لماذا يخاف المسئولون من الفن؟

اعداد بواسطة:

تجربة إنتاج جريئة لاستوديو مصر وهي المرة الأولى التي ينتج فيها الأستوديو فيلمًا تسجيليًا، والفيلم تجربة استثنائية لمخرجة مصرية تعيش بكندا تحمل في قلبها هموم وطن رغم المسافات المكانية والزمنيةهو فيلم البنات دولللمخرجة تهانی راشد طبعاً الفيلم صدم الكثيرين عند عرضه في (مهرجان كان) في القسم الرسمي خارج المسابقة ٢٠٠٦، وبرغم شعور معظم السينمائيين بالفخر لاشتراك فيلم مصري في هذا المهرجان العريق، إلا أن الأمر لم يسلم من صحفيين كبار خرجوا من العرض يومها يتحدثون الحديث القديم نفسه عن (سمعة مصر) وكأن (سمعة مصر) لا يساء لها والبنات ينمن في الشوارع أمام أعينهم، وإنما يساء لها إذا نقلت هذه الصورة الحقيقية على الشاشة!!

على أي حال في المقابل، حقق الفيلم عند عرضه بالقاهرة في كل مرة عرض نجاحًا قويًا سواءً في أوساط السينمائيين المتخصصين أو غيرهم من المشاهدين الطبيعيين!! الجميع بهروا بما حققته المخرجة والمصورة نانسي عبد الفتاح والمونتيرة منى ربيع (يلاحظ أن العاملين في الفيلم معظمهم أيضًا بنات!!)

إن اللافت للنظر في هذه التجربة هو هذا المجهود الذي بذل على مدار شهور وهم يقضون الوقت في الشوارع حيث الحياة القاسية التي نعرفها جميعًا ولا نجرؤ على اختيارها بأنفسنا كما فعلوا هم، لقد عاشوا مع مجموعة من البنات اللاتي يقطن الشارع في محاولة لنقل تفاصيل حياتهن وهمومهن وأحلامهن ونجحوا في نقل صورة عنهن يفيق معها المشاهد على حقيقة أنهن (ناس) مثلنا ننساهم في زحمة المرور ونسيء، لهن كل يوم بالنهر أو السب أو التجاهل….

يحملنا الفيلم جميعًا هذه الذنوب وهو يعرض لوحشية الحياة التي تتعرض لها الفتيات بشجاعة..

والشارع يتسع للجميع وله قانونه القاسي وعلى من يحيا فيه أن يتحمل هذا.

واستخدم الفيلم صورًا جميلة للتعبير عن الوحشية والجموح مثل مشهد البداية الذي تمتطي فيه إحدى البطلات صهوة جواد تنطلق به وسط السيارات متدافعة في أحد أهم شوارع القاهرة.

ليلخص الحياة في القاهرة المليئة بالتناقضات بين القادر والمحتاج، الماضي والحاضر، والإنسان يبدو ضائعًا وسط هذا الزحام الذي بلا عقل ولا رحمة.

أذكر عند عرض الفيلم في الجامعة الأمريكية ضمن برنامج عروض بدائلأن المشاهدين كانوا أكبر مما تحتمل القاعة، وعدد الذين لم يجدوا مكانًا في القاعة فاق الحاضرين. وكانت المفاجأة أن المشاهدين بعد الفيلم يسألون المخرجة ماذا نفعل لمساعدتهن هل هناك جمعيات أهلية معينة يجب الاتصال بها.. هل دفع الأموال هو الحل؟؟

ووجدت المخرجة نفسها في موقف لا تحسد عليه، فهي توقعت مثل كل الفنانين الحديث عن الإيقاع والسرد والبناء والتصوير، ووجدت نفسها تقدم المسئولين في الجمعيات والمشاهدين يأخذون أرقامهم ليتصلوا بهم فيما بعد.

وهكذا ولدت حالة في القاعة من الشعور بالذنب الجماعي، نجح الفيلم في توصيل صوت الفتيات للعالم الذي يراهن كل يوم ولا يكترث.

لقد شعر بالذنب فقط من هو في القاعة المظلمة وهو يشاهدهن على الشاشة.

الآن أفهم لماذا يخاف المسئولون من الأفلام أفهم لماذا تزعجهم أكثر من الكوارث في الحياة.

وهكذا كما قال الشاعر (إن وصف العالم أجمل من العالم، ورسم الوردة أجمل من الوردة) هكذا يكون الفيلم الجيد، والجمال هنا يقصد به جمال الإخلاص والعمق والصدق الذي أخبرت به الصورة عن الحقيقة، وخلدتها على شريط الفيلم وأحرجت بها العالم بمسئوليته المباشرة أو غير المباشرة المتمثلة في التواطؤ والصمت.

تحية لصناع هذا الفيلم الشجاع وتحية لشجاعة البنات بطلات الفيلم.

شارك:

اصدارات متعلقة

الحصاد - عامان على الخلع " دراسة تحليلية "
دليل تدريبي " العنف ضد النساء "
فتحي نجيب والحركة النسائية المصرية وحقوق الانسان
ممنوع على الستات
ماما تحت الأنقاض
تشويه مش طهارة
العمالة المنزلية : استغلال جنسي تحت نظام الكفالة
المرآة لم تحررني، بل زادتني بوعي وثقل تاريخي كأنثي