لماذا تفجر سؤال النقاب الآن؟

تغطية:

لماذا تفجر سؤال النقاب الآن؟

شهد المجتمع المصري في الآونة الأخيرة حالة من السجال وصل حد الصراع علي صفحات الجرائد والقنوات الفضائية، بل وامتد إلى المحاكم، فتلك القاعة تعلوها الحناجر بنطق الشهادة والحسبنة لتأييد القرار، وتلك القاعة تسودها الزغاريد والهتاف, والغريب أن القضية لم تكن متعلقة بتفاقم البطالة أو تدني الأجور أو ارتفاع الأسعار أو غيرها من مشاكل تقصم ظهر المواطن المصري, وإنما كانت تلك الجنازة الحارة وذلك العرس الصاخب سببه إشكالية هل يتم منع النقاب أم السماح به؟.

وهو ما يدفعنا إلى التساؤل والبحث عن أسباب كل هذا الضجيج وتوجيه الطاقات في قضايا لن تحقق تقدمًا اقتصاديًا وثقافيًا وسياسيًا للمجتمع.

د. كمال مغيث الخبير التربوي: غياب المشروع الثقافي الفاعل والحيوي في الدولة أفسح الطريق لثقافة بدوية متزمتة تسعي لطمس الهوية المصرية

يري د. كمال مغيث الخبير التربوي رئيس مركز البحوث التربوية أن غياب المشروع الثقافي الفاعل والحيوي في الدولة أدي إلي وجود فراغ ثقافي في المجتمع استغلته ثقافات دخيلة علي المجتمع المصري وسعت إلى فرض ثقافتها، لافتًا إلي وجود ثقافة بدوية متزمتة تغزو المجتمع وتسعي لطمس الهوية المصرية التي عرفت الإسلام منذ أكثر من قرنين، ولم تثر يومًا إشكالية النقاب ولم تتضخم تلك الظاهرة مثلما يحدث الآن، وأضاف ساهم في نشر تلك الثقافة عدد من القنوات الفضائية المنتمية لتلك الثقافة البدوية السعودية مثل قناتي اقرأ والناس وغيرهما.

كما أوضح كمال مغيث أن التنقب يعكس فقدانًا للأمل وينشر في أوساط الطبقات المتوسطة والطبقات الأدني نتيجة الظروف الاقتصادية السيئة التي يمرون بها، فيصبح التنقيب زهدًا اختياريًا يلجأن إليه.

كذلك حمل كمال مغيث الدولة مسئولية انتشار التطرف الديني واصفًا موقفها بغير المهتمة بحسم تلك الأمور عبر القانون, مرجعًا ذلك الموقف إلى رغبة الدولة في اللعب علي الشخصيتين المسيحية والمسلمة, بأنها تضرب هنا وتلاقي هناك موضحًا أنه في إطار الاستبداد السياسي تعمل الدولة علي توجيه الطاقات نحو تلك الأفكار لتغييب عقول المواطنين عن اخفاقاتها في المجالات الأخري خاصة غياب الديمقراطية الحقيقية.

خالد منتصر الدولة تزايد على التيارات الدينية لرفضها السير قدمًا نحو الديمقراطية الحقيقية

في السياق نفسه أتفق د. خالد منتصر الكاتب الصحفي والمفكر بقوله إن الدولة ليست مستعدة للمضي نحو التنوير ونشر التفكير العلمي في المجتمع فلجأت إلي المزايدة علي التيارات الدينية وأضاف من المعتاد أن يتم توزيع الجوائز علي حفظة القرآن الكريم ولكن لماذا لم توزع الجوائز علي مبرمجي الكمبيوتر لترسيخ الثقافة العلمية في أذهان الأطفال؟ وحذر خالد منتصر من اقتصار مفهوم الديمقراطية علي صناديق الانتخاب وطالب بتوسيع المفهوم ليشمل الديمقراطية الاجتماعية في الأسرة المصرية وفي التعامل مع المرأة، موضحًا أن الديمقراطية الأولي أى ديمقراطية الصناديق الانتخابية قد تأتي بنظم تمثل رده حضارية.

جسد المرأة

وأضاف خالد منتصر أن أسباب استشراء تلك الثقافة هو التعامل مع جسد المرأة علي أنه دنس ونجاسة وحرام وعورة كاملة من الشعر حتى أصابع القدم وفي المجتمع الذكوري إلي حيث تسود قيم والنظرة الجنسية تصبح المرأة مجرد عورة.

وأرجع السبب الثاني إلي اجتزاء النصوص الدينية وعدم وضعها في سياقها الاجتماعي والثقافي عند نزول النص, موضحًا أن آية الحجاب نزلت في حادثة معينة لتميز المرأة الحرة عن الجارية لمنع التحرش بها من قبل الرجال عند قضاء حاجتها في الخلاء، وأضاف إذا احتفظنا.

في إطار الاستبداد السياسي:

الدولة غير مهتمة بحسم الأمر

بالآية في سياقنا الاجتماعي الراهن فعلينا أن نحتفظ بالجواري حتي هذه اللحظة.

وأضاف خالد منتصر أن النقاب هو تكريس لثقافة التخفي فهو قناع ولثام تختبيء المرأة المرتعشة غير الراغبة في أي مشاركة مجتمعية خلفه.

وتساءل خالد أي المجتمعات الأكثر خلقًا المجتمع مكشوف الوجه أم المتخفي؟ مرجحًا كفة المجتمع المكشوف لأنه يعطي المجال للمراقبة وتقويم السلوك اللذان لا يتوافرن في المجتمع المنتقب.

صلاح السروي: البلدان المصدرة لتلك الثقافات تخلت عنها واتجهت إلى المدنية والمعركة سياسية وثقافية.

بينما ذهب د. صلاح السروي – أستاذ الأدب العربي بآداب حلوان وعضو مجلس إدارة اتحاد الكتاب إلي جذور الظاهرة مؤكدًا أن أسبابها تعود إلي منتصف السبعينيات حينما وقعت مصر في برزخ بالغ القتامة والعتامة وحتي انهيار الطبقة الوسطي وتحديدًا مع صدور قانون الاستثمار في المناطق الحرة عام ١٩٧٤, حيث انضمت شرائح من الطبقة الوسطي إلي المعدومين والمحرومين مما أدي إلي هجرة أعداد كبيرة منهم إلى دول الخليج بحثًا عن فرص عمل فتعامل مع ثقافتها علي أنها مقدسة باعتبارها ولية نعمته ثم عادت تلك الشرائح إلي مصر بأنماط حياة بدوية ورعوية أبعد ما تكون عن الهوية المصرية والتصقت تلك الفئات التصاقًا بالعضوية المصرية، فانتشرت الجلاليب وبعض الممارسات الدينية المنبثقة لة من تلك الثقافة والتي من بينها النقاب وأضاف السروي أن للنقاب دلالة سياسية تزايدت مع تصاعد الإسلام السياسي الذي تزامن مع الانفتاح الاقتصادي موضحًا أن أنور السادات حاول تشويه صورة الزعيم الراحل جمال عبد الناصر واليسار المصري فأفرج عن معتقلي الجماعات الإسلامية وقام بدعمهم إعلاميًا وماديًا بغرض أسلمة المجتمع المصري قصريًا فانتشرت الميكروفانات التي تصرح ليلاً ونهاراً وتم التفريق بين الطلاب والطالبات ومنع الاختلاط بينهم في مدرجات الجامعات، وأضاف صلاح أن مصر طوال تاريخها بلد متدينة ولكن ما يحدث الآن هو هوس ديني وحالة بسط هيمنة أفكار تيار ديني علي المجتمع المصري لافتًا إلى أن تلك الجماعات تصور المتحجبة بالتائبة, والملتحي بالعائد إلى دينه وذلك لمدارة عوارهم الفكري والسياسي في الشارع المصري مؤكدًا أنها معركة سياسية شعارها ديني قام أصحابها ويطلبون من الناس اظهار دليل إيمانهم باللحية والنقاب.

إضافة إلى قيامهم بملاحقة المفكرين بالمحاكم والقضايا وأحيانًا بالإرهاب مشهرين سلاح التكفير في وجهه المثقفين.

وأضاف صلاح السروي الغريب أن بلدان الخليج المصدرة لتلك الثقافة بدأت تتخلي عنها وتتحول إلي المدنية وهناك ضرب عنيف لتلك الاتجاهات الأصولية، كذلك حمل صلاح السيروي الدولة مسئولية انتشار ذلك النمط في المجتمع المصري بسبب الفراغ السياسي الذي تم صنعه أمنيًا بالتضييق علي الأحزاب السياسية ومؤسسات المجتمع المدني عمومًا الأمر الذي أدي إلي ملء هذا الفراغ بالجماعات الدينية التي كانت علي الهامش حينما كانت تشهد الجامعات والشارع المصري حراكًا سياسيًا في عهود سابقة ولكن الدولة تخشي أن تملأ هذا الفراغ.

وأكد صلاح السيروي أن الظاهرة تتطلب مواجهة سياسية وفكرية من خلال إطلاق الحرية للأحزاب وإتاحة الفرصة للثقافة، إضافة إلى إحداث تنمية اقتصادية بالمجتمع، مشيرًا إلى أن معظم المستجيبين لمثل تلك الأفكار يعانون أزمات اقتصادية.

شارك:

اصدارات متعلقة

الحصاد - عامان على الخلع " دراسة تحليلية "
دليل تدريبي " العنف ضد النساء "
فتحي نجيب والحركة النسائية المصرية وحقوق الانسان
ممنوع على الستات
ماما تحت الأنقاض
تشويه مش طهارة
العمالة المنزلية : استغلال جنسي تحت نظام الكفالة
المرآة لم تحررني، بل زادتني بوعي وثقل تاريخي كأنثي