محكمة الأسرة.. خطوة على الطريق

اعداد بواسطة:

محكمة الأسرة.. خطوة على الطريق

نجوى إبراهيم

بعد جهود مضنية قامت بها المرأة المصرية والجمعيات النسائية والمجالس القومية المتخصصة، جاء قانون الأسرة ليس في صالح المرأة فحسب، ولكنه ينعكس على المجتمع كله. ويهدف قانون محكمة الأسرة إلى تجميع كل قضايا الأسرة المتنازعة من حضانة، ونفقة الأولاد. وطلاق، وغيرها بشكل متكامل، حتى يمكن النظر إليها وإصدار حكم عادل مع سرعة البت فيه. وفكرة إنشاء محكمة مختصة بشئون الأسرة ليست وليدة لحظة فبعد أن تفاقمت قضايا الأحوال الشخصية واتسعت مشاكلها داخل قاعات المحاكم فضلاً عن الظروف التي تعيشها الأسر حاليًا من صراعات، وخلافات وقضايا خلع وطلاق، وغيرها، جعلت كثيرًا من الجمعيات النسائية والمجالس القومية المتخصصة تبحث عن وسيلة لحماية أمن وسلام الأسر المصرية، وبعد نضال كثير من الجمعيات النسائية والمستنيرين من الرجال والنساء أصبح هناك ضرورة لطرح مشروع إنشاء محكمة الأسرة خاصة بعد أن أثبتت الإحصاءات والمتابعات الميدانية زيادة عدد القضايا والخصومات الأسرية بالمحاكم، بالإضافة على ارتفاع عدد حالات الخلع وقضاياه، والتي تقدر حتى الآن بنحو 16 ألف قضية.

محكمة الأسرة تتكون من ثلاثة قضاة يكون أحدهم، على الأقل، بدرجة رئيس محكمة إبتدائية، لتحقيق أفضل أداء يناسب اختصاصها بالنظر إلى ما كانت تختص به المحاكم الجزئية وابتدائية في قضايا الأحوال الشخصية، ويعاون محكمة الأسرة في نظر كل دعاوي الأحوال الشخصية خبيران أحدهما أخصائي اجتماعي، والآخر أخصائي نفسي، على أن يكون أحدهما من النساء، كما شمل القانون إنشاء نيابة متخصصة لشئون الأسرة مهمتها تلقي الدعاوي والطعون أمام محاكم الأسرة ودوائرها استثنائية، كما تكون هناك مكاتب يلجأ إليها المتنازعون قبل الذهاب إلى المحكمة أملاً في الصلح وفض المنازعات بعيدًا عن المحاكم. ومن جانبها تؤكد، د. نادية حليم، مدير بحوث المرأة في المركز القومي للبحوث اجتماعية، أن محكمة الأسرة كانت هدف العديد من الجمعيات الأهلية نظرًا للمشاكل التي تحدث في الأسر المصرية؛ لذا فقد تعاون المجلس القومي للمرأة، كما تحمس لها المجلس القومي للأمومة والطفولة، وتضافرت هذه الجهود، إلى أن استجابت الدولة أخيرًا وأصدرت القانون رقم واحد لسنة ٢٠٠٠ بشأن تيسير إجراءات التقاضي للأحوال الشخصية، وتحمل بنك ناصر اجتماعي دفع النفقة للزوجة أو للأولاد، ثم جاء قانون محكمة الأسرة الذي يخرج بقضايا الأسرة من إطار التجريم إلى النظر إليها باعتبارها تمثل موضوعًا مختلفًا له أبعاده اجتماعية، ويعتبر جزءًا متممًا لقانون حماية الطفل من الأسرة التي تعينه وترعاه بما يكفي، كما اختصر القانون الوقت والجهد الذي كانت تعاني منه المرأة في قضايا النفقة، حيث إن تجمع قضايا الأسرة في محكمة واحدة يحفظ كرامة كل فرد من أفراد الأسرة المتنازعة، ويجعلهم طرفًا في النزاع، وتشير إلى أن من مزايا القانون الجديد وجود ماهية يلجأ إليها الزوج والزوجة محل النزاع تضم أخصائيًا نفسيًا وآخر اجتماعيًا ورجل دين أملاً في الإصلاح بين الزوجين بالطرق الودية.

كما سيصبح لكل أسرة متنازعة ملف خاص مدون فيه أصل المشكلة ومراحل تطورها وسوف تضم المحكمة 3 أعضاء هم أخصائي اجتماعي وآخر نفسي لبحث حالة الأسرة ودراستها، بالإضافة إلى عضو النيابة العامة، وهذا يتطلب أن يكون هؤلاء الأخصائيون على درجة عالية من التدريب والقدرة على التعامل مع مثل هذه القضايا وبدء العمل به، حتى نتأكد من وجود متخصصين متدربين سواء قضاة أو محامين أو أخصائيين حتى يتفهموا طبيعة العمل مع القضايا الأسرية.

دائرة واحدة

وتقول د. هدى ذكريا، أستاذة علم اجتماع جامعة الزقازيق، إن قانون محكمة الأسرة له تاريخ طويل في مصر، فهو حلم طال انتظاره لرفع المعاناة عن ضحايا الطلاق، وجاء بعد عناء وتصدعات أسرية وخلافات ومنازعات، وغيرها من المشاكل اليومية التي أصابت الأسرة المصرية، كان العبء يقع دائمًا على عاتق المرأة، ومن هنا جاء اهتمام جميع الجمعيات النسائية ومحاربتها من أجل الموافقة على مشروع قانون محكمة الأسرة الذي علق عليه الملايين آمالهم عسي أن يعالج مشاكل كل أسرة. وجاءت أخيرًا الموافقة على القانون بعد جهد طويل شارك فيه كثير من المستنيرين من الرجال والنساء والجمعيات المهتمة بقضايا المرأة وتشير د. هدى إلى أن القانون يهدف إلى تسهيل الإجراءات على الأسرة كلها؛ نظرًا لأنه يجمع كل ما يتعلق بالعلاقات الزوجية أمام دائرة قضائية واحدة، وهذا في حد ذاته تسهيل على الأسرة ونظرًا لأن المتضرر طوال الوقت هو الزوجة والأولاد فإن المحكمة ترفع الظلم عنهم وتخفف عنهم العناء. ويتم عمل ملف كامل للأسرة، وينظر أمام دائرة قضائية واحدة، وهذا يوفر للمرأة المصروفات التي كانت تضيع في التنقل بين المحاكم وتوكيل أكثر من محام، أصبحت الزوجة تتابع قضاياها في مكان واحد، وأهم ما في محكمة الأسرة أن أصبح للأطفال مكان مخصص للرؤية أو انتظار حتى يضطروا للوجود في الأقسام. كما جاء قانون إنشاء صندوق تأمين للأسرة ببنك ناصر ليحل مشكلة النفقة للمطلقة والأولاد منذ صدور الحكم، حتى لا تتعرض الأسرة لهزة اقتصادية إذا امتنع الزوج عن الدفع.

إنقاذ الأسرة

تؤكد د. فوزية عبد الستار، أستاذ القانون الجنائي بجامعة القاهرة، أن قانون محكمة الأسرة يحقق العديد من المزايا لأطراف الأسرة المتنازعة، لأنه يؤدي إلى توفير الوقت والجهد بالنسبة للزوج والزوجة بسبب تجمع كل قضايا الأسرة في مكان واحد، وبذلك تقترب المحكمة من المتقاضين، بما يوفر الجهد والوقت للجميع، ويؤدي إلى إحاطة هيئة المحكمة بكل أبعاد النزاع، بحيث يحقق الحكم العادل. وتضيف أن هذه المحكمة تشكل من ثلاثة قضاة أحدهم، على الأقل، رئيس محكمة ابتدائية يعاونه أخصائي نفسي وآخر اجتماعي وميزة هذين الأخصائيين تتمثل في بحث أسباب النزاع والتغيرات التي طرأت على الأسرة ومن خلال هذا يتمكن القاضي من أن يحكم حكماً عادلاً، ومن مزايا هذا القانون أيضًا والكلام للدكتورة فوزية – أنه لا ينظر في النزاع إلا بعد محاولة إجراء الصلح بين طرفي النزاع عن طريق مكتب فض المنازعات الملحق بالمحكمة، وهذا الحل بإمكانه إنقاذ الأسرة إذا تم الصلح بين الأطراف المتنازعة.

ومن أهم مزايا القانون أنه ألغي طريقة الطعن بالنقض، لأنه كان يؤدي إلى معاناة شديدة بالنسبة للمرأة التي تطلب الحصول على الطلاق، فيحكم لصالحها في أول درجة ثم يؤيد الحكم في محكمة الاستئناف. وتؤكد الأستاذة تهاني الجبالي، المستشارة بالمحكمة الدستورية العليا، أن محكمة الأسرة تحقق مبدأ التخصص في القضاء، حيث إنها هي المحكمة الوحيدة المختصة بنظر المنازعات المتعلقة بالأسرة التي يطبق عليها قانون تيسير إجراءات التقاضي في مسائل الأحوال الشخصية رقم 1 لسنة ٢٠٠٠ كذلك تعمل على التيسير على القاضي والمتقاضي، لأن القاضي يقتصر عمله على هذه النوعية من المنازعات وتجعل جهده في إطار تخصص واحد، وهذا يساعد على إتقانه والإحاطة بمختلف نواحيه، وبالنسبة للمتقاضي فإن هذه المحكمة تجعله مقصورًا عليها دون غيرها من المحاكم في نظر هذه المنازعات، (وتؤكد أن فكرة القضاء المتخصص أحد الأساليب المتطورة في العالم بأسره، وكانت في مقدمته محاكم الأسرة ونحن في حاجة ملحة للاستفادة من تجارب الدول الأخرى في هذا اتجاه) وتقول المحامية مرفت أبو تيج: كان هناك ضرورة قصوى لإنشاء محكمة الأسرة، وهو ما كنا نطالب به دائمًا، لأن ما يحدث حاليًا يعرض الأسر المتنازعة إلى مشاكل لا حصر لها والهدف من هذا القانون ليس تيسير الأمر على النساء فحسب، ولكن على الرجال أيضًا، بحيث يكون تسهيل الإجراءات للطرف المظلوم سواء أكان الزوج أم الزوجة، في هذه الحالة فإن أحد الطرفين يضطر للانتقال بين عدة محاكم ينظر كل قاضٍ فيها قضية مختلفة من قضايا تطليق، إلى حضانة، إلى نفقة، ولكن يكون هناك قاضٍ واحد، تعرض أمامه جميع المشاكل ويستطيع من خلال الأوراق الموجودة لديه أن يحكم ويعرف من الظالم ومن المظلوم، ويحكم في النهاية لصالح الأسرة والأطفال تحديدًا؛ أيضًا الزوجة يجب ألاَّ تجد نفسها بلا مأوى بعد تربية الأولاد وبلوغهم السن القانونية كما يحدث في القانون الحالي. كذلك يجب أن توفر له سبل الحصول على النفقة بالطرق اليسيرة.. وغيرها من الأمور التي يتعرض لها القانون الجديد. وترى أن وجود ثلاثة قضاة أحدهم على الأقل رئيس محكمة ابتدائية يجعل النزاع مطروحًا على عدد من القضاة. ويكون فيها الحكم المنصف ووجود الأخصائي النفسي والاجتماعي أحدهما من النساء له أهمية كبيرة. من حيث بحث أسباب النزاع والتغيرات التي طرأت على الأسرة. وتطالب بضرورة ضمان تنفيذ الأحكام التي تصدرها محكمة الأسرة وتدريب الأخصائيين تدريبًا كافيًا، نظرًا لأن العلاقات الاجتماعية والأسرية لاسيما في وجود أطفال تحتاج إلى طبيعة مختلفة ومرونة في التعامل تتحقق باختيار الجيد للمتعاملين في هذه القضايا.

شارك:

اصدارات متعلقة

الحصاد - عامان على الخلع " دراسة تحليلية "
دليل تدريبي " العنف ضد النساء "
فتحي نجيب والحركة النسائية المصرية وحقوق الانسان
ممنوع على الستات
ماما تحت الأنقاض
تشويه مش طهارة
العمالة المنزلية : استغلال جنسي تحت نظام الكفالة
المرآة لم تحررني، بل زادتني بوعي وثقل تاريخي كأنثي