نسبة من تتقاضين أجراً لا يتجاوز المائة جنيه شهريًا تصل إلى 16%، وفي القطاع الخاص النمطي لا يتجاوز أجر ۳۰% منهن الـ 60 جنيهًا شهريًا.

فهل يوجد عنف أقصى من عنف الجوع يمكن أن يواجه الإنسان؟

المسكوت عنه:

ونصل إلى أن العنف المسكوت عنه، حيث تتحمل المرأة تبعاته كاملة إن ذكرته وهو التحرش الجنسي في العمل، فالمرأة المحترمةونضعها هنا بين قوسين لأن المرأة التي تقع فريسة للاعتداء والتحرش الجنسي هي الجانية والمتهمة فالمجتمع يرى أن المرأة المحترمةلا يمكن الاعتداء عليها ، والمرأة المحترمةلا تثير التحرش ولا تدفع الرجل للاقتراب منها، بل لأنها غير محترمةفهي التي تجبره على فعل الخطأ والخطيئة. إن عليها أن تصمت حتى لا تفقد عملها وتسوء سمعتها، فكما قلنا فهي المتهمة الوحيدة في كل الحالات وكأنها تحرشت بنفسها ولم يتحرش رجل غالبًا ما يكون رئيسها أو صاحب العمل.

 

والعنف أو التحرش الجنسي بالمرأة في العمل من المناطق المظلمة والتي لا يقترب منها إلا نادرًا ولا تثار إلا في حالة حدوث جريمة وسرعان ما يعود الصمت، والنساء تفضلن التكتم على هذا الشكل من العنف إما خوفًا أو خجلاً وبالتالي فالدراسات والإحصاءات حول هذه القضية نادرة ومع ذلك رصدت الدكتورة ناهد رمزيالباحثة في المركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية في كتيب صادر عن رابطة المرأة العربية أن 66% – وفقًا لدراسة ميدانية من الفتيات تتعرض للعنف في أماكن عملهن، ويأخذ العنف في مجال العمل عادة طابعًا جنسيًا وذلك باستخدام كلمات وألفاظ ذات معانًا جنسية بنسبة 30% من الحالات، أما التحرش باللمس فيصل إلى 17%، والغزل غير المقبول فنسبته ۲۰% وترصد الدراسة أنه يترتب على هذه الممارسات شعور المرأة بالارتباك والخوف والإحباط بنسبة ٢٣% من الحالات، والرغبة في الانتقام بنسبة ٤٢%، وقد أشارت 67% من الحالات إلى أنهن لا تقدرن على ترك العمل بالرغم من تعرضهن لمضايقات وذلك لأسباب اقتصادية

شارك:

اصدارات متعلقة

الحصاد - عامان على الخلع " دراسة تحليلية "
دليل تدريبي " العنف ضد النساء "
فتحي نجيب والحركة النسائية المصرية وحقوق الانسان
ممنوع على الستات
ماما تحت الأنقاض
تشويه مش طهارة
العمالة المنزلية : استغلال جنسي تحت نظام الكفالة
المرآة لم تحررني، بل زادتني بوعي وثقل تاريخي كأنثي