كتابة حيوات النساء العربيات

رقم العدد:

5

تاريخ النشر:

2015

اعداد بواسطة:

كتابة حيوات النساء العربيات

جين سعيد المقدسي*

عندما بدأت العمل في إعداد ما تحول ليصبح كتابي الصادر مؤخرا تيتا، أمي وأنا: ثلاثة أجبال من النساء العربيات” (jean Said Makdist, Tera Mother and Me: Three Generations of Arab 2006 ,Women London: Saqi Books, 2005: New York: Norton). لم يطرأ حينها مطلقا على بال أن قيامي بكتابة سيرة عائلية ثلاثية هو الخراط في مهمة بالغة الصعوبة سيستغرق إكمالها سنوات عديدة، فلماذا استغرق الأمر كل هذا الوقت؟ ترجع بعض الأسباب إلى أمور شخصية تماما. وبعضها يتعلق بأمور خارج سيطرتي، وهنالك أيضا أسباب عامة وفكرية أود مناقشتها في هذه الورقة. ولكن يوجد أولا سؤال ملح جدير بالتأمل: لماذا لنا أن تكتب عن النساء العربيات أصلا؟

 

إنني حين أطرح هذا السؤال فإنما أنا أتحدث عن النساء العربيات العاديات، لا الكاتبات الشهيرات والناشطات السياسات، والله أعلم بالقدر غير الكافي، ولكنه قدر ما من الكتابات عن النساء البارزات: الكاتبات والناشطات المنتميات إلى عائلات سياسية كبيرة، وما إلى ذلك، ولكن ما هو القدر المعلوم والموثق عن النساء العاديات مثل جدتي أو أمي؟ ما هو القدر الذي تعرفه النساء عن جداتهن وأمهاتهن وخالاتهن وعماتهن؟

نظرا لما تتعرض له النساء من إقصاء واستبعاد كامل تقريبا من الوعي السياسي الجماعي، ونادرا ما يتم تضمين مشاكلهن ووجهات نظرهن ضمن أوجه النقاش والجدل القومي، فإنه من الضروري الكتابة عنهن لجعلين جزءا من الوعي العام، ولإدخال موقفهن ضمن النقاش والجدل الدائر، إن النظرة السريعة إلى صور بعض الأحداث السياسية التي جرت مؤخرا، مثل اجتماع القمة العربية الأخير، أو الاجتماع العربي الذي عقد مؤخرا في بيروت (ربيع ٢٠٠٦) لدعم حركة المقاومة العربية، أو حتى اللقاءات الأقرب إلينا والممثلة في اجتماعات الحوار الوطني الساعية إلى زرع البذور الاجتماعية والسياسية من أجل أجيال المستقبل في المجتمع اللبناني، توضح جميعها لنا عدم وجود ولو امرأة واحدة ظاهرة في كافة تلك الأحداث المهمة.

وقد كان هذا هو الأمر الواقع على الرغم من الظهور الكبير للنساء في الحروب العديدة التي عرفتها المنطقة، ففي الاعتداء الإسرائيلي على لبنان والذي حدث مؤخرا، كانت النساء كالعادة غائبات تماما تقريبا من مجال الجدل السياسي الدائر، ولكن حضورهن وتواجدهن على الساحة وأرض المعركة كان ذا أهمية بالغة في تحديد وتوجيه مسار روح المقاومة، إن هؤلاء النساء اللاتي عانين من التأثير المباشر للحرب فمن بالتعبير عن تحديهن ومواجهتهن للقوة العظمى التي تم توجيها صوبهن كما عبرن عن الفخر والزهو لاشتراكهن في المقاومة بينما كانت بيوتهن وقراهن تخضع للتدمير وبينما كان أبناؤهن يتعرضون للقتل. وقد قامت نساء عديدات باستقبال ورعاية حوالي مليونا من أبناء تعرضوا للإزاحة والتهجير بفعل الحرب، وكانت هؤلاء النساء هن الأكثر تعبيرا عن الشعب التضامن الوطني العميق مع الضحايا، وذلك عن طريق تطوعهن بالوقت والخدمات والموارد اللازمة لأبناء الوطن، وذلك بقدر يفوق الخطب الإجبارية المعبرة عن التعاطف والواردة على ألسنة رجال السياسة المؤقتين.

ومع ذلك، ولا يقتصر الأمر على هذه اللحظة، بل نجد على الدوام أنه في الوقت الذي تردد فيه بعض التذمر إلا أنه لم ترد أية شكاوى من النساء بشأن إقصائهن عن شؤون الوطن، وأنا أرى انعدام الشكوى مشكلة كبيرة تكاد تتساوى في خطورتها مع تعرض النساء أصلا للإقصاء.

ولكن الجدل السياسي لم يكن قد أقصى النساء وحده، فالنساء مستبعدات من كتب التاريخ أيضا فإذا قرأت أيا من الكتب الرسمية عن تاريخ منطقتنا فنادرا ما ترد إشارات إلى النساء بخلاف زوجات وبنات النبي، أو الملكات العظيمات مثل حتشبسوت وكليوباترا وزنوبيا في كتب تاريخ العصور القديمة. أما كتب تاريخ العصور الأحدث، فقد نجد فيها إشارة إلى امرأة أو اثنتين من النساء البارزات، ويكاد لا يرد أي ذكر لأية امرأة أخرى، وبالفعل يكاد لا يرد أي ذكر في تلك الكتب التاريخية للحياة الاجتماعية كما أن طبيعة الحياة بالنسبة للناس العاديين رجالا ونساء لا تشكل أي جزء من السرد التاريخي أو الوعي العام.

إن كتاب البير حوراني الأخير عن تاريخ الشعوب العربية” (Albert Hourani, M History of Arab Peoples) ظهر في الفترة التي كنت فيها قد بدأت للتو في العمل على هذه السيرة الثلاثية. وقد وجدت الكتاب مبهرا في تحليله للإمبراطورية العثمانية، لأنني مثل الكثيرين غيري في هذا الجزء من العالم نشأنا وتعلمنا أن ننظر إلى العثمانيين باعتبارهم شر خالص وقوة قمعية وحشية بلا أية فضائل تذكر. وقد كان العصر العثماني ذا أهمية بالنسبة لي لأن جدتي ولدت ونشأت فيه، كما أنه كان يشكل الخلفية لحياة أجدادها. وقد تعرفت من ألبير حوراني على عظمة حضارة العثمانيين، وعن مهارات الكبيرة في الحكم، وعن سماحتهم وتسامحهم، وعن شعرهم وفنونهن ومدنهم العظيمة وقد علمتني قراءة كتاب ألبير حوراني مدى التشويه الذي أصاب معرفتنا عن ماضينا، وهو الدرس الذي بمجرد أن تعلمته جعلني أكثر حساسية وإحساسا بالأخطاء الأخرى في فهمنا لذواتنا.

وعندما رأيت ألبير حوراني بعد فترة وجيزة من قراءتي لكتابه، شكرته على ما قام به من إعادة إصلاح صورة الإمبراطورية العثمانية في عيوني، ثم أشركته في مشاكلي المتعلقة بالبحث في حيوات الأمهات والجدات. وقد اعترف لي بأن عمله السردي لم يتطرق إلى حيوات النساء، ولكنه قال: توجد فقرة واحدة عن النساء في كتابي! وهو أمر صحيح، حيث أنها موجودة، وعلى الرغم من كونها مجرد فقرة واحدة في كتاب طويل، إلا أنها فقرة ممتازة وكاشفة. وسوف أشير إلى تلك الفقرة لاحقا.

وفي لحظة من بدايات البحث وجدت كتابا صادرا عن الجامعة الأمريكية ببيروت في عام 1981 يضم أوراقا من مؤتمر انعقد هناك بعنوان الحياة الفكرية في المشرق العربي، 1890-1934″ (1890-1939 ,Intellectual Life in the Arab East)، وقد لجأت إلى الكتابة في شوق وحماس على أمل أن أتعلم منه شيئا ربما يسلط الضوء على التطور الفكري لجدتي، ولكني لم أجد فيه أية إشارة إلى النساء، وقد اندهشت وغضبت من هذا الحذف الفج والصريح، ألم تكن النساء حينذاك كائنات مثقفة كالرجال؟ ألم يكن لهن أي دخل بالحياة الفكرية؟ ألم يقلن أي شيء، ولك يكتبن أي شيء، ولم يساهمن بأي شيء في الحياة الفكرية في تلك المنطقة؟ فكيف أمكن تجاهلين بهذه الطريقة؟

وقد ازدادت حساسيتي تجاه هذا الموضوع لأنني كنت قد تشكلت، ليس اجتماعيا فقط بل وفكريا أيضا، بفعل الحركة النسائية في الستينات والسبعينات من القرن العشرين. فخلال تلك الفترة، وكنتيجة مباشرة للحركة النسوية، كان المجال الأكاديمي المعروف اليوم بمسمى الدراسات النسائية” Women’s Studies)) في طور النشوء. وكانت المجالات الأكاديمية السائدة العلوم الدينية والتاريخ، وعلم الاجتماع، والطب النفسي، واللغة، والأدب، بل وحتى الطب وممارساته – تخضع لعملية تثوير تدريجية بواسطة المنظور النسوي، وكان يتم خلق وصياغة رؤية جديدة تماما لكل من تلك المجالات الأكاديمية. وقد بدا لي أن العالم العربي لم يكن قد اندمج بالقدر الكافي في هذا المنظور وتلك الرؤية الجديدة.

ولكن السبب الآخر الذي يدعو إلى كتابة حيوات النساء العربيات يتعلق بكم الهراء الذي تمت بالفعل كتابته عنهن، لا من منطلق كونهن أفرادا بقدر ما تم باعتبارهن مجموعة وباعتبارهن مشكلة. فإذا ذهبت إلى آية مكتبة فستوجد فيها عددا كبيرا من الكتب التي تتناول هذا الموضوع، وبينما يتسم بعضها بالقيمة إلا أن أغلبها مليء بالتعميمات غير الصحيحة نظرا لأن التعميمات عادة ما تفتقد إلى الصواب، وخاصة عندما تتصل بالفكر الاستنباطي والاختزالي، ويتناول الكثير من تلك الكتب قضايا دينية وقانونية، ولكن دون التوقف أمام الحيوات الفعلية لنساء حقيقيات مما كان سيلقي بضوء مختلف تماما على نفس تلك القضايا إن كان تم أخذها في الاعتبار. كما أن الحقيقة هي أن الكثير وإن لم يكن الجميع – من تلك الكتب المكتوبة باللغة الإنجليزية عن النساء العربيات تقوم على فرضيات عنصرية أو سوء فهم ثقافي أو محاولة مقصودة لسوء التمثيل.

إلا أن هنالك سببا آخر لكتابة حيوات النساء العربيات، ولعله هو السبب الأكثر أهمية. ففي الفقرة الوحيدة التي أفردها ألبير حوراني في كتابه لتناول النساء، والتي ذكرتها أعلاه، نجده يصف الملامح الداخلية للبيوت باعتبارها جانبا من مناقشته للتغيرات الثقافية التي حدث في بلاد الشام في القرن التاسع عشر، وهو أمر شديد الأهمية. فالثقافة جانب من جوانب السياسة، والسياسة والثقافة انعكاس لهياكل السلطة، ومع تغير هياكل السلطة سواء من خلال الغزوات الإمبريالية والحركة الاستعمارية، أو من خلال الحروب والثورات، أو من خلال وسائل أكثر عمقا كالمدارس والجامعات وما يطلق عليه مسمى المعرفة، فإن نفس القدر من التغير يطرأ على الحياة اليومية والثقافة اليومية بما فيها من أمور كالملابس والتصميمات الداخلية وتعريف الجمال والأغاني التي يرددها الناس واللغات التي يغنونها بها، والرقصات التي يرقصونها، وعادات الزواج والجنازات، وما إلى ذلك.

إن تلك الأمور كلها تنعكس على حياة النساء اللاتي يقدمن الجزء الأكبر من محتوى الحياة اليومية، فإذا قمنا بدراسة حيوات النساء العاديات فإننا لا نتعرف على الحياة الاجتماعية والثقافة التي يعشن فيها فحسب بل نتعلم أيضا أن نراهن كصانعات للثقافة وبالتالي كمشاركات رئيسيات في التاريخ، وبدلا من اعتبارهن من الصم والبكم والعميان – أي باعتبارهن غائبات فإننا نتعلم النظر إلى النساء، وخاصة النساء العاديات اللاتي ينصب عليهن اهتمامي، بوضعهن أناسا فاعلات لهن صوت خاص بهن، وواعيات تماما بالتحولات التاريخية في بنى السلطة وقائمات على تعديل حيراتين اليومية وحيوات عائلاتهن طبقا لذلك. إن كل قرار نتخذه بشان تصميم بيوتنا، وكل قرار نتخذه بشأن ما نرتديه أو لا نرتديه، وبشأن الطعام والنظام الغذائي وبشأن الجمال وعلاماته، وبشأن ما إذا كنا سنقوم بإرضاع أطفالنا طبيعيا أم باستخدام الرضاعة الصناعية، وبشأن اختيار كيفية الولادة ومكانها، هي كلها تفاصيل تتصل بحيواتنا التي تبدو غير ذات أهمية وتكشف كلها القدر الكبير عن التطور الثقافي وبنية السلطة الاقتصادية والسياسية، لا بالنسبة لمجتمعاتنا فقط بل للعالم.

ولعل النساء العربيات (والمسلمات) هن أكثر الناس تعرضا للتنميط على مستوى العالم، ولا يقتصر التنميط على سوء الفهم المستمر أو سوء تمثيل الثقافة العربية والإسلامية، بل ذلك التنميط الذي يتم بوساطة العرب أنفسهم بما في ذلك النساء العربيات اللاتي يقمن بتنميط أنفسهن بلا رحمة ولا هوادة، فلقد تعلمنا أن ننظر إلى أنفسنا بأعين الآخرين، بدلا من أن نرى أنفسنا تبعا لما نحن عليه، بما في ذلك من مجموعة متنوعة من الخصوصية من حيث الطبقة والإقليم والشخصية الفردية والجانب الفكري والتعليم وما إلى ذلك وإننا نكثر من الحديث عن المرأة الشرقيةأو المرأة العربية” – مهما كانت – وذلك إلى الدرجة التي جعلت مثل تلك العبارات على مدار السنين تثير أعصابي بدرجة تفوق الوصف لما فيها من غموض وإفساد للغة والتاريخ وبما فيها من افتراضات عن أحادية النساء، وهو رد الفعل الذي أخذ يتملكني منذ أن اكتشفت أن علي أن أتعمق بقدر فاق توقعاتي في حيوات أجيال من جداتي والنساء اللاتي سبقنني. وكلما قمنا باستخدام التعميمات التي استوعيناها واستبطناها وتطبيقها على أنفسنا بلا قاعدة أو أساس سوى كوننا سمعناها مرارا وتكرارا، فإننا حينها إنما نكون متواطنات مع التنميط الذي يفرض علينا، وكذلك مع عمليات إقصائنا واستبعادنا. وسوف أتناول تلك المسألة بقدر أكبر من التفصيل لاحقا. وخلاصة القول فإنه يبدولي من الضروري كتابة حيوات النساء لفرض حيوات النساء على وعي النخب السياسية والفكرية الحاكمة، ولإصلاح الأثر المدمر الذي سببه التنميط والتعميم والعنصرية ونقص الدراسة والبحث. بل وإنني أرى أن الأمر الأهم على الإطلاق هو فرض تاريخ النساء على وعي النساء أنفسهن. لأننا إن تمتعنا بحس خاص بتاريخنا، وبأدوار أمهاتنا في التاريخ فسوف تتمتع حينئذ يمزيد من الفخر والزهو بأنفسنا في الحاضر، ومن هنا سوف نكون في موقع أفضل لفرض أنفسنا ومطالبنا على الساحات الثقافية والاجتماعية والسياسية، وبالتالي تحقيق مكانة أكثر عدالة لنا في مجتمعاتنا.

وفي سبيل الكتابة عن أنفسنا وعن أمهاتنا وجداتنا، وعن أخواتنا وبنات العمومة والخؤولة، فإننا في حاجة إلى جمع أكبر قدر ممكن من المعلومات المفصلة والمحددة والمؤكدة عن حيوات أمهاتنا ومن سبقنهن.

ما هي المشاكل التي واجهتها أثناء عملي في إعداد کتابی؟ هنالك مشاكل عديدة، ولكني سأذكر بعضا منها، كما سأتطرق قليلا إلى كيفية تجاوزي تلك المشاكل أو على الأقل كيف حاولت تخطيها.

1. المصادر

إن المشكلة الأولى سبق لي وأن ذكرتها، وهي تخص المصادر وكيفية التعرف على الماضي فعندما بدأت العمل في تتبع حياة جدتي سرعان ما اكتشفت، وصدمت صدمة بالغة عندما أدركت مدى قلة ما أعرفه حقا عنها وعن علاقتها بالأحداث التاريخية. فقد كنت أعلم أنها ولدت في مدينة حمص عام ۱۸۸۰، وكنت أعلم أن والدها من شوير وأنه كان راعيا لكنيسة بروتستانتية في بيروت، وكنت أعلم أن زوجها الفلسطيني، أي جدي، كان هو الآخر راعيا بروتستانتيا وأن كنيسته كانت في الناصرة حيث ولدت أمي. وكنت أعلم أن جدتي ترملت في سن مبكرة وأنها لم تملك بيتا خاصا بها. وكان هذا هو تقريبا كل ما أعرفه، وهو غير كاف لكتابة سيرة حياة! بل وحتى الحقائق التي كنت أعرفها لم تكن سوى حقائق، ولم يكن لدي تفسير لها أو لسياقاتها، كما أنني لم أكن قادرة على تفسير جهلي بحياة المرأة عرفتها – أو ظننت أني أعرفها – بقدر ما عرفت جدتي التي كنت أحبها حبا عميقا.

فلجأت إلى كتب التاريخ ، وعندها واجهت بعض المشاكل التي تناولتها أعلاه. ومن الأمثلة على مدى ما أصابني به المؤرخون من إحباط هو أنهم يكثرون من الكتابة عن الزيادة في أعداد وتأثير المدارس على مر أعوام القرن التاسع عشر، ولكنني أردتهم أن يخبرونني بدقة عن المادة التي كان يتم تدريسها، وما الذي تعلمته جدتي منها. أردت أن أعرف كيف كان لها أن تتأثر بالتغيرات السياسية التي طرأت على المنطقة التي وصفوها بكل ذاك الطول والتفصيل.

وفوق هذا وذاك، أردت أن أعرف ما الذي كانت ترتديه وهي طفلة، فلم يكن في وسعي أن أتخيلها سوى على هيئتها كما عرفتها وهي امرأة كبيرة السن منحنية وضعيفة البنية، وحاولت أن أراها في سياقها. فلم أتمكن من أن أتخيل شكلها وهي طفلة أو حتى شابة، ولم أتمكن من أن أتخيل ملابسها، ولا أن أتخيل بيتها، وطعامها وكيفية تناولها له، ولا كيف كانت تطهو الطعام، وكيف كان بيتها منارا ، وسألت نفسي عن مكانة والدها داخل أسرتها؟ ومكانة والدتها؟ وشقيقها الأكبر؟ وشقيقتها الأكبر ؟ وكيف كانت هي وأسرتها تنام. وما هي الأغاني التي كانوا يغنونها؟ وما هي الموسيقى التي كانوا يحبونها؟ وزوجها؟ وما طبيعة العلاقة التي كانت قائمة بينهم جميعا؟

كما طرحت أسئلة أخرى نفسها على وأنا أفكر في جدتي، وحاولت إعادة خلق حياتها باعتبارها كيانا مستقلا لا مجرد تينا بالنسبة لي، تيتا التي كانت جزءا من طفولتي أنا، وذكرياتي أنا ، وفهمي أنا لحياتي، فلماذا فقدت بينها؟ ولماذا كانت تعتمد على أبنائها في شيخوختها؟

وقد توفر لي مصدر واحد لا يقدر بثمن وساعدني في جهودي لفهم حياتها، مع أنه كان ينطبق تماما تقريبا عليها بوصفها امرأة زوجة وأما، وقد طلبت من أمي، التي كان اكتنابها ووحدتها يتزايدان مع تزايد شدة حرب لبنان، أن تدون ذكريات طفولتها، وقد فعلت ذلك بقدر من القلق والخوف. ولكنها لم تستمر في ذلك طويلا حيث وجدت في ذلك الأمر مشقة وألما متزايدا، ثم توفقت عنه في آخر المطاف. ومع ذلك فإنني أحتفظ بيوميات مكتوبة بيدها تحمل ذكريات طفولتها وشبابها، وتعليمها، وخطبتها وزواجها، وبداية شبابها حتى مولد ثالث أطفالها، وقد لعبت والدتها بالطبع دورا رئيسيا في ذكريات طفولتها، كما أوجد لدي رؤية مغايرة عنها، أدهشتني أيما دهشة، وتختلف تماما عن رؤيتي السابقة لها، وفيما بعد، وفي أعقاب وفاة أمي، وجدت رسائل كانت قد احتفظت هي وغيرها من أفراد العائلة بها، ويرجع بعضها إلى العشرينات والثلاثينات من القرن العشرين، ورسائل أخرى من الستينات والسبعينات والثمانينات من القرن العشرين.

وبينما أخذت في إعداد كتابي هذا، اكتشفت أن ذكريات أمي لم تخبرني بكل ما احتجت إلى معرفته عن جدتي، وعن طفولتها وتعليمها المدرسي على وجه الخصوص، بل إنها أثارت أسئلة بقدر ما قدمت إجابات، فلجأت إلى شقيقي والدتي اللذين كانا على قيد الحياة (ولم يكن لها أخوات) وتوجهت إليهما بأسئلة عديدة فكتب لي كل منهما ذكريات طفولته وما عرفه من معلومات عن خلفية حياة والديهما.

وإلى جانب هذه المذكرات والرسائل لجأت إلى أقرباء آخرين، بمن فيهن إحدى قريباتي تحديدا حيث كانت قد قامت ببعض البحث في حياة العائلة. كما عقدت مقابلات شخصية مع أشخاص كثيرين ممن يسبقونني كثيرا في العمر، وكانت الغالبية من النساء، وإن لم تقتصر مقابلاتي عليه وسألت كل من عرف جدتي وجدي ووالدتي ووالدي عن حيواتهم وعن الأجواء المحيطة بهم في فلسطين ومصر ولبنان. وقد سألت كل هؤلاء الأشخاص المتقدمين في العمر عن نشأتهم هم أنفسهم ، وعن طقولاتهم، وعن خلفياتهم التاريخية وعن تفاعلهم مع أحداث كالحرب العالمية الأولى، ورحيل العثمانيين ومجيء الإنجليز والفرنسيين، وعن الحرب العالمية الثانية والقضية الفلسطينية، وما المعنى الذي تحمله كل تلك الأحداث بالنسبة لهم كما تحدث مع نساء القرية ومع زميلاتي وصديقاتي، كما جمعت منهن الطرائف عن الجدات والخالات والعمات والجارات.

كذلك اكتشفت تفاصيل عن الحياة المنزلية اليومية على أهميتها بالنسبة لحيوات النساء، وذلك من خلال أحاديثي مع أهل القرى حيث لم يتعرض الماضي للمحو مثلما هو الحال في المدن، ومن خلال تأمل الصور الفوتوغرافية وبطاقات البريد القديمة، وقراءة العديد من الكتب عن العمارة وتاريخ الأزياء ووصفات الطهي، وما إلى ذلك.

وقد تعلمت أثناء قيامي بهذا العمل مدى الثراء المعرفي القادر على إحداث تحول في فهمنا للماضي وكون هذا الثراء المعرفي قائما في انتظار الجمع والكتابة عنه. وقد وجدت أن ذكريات وتأملات الناس العاديين قادرة على إعادة إحياء الماضي بطريقة تعجز عنها كتب التاريخ العادية، وأخيرا فإن كل تلك التفاصيل التي قد تبدو غير ذات أهمية والتي تخص أشخاصا قد يبدون غير ذوي أهمية ساعدتني جميعها في رسم صورة للماضي أمكنني وضع جدتي داخلها هي ووالدتي.

وكان من بين المعلومات التي جمعتها من مذكرات أبنائها هو أن جدتي كانت تعمل معلمة، أي امرأة عصريةعند نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين، وأنه على الرغم من أنني عرفتها وهي امرأة كبيرة في السن وضعيفة البنية وتبدو غير ذات أهمية اجتماعيا، إلا أنها كانت ذات تأثير كبير لا على حيواتهم هم جميعا فحسب، بل كانت مؤثرة في حياة مجتمعها، فقد وجدت أنها كانت تتمتع بعلاقة رومانسية مليئة بالحب مع زوجها، إلى درجة غير معتادة حتى في زماننا هذا. وقد أدى ذلك إلى تغییر رؤيتي لكيفية قيام الزيجات في الماضي، فبناء على القراءات المضللة التي تناولتها في بداية هذه الورقة كنت أفترض دائما أن علاقات الزواج العربية كانت تتم لتحقيق مصالح اجتماعية واقتصادية فقط ولم يكن لها علاقة تذكر بالرومانسية والحب.

كما اكتشفت أيضا أمرا هزني بعمق. وهو أن جدتي كانت قد فقدت بيتها ومكانها ومكانتها في المجتمع كنتيجة مباشرة للثورة الفلسطينية في الفترة 1936-1939. وقد كان هذا الاكتشاف بالنسبة لي اكتشافا بالغ الأهمية حيث وضع جدتي في قلب التطورات السياسية وقلب التاريخ العربي الحديث وقد كنت أراها دوما، عن غير وعي مني. باعتبارها تقع تماما خارج التاريخ والسياسة ولا علاقة لها هما، ولكن هذا الاكتشاف جعلني أرى العلاقة المباشرة بين حياتها التي بدت غير ذات أهمية وبين الأحداث الجسيمة التي شكلت المأساة الفلسطينية، وقد أدى ذلك إلى تغيير رؤيتي لها تماما، ولم يقتصر الأمر على رؤيتي لها بل على رؤيتي لأمي ولنفسي، ولكل النساء الأخريات في زماننا، نظرا لما أدى إليه هذا الاكتشاف من قيامي بتأمل مسألة النساء في التاريخ من منطلق جديد وضوء مستجد.

ولكن اكتشفت أشياء أخرى مهمة من خلال تلك الذكريات عن الطفولة البعيدة والتي كتبتها والدتي وشقيقاها بعد مرور عقود عديدة عليها. فقد اكتشفت أن جدتي الأكبر كانت امرأة طاغية في سنوات حياتها الأخيرة، كما كانت معروفة في شبابها ببراعتها في ركوب الخيل، وهي معلومة هزتني لأنها أوضحت لي أن مفهومنا عن التراث العربي وعن مكانة النساء فيه هو مفهوم خاطئ تماما، فلم تكن أمهاتنا وجداتنا خاضعات مقهورات وبائسات تعيسات كما تعلمنا في المصادر الرسمية، بل كن بطرق عدة أكثر حرية وسلطة مما نحن عليه اليوم.

وإنني لأعجز عن التعبير بالقدر الكافي عن مدى أهمية قيامنا بجمع الرسائل والمذكرات واليوميات والمقابلات الشخصية الخاصة وغير المنشورة، فهي تضيف بعدا بالغ الأهمية إلى فهمنا لا للماضي فحسب بل فهمنا للحاضر كذلك، كما أنها تشير إلى رؤية أكثر تشويقا وتعقيدا للإمكانيات والاحتمالات الاجتماعية المستقبلية.

٢. العام الخاص، المهم غير المهم

أما المشكلة الأخرى التي واجهتها فهي مشتركة بين كافة كاتبات وكتاب الذكريات أو مؤرخات ومؤرخي العائلات. فأين يمكننا وضع الحد الفاصل بين القصة العامة التي تعكس المجتمع وبين الحكاية الخاصة التي تتسم بأنها شخصية ومحددة تماما؟ وعند الكتابة عن النساء يتم إضافة ملمح آخر إلى هذا السؤال نظرا لقيامك بالكتابة عن تفاصيل عادية عن الحياة المنزلية، ومن هنا فيتعين عليك اتخاذ قرارات بشأن ما الذي يشكل أمورا ذات أهمية عامة، وما الذي يمثل معلومات معروفة. وما الذي تعرض للنسيان.

لم أتململ من أي من تفاصيل الحياة المنزلية لأمي وجدتي، ومن هنا كتبت عن كل ما وجدته. ولدهشتي كان رد فعل قارئاتي وقرائي إيجابيا تجاه الأمور المنزلية التي تذكروها من طفولاتهم. فقد اختفى من حياتنا الحضرية كل من المبيض والمنجد والحصيرة وyouks وأفران البريموس والمكواة الفحم، ولكننا نتمسك بها في ذكرياتنا مثلما نتمسك بصور أمهاتنا وجداتنا اللاتي كانت تلك الأشياء جزءا من حياتهن.

ولكن عند التساؤل حول الخط الفاصل بين العام والخاص هنالك أمور أكثر حساسية مما ذكرته، فكيف يمكن للمرء الكتابة عن النساء دون التطرق إلى الخطبات والزيجات والعلاقات الجنسية والولادات، أو حتى تفاصيل مثل نزع الشعر وغيرها من العادات المتصلة بالجمال؟ وأين يمكن للمرء تحديد الخط الفاصل بين اللباقة والغلظة، وبين متطلبات أسلوب الكتابة الراقية والمضمون الجاد وبين شؤون الحياة اليومية التي قد تتصف أحيانا بالفجاجة؟

لقد حرصت على الكتابة عن بعض تلك الأشياء، فوصفت تجربة أمي الأولى مع السكر قبل زواجها وبلساتها، وتجربتي أنا مع السكر خلال سنوات مراهقتي. وكتبت عن حمالات الصدر وعن المشدات بل وحتى عن الأعذار المقدمة في المدرسة لعدم المشاركة في حصة الألعاب الرياضية أثناء الدورة الشهرية، وهي كلها موضوعات لها قطعا شرعيتها في كتاب عن النساء.

أما أكثر المجالات الخاصة خصوصية، أي الحياة الجنسية، فكان موضوعا يتسم بقدر أكبر من الإشكالية، وتناولته بحذر. وبالنظر تحديدا إلى التنميط الذي خضع لها المجتمع العربي، كان تتبع العلاقات الاجتماعية والجسدية بين الجنسين مسألة غاية في الأهمية بالنسبة لي، ومع ذلك فإن إحدى صديقاتي التي قرأت كتابي أنبتني لعد تطرقي إلى الحياة الجنسية في الكتاب، وقد كانت محقة ومخطئة تماما في نفس الوقت، فلعلني لا أستخدم العبارة ولكني أشعر بأن الموضوع حاضر جدا في كتابي، حيث أركز على سبيل المثال على أن والدتي وأخويها يذكرون في مذكراتهم كثرة تبادل جدي وجدتي القبلات والأحضان، وإذا أخذنا هذا في الاعتبار جنبا إلى جنب كونهما قد أنجبا العديد من الأطفال فإن في ذلك بالتأكيد مؤشرا على طبيعة العلاقة الشخصية الخاصة بينهما، وذلك على الرغم من أنني ومن منطلق اللباقة لم أتطرق إلى هذا الشأن مباشرة. وإذا كنت قد كتبت، وبلسان والدنيء عن مواقف عائلتها المتزمتة تجاه الحمل، وأنها وهي عروس مقبلة على الزواج لم تكن تعرف شيئا عن حقائق الحياةكما كانت تسميها، وأن والدي كان متفهما تماما تجاهها وهي عروس، فهل تغيب دلالات ذلك كله حتى وإن لم أتحدث عن التفاصيل؟ هل أثرت علينا الأفلام السينمائية والأبحاث الحديثة إلى الدرجة التي لا تسمح لنا بالحديث عن الجنس سوى بالوصف التفصيلي ليصبح حديثنا هذا مفهوما؟ ليس كذلك بالتأكيد.

لقد شهدت الستينيات صدور كتاب بحثي بالغ التأثير بقلم ستيفين ماركوس، وهو أستاذ للأدب الإنجليزي، وجاء عنوان الكتاب: “الفيكتوريون الآخرون: دراسة الجنسانية والتصوير الإباحي في إنجلترا منتصف القرن التاسع عشر” (Steven Marcus, The Other Victorians: A Study of Sexuality and Pornography in Mid-Nineteenth Century England, New York: Basic Books, 1954)، وقد قرأته أثناء كتابة أطروحتي في مرحلة الدراسات العليا عن الروائي الإنجليز الكبير توماس هاردي وقد أدى هذا الكتاب من وقتها إلى حدوث تغيير كامل في طريقة قراءتنا لأعمال ديكنز وثاكيري واليوت وهاردي وكافة كتاب القرن التاسع عشر الإنجليز الآخرين، وامتد تأثيره إلى قراءتنا لأعمال كبار الروائيين الفرنسيين و الروسيين لتلك الفترة ذاتها، ومن بين ما يتناوله ستيفين ماركوس في كتابه هذا ، يوضح لنا كيف أن المحتوى الجنسي لتلك الروايات كان يفهمه الفيكتوريون بلا لبس من حيث محتواها الجنسي، وذلك في الوقت الذي لم يكن يتم التعبير عن تلك الأمور بصراحة بل بالتلميح إليها ضمنيا، وهكذا تم إلقاء ضوء آخر تماما على المجتمع الذي اعتبرناه نحن مجتمعا ثقيل الظل ومتزمتا يستهجن الجنس وكل ما هو مرتبط بالجنس. إن الغياب الظاهري للجنس في تلك الروايات، على النقيض من روايات الأزمنة التالية، لم يكن غيابا على الإطلاق، بل حضورا على مستوى أكثر عمقا مما تعودنا عليه في أدب القرن العشرين.

وربما كان كتاب الفيكتوريون الآخرونفي ذهني وأنا في مراحل إعداد كتابي. ولكن على أية حال شعرت بأني رغم عدم رغبتي في تناول الحياة الجنسية صراحة، إلا أنتي أوضحت الأمور ضمنيا، أو على الأقل هذا هو ما أتمناه.

وقد تناولت بقدر من التفصيل عادات الولادة في زمن جدتي ووالدتي، لا في زماني. حيث أن قيامي بالكتابة من منظوري الشخصي بدا لي واضحا أن الولادة في زماننا أصبحت تجرية عالمية بالقدر الذي لم أعد في حاجة إلى الكتابة عن تجاربي في هذا الصدد في وجود المستشفى العصري والمؤسسة الطبية الحديثة، وهي التجربة التي ستكون كل قارناتي قد شاركني فيها، بل كتبت عن تجارب الماضي التي تناولتها بالدراسة والبحث.

ولكن هنالك موضوعا آخر يتصل بالخصوصية التي تشغل موقعا على نفس الدرجة من الحساسية بالنسبة لكاتبة السيرة العائلية، فماذا عن الخلافات والشجار داخل العائلة، وماذا عن الأسرار الصغيرة التي توجد في كل عائلة فماذا عساني أفعل حيالها ؟ لقد وجدت في تناول هذا الأمر مسألة بالغة الصعوبة، وخاصة في مجتمعنا المترابط والمحكم، حيث عادة ما يعرف الجميع بعضهم بعضا، وقد كان أمامي خياران: كان في إمكاني أن أتحدث عن الأشياء كما هي بصرف النظر عمن في أعرضه للألم أو الإساءة، أو أن أتجاهل تلك الأمور تماما من منطلق التعاطف والاحترام تجاه الموتى أو ذوي القرابة البعيدة أو الأصدقاء والصديقات أو أبنائهم وبناتهم الأحياء.

وشعرت بعد قدرتي عن تبني أي من الخيارين. وكان علي باعتباري كاتبة صادقة وأمينة لسيرة الحياة أن أتحدث عن تلك الخلافات التي كانت ذات أهمية في حيوات الشخصيات التي أتناولها، فحتى أتفه الخلافات العائلية تخبرنا الكثير لا عن السمات الشخصية بل أيضا عن القيم المجتمعية وعن البني العائلية وعن العلاقات، ومن جانب آخر، فإنني لم أرغب في إظهار عدم الاحترام تجاه الموتى أو بالتأكيد عدم الإساءة إلى أقربائي الأحياء أو أصدقاء العائلة القدامي، فتناولت تلك المسألة بنفس الطريقة التي تناولت بها الحياة الجنسية، فالعلاقات المتوترة موجودة في كتابي رغم عدم التصريح بها بالضرورة تفصيليا، وعدم الكشف بالضرورة عن القصص الكاملة.

ولكنني حكيت عن خلاف عائلي قديم واحد في صراحة وبكثير من التفصيل، ويرجع ذلك إلى أن كل أطرافه كانوا قد ماتوا منذ فترة طويلة ولأن الخلاف كان قد طواه النسيان والغفران في حياة أطرافه، وأيضا لأنني اعتبرته خلافا بالغ الأهمية ومسليا للغاية. إنه الخلاف الذي قام بين عائلتي أمي وأبي بخصوص مكان عقد الزواج، فقد أرادت عائلة والدتي أن يتم في كنيسة العائلة في الناصرة، بينما أرادت عائلة والدي أن يتم في كنيسة العائلة في القدس، وكانت نساء العائلتين من الأطراف الفاعلة في ذلك الخلاف، وذلك رغم كونه خلافا حول وضع الرجال في حياتهم، وقد تتبعت هذا الخلاف عبر الرسائل المتبادلة بين والدي ووالدتي أثناء خطبتهما، حيث يحكيان عن المواقف المضطرية، والدموع، وثورات الغضب والهياج، والتهديدات الخفية بفسخ الخطبة. وقد انتصرت عائلة والدتي في آخر المطاف، ولكن يرجع ذلك فقط إلى والدي الذي دارت المعركة حوله أصلا، حيث استسلم لرغبات خطيبته الحبيبة لا إلى رغبات شقيقته وصديقتها الحميمة زوجة قسيس العائلة!

وكيف يمكن للابنة أن تكتب عن أمها – بصرف النظر عن قد حبها واحترامها لأمها – مع تجاهل كافة الخلافات الصغيرة والتوترات بل والجار العلني الذي يحدث بين كل الأمهات وبناتهن؟ هل يمكن للمرء رسم صورة صادقة عن الأم مع تقديمها في نفس الوقت في صورة مثالية؟ لقد ثبتت استحالة ذلك بالنسبة لي، فمع أنني كنت أحب أمي ومعجبة بها وأحترمها جدا، إلا أن عيوبها والتوترات الصغيرة بيننا لم تغب عن بصري. فقد تشاجرنا أحيانا، وغضبنا جدا أحيانا. وكنت أكتب مذكرات اعتبرتها أيضا بمثابة تاريخ اجتماعي – فهكذا أرى كتابي هذا – ولو كنت صورت أمي في صورة رائعة تماما لكنت قد ابتعدت في كتابي عن الصدق والأمانة. وقد مثل لي هذا الأمر مشكلة كبرى، وأرجو أن أكون قد تناولته كما ذكر الآخرون، أي يقدر من العمق والغموض، ولكن بصدق وأمانة دون عدسات وردية اللون.

3. الموضوع: التعريف الأبوي للعائلة والكتابة عن أقلية

عندما بدأت الكتابة عن أمي، وتحديدا عن جدتي، وجدت نفسي أشعر وكانني أسير على أرض رخوة، فقد كنت أكتب عن عائلات ليست ليلأنني لا أحمل اسمها، فعائلتي أناطبقا للتعريف الدارج في عائلة والدي التي أحمل اسمها. ومع أن أحدا لم يعترض على ذلك، إلا أنني شعرت بغرابة الموقف. وإنني على ثقة من أن غيري ممن يكتبون عن أمهاتهم وجداتهم يشعرون بمثل ما شعرت به، قالتعريف الأبوي للعائلة يمثل عبئا ثقيلا على النساء بطرق كثيرة، وكان هذا إحداها.

ولم يوجد حل لتلك المشكلة سوى القيام بما كنت أنوي القيام به، وإنني إذ فعلت ذلك أشعر بأنني قد استعدت مكاني الصحيح ومكان قريباتي الأخريات من كافة العائلات التي تنتمي إليها – عائلة جدتي، وعائلة أمي، وعائلة والدي، وعائلة زوجي – بصرف النظر عن اسم العائلة الذي نحمله.

كما ظهرت مشكلة أخرى، فأثناء قيامي بالكتابة عن عائلتي، التي ليست مسيحية فقط بل بروتستانتية أيضا، كنت أكتب عن أقلية صغيرة ضمن الطوائف الدينية الموجودة في هذا الجزء من العالم، ولا يمكن لشخص يعيش في العالم العربي اليوم دون أن يكون مدركا لما يتم من توظيف سياسي للأقليات، وللمجازفة التي يقوم بها المرء في التواطؤ مع هذا التوظيف السياسي عند الكتابة عن الأقليات. إن التأكيد على حالة عدم الرضا لدى الأقليات أو التمييز ضدها هو عملية تقوم بها الأطراف التي تتدخل في المجتمع العربي دون أن تستهدف عموما تحقيق الخير لهذا المجتمع، بل بغرض خلق المزيد من الانقسامات والتوترات، ولا يعني هذا بالطبع أن حالة عدم الرضا تلك هي حالة غير حقيقية، أو أن الحركات القائمة داخل المجتمع العربي لإصلاح تلك الأخطاء هي مسألة لا وجود لها، وإنما كثيرا ما كان من الصعب تحديد ما إذا كانت تلك الحركات مستقلة وأصيلة حقا، وإلى أي مدی تخضع لقوى خارجية في مصلحتها تكسير المجتمع العربي لا تحسينه.

ولكن كلما ازداد تفكيري في تلك المسألة كلما ازددت إدراكا بأنني أنا وأي فرد في عائلتي التي انتمي إليها بالميلاد أو تلك التي أنتسب إليها بالزواج نرى أنفسنا باعتبارنا نتعامل بمنطق الأقلية في مواقفنا من الحياة والسياسة والتاريخ في العالم العربي. بل على النقيض من ذلك، فمع أننا نفخر بتراثنا وأصلنا، إلا أننا نرى أنفسنا مندمجين بشكل مباشر في الحياة الاجتماعية والسياسية والتاريخية لمنطقتنا مثلنا كأعضاء أي مجموعة من الأغلبية. وبمعنى آخر، فإنني أرفض قبول الفكرة القائلة بأن النساء الوحيدات الجديرات بالكتابة عنهن في هذا الجزء من العالم من النساء المسلمات، أو أولئك المنتميات إلى أية مجموعة أخرى من الأغلبية، فأنا أرفض أن أعتبر تاريخي، وتاريخي الأنثوي على الأخص، جديرا بالتقصي والاستكشاف بدرجة تزيد أو تقل عن تاريخ أي شخص آخر. بل على النقيض من ذلك، أرى أنني في كتابتي عن مكانة عائلتي في التاريخ فإنما أنا أقدم إضافة إلى معرفتنا بالثراء الثقافي الذي تتمتع به منطقتنا.

إضافة إلى ذلك، فقد اتضح لي تماما أثناء عملي في هذا الكتاب أن الموضوع الحقيقي لكتابي هو نشأة الطبقة الوسطى الحضرية الحديثة. وقد جاءتني تعليقات من الكثيرات والكثيرين ممن قرءوا كتابي، بمن فيهم المسلمون والمسيحيون المنتمون إلى طوائف الأغلبية، أشاروا في تعليقاتهم على مدى ما وجدوه من انعكاس في كتابي لذكرياتهم الخاصة عن أمهاتهم وجداتهم. وإنني على يقين من أننا نتشارك، نحن المسيحيين والمسلمين على قدر سواء، في كافة القضايا الاجتماعية والاقتصادية المتصلة بزماننا، وأن ما نشترك فيه يفوق كثيرا ما يفترض عامة اشتراكنا فيه. وإننا في حاجة إلى توجيه المزيد من التفكير إلى ذلك الأمر. فتتبع خيوط معينة ضمن إرثنا الثقافي الغني يجب ألا يؤدي بنا إلى الصراع أو الانفصال، بل على العكس من ذلك، يجب أن يؤدي بنا إلى فهم أفضل لتاريخنا المشترك.

٤. إشكالية اللغة

لأسباب تاريخية لن أتطرق إليها هنا ولكنها من الأفكار الرئيسية التي ترد في كتابي، فإن اللغة الإنجليزية هي اللغة التي أستخدمها في معظم كتاباتي، وقد كنت لفترة طويلة أشعر بالخجل والخزي لعدم تمكني من الكتابة باللغة العربية بنفس قدر اللغة الإنجليزية، وبالتالي لم أكتب بالعربية على الإطلاق، وقد ترسخ خجلي هذا بسبب أن بعض دراساتي المبكرة، وخاصة تلك التي تناولت فيها النسوية، لم يتسع محيط قرائها ممن أقدر رأيهم في الدوائر العربية. ثم بذلت مجهودا هائلا للكتابة بالعربية، ونشرت عددا من الأوراق بالعربية. ولكن لا شك أنه عندما تطلب الأمر استخدام أسلوب رفيع ومتنوع بما يتيح لي تناول موضوع كتابي هذا، لم يكن من الممكن لي القيام بتلك المهمة بما يرضيني لا باللغة الإنجليزية.

إن المشكلة التي واجهتني في الكتابة باللغة الإنجليزية، وبالتالي عند مخاطبة جمهور أجنبي – مع أملي في أن يتضمن قرائي جمهورا محليا هو اضطراري إلى التغلب على ميلي إلى تبني نبرة دفاعية عن الثقافة العربية في وجه العداء الشديد الذي تتعرض له في يومنا هذا. فقد تم استخدام النساء العربيات والمسلمات تاريخيا كمبرر لتدخلات القوى الإمبريالية في شؤون عالمينا العربي والإسلامي وقد شعرت أنني لو كنت أكتب بالعربية لتمتعت بحرية أكبر في نقد جوانب ثقافتنا التي أرى أنها تستحق النقد، فكان علي اتخاذ قرار واع بعدم تبني نيرة دفاعية، والكتابة بأقصى قدر مستطاع من الصدق والأمانة عن ثقافتنا في كافة مناحيها.

وأخيرا توصلت إلى جانب آخر للمشكلة. فلا سبيل للقراء في العالم الناطق بالإنجليزية للوصول إلى سير حياتية وسير ذاتية للنساء العربيات المكتوبة باللغة العربية، ولا إلى الروايات والقصائد العربية العديدة المكتوبة بأقلام نسانية، ولا إلى مختلف النقاشات الجدلية حول مكانة النساء والدائرة حاليا في العالمين العرب والإسلامي. وقد كنت أمل أن يقدم كتابي المكتوب باللغة الإنجليزية إسهاما، مهما صغر حجمه، إلى فهم الثقافة العربية، وتحديد النساء المنتميات إلى تلك الثقافة، وذلك في وجه كل التنميط والتعميم الذي أصبنا في الأزمنة الأخيرة.

5. إشكاليات نظرية

أما أكثر المشاكل حدة والتي واجهتها أثناء إعدادي هذا الكتاب فكانت مشكلة نظرية. فكما ذكرت في بداية هذه الورقة، لقد كتب الكثير جدا عن النساء العربيات عموما، والقليل جدا عن حيوات النساء الحقيقيات، مما أدى إلى أن النظريات التي نأت وتطورت في الكتابات الأكاديمية والنظرية، بل وحتى في الخطاب العام، فرضت رؤية وجدت نفسي اتساءل حولها وأشكك فيها مع كل خطوة أخطوها أطرح إلى الأمام في عملي السردي. وقد انطبق ذلك تحديدا على مسألة التراث والحداثة، وعن ذلك الكائن الغريب الذي يطلق عليه في العربية مسمى المرأة الشرقية التقليدية، فقد وجدت نفسي تساؤلات حول تلك المصطلحات عند كل خطوة أخطوها وأنا أكشف عن التفاصيل الدقيقة في حياة أمي وجدتي بل وجداتي الأكبر، وفكرت في تلك المسائل من منظور حياتي الشخصية ومن منظور النسوية التي التزمت بها منذ فترة طويلة.

وكما كتبت في خاتمة كتابي، لقد أدركت تلك المشكلة لأول مرة عندما بدأت الكتابة عن أمي:

وجدت أنني قد كتبت الكلمات التالية: “لقد عاشت الدور التقليدي للأم والزوجة.” وقبل أن يجف الحبر على الورقة توقفت مستشعرة خيوطا لزجة على خدي. وسألت نفسي، ما هو التراث التقليديالذي أشرت إليه تلقائيا، والذي أشار إليه كل من أعرفهم آلاف المرات من قبلي ؟ فما هي تعريفات التراث والتقاليد؟ ومن صاحب هذا التراث والتقاليد؟ وكيف تأتي لي أن أعرف بوجود مثل هذا التراث التقليدي؟ وما هي الأدلة التي اعتمدت عليها في استخدامي لتلك الكلمة الثقيلة المحملة بسلسلة طويلة من المعاني والدلالات المصاحبة؟**

وأثناء عملي في إعداد الكتاب بدأت أقتنع تدريجيا أنه نظرا لقلة معرفتنا بالماضي وبحياة الحيوات والممارسات والعادات والعلاقات الفعلية عند أمهاتنا وجداتنا، فإننا نسيء استخدام مصطلح التراثوالتقاليد” (tradition)، وفي رأيي أن تلك المصطلحات الغامضة فقدت معناها تماما، فمع غياب تعريفها وعدم إعادة تعريفها، بل وكونها عادة مصطلحات خيالية تماماء بدا لي وكأنها قد صيغت لتحقيق أغراض أيديولوجية، أو تم مجرد تكرارها دون تأمل فحواها.

إن مفهوم التراثوالتقاليدباعتباره كما غير متغير من العلاقات والمعتقدات والعادات والممارسة لمجرد خضوعه للتكرار اللانهائي هو مفهوم اكتسب سلطة خاصة به وأصبح عنصرا جوهريا في عملية تنميط النساء العربيات التي تعتبر جميعا متواطنين بدرجة ما أو بأخرى فيها إن ماضينا أكثر تعقيدا وأهمية مما نشأنا عليه. كما أن لدينا تراثا أكثر تعقيدا من هذا التراث التقليديالذي يتحدث عنه الجميع.

وتنقلني تلك النقطة إلى مسألة حداثتنا وأصولها ففي المشرق العربي، وتحديدا في لبنان، اعتدنا إلى التفكير في المبشرين الغربيين وغيرهم من القائمين على شؤون التعليم باعتبارهم قد أتوا إلينا بالحداثة والتعليم الحديث، وخاصة بالنسبة للنساء، وقد بلغ بنا الأمر درجة حالت دون فهمنا أو حتى تفكيرنا في الدور الذي لعبه أجدادنا في صياغة وتشكيل عالمنا، فإذا بنا نسقطهم من اعتبارنا كما لو أنهم لم يلعبوا أي دور يذكر وكانوا مجرد مستهلكين للحداثة التي أتى بها الآخرون، وهو أمر غير صحيح، ولا يمكن أن يكون صحيحا، بل هي جزء من المشكلة المحيطة بـ التراثوالتقاليدالتي أتحدث عنها. حيث يشير الواقع إلى أن ما تم من دراسات وأبحاث عن التبشيريين يفوق ما تم من التلاميذ والتلميذات ومدرسيهم وكل من منحوا أراضيهم لإقامة وبناء تلك المدارس الأجنبية، وحول دراسات وأبحاث حول الآباء والأمهات الذين أرسلوا أطفالهم إلى المدارس التبشيرية، وكذلك حول من قاموا ببنائها، وغيرهم. كذلك فقد قام التبشيريون بتوثيق نشاطهم بمنتهى الدقة، إذ كانوا كتابا متميزين للمذكرات والرسائل والتقارير وهي كلها كتابات بحث عنها المؤرخون وسعوا للحصول عليها بلا توقف، وهو أمر لا ينطبق بالمثل على السكان المحليين ممن دعموا تلك المدارس بطريقة أو بأخرى، فلم ينالوا قدرا كافيا على الإطلاق من الدراسة والبحث. فمذكراتهم ورسائلهم وتقاريرهم ليست معروفة عموما بنفس الدرجة من الانتشار، بل لم ينل سوى القليل منهم فرصة الطباعة والنشر.

وبينما كنت أبحث في حياة عائلتي اكتشفت شيئا كان الأدعى له أن يكون واضحا، ولكنه ليس كذلك، ففي كل مدرسة تبشيرية من المدارس التي تناولتها بالدراسة وجدت وراءها شخصية محورية محركة لا يحظى اسمها أبدا بنفس القدر من الإشارة والإشادة التي ينالها الأجانب، فقد اكتشفت على سبيل المثال أن خالتي الكبرى، أي شقيقة جدتي، لعبت دورا رئيسيا في تأسيس واحدة من أهم المدارس الحديثة في القاهرة، وهي الكلية الأمريكية للبنات، وعلى الرغم من أن المرأة الأمريكية التي عملت معها خالتي الكبرى معروفة بوصفها هي مؤسسة الكلية بينما تتم الإشارة إلى خالتي الكبرىء إميليا بدر في سجلات المدرسة بوصفها صديقةورفيقة، إلا أنني اكتشفت أنها لعبت دورا بالغ الأهمية لا في خلق وإقامة المشروع فحسب ولا في الحصول على دعم للمدرسة من المجتمع المحيط فقط، بل قامت أيضا في فترة لاحقة بالوساطة بين المدرسات الأمريكيات والإدارة الأمريكية للمدرسة وبين التلميذات العربيات.

أما الجانب الأكثر أهمية من عملها الإداري أو منصبها كمعلمة للغة والأدب العربي فيتمثل في أن تلميذاتها، اللاتي أصبحت الكثيرات منهن منتميات إلى الحركة النسوية أو صاحبات نشاط في المجتمع المصري والحياة الفكرية، شهدن على أنها علمتهن أن يأخذن من الأجانب ما يفيدهن لتحقيق التقدم مع الحفاظ على احترام الذات والاعتراف بقيمة ثقافتهن العربية وحمايتها. وكنت قد اكتشفت بالفعل أن غالبية المدارس التبشيرية، أو على الأقل تلك التي درستها عن قرب، كانت بها شخصيات محلية لعبت نفس الدور الذي لعبته خالتي الكبرى، وهي الشخصيات التي قامت ببناء جسور لتخطي الفجوة الثقافية بين الأجانب وأهل البلاد، ويجب أن يتم الاعتراف بتلك الشخصيات باعتبارها صاحبة الفضل، ولو جزئيا، في خلق الحداثة، عن طريق إيجاد مساحة جديدة بين القديم والجديد وبين الشرق والغرب، حيث أنني أعتقد أن الحداثة تقع في تلك المساحة التي تم خلقها بواسطة الجهود المشتركة، فبدون بطرس بستاني وناصف يازجي وغيرهما ما كانت ستقوم للجامعة المريكية ببيروت قائمة، وبدون سليم كساب ما وجدت الكلية البريطانية السورية، وبدون خالتي إميليا لما قامت الكلية الأمريكية للبنات وبدون كل أولئك المجهولين من الأمهات والآباء والمدرسات والمدرسين والتلميذات والتلاميذ لما حدثت أبدا تلك الطفرة المعروفة في التعليم الحديث والتي شهدها القرن التاسع عشر. وهي الطفرة التي تشير إليها كافة المصادر التاريخية، حيث أنني وجدت أيضا أثناء الدراسة والبحث أنه كان يتم افتتاح المدارس، عادة إن لم يكن دوما، نتيجة لطلب من أهل البلاد، فقد كانوا يسعون إلى الحداثة التي كانت لهم يد في خلقها.

وينطبق كل ذلك تحديدا على النساء. فإذا كان يتم التعامل معنا حينذاك – وما زلنا تعامل في كثير من مرويات المؤرخين التقليديين باعتبارنا أشخاصا من الجهلة غير ذوي الأهمية المنغمسين في الظلام والانحطاط” (وهي العبارة التي يكثر استخدامها لدى التبشيريين الأجانب من أجل تضخيم دورهم في تاريخ تعليم الإناث)، وأن المعلمين الأجانب هم الذين حملونا إلى مجال التنوير والاستنارة. فإن ذلك كله لا يستدعي منا أن تؤمن به ونرى أنفسنا على تلك الصورة، فنحن حملة أقدم الحضارات ولا يجوز لنا أن نرى أنفسنا بوصفنا شعبا يعتمد تماما على الآخرين لبلوغ الحداثة. فكما ترون أنفسكم كذلك تتصرفون، فإذا رأينا أننا كان لنا دور كبير في مجيء التعليم الحديث ويقدر يفوق كل ما هو مذكور في كتب التاريخ التقليدي، عندئذ سوف ترى أنفسنا باعتبارنا الأيدي التي خلقت وصنعت حداثة خاصة بنا. وهكذا سيكون في إمكاننا التصرف على أننا أقرب إلى صانعي تلك الحداثة لا مجرد مستهلكين لها، وإذا تمكنا، اعتمادا على دراستنا للتاريخ وعلى دور النساء فيه تحديدا، من تحقیق دور في خلق الحداثة فسيكون في إمكاننا بمزيد من الثقة تحقيق دور في خلق المستقبل.

لقد حاولت أن أبين الأسباب التي تجعلني أعتقد في أهمية الكتابة عن حيوات النساء، والصعوبات التي تواجه من يقوم بها. ولكن ماذا عن حيوات الرجال العاديين؟ لا يسعني سوى أن أختتم سوى بقولي إن نفس الأهمية تقريبا تنطبق عليهم، وربما توجد أيضا نفس المشاكل أو مشاكل شبهة، فلم يحصل الرجال العاديون على اعتراف بتشكيل وتحريك المجتمع بقدر يفوق النساء العاديات، كما أن تستحق حيواتهم أن تحكى بنفس القدر الذي ينطبق على النساء، فإذا كان أجدادي، وأبي، وأعمامي وأخوالي، وشقيقي قد أثروا على حياتي بنفس القدر الذي أثرت به جداني وأمي وخالاتي وعماتي وشقيقاتي على حياتي، فإن يحتلون مكانا واضحا ومهما في تاريخي.

ولكني مع ذلك امرأة، وإنني إذ أكتب عن نساء عائلتي اللاتي سبقنني فمن الواضح أنني أكتب أيضا عن حياتي، وعن وعيي، وعن وضعي في المجتمع. وأنا لست على دراية بوعي الرجال، وبالتالي لا أستطيع التماهي مع هذا الوعي. ولست على دراية كافية بالشيء الذي يشكل أهمية في حيواتهم، أو بتفاصيل الحياة اليومية التي يعتزون بها، وعن مشاعرهم تجاه الحياة الجنسية، وما يفعلونه ويشعرونه أثناء مرور زوجاتهن بتجربة الولادة، وعن مشاعرهم تجاه العادات التي تسيطر عليها النساء في الزواج والجنازات، كما أنني لست على دراية حتى عما إذا كانوا يفكرون في الأمور التي تشغل بالي، وبالتالي لا يمكنني أن أكتب كتابا عن الأفكار الحميمة الدائرة في أذهان الرجال. وإنه لأمر يخص الرجال، ولهم حرية القيام بذلك، وجمع الحكايات وتجميع المعلومات عن حيوات آبائهم، وإعادة تعريف ماضي الرجال العرب.

إننا إذا فعلنا ما علينا القيام به، رجالا ونساء، فعندئذ فقط سنبدأ في التوصل إلى فهم أفضل للحياة الاجتماعية في الماضي، وسنمتلك حسا أصدق بتراثنا وتقاليدنا وحداثتنا، والكيفية التي تشكل عليها تراثنا وحداثتنا.

جين سعيد المقدسي، ولدت في مدينة القدس بفلسطين ونشأت في القاهرة ودرست في الولايات المتحدة الأمريكية وتعيش في بيروت، قامت لسنوات طويلة بتدريس اللغة الإنجليزية وأدابها والعلوم الإنسانية والمسرح في كلية بيروت الجامعية (الجامعة اللبنانية الأمريكية حاليا) عضوة تجمع الباحثات اللبنانيات، وشاركت في إعداد عدة كتب صادرة عن الباحثات ولها دراسات منشورة حول النساء العربيات والنسوية والأدب والتاريخ النسائي، وهي مؤلفة كتاب شنات بیروت: مذکرات حرب ۱۹۹۰۱۹۷۵، والذي صدر في طبعته الأولى عام ۱۹۹٠ ، ثم نشرت کتابها تبنا وأمي وأنا عام ٢٠٠٦ حيث تتبع تاريخ عائلتها من خلال التاريخ لحيوات ثلاثة أجيال من نساء عائلتها، وذلك في سياق تاريخ المنطقة العربية.

* نشرت هذه المقالة باللغة الإنجليزية في باحثات: حفريات وتحريات: حيوات نساء عربيات، الكتاب الحادي عشر، 2006 – 2007 (بیروت: تجمع الباحثات اللبنانيات)، ص 188- 204.

Jean Said Makdisi, “Writing Arab Women’s Lives”, Bahithat, Out of the Shadows: Investigating the Lives of Arab Women, vol. Xl: 2006-2007 (Beirut: The Lebanese Association of Women Researchers 188 – 204

**Teta, Mother, and Me (New York: Norton, 2006), p. 390

الفعل النشاط ذو الطابع السياسي

activism

ناشطة أو ناشط

activist

ناشطة نسوية

feminist activist

جماليات

aesthetics

الجماليات النسوية

feminist aesthetics

فاعلية

agency

المتمحور حول الرجل

androcentric

الخنوثة

androgyny

استحواذ

appropriation

استیعاب، اندماج

assimilation

سلطة

authority

سيرة ذاتية

Autobiographical

b

ثنائية الثقافة

biculturalism

ثنائيات متعارضة

binary oppositions

ترجمة أو سيرة حياة

biography

الجوهرية البيولوجية

biologism

النسوية السوداء

Black Feminism

النقد الأدبي الأسود

Black feminist criticism

كيان المرأة السوداء

Black Womanhood

c

(النصوص) المعتمدة

(the) canon

الأدب المعتمد

the literary canon

الكولونيالي، الاستعماري

colonial

الحركة الكولونيالية الاستعمارية، الاستعمار

colonialism

حكايات إعلان المثلية

coming-out stories

بناء

construct

بناء تشكيل/صباغة

construction

النظرية النقدية

critical theory

متقاطع ثقافيا

cross-cultural

تفكيك، التفكيكية

deconstruction

الاختلاف

difference

الاختلاف الجندري

gender difference

الاختلاف العنصري

racial difference

d

الترويض

domestication

الأيديولوجيا المنزلية

domesticity

العقيدة المنزلية

cult of domesticity

تمييز

distinction

تشويه

distortion

سائد، مسیطر

dominant

سيادة، سيطرة، هيمنة

domination

e

الكتابة الأنثوية

écriture feminine

مبدأ المساواة

egalitarianism

تمكين

empowerment

عدالة، إنصاف

equity

النزعة الجوهرية

essentialism

الجوهرية الاستراتيجية

strategic essentialism

المركزية العرقية

ethnocentrism

المركزية الأوروبية

eurocentrism

إقصاء، استبعاد

exclusion

إقصائي

exclusionary

التجربة

experience

f

خیالات وتوهمات

fantasies

قانون الأب

(the) Father’s law

الأنثى

female

نقد الأنثى

female criticism

تجربة الأنثى المرأة

female experience

أدب المرأة، أدب الأنثى

female literature

ذاتية الأنثى

female subjectivity

ثقافة كتابة المرأة

female writing culture

مؤنث، أنثوي/أنثوية

feminine

الجماليات النسوية

feminine aesthetics

التجربة الأنثوية

feminine experience

البراعة الأنثوية

feminine ingenuity

الثقافة الأدبية الأنثوية

feminine literary culture

الأدب الأنثوي

feminine literature

النظرية الأنثوية

feminine theory

الأنثوية الجديدة

néo-féminité

المتمحورة حول المرأة

feminocentric

النسوية

feminism

النسوية البيئية الطبيعية

eco-feminism

النسوية العالمية

global feminism

النسوية الإسلامية

Islamic feminism

النسوية الراديكالية

radical feminism

الموجة الثانية من الأدوية

second wave feminism

مابعد التسوية

post-feminism

ماقبل النسوية

pre-feminism

تسوية السوي

feminist

ناشطة سياسية/ناشط سيامي

feminist activist

الجماليات النسوية

feminist aesthetics

النقد النسوي

feminist criticism

المراجعة النقدية النسوية

feminist critique

الأدب النسوي

feminist literature

المنهجية النسوية

feminist methodology

الحركة النسوية

feminist movement

فن الكتابة النسوية

feminist poetics

الممارسة النسوية

feminist praxis

النسويات السود

Black feminists

النسويات المهيمنات

hegemonic feminists

النسويات الراديكاليات

radical feminists

النسويات البيض

White feminists

التأنيث

feminization

التشبث

fixation

مثلي

gay

دراسات المثلية الجنسية (رجالا ونساء)

gay and lesbian studies

الجندر

gender

الاختلاف الجندري

gender difference

التماهي الجندري

gender identification

الهوية الجندرية

gender identity

حياد جندري، محايد/ة جندريا

gender neutral

القوة السلطة الجندرية

gender power

دراسات الجندر، الدراسات الجندرية

Gender Studies

النظرية الجندرية

Gender Theory

الهوية الجارية (العاقل، الشخص)،

gendered identity

الماهية الجندرية (غير العاقل، الشيء)

الذات الجندرية

gendered subject

المركزية النسائية

gynocentrism

النقد النسائي

gynocriticism

النقد النسائي

gynocritics

نقد تصويرالنساء

gynographic criticism

h

علم التأويل

hermeneutics

تاريخ النساء

herstory

كون الهوية الجنسية الغيرية هي الهوية الاعتيادية

heteronormativity

الغيرية الجنسية، الميل الجنسي للجنس المغاير

heterosexuality

بنى تراتبية

hierarchical structures

التراتبية، الهيراركية

hierarchy

علم التأويل الذكوري

hismeneutics

الوطن، الموطن، البيت

home

رهاب المثلية

homophobia

مثلي مثلية

homosexual

المثلية الجنسية

homosexuality

المثلية الاجتماعية

homosocial

i

الهوية (الشخص)، الماهية (الشيء)

identity

سياسات الهوية

identity politics

التماهي

identification

المتعة

jouissance

مثلية

lesbian

المثلية النسائية

lesbianism

الموقع

location

m

ذكر

male

الذكورة

maleness

الرجولة

manliness

هامشي

marginal

تهميش

marginalisation

مہمش/مهمشة

marginalized

ذكوري

masculine

ذكورة، النزعة الذكورية، الرجولية

masculinity

ذكوري

masculinist

أمومي/ة النسب

matrilineal

السياسات المصغرة

micropolitics

التعددية الثقافية

multiculturalism

كره النساء

mysoginy

n

الاستعمار الجديد

neocolonialism

الليبرالية الجديدة

neoliberalism

التحييد

neutralization

معياري، مقياسي

normative

تشييء

objectification

متضاد، متعارض

oppositional

الطرف المقهور أو المقموع

oppressed

قہر، قمع

oppression

P

النظام الأبوي

Patriarchy

أبوي/ة النسب

patrilineal

فحولي لافحولي

Phallic/nonphallic

الكتابة الفحلة/الفحولية

phallic writing

المركزية الفحولية

phallocentric

مناهضة مركزية الفحولة

antiphallocentric

مركزية فحولة الكلمة

phallogocentric

فن الكتابة

poetics

فن الكتابة النسوية

feminist poetics

سياسات الموقع

politics of location

الموقع/ الموقف

position

الموقعية

positionality

مابعد الكولونيالي/مابعد الكولونيالية

postcolonial

النظرية النسوية مابعد الكولونيالية

postcolonial feminist theory

الذوات مابعد الكولونيالية/مابعد الاستعمار

postcolonial subjects

النظرية مابعد الكولونيالية

postcolonial theory

مابعد البنيوية

post-structuralism

القوة، السلطة

power

مسار، عملية

process

مدرسة التحليل النفسي

psychoanalysis

التفاعلات النفسية

psychodynamics

الكوير، اللانمطيون واللانمطيات، ذوو الهويات الجنسية اللانمطية

queer

دراسات الکویر، دراسات الهويات الجنسية اللانمطية

Queer Studies

r

عنصر

race

عنصري

racial

التحيز العنصري، العنصرية

racism

علائقية، علاقاتية

relationality

التمثيل

representation

تمثيل الذات

self-representation

الإنجاب، إعادة الإنتاج

reproduction

جنس

sex

الأدوار الجنسية

sex roles

العلاقات الجنسية المثلية

same-sex relations

s

جنسي

sexual

المتخيلة الجنسية

sexual fantasy

هوية جنسية

sexual identity

السياسات الجنسية

sexual politics

التوجه الميل الجنسي

sexual orientation

الميل الجنسي

sexual preference

الفصل بين الجنسين

sexual segregation

ثنائي/ثنائية الميل الجنسي

bisexual

الثنائية الجنسية

bisexuality

غيري الميل الجنسي

heterosexual

الغيرية الجنسية

heterosexuality

مثلي مثلية

homosexual

الجنسانية

homosexuality

المثلية الجنسية

sexuality

دراسات الجنسانية

Sexuality Studies

الأختية

Sisterhood

بناء اجتماعي، تشكيل اجتماعي

social construct

حيز ، مکان، مجال

space

الحيز الخاص، المجال الخاص

private space

الحيز العام، المجال العام

public space

بنية

structure

التابع/التابعة

subaltern

ذات الأنثى التابعة

subaltern female subject

الجماعات التابعة

subaltern groups

ذات

subject

موقع الذات

subject position

ذات/موضوع

subject/object

الذاتية

subjectivity

t

عبر الثقافي/عبر الثقافية

transcultural

المتحول/المتحولة جنسيا/جندريا

trangendered

عبر القومي/عبر القومية

transnational

متشبه/متشبهة بالجنس الآخر

transvestite

u

عنف

universal

عالمي/عالمية

domestic violence

العنف المنزلي

family violence

V

العنف الأسري

violence

العنف الزوجي

Marital violence

العنف الزوجي

Spousal violence

الظهور للعيان

Visibility

المرئي/ المرئية

visible

الصوت

Voice

الصوت الأنثوي

Feminine voice

الصوت النسوي

Feminist voice

w

إمرأة

Woman

مسألة المرأة ، قضية المرأة

Woman Question

كتابة المرأة

Woman’s writing

المرأة العاملة

Woman-as-sign

كيان المرأة ، الكيان النسائي

Womanhood

نساء

Women

النساء الملونة

Women of color

النساء السود

Black woman

نساء أمريكا اللاتينية

Latina woman

النساء البيض

White women

ثقافة النساء

Woman’s culture

اللغة النسائية ، لغة النساء

Women’s language

الأدب النسائي

Women’s literature

منظور النساء

Woman’s perspective

المقاومة النسائية

Women’s resistance

الدراسات النسائية

Woman’s Studies

دراسات النساء السود

Black woman’s studies

الكتابة النسائية

Woman’s writing

نتقدم بالشكر إلى كل الكاتبات اللاتي استعنا بدراستهن في هذا الكتاب:

ونخص بالذكر أولًا صاحبات حقوق النشر اللاتي منحن مؤسسة المرأة والذاكرة حقوق الترجمة والطبع والنشر باللغة العربية بدون مقابل:

Annette Kolodny (1980): “Dancing Through The Midfield: Some Observation On the Theory, Practice, and Politics of a Feminist Literary Criticism” in Feminist Studies 6 (1980), 144-167. Original English version rights reserved.

Elaine Showlater (1979): “Towards a Feminist Poetics” in Women’s Writing and writing about women. ed. Mary Jacobus (London Croom Helm, 1979), 125-143.

Barbara Smith (1997): !towards a black Feminist Criticism” in condition” two 1, no 2 (October1977), and available as pamphlet from the crossing press, Trumansburg, New York copyright by Barbara Smith.

Debra A. Castillo (1977) “Feminist in Latin American Context” in disposition/n22.49 (1977): 155-173.

Troil Moi (1986): “Feminist Female, Feminine” in The Feminist Reader: Essay in Gender and the Politics of Literary eds. Catherine Belsey and Jane Moore (London: Macmillan Press, 1997), 674-693.

Barbara Harlow (1986)” From the Woman’s Prison Third World Woman’s Narratives of Prison” in Women, Autobiography, Theory A Reader, eds. Sidonie Smith and Julia Watson (University of Wisconsin Press, 1998), 453-460.

Inderpal Grewal and Caren Kaplan (2000): “Postcolonial Studies and Transnational Feminist Practices” in Jouvert Online Journal, https://social.Chass.ncsu.edu/jouvert/v5i1/grewal.htm

Jean Said Makdisi, “writing Arab Women’s lives”, in Bahithat, Vol xi: 2005-2006” “out of the Shadows: Investigating the lives of Arab Women”, pp.188-204.

كما نتقدم بالشكر إلى أصحاب حقوق النشر الذين منحونا حق الترجمة والطبع والنشر:

Mills.Sara. “Post-colonial Feminist Theory” in Contemporary Feminist Theories, eds. Stevi Jackson and Jackie Jones. Edinburgh University Press, 1998, www.eup.ed.ac.uk.

Humm, Maggie “Feminist Literary Theory” in contemporary Feminist Theories, ed,ac,uk.

Ann Rosalind Jones, “Writing the Body: Towards an Understanding of l’ecriture Feminine”, was originally published in/ Feminist Studies/ Volume 7, Number 2 (Summer 1981): 247-263, by permission of the publisher, Feminist studies, Inc.

Kaplan, Caren. “resisting Autobiography: Out-law and transnational Feminist Studies” in De/Colonizing the Subject and Gender in Women’s Autobiographical Practice, eds: Sidonie Smith and Julia Watson (University of Minnesota Press): 115-138.

وأخيرًا نتقدم بالشكر إلى الأستاذة ميسان حسن على متابعة الحصول على حقوق الترجمة والطبع والنشر، والأستاذة داليا الحمامصي والأستاذ رامس رياض على متابعة أعمال الإعداد لللطباعة.

اصدارات متعلقة

الحصاد - عامان على الخلع " دراسة تحليلية "
دليل تدريبي " العنف ضد النساء "
فتحي نجيب والحركة النسائية المصرية وحقوق الانسان
ممنوع على الستات
ماما تحت الأنقاض
تشويه مش طهارة
العمالة المنزلية : استغلال جنسي تحت نظام الكفالة
المرآة لم تحررني، بل زادتني بوعي وثقل تاريخي كأنثي