لا مساومة-ختان الإناث وتشويه الصورة الإنسانية

اعداد بواسطة:

امال عبد الهادي

ختان الإناث وتشويه الصورة الإنسانية

نساء منفلتة.. ورجال مهددون

بعد الإعلان عن وفاة بدور، قامت الدنيا والحمد لله لم تقعد بعد كما لو كان ذلك أمرًا مفاجئًا، فالعديد يمتن من الختان، لكنهن يمتن أيضًا لأسباب كثيرة أخرى وليس فقط بسبب الختان، والأهم أن ملايين الفتيات اللاتي لم يمتن من الختان أو غير يتعرضن لمعاناة يومية من إساءات كثيرة تحد لهن في الأسرة والشارع والمدرسة والعمل إلخ..

الجديد فقط أن الإعلام تحمس للقضية وبات يتابع عن كثب حالات الختان فبدأت المشكلة تظهر على صفحات الجرائد يوميًا وأصبحت القضية مجددًا موضع نقاش عام، وهذا شئ جيد ومطلوب ليس فقط حول الختان بل حول كل القضايا التي تعاني منها فتياتنا (نصف مستقبل هذا البلد!)

والتخوف الذي أبدته عن حق الصديقة سحر الموجي وكاتبات وكتاب آخرون في العديد من المقالات هو أن يخفت الإهتمام تدريجيًا وتعود ريما لحالتها القديمة، وقد حدث هذا من قبل، ففي منتصف التسعينات وتحديدًا في الفترة المواكبة لمؤتمر السكان والتنمية (القاهرة ١٩٩٤) أثيرت قضية الختان بشكل شديد استمرت جريدة الأهرام في نشر المقالات يوميًا حول الموضوع لمدة تجاوزت العام، ثم هدأت وخفت الاهتمام تدريجيًا، ورغم صدور القرار الوزاري (د. إسماعيل سلام ١٩٩٦) بحظر ممارسة الأطباء للختان، فقد استمر الأطباء يمارسون الختان ويبررونه ويدعون إليه، واستمرت بعض القيادات الدينية في محاولة إسباغ صفة دينية عليه (الشيخ جاد الحق).

وفي عام ۲۰۰۳ نظم مركز الدراسات السياسية والاستراتيجية بجريدة الأهرام بالتعاون مع المجلس القومي للطفولة والأمومة حلقة نقاشية متميزة حول الموضوع، وكان أحد الأسئلة المثارة هو: لماذا لا يستجيب الناس لحملات مناهضة الختان؟ الحقيقة أن الناس يستجيبون، والمشكلة ليست في الإستجابة من عدمه. بل في طابع الرسالة التي تصلهم ويستجيبون بالفعل لها ، وبدون التناول العميق لهذ المسألة ستتبقى ممارسة الختان مستمرة رغم أنف القرارات الوزارية وتصريحات القيادات الدينية المستنيرة أو القيادات الحكومية وغير الحكومية التي تدين هذه العادة.

إن أحد أبرز الأسباب في استمرار العادة وعدم تخلي الناس عن الختان هو التوجه الحاكم للجهود والحملات المناهضة للختان، يمكن تلخيص السمات العامة لحملات مناهضة الختان في:

الناس لا يعرفون مضار الختان، وبالتالي علينا أن نعلمهم بها (حملات التوعية الصحية).

الناس يتصورون خطأ أن الختان محبذ / واجب ديني، وبالتالي علينا أن نطالب القادة الدينيين بموقف واضح يعلن أن الدينيين (الإسلام والمسيحية) براء من هذه العادة، وقد يكون هذا صحيحًا جزئيًا، ويساهم في تخلي البعض عن ممارسة هذه العادة، لكنه أيضًا قد يؤدي إلى مخرجات تساعد على استمرار عادة الختان، مثل اللجوء إلى الأطباء لإجراء الختان تفاديًا للتهابات أو الصدمة العصبية أو النزيفإلخ، وهو ما أدى إلى زيادة تطبيبالختان بحيث أصبح العاملون في المهنة الطبية هم المسئولين عن النسبة الأعظم من حالات الختان في السنوات الأخيرة.

الواقع أن الأغلبية العظمى من الرجال والنساء الذين يخضعون بناتهم للختان يعرفون جيدًا المضار الصحيةللختان، لكنها مقايضة بين المضار الصحية والفوائد الإجتماعية المتصورة. فالفتاة المختنة تحمل ختمًا رسميًا على جسدها يقول أنها فتاة مأمونة جنسيًاأو بمعنى أدق فتاة ليس لها متطلبات جنسية عالية (المتصور هو أن الختان يقلل الغريزةالجنسية) هذا الختم يطمئن الأهل بأن بناتهم لن ينحرفنقبل الزواج وبالتالي تقوى فرصهن في الزواج الذي هو وسيلة الصعود الاجتماعي في المجتمع، ليس فقط للفتاة المختنة، بل لكل العائلة بما فيها الرجال، الذين تدفعهم علاقات المصاهرة إلى درجات أعلى في السلم الاجتماعي، أيضًا تشير بعض الدراسات التي أجريت على اقتحام مناطق الجنس المحرمة، إلى أن كثيرًا من الرجال في مجتمعنا تؤرقهم بشدة مخاوف عدم القدرة الجنسية، ويمثل الختان بالنسبة لهم صمام أمان، حيث أنه يجعلهم أكثر اطمئنانًا من زاوية قدرتهم على تلبية مطالب زوجاتهم الجنسية بعد كبح جماحهابالختان. كما أنهم يكونون أكثر اطمئنانًا إذا اضطروا للسفر للعمل في الخارج، على أن زوجاتهم لن تدفعهن احتياجاتهن الجنسية إلى الدخول في علاقات جنسية مع رجال آخرين في غيابهم (قال ذلك العديد من العاملين المصريين في لبنان في برنامج سيرة وانفتحت تليفزيون المستقبل“).

لن يمكننا القضاء على عادة الختان إلا إذا جرؤنا على مواجهة الأفكار التي تتعامل النساء بوصفهن كائنات منفلتة جنسيًا، ولابد للمجتمع من حصارهن بكل الطرق، والتي تتعامل أيضًا مع الرجال بطريقة تختزل الرجال إلى مجرد فحولتهم الجنسية المهددة دائمًا وأبدًا بأنوثة النساء المنفلتة، وأن يدرك الآباء والأمهات والأزواج والزوجات أن قطع الأجساد لا يزرع الفضيلة أو العفة أو الإخلاص في أي إنسان، لكنه يؤثر على جزء مهم من الاحتياجات الإنسانية، بل والحقوق الإنسانية ألا وهو العلاقات الجنسية المشبعة، لقد تعود مجتمعنا على التعامل مع الجنس بشكل منافق (نمارسه ولا نتحدث عنه علنًا) وقد آن الأوان لمناقشة صريحة جريئة تسمى الأشياء بمسمياتها الفعلية، وما لم يتم ذلك سيستمر الختان وغير من العادات التي تقنن العنف الممارس على النساء.

شارك:

اصدارات متعلقة

أسئلة وأجوبة بشأن الوقاية من كوفيد 19 ومكافحتها للعاملين /ات في مجال الرعاية الصحية
الحصاد - عامان على الخلع " دراسة تحليلية "
دليل تدريبي " العنف ضد النساء "
فتحي نجيب والحركة النسائية المصرية وحقوق الانسان
ممنوع على الستات
ماما تحت الأنقاض
تشويه مش طهارة
العمالة المنزلية : استغلال جنسي تحت نظام الكفالة
المرآة لم تحررني، بل زادتني بوعي وثقل تاريخي كأنثي