لماذا الإجهاض غير الآمن الأكثر انتشارًا في مصر

يوافق يوم 10 ديسمبر سنويًا اليوم العالمي لحقوق الإنسان، وهو أيضًا نهاية حملة الـ16 يوم لمناهضة العنف ضد المرأة. ويُصنَف الحق في الصحة من أهم حقوق الإنسان، وهي الهدف الثالث من أهداف التنمية المستدامة[1]. اعتبرت منظمة العفو الدولية ضمان توفير الإجهاض الآمن من أهم مقومات الحفاظ على صحة النساء والفتيات[2]. والتزمت مصر بالعهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، الذي ينص في مادة 12 على أهمية ضمان الدولة للصحة[3]، ذلك بالإضافة لتبنيها أهداف التنمية المستدامة، التي تقر الصحة العامة والمساواة بين الجنسين في الهدفين الثالث والخامس. وبالرغم من ذلك، نجد أن الإجهاض في كافة أشكاله مجرم قانونيًا، حتى في حالات تعرض النساء للاغتصاب أو سفاح المحارم، أو كونهن طفلات، وذلك في المواد من 260 إلى 263 من قانون العقوبات المصري[4].

تُعرِّف منظمة الصحة العالمية الإجهاض غير الآمن بأنه “إنهاء الحمل إما على يد أشخاص يفتقرون إلى المهارات اللازمة، وإما في وسط لا يمتثل للمعايير الطبية الدنيا أو في كلتا الحالتين”[5]. ويؤدي الإجهاض غير المأمون لمضاعفات كبيرة على صحة النساء من خلال تعريضهن للنزيف أو الالتهاب، وأحيانًا تصل إلى الموت[6]. في مصر، يُشكِّل الإجهاض غير الآمن 1.9% من حالات وفيات النساء المتعلقة برعاية الأمومة[7]. كما يعد حرمان النساء من خدمات الإجهاض الآمن جزء من غياب صحتهن الإنجابية ككل. ولا تتوقف نتائج الحرمان من الإجهاض الآمن على النساء فقط، وإنما تمتد إلى الأبناء وجميع أفراد الأسرة[8].

يمكن تقسيم فئات النساء اللاتي يحتجن لخدمات الإجهاض الآمن إلى الفتيات تحت الـ18 عامًا، والنساء المتزوجات التي لا يسمح لهن وضعهن المادي أو الصحي بالإنجاب، وضحايا الاغتصاب من أشخاص غريبة أو من أقاربهن، وذوات الأوضاع الصحية الحرجة هن أو الجنين. وبالرغم من التجريم الكامل للإجهاض، فيما عدا الحالات الطبية شديدة الخطورة التي تخضع للسلطة التقديرية للطبيب، لا تُوفِّر الدولة في هذا الإطار ضمانات كافية للنساء لتجنب الحمل غير المرغوب فيه.

حتى الآن توجد حاجة غير ملباة لوسائل منع الحمل تصل لـ14% عام 2014[9]، على الرغم من تبني الدولة لحملات تنظيم النسل في محاولة للمساهمة في وضع حد للمشكلة السكانية في مصر[10]. بالإضافة إلى عدم وجود توعية شاملة بخصوبة النساء، أو بصحتهن الجنسية والإنجابية، سواءً داخل المؤسسات التعليمية أو إعلاميًا. وبجانب ذلك، بافتراض استكمال النساء لحملهن غير المرغوب فيه، لن تستطيع النساء المتعرضات لاغتصاب، أو أمهات لأطفال بسبب علاقة خارج إطار الزواج، إثبات نسب أطفالهن بسبب القيود القانونية التي تفرض وجود علاقة زوجية حتى يثبت نسب الطفل لأبويه[11]، والذي يضطر النساء إلى اللجوء للمسار القضائي لإثبات نسب أطفالهن، وهو مسار غير مضمون أيضًا؛ حيث أن إثبات نسب الطفل عن طريق إجراء تحليل البصمة الوراثية للأب متروك لموافقته. كما أن العرف القضائي لا يكتفي لإثبات النسب بالطرق العلمية، بل يُلزِم النساء بإثبات علاقة زوجية رسمية أو عرفية[12]. على الجانب الآخر، تواجه المتزوجات تحديات مالية واجتماعية كبيرة في حالة وجود حمل غير مرغوب فأمامها إما أن تستكمل هذا الحمل، وبالتالي يترتب عليهن أعباء مالية ورعاية أكبر، خاصةً لو كان الطفل الثالث في الأسرة أو أكثر، أو تمر بعملية إجهاض غير آمنة وتعرض حياتها للخطر.

وفي ضوء ذلك، نستطيع أن نقرأ من المشهد الاجتماعي والقانوني أن التعسف في توفير الإجهاض الآمن للنساء يُشكِّل قيدًا كبيرًا على النساء وحقهن في التحكم بأجسادهن، ووصم النساء التي تود الإجهاض بتحميلها مسؤولية هذا الحمل وحدها، وعلى حساب صحتها. أما فيما يتعلق بحياة الجنين أو الجانب الديني، تتنوع الفتاوى الدينية الخاصة بالإجهاض؛ حيث يرى فقهاء الشافعية والحنفية أن الإجهاض لمعنى سائغ ممكن حتى يبلغ الجنين 120 يومًا[13]. ولكن نجد أن النصوص القانونية أخذت بأكثر الآراء تشددًا بتجريمه بالكامل[14]، ولم تترك للنساء القابلية لتفادي الحمل غير المرغوب فيه، أو حتى التسهيل في إثبات نسب الأطفال من خلال تلقيهم نفس المصير من الوصم والعزلة الاجتماعية الذي يترتب على الأم. وبالتالي، المنتظر من الدولة أن تضطلع بواجبها في توفير خدمات الإجهاض الآمن للنساء، وذلك لتعزيز حق النساء في الصحة العامة والإنجابية لهن ولأسرهن، وتمكين النساء من تقرير مصيرهن، من حيث خيارات الإنجاب، وحمايتهن من المضاعفات الصحية الخطيرة.

[1] الهدف الثالث من أهداف التنمية المستدامة، الصحة الجيدة والرفاه. متاح على:

https://sdgs.un.org/goals/goal3

[2] Amnesty International – Why abortion and contraception are essential healthcar. Available at: https://www.amnesty.org/en/latest/news/2020/04/abortion-contraception-essential/

[3] العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، “المادة 12: 1. تقر الدول الأطراف في هذا العهد بحق كل إنسان في التمتع بأعلى مستوى من الصحة الجسمية والعقلية يمكن بلوغه. 2. تشمل التدابير التي يتعين على الدول الأطراف في هذا العهد اتخاذها لتأمين الممارسة الكاملة لهذا الحق، تلك التدابير اللازمة من أجل: (أ) العمل على خفض معدل موتى المواليد ومعدل وفيات الرضع وتأمين نمو الطفل نموا صحيا، (ب) تحسين جميع جوانب الصحة البيئية والصناعية، (ج) الوقاية من الأمراض الوبائية والمتوطنة والمهنية والأمراض الأخرى وعلاجها ومكافحتها، (د) تهيئة ظروف من شأنها تأمين الخدمات الطبية والعناية الطبية للجميع في حالة المرض.”

[4] قانون العقوبات رقم 58 لسنة 1937، المبادرة النسوية الأورومتوسطية “المؤشر الإقليمي لمكافحة العنف ضد النساء والفتيات (VAWG)، المرصد الإقليمي لمؤسسات المجتمع المدني”، 2020.

[5] منظمة الصحة العالمية – الوقاية من الإجهاض غير المأمون. متاح على: https://bit.ly/3s5PbBi

[6] المصدر السابق.

[7] فاطمة عاهد، ““الإجهاض الآمن”.. البحث عن حياة صحية لا زال مستمرًا”، مصر 360، 23 أغسطس 2020.

[8] المصدر السابق.

[9] برنامج المسوح السكانية الصحية، “المسح السكاني الصحي، مصر”، 2014.

[10]عبد الله مجدي، “بدأت بحسنين ومحمدين.. الحملات الإعلانية وسيلة الدولة لتحديد النسل”، الوطن 2020.

متاح على: https://bit.ly/325Xf9X

[11] قانون الطفل رقم 12 لسنة 1996، “المادة (15): الأشخاص المكلفون بالتبليغ عن الولادة هم: 1ـ والد الطفل إذا كان حاضراً. 2ـ والدة الطفل شريطة إثبات العلاقة الزوجية على النحو الذي تبينه اللائحة التنفيذية..”، “المادة (22) : استثناء من حكم المادة السابقة لا يجوز لأمين السجل ذكر اسم الوالد أو الوالدة أو كليهما معاً، وإن طلب منه ذلك، في الحالات الآتية: 1- إذا كان الوالدان من المحارم فلا يذكر اسماهما. 2- إذا كانت الوالدة متزوجة وكان المولود من غير زوجها فلا يذكر اسمها. 3- بالنسبة إلى غير المسلمين، إذا كان الوالد متزوجاً وكان المولود من غير زوجته الشرعية فلا يذكر اسمه إلا إذا كانت الولادة قبل الزواج أو بعد فسخه، وذلك عدا الأشخاص الذين يعتنقون ديناً يجيز تعدد الزوجات. وتحدد اللائحة التنفيذية البيانات التي تذكر في شهادة الميلاد في الحالات سالفة الذكر.

اللائحة التنفيذية لقانون الطفل المادة 23: “يكون التبليغ عن الولادة من الأشخاص المكلفين بالتبليغ وفق الترتيب الوارد في المادة 15 من القانون، ويكون قبول التبليغ من الأم عن وليدها إذا قدمت أي مستند رسمي يثبت العلاقة الزوجية وإقرارًا موقعًا عليه منها بأن الطفل ناتج عن تلك العلاقة. فإذا لم تقم بإثبات تلك العلاقة، يتم قبول التبليغ مصحوبًا بإقرار كتابي منها بأن الطفل وليدها وبشهادة من القائم بالتوليد بواقعة الميلاد. ويتم في هذه الحالة قيد المولود بسجلات المواليد بدون اسم الأم في الخانة المخصصة لذلك، ويثبت للمولود اسم أب رباعي يختاره المسئول عن القيد، ولا يعتد بهذه الشهادة في غير إثبات واقعة الميلاد، مع إثبات ذلك بمحضر إداري يحرره المسئول عن القيد ويرفق بنموذج التبليغ، على النحو الذي يصدر به قرار من وزارة الداخلية بالتنسيق مع وزارة الصحة وبالمكاتب التي يصدر بها قرار من وزير الصحة“.

[12] أحمد أبو المجد، “ورقة قانونية حول إثبات النسب بالوسائل العلمية المشروع بين القانون وأحكام القضاء”، مؤسسة قضايا المرأة المصرية 2017.

[13] دار الإفتاء المصرية – حكم الشرع في الإجهاض.

 https://www.youtube.com/watch?v=WRcQ3UvLznQ&t=95s

[14] قانون العقوبات رقم 58 لسنة 1937، المواد من 260 إلى 263 من قانون العقوبات المصري.

شارك:

اصدارات متعلقة

أسئلة وأجوبة بشأن الوقاية من كوفيد 19 ومكافحتها للعاملين /ات في مجال الرعاية الصحية
الحصاد - عامان على الخلع " دراسة تحليلية "
دليل تدريبي " العنف ضد النساء "
فتحي نجيب والحركة النسائية المصرية وحقوق الانسان
ممنوع على الستات
ماما تحت الأنقاض
تشويه مش طهارة
العمالة المنزلية : استغلال جنسي تحت نظام الكفالة
المرآة لم تحررني، بل زادتني بوعي وثقل تاريخي كأنثي