ليلى: مكتسبات المناصرة

الشركاء: اختيار

ليلى: مكتسبات المناصرة

حوار تجريه نانا أبو السعود مع ليلى

ليلى باحثة واستشارية نسوية بمجال الحقوق والصحة الجنسية والانجابية *

الكلمات المفتاحية: العدالة الاجتماعية، النوع الاجتماعي، الدعوة، والبحث

احكي لي عن البدايات,

بدأت أصلاً كصحفية، ومدخلي للعدالة الاجتماعية كان من خلال نشاطي السياسي. تزامنًا مع بداية اشتغالي بالصحافة كانت الانتفاضة الثانية في فلسطين. وقتها اتولد عندي اهتمام عام بالقانون الدولي.

سنة 2002 ترمز لتمرير نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية [3]. توسمنا دورها في إيجاد حلول لقضايا مختلفة، على رأسها القضية الفلسطينية.

في نفس الوقت كان بيتبني مجتمع حول القضايا الإقليمية والقانون الدولي؛ أشخاصه مش بالضرورة كلهم ناشطين سياسيًا لكن على الأقل ناس مهتمة بمفهوم العدالة نفسه.

متوقع من الأفراد المنشغلة بمفهوم العدالةتتأمل محيطها السياسي الداخلي بجانب ما يحدث في الشأن الدولي. إحنا انشغلنا بفلسطين والعراق، وفيما بعد تطور انشغالنا بشئوننا الداخلية.

بدأت آخد خطوات لدراسة القانون الدولي، سواء لاستخدامه داخل مصر أو في قضايا بتشغلني دوليًا. أو يعني الاتنين. اهتمامي زاد بمعرفتي لغة للتعبير عن قضايا مؤمنة بيها، فلم يعد يسعني دوري كصحفية تسجل الأحداث“.

بعرّف نفسي كنسوية، وكنت مدركة محددوية العمل بمفهوم العدالةخارج حدود إطار العمل بحقوق الإنسان. فكرت إن وجودي في المساحات غير العاملة بالمبادئ النسوية تقريبية لهدفي الأكبر، وهو دمج المبادئ النسوية في المساحات مقتنعة التغيير مبيحصلش في يوم وليلة. وخلقت لنفسي عالم جوة العالم.

قضيت سنين بشارك في بناء نموذج عمل يقدر يوصل القضايا ببعضها. كان شائع تواجد منظمات منشغلة بحقوق المرأة ومنظمات منشغلة بالحقوق السياسية وحقوق المواطنة؛ المشاركة السياسية، حرية التعبير .. إلخ كأنهم منفصلين عن بعض! وقتها كنا مفتقدين نموذج عمل شمولي. علمًا بأن القضايا كلها مترابطة فصل المجتمع المدني للقضايا ساهم في إن الرؤية تكون غير مكتملة في الحديث عن قضايا المرأة، خاصة في عدم تطرقها للعدالة الاجتماعية والعدالة الاقتصادية.

ثورة يناير 2011 غيّرت تفاصيل شغلنا اليومية ونموذج العمل المعنيين بترسيخه. الثورة غيرت ملامح العمل على قضايا النساء وقضايا الجندر. في وسط التغييرات اكتشفنا أن أساسيات العمل الحقوقي في مصر تقليدية، كتقسيم الأمم المتحدة لمسارات العمل (مناسبة لزمن الإعلان العالمي لحقوق الإنسان سنة 1945). الطريقة التقليدية بتفصل الحقوق المدنية والسياسية عن الحقوق الاقتصادية كان إدراك محبط. مع توالي إحباطات انغلاق المجال العام وهزيمتنا في المراجعة العالمية لبرنامج عمل المؤتمر الدولي للسكان والتنمية [4].

ابتعدت عن العمل فترة!

من موقعك كنسوية وباحثة معنية بالعدالة الاجتماعية، انطباعك ايه عن الوضع الحالي؟

بنشهد انغلاق شديد للمساحات العامة، وبالتبعية التحديات بتزيد. بابتعادي عن المجال العام عندي الفرصة انظر بمرجعية للفترات السابقة وأدرك الضيق في حصرنا للإنجازات الجماعية في المكتسبات الكبيرة. مثلاً معايير النجاح لا تُختزل في تقنين الإجهاض فقط! وربط عدم تقنين الإجهاض بالفشل هو تحليل غير مكتمل. العمل لتحقيق العدالة الاجتماعية هو رحلة للتغيير، وكل الانتصارات هي مكتسبات. التغيير لا يحدده عناوين أخبار، ولا تخلقه ثورة! التغيير الحقيقي يبدأ بمكتسبات صغيرة، بمشاريع صغيرة على مدى طويل, تخلق سردية مختلفة. المعنيين بالتغيير الحقيقي يرسمون وسيرسمون مساحات تستوعب بطء خطوات التغيير.

ما أشبه إحباطات أوائل الألفينيات بانتكاسات اليوم! نسمع ونقول مفيش أملمفيش فايدة عمر الدنيا ما هتتتغير اللي احنا بنعمله ده مالوش أي لازمة“. بس الدنيا بتتغير، والدنيا هتتغير، ولازم احنا نبقى جاهزين, ولازم احنا نكون لسة موجودين عشان الدنيا تتغير.

احكي لي عن مشاريعك الحالية.

عملي في تحالف نسويات من الجنوب العالمي هو تجسيد لشغفي بالعدالة, من خلاله بنسلط الضوء على ما قد يبدو بديهي ونعبر عن غير المنطوق. في السنين الأخيرة ركزت مجموعات نسوية ومجموعات عاملة بحقوق الإنسان كل المجهودات لتمرير قوانين تلفظ العنف الجندري والعنف ضد المرأة، وكل مشاريع القوانين تعتبر مكتسبات إلى حدٍ ماحتى نفهم الواقع الذي تعيشه امرأة تختار تختينابنتها. هي على الأغلب مرت هي كمان بالتجربة وهي في عمر ابنتها. احنا عارفين أنها على دراية بالألم، وفاهمين أن الاتكال على القانون بمفرده لتغيير سلوكها أمر مستبعد ويمكن مستحيل – حدوثه. القانون مش كافي إنه يخليها تغير رأيها خالص.

دورنا لا ينحصر في كتابة مسودات قانون. دورنا أهميته تقع في محاورتها. ولا أعني محاورتها من أجل الإقناع فقط؛ أقصد محاورتها بهدف الإنصات لها، وإيجاد مساحة تسمح لها بتغيير رأيها، وتكون نبرة غير تهديدية لو قررت التمسك بخطتها! في الأول وفي الآخر يبقى هذا هو الواقع لبعض الناس. وفي رأيي، دورنا ليس مهاجمة الواقع، بالعكس محاولة فهمه والتفاعل معه لتغييره.

خلينا نتخيل إنها غير مقتنعة بتختين ابنتها. هي ممكن تكون مقتنعة أن المجتمع وتقاليده وعاداته أكبر من ألم ابنتها. كلها احتمالات واردة. تغيير السرديات والخطابات حول الواقع هو الأصعب، لكنه الأمثل. لكن هذا هو التغيير الذي يجب أن نعمل من أجله كل يوم، ويكون الهدف الأسمى من عملنا. هدفنا لا يتحقق بانخفاض تجارب الختان واحد أو اثنين في المئة. هدفنا هو بالفعل أن ترفض الناس كلها توارث عادات وتقاليد كتلك.

ما دلالة مصطلح حقوقفي سياق الحقوق والصحة الجنسية والإنجابية؟

في تجربتي في المناصرة الدولية، ممكن ناخد من المؤتمر الدولي للسكان والتنمية مثال. مصطلح حقوقفي هذه المساحة هو أرض معركة, بين المناصرات وبين الوفود الرسمية للدول المشاركة والمتمسكة بتوجهات محافظة. على سبيل المثال, عند الكلام على موانع الحمل، الدولة بتربطها بسرديات تنظيم الأسرة، مش حق الستات في الاختيار والتحكم في أجسامهن. بالنسبة لي، الأهم هو أن يكون في مقدرة كل النساء الاختيار! اتمسك بالبعد الحقوقي في سياق الصحة الجنسية والإنجابية. أتمسك به لأن الحقوق تأمن الاختيار وتظل اللغة أرض معركة. وده اللي بنشوفه عندما يحذف ممثلو الدول المحافظة الدلالة الحقوقية من مفرداتهم، ينزعون ضمان حق الاختيارو حق المعرفة، ويحددون سبل تحقيق العدالة بين النساء والفتيات, وبين المناطق المركزية وغير المركزية، وبين الفقير والغني.

مهم التركيز على خفض معدل وفيات الولادة، بنفس أهمية التركيز على جغرافية حدوثه. تبقى أعلى نسب وفيات فترة الولادة في المناطق الريفية. المناطق الريفية حيث تعيش أغلب النساء غير المتعلمات, واللاتي يسكنن مناطق تنقصها البنية التحتية. وفي هذه الحالة يصبح انخفاض المعدلات مش انجاز“. دليل آخر على التمييز بيننا كنساء هو كوننا في نفس الدولة في حين تتحكم المركزية في الخدمات التي نحصل عليها.

كوننا معنيين بتحقيق العدالة الاجتماعية لا يعني ثباتنا على أرضية مشتركة من المرجعيات الحقوقية والأولويات. كلميني عن تجربتك في دعوة مجموعات أو أفراد أخرى للتحرك حول الحقوق الجنسية والانجابية.

الأولويات المشتركة الواحدة من أكبر التحديات. قبل الثورة، كان لا جدال حول أهمية إدراج الحقوق الجنسية والإنجابية في المحافل الدولية. بعد يناير 2011، تحول الاهتمام كليًا إلى ماهية تشكيل حكومة وتفعيل دور الأحزاب والإعلام والاتحادات العمالية, كل من منظور سياسي وليس من منظور حقوقي.

على مستوى المجتمع المدني، لم نحدد أولوياتنا كجمعيات ومنظمات. انشغلنا جدًا بالأولويات السياسية ونسينا نطالب بحمايتنا.

مع تغير ملامح العمل العام بدأنا نقرر أولويتنا، وأهلكنا التردد بين الاكتفاء بالمجموعات المقدمة للخدمة وقتها، وبين العمل لتأمين المساحات العامة للنساء مع تفشي التحرش الجماعي الذي طال الناشطات أنفسهن. بالرجوع لهذه الفترة، أعتقد أن ما تغير بالفعل هو إدراك النشطاء أصحاب الأولويات السياسية بفاجعة عواقب تجاهل العنف الجنسي.

الإحباط سيطر علينا في تلك الفترة، خسرنا الكثير من المعارك، وأصبحت المساحات العامة مخيفة في نفس وقت أدراك أغلب المحتشدين في الميادين وقع العنف الجنسي.

العنف الجنسي الذي لم نتمكن من العمل عليه نحن النسويات طوال تلك الفترة لضعف أهميته السياسية على قائمة الأولويات.

ومع كل هذا لا أفقد الأمل. لست متفائلة بالضرورة، لكن من كل التجارب الماضية شهدنا الثورة تفتح أبواب لنسويات أخريات. نسويات غير مشهورات، نساء يرفضن القمع اليومي. وده مكسب! مكاسب الثورة عديدة وغير ملهمة لتتصدر العناوين مثل تغيير القوانين. اللحظة التي يرفض فيها

الناس غير المنشغلة بالشأن العام ما اعتدناه من القمع هي لحظة انتصار.

بالحديث عن التفاؤل، ما هي الفرص الحالية؟

نعيش حالة عامة من الملل والإرهاق والخوف وكل هذا مبرر. يؤخذ علينا في السنين السابقة انشغالنا بالتشكيلات السياسية، وتركنا العمل المجتمعي والعمل الجماهيري. سمحنا بتعرضنا للتنميط والشيطنة، ونجحت الخطابات الهادفة لإبعادنا عن ميادين العمل في تخويننا. أصبح مشكلتنا الأساسية هي عزوف الناس والمجتمعات الأخرى عن العمل معنا, رافضين محاورتنا والجلوس معنا.

بلاش نهجر العمل المجتمعي وميادين العمل, هنا درس من خسارة معركة. لازم تفتكر إن هذه حالة عامة من اليأس، لسنا وحدنا. في هذا دعوة بأن نتشبث بمواقعنا, ومواصلة العمل حتى نخلق مساحة أخرى تستوعب ضيقنا من كل هذه المشاعر.

آخر سؤال: بالتفكير في رحلتك، ما هي مكتساباتك الشخصية؟

أنا فخورة بوجودي وقت ثورة يناير 2011. شهدت جموع من الناس بتتكلم عن الحريةوعن العدالة الاجتماعية، وتستخدم مفردات ارتبطت ذهنيًا بالنشطاء والمعنيين بالشأن العام. كانت تجربة غنية, شاهدت في غضون أيام ما كان ممكن أن يتحقق وما في وسعنا تحقيقه. أنا قلقانة من هوجة الهجرة. لو مشيت أنا كمان قد لا أشهد تكرار التجربة. لست ساذجة ولا متفائلة فوق الحد، فقط تحضرني ذاكرة الإحباط في أوائل الألفينيات. ورغم إنهاكي ومعرفتي بحدود ما يمكن أن أشارك به حال تكرار التجربة، يبقى تحقيق العدالة الاجتماعية هو شغلي الشاغل.

مكتسب شخصي آخر هو الأمومة. اكتشفت الأُلفة الممكنة بين نسويتي وأمومتي. الأُلفة المحتملة في كوني امرأة مع كوني أم.

تجربتي مع الأمومة جسدت مفاهيم مختلفة، تفاعلت معها من خلال شغلي ومبادىء نسوية تمسكت بها.

شارك:

اصدارات متعلقة

أسئلة وأجوبة بشأن الوقاية من كوفيد 19 ومكافحتها للعاملين /ات في مجال الرعاية الصحية
الحصاد - عامان على الخلع " دراسة تحليلية "
دليل تدريبي " العنف ضد النساء "
فتحي نجيب والحركة النسائية المصرية وحقوق الانسان
ممنوع على الستات
ماما تحت الأنقاض
تشويه مش طهارة
العمالة المنزلية : استغلال جنسي تحت نظام الكفالة
المرآة لم تحررني، بل زادتني بوعي وثقل تاريخي كأنثي