مناهضة العنف الجنسي ضد النساء

تاريخ النشر:

2019

اعداد بواسطة:

مناهضة العنف الجنسي ضد النساء

أشكاليات التشريعات المصرية ونماذج مقارنة

ساهم حراك النساء حول العالم، ومازال في تسليط الضوء على معانتهن من العنف الجنسي واستمراريته، التي تعكس الخلل البنيوي المستتر في المنظومات المختلفة، بل وداخل المجموعات الفاعلة في المجال العام، التي قد تتسم أفكارها بالتقدمية، إلا أنها كجزء من منظومة قهر اجتماعي متجذِّر، تحوي بداخلها أشكالاً وصورًا متعددة من العنف، والإقصاءالمدلجللنساء وغيرهن، تارة بحجةهرمية النضالونصبح أمامحقوق النساء ليست أولوية الآنوتارة بالتَّحجج بأنها تقدمية بشكل افتراضي“by default” فلا تحتاج لإقرار سياسات، أو لوائح لتمكين النساء داخلها، وتمثيلهن تمثيلاً عادلاً، وبالطبع حمايتهن من التمييز أو الاستغلال والعنف الجنسي.

وفي غير الحالات التي تواجه فيها الدولة بتقاعسها، أو بما تقوم به من انتهاكات، يتم استدعاء الخطب الرجعية وتهميش نظيرتها التقدمية كلما ادعت سيدة التعرض للتمييز أو التحرش داخلها، وتتعالى المطالبة باللجوء لنظام العدالة الجنائية والتمسك بالقوانين المعمول بها، تزامنًا مع ادِّعاءات ذات المجموعات بعوار نظام العدالة الجنائية، وضرورة تغيير التشريعات لتلائم الواقع.

والجميع دائمًا يدعوهن إلى الكفِّ عن التشهير الإلكتروني، والوصم المجتمعي، واللجوء للقضاء؛ فهل تنصف التشريعات المصرية الحالية ضحايا العنف الجنسي؟

بالرغم من تسمية القانون المصري لبعض جرائم العنف الجنسي مثل:

  • هتك العرض.

  • الاغتصاب.

  • التحرش الجنسي.

  • مؤخرًا عام 2014، ( كان قد أصدر الرئيس المؤقت السابق (عدلي منصور) قانونا لمكافحة التحرش الجنسي للمرة الأولى، في تاريخ مصر. وينص القرار رقم 50 لسنة 2014، الذي أصدره على تعديل بعض أحكام قانون العقوبات لتغليظ العقوبة على أعمال التحرش الجنسي، وأضاف المادة 306، وأصبح مفهومالتحرش الجنسيقانونيًا وتابعًا، تم تبني سياسات وآليات، مثل وجود شرطة نسائية لمواجهة التحرش خاصة في الأعياد؛ إلا أن القوانين المعمول بها حاليًا لا تستند على منظور النوع الاجتماعي. بالإضافة لقدمها، أو تعارضها، أو غيابها، والذي يقف بالتأكيد حائلاً أمام تحقيق العدالة. كما أنها تسكت عن وضع التعريفات المحددة للجرائم، وتتركها لما استقرت عليه محكمة النقض. وعلى سبيل المثال لا الحصر نجد:

     

تخلو المادة رقم (268) من قانون العقوبات المصري من أي تعريف للاعتداء الجنسي والاعتماد على تكييف عدة أفعال تحت نفس المسمى، وهو ما يجب بالضرورة إضافته، وقد قدمت منظمات نسوية اقتراحا بإضافته ليشملكل فعل يستطيل إلى الناجية أو الناجي ومن شأنه الحط منهم، أو القيام بأفعال جنسية دون رضاهم لا تصل إلى حد الاغتصاب“.

الاغتصاب يعني، وهو تعريف غير موجود بقانون العقوبات، ولكن استقر عليه منذ زمن؛ إيلاج (إدخال) الذكر لعضوه التناسلي في فرج الأنثى، ولكن لا يعد المتهم مغتصبًا إذا أدخل في فرج المجني عليها شئ آخر غريب كأصبعه، أو عصا؛ حتى ولو أدى ذلك إلي فض غشاء بكارتها، بلهتك عرض،وهذا الأمر يُعد قصورًا في القانون و كان الأولى أن يقيد القانون أي من الأفعال السابقة اغتصابًا؛ لأن جميعها تؤدي إلي نفس النتائج الاجتماعية، والنفسية، لمترتبة عليها.

وقد جاء في المادة 17 من قانون العقوبات المصري، أنه يجوز للقاضي في قضايا الاغتصاب تخفيف العقوبة المقررة على المتهم درجتين؛ حيث تنص المادة على ما يلي:”يجوز في مواد الجنايات إذا اقتضت أحوال الجريمة المقامة من أجلها الدعوى العمومية رأفة القضاة تبديل العقوبة“.

وهي قاعدة عامة تسرى على كافة الجرائم، إلا أن الرأفة تستخدم كثيرًا إذا أحاطت بالضحية أي ملابسات ظهرت للمحكمة، تعارض الثقافة الذكورية والأبوية، فإذا ثبتت تهمة اغتصاب سيدة على رجل، وحكم عليه بالسجن المؤبد؛ يستطيع القاضي بموجب القانون أن يخفف العقوبة إلى السجن فقط.

بالرغم من وجود سوابق قضائية بحبس أزواج؛ لهتك عرض زوجاتهم، إلا أن الأسباب التي بُنِيِت عليها الأحكام هي: جماع الدُّبر وهو أمر مخالف للشريعة الإسلامية – ولوجود إصابات بالغة،لكن الأمر لا يتعلق بمفهوم الرضا في العلاقة الجنسية، وحق النساء في تملك أجسادهن؛ طالما كان الزواج شرعيًا وموثقًا، فإن حق الممارسة الجنسية مطلقا.

وفقًا لنص المادة (3) الفقرة (ب)، إقامة الدعوى، من قانون الإجراءات الجنائية علىلا تقبل الشكوى بعد ثلاثة أشهر من يوم علم المجني عليه بالجريمة وبمرتكبها ما لم ينص القانون على خلاف ذلك“(1).

کما يرى القانون الاعتداء الجنسي، كل ما له آثار مادية ملموسة كالجروح، الإصابات، الدماءوهي ما يكشف عنها فحص الطب الشرعي، ويصعب إثباته في كثير من الأحيان، خاصة بعد تعافي الضحية، واستعادة قدرتها على الشكوى، التي قد تصل لسنوات، أو لمن تعرضن للعنف من نفس الشخص، ويردن الانضمام لها في الدعوى، إذا كان الاعتداء حدث من سنوات.

وهو ما يجب مراعاته في التشريع،فالاعتداء الجنسي علميًّا من الأفعال التي تشكل صدمة (Trauma) وغالبًا ما يعاني الضحايا من اضطراب ما بعد الصدمة (اكتئاب – أفكار ومحاولات أنتحارية…)؛ وقد تبقى الضحية مدة زمنية قصيرة، أو طويلة، تستخدم بعض الحيل الدفاعية؛ كالأنكار (بتكرار أنه ليس اعتداء/ اغتصاب. .) (لم يكن يقصد..) (أنه أبي الروحي..) (لم يحدث شيئًا)، أو أسيرة الشعور الوهمي بالذنب وقد تصل مدة التعافى منها لسنوات عديدة، حتى تصل لمرحلة الإدراك لما تعرضت له من اعتداء، والقدرة على تعريف المعتدى بأنه معتدٍ.

المسئولية الجنائية، أو كما يسميها البعضأهلية الإسناد، تتحقق إذا كان الفاعل متمتعًا لحظة ارتكابه الجريمة، بملكة الوعي أو الإدراك من ناحية، وبالقدرة على الاختيار أي حرية الإرادة من ناحية أخرى، فبالوعي والإرادة تتوافر المسئولية الجنائية، وبدونهما، أو بدون أحدهما تنتفي تلك المسئولية، ويترتب على ذلك تصور عدم خضوع الفاعل للعقوبة، رغم ارتكابه الجريمة على النحو الموصوف قانونًا.

ویعنی القصد الجنائي اتجاه إرادة الفاعل إلى ارتكاب الجريمة، مع العلم بعناصرها القانونية، ويختلف القصد الجنائي في جريمة القتل العمد عن السرقة، وإلخ.

لكن الحالة النفسية للمدعى عليه لا تنفى مسئوليته الجنائية، بل قد تكون ظرفًا مشددًا، على سبيل المثال:

في حالة سُكر المدعى عليه يعاقب مرتين: أولاً، من أجل ما ارتكبه، وثانيًا، لضبطه في حالة سُكر؛ تغلظ العقوبة إذا أوجد الفاعل نفسه قصدًا في حالة السُكر، أو تعاطي المخدرات بهدف ارتكاب جريمة، بمعنى أنه استفاد من هذه الحالة ليقوي عزيمته، وأيضًا يُسأل الجاني عن مسؤولية غير عمدية على أساس الإهمال، وعدم الاحتراز، ودرجة الإهمال، أو عدم الاحتراز، هو التعاطي لهذه المادة مع احتمال أن يكون لها من التأثير ما يدفعه إلى ارتكاب الجريمة.

أما الحالة النفسية للضحية غير المستقرة، إذا كانت في حالة سُكر، أو لم تكن وكانت قد ذهبت برفقة الجاني إلى مكان خاص، وإن لم يكن لممارسة الجنس، يضعف موقفها أمام المحكمة، وتتحمل كل/ بعض المسئولية ويتم تخفيف عقوبة المدعى، أو تبرئته استنادًا على الثقافة السائدة.

يشير القانون إلىرضا، وإكراهمفرطي التبسيط مفترضًا وجود عنف، ومقاومة ذات مظاهر واضحة وغير ذلك من الحالات غير النموذجية، تُعد منطقة رمادية، خاصة في حالة وجود علاقات شخصية، فقانون العقوبات المصري، كما ذكرت سلفًا، لا يجرم إجبار الزوجة على ممارسة الجنس، إما استنادًا على الشريعة الإسلامية، أو المفاهيم المجتمعية، إلا أن العديد من البلاد تُجرم الاغتصاب الزوجي، والاغتصاب في حالة وجود علاقة عاطفية، واحتمالية إقامة علاقة جنسية بين طرفين، ويسمى” date rape” في حالة رفض طرف، بل وفى حالة تلقى أموالاً مقابل ممارسة الجنس، يحق للطرف المتقاضي رفض الممارسة. ومؤخرًا تقدمت الحكومة الإسبانية (2) بمقترح قانوننعم تعنى نعموأي شيء آخر من ضمنهالصمتيعني (لا).

وتطبق عدة ولايات أمريكية القاعدة القانونية،نعم تعني نعم” (3) أما الصمت واللامبالاة، لا تعني توفر عنصر الرضا، وذلك لتأكيد عنصر الرضا كمعيار للممارسة الجنسية، كما تنشر بعض المبادئ داخل أروقة السكن الجامعي كتوعية بمفهومالرضامثللا؛ لا تعنى قم باقناعی” (4)

وهناك مثيلتها في بلدان أخرى، مثللا تعنى لا، وتعتبر الموافقة تحت تأثير الكحول، أو المخدرات، لا يُعتد بها.

وفي يوليو 2018 أقرت السويد تشريعًا جديدًا بشأن جرائم العنف الجنسي، يستند إلى الرضا (5)، كانت قد قدمته الحكومة السويدية إلى المجلس التشريعي في نهاية عام 2017.

وضع معايير للممارسة الجنسية تشترط أن يكون الجنس طوعيًّا، ولا يلزم لإدانة مرتكب الاغتصاب أن يكون استخدم العنف، أو استغل وضع الضحية الضعيف.

وأضاف التشريع الجديد تسمية جريمتين جديدتين هما:

1- الاغتصاب الناتج عن الإهمال.

2 – والاعتداء الجنسي الناتج عن الإهمال.

تصل عقوبتها إلى 4 سنوات، و يفسر عنصر الإهمال على أنه: حقيقة أن الشخص الآخر لا يمارس الجنس طواعية، وعليه يجب أن يكون الشخص على دراية بالخطر المتمثل في أن الشخص الآخر لا يمارس الجنس طواعية، ولكنه لا يزال يمارس فعل جنسي مع هذا الشخص.

الإثباتعبءلأنه حِمل ثقيل يوضع على كاهل المدعي، ولا يملك الأطراف الوسائل اللازمة للإثبات، خاصة فيما يتعلق بالاعتداء الجنسي، وبالرغم من دفاع الكثيرين عن الالتزام بقاعدةالبينة على من ادعىإلا أن قواعد عبء الإثبات ليست من النظام العام، يجوز الاتفاق على مخالفتها، ونقل عبء الإثبات، صراحة أو ضمنا(6).

ويختلف عبء الاثبات في المواد المدنية عن المواد الجزائية (الجنائية)؛ ففي المواد المدنية يقع عبء الإثبات على المدعي، كونه يدعي خلاف الأصل الظاهر، لكن القول بأن المدعي هو الذي يحمل عبء الإثبات لا يستقيم في جميع الفروض، وتم وضع قاعدة أكثر انضباطًا في هذا الصدد من شقين، تستجيب لطبائع الأشياء. فقيلأن من يتمسك بالثابت أصلاً لا يُكلف بإثباته، أما من يدعى خلاف الأصل فعليه هو يقع عبء إثبات ما يدعيه“. أما في المواد فيقع عبء الإثبات أيضًا على المدعي، ممثلاً في النيابة العامة,بوصفها سلطة اتهام على أساس أنها تدعي خلاف الأصل الثابت في الإنسان، ألا وهو البراءة، تلك هي القاعدة العامة في المواد الجنائية؛ أن عبء الاثبات يقع على المدعي، وهو النيابة العامة، ولا يرتفع هذا العبء عن كاهل النيابة العامة، إلا في حالات استثنائية ينص عليها القانون صراحة.

ومن وقت لآخر،تصدر قواعد جديدة تضع أحكامًا مغايرة لتلك التي كانت تنظم مسألة الإثبات، كأن تضع قرينة قانونية بسيطة، أو قاطعة، تعفي النيابة العامة من إثبات ركن أو عنصر من عناصر الجريمة، وتنقل عبء الإثبات على المتهم، أو العكس، أو ينظم وسائل جديدة للإثبات، أو يضفى بعض الحجية على بعض الأوراق“(7).

هل يستقيم ترك البينة على من ادعى دون مراعاة لطبيعة وخصوصية جرائم ما؟

وفقًا للقانون الألماني قانون AGG(General Act on Equal Treatment ) (8)، في حالة تقديم طرف شكوى مفاداها التعرض للتحرش، أو التحرش الجنسي، أو التمييز المباشر، أو التمييز غير المباشر، في شركة، أو مؤسسة، أو هيئة من قبل موظف آخر أو الرئيس المباشر، أو صاحب العمل، أو طرف ثالث؛ بسبب طبيعة الأنشطة المهنية، أو السياق الذي تُنفذ فيه، أو السن، أو الدين والمعتقد، أو العرق، أو الإثنية، أو الإعاقة، أو النوع الاجتماعي، أو الميل الجنسي، ويكون المدعى قادرًا على تقديم الوقائع، يكون على الطرف الثاني (المدعى عليه) إثبات عدم خرق نصوص القانون، وممارسة التمييز.

وفقًا للقانون الفرنسي رقم 73 الصادر في 17 يناير سنة 2002 (9)، لا يحتاج الضحية المزعومة إلاإلى تقديم الوقائع التي تشير إلى وجود تحرش، و يكون على المدعى عليه إثبات أن أفعاله لا تشكل تحرشا، وأن قراره قد برَّرته عوامل موضوعية، لاعلاقة لها بأي تحرش.

ثم في محاولة من أجل إعادة موازنة عبء الإثبات بين الأطراف، ألزم القانون رقم 6 الصادر في 3 يناير 2003 الضحية المزعومة بتقديم الحقائق من أجل إثبات التحرش.

ومع ذلك، قام القانون رقم 88 الصادر في 8 أغسطس 2016 سنة بإعادة النظام على النحو المنصوص عليه في القانون رقم 73 لسنة 2002، شريطة أن الضحية المزعومة يجب أنتقدم وقائع تشير إلى وجود تحرش“. وهكذا، تم تخفيف القواعد لصالح الموظف (أو المرشح للحصول على وظيفة أو تدريب) على غرار النظام القائم لمناهضة التمييز (المادة 1 – L1154 من قانون العمل).

لا ينص القانون الهندي الخاص بمنع التحرش الجنسي بالنساء في أماكن العمل لسنة 2013 (10)، أو اللوائح الخاصة على أي مبادئ توجيهية محددة، تتعلق بما يمكن اعتباره دليلاً في حالة التحرش الجنسي، حيث معظم حالات التحرش الجنسي تتم على انفراد، وقد لا تؤدي إلى أي دليل مكتوب، أو شهود مباشرين. وقد اعتبرت المحاكم في الهند أن معايير الإثبات الذي يجب استخدامه في الشكاوي الداخلية، هو احتمال رجحان الاحتمالات. .. منطقية الرواية.. تعدد الشكاوى.. شهادة المحيطين عن سلوك الشخص..

بالإضافة للالتزام بعدم مطالبة صاحبة الشكوى بتقديم وصف تفصيلي التحرش الجنسي إلا أمام مختص، وبعد التأكد من الحالة النفسية للمدعية، أو مناقشة الشكوى بحضور مقدمة الشكوى والمدعى عليه، وأنه يجب تجاهل التحيز المحدد مسبقًا.

تستند نظرية رجحان الاحتمالات على أن هناك حقيقة يمكن إثباتها، عندما تعتقد المحكمة، إما أنها موجودة أو ترى أن وجودها أمر محتمل للغاية، ويستطيع الشخص العاقل، في ظل ظروف حالة معينة، افتراض أنها موجودة.

فلا يستقيم المضى على قاعدةالبينة على من ادعىوتركها مطلقة إدعاءا بأن ذلك قد يخل بميزان العدالة دون الوضع في الاعتبار خصوصية هذه القضايا وموازين القوى في المجتمعات والثقافات السائدة. لأن مع هذا الإدعاء لا نجد أي إسهام أو مراجعة لكيفية حماية النساء وكان مهمة النساء حماية أنفسهن وعدم التعرض لأي فعل لا يستطيع القانون التعامل معه.

تتعرض ضحايا العنف الجنسي لللوم والإيذاء؛ بسبب الثقافة المجتمعية السائدة من الدوائر المحيطة بهن، أو الإعلام، أو حتى من مُتلقي الشكاوى في الجهاز الشرطي، فضلاً عن التهديدات التي تلاحقهن من المجرمين بسبب عدم حمايتهن، أو حماية بيئتهن، وكذلك الشهود وبالتالي إجبار النساء عن التراجع،أو التحرش بهن انتقامًا بعد تقديم الشكاوي، ومحاولة فصلهن، أو مساومتهن؛ لترك العمل، أو عدم قبولهن في وظائف لأنهن يسبِّبن المشاكل.

إلا أن وجود تشريع يجرم التحرش، أو الاغتصاب، لا يضمن تحقيق الردع؛ بسبب عدم توفير الحماية اللازمة لهن، قلة قليلة جدًا هي من: تلجأ للقضاء؛ لأنها في غنى عما تعرضت له أخريات.

وبالنظر إلى قوانين مقارنة، نجد التشريع ينص على توفير الحماية في عدة مراحل منذ تلقي الشكوى.

ينص القانون السويدي الصادر في 2018 (11) على: تقديم الحماية في مرحلة مبكرة لضحايا العنف الجنسي، وتوفير دفاع للطرف المتضرر بمجرد بدء التحقيق الأولى عند تقديم الشكوى. كما ينص القانون السويدي على حماية الموظفين من انتقام أصحاب الأعمال

وهو يتعلق بالحماية الخاصة للعاملين من الأعمال الانتقامية بشأن المخالفات الخطيرة، وقد دخل حيز النفاذ في 1 يناير 2017، في الحالات التي يتخذ فيها صاحب العمل إجراءات انتقامية ضد موظف؛ لإبلاغه وكالة حكومية، أو وسائل الإعلام عن تحرش جنسي.

هذا بالإضافة لبعض العوائق الأخرى أمام النساء، ضحايا العنف الجنسي، إذا قررن اللجوء للقضاء مثل:

  • عدم تأهيل متلقي الشكاوي لمثل هذه الحوادث، وتجذر الثقافة الأبوية والذكورية لديهم/ن.

  • عدم ضمان سرية بيانات الضحايا (الناجيين/ ات) مما يعرضهم للخطر، وللتراجع عن شكواهن.

  • عدم وجود أماكن مؤهلة لاستقبال الضحايا وحمايتهن.

  • عدم مراعاة الحالة النفسية للضحية عند إخضاعها لفحص الطب الشرعي، للالتزام بإثبات الاعتداء خلال مدة محددة.

  • تأخر البحث الجنائي.

  • كما أن النيابة العامة؛ جهة تحقيق، وتوجيه اتهام، وإحالة، وهو نموذج اختفى تقريبًا، مقارنة بدول أخرى، مع غياب تام لإشراك منظمات المجتمع المدني، والمؤسسات القومية في مساندة الضحايا، أو لسد ما ينقص جهات التحقيق من آليات تستند على منظور النوع الاجتماعي.

وبالرغم من تفشي العنف الجنسي ضد النساء في المجالين العام والخاص، وتطور أشكاله وأنماطه، وبالتالي، انعكاس عدم فعالية التشريعات الحالية، وتزايد مطالبات النساء بمناهضة حقيقية للعنف الجنسي، وأيضًا توافر النماذج المقارنة، غير الخفية عن الجميع، التي نستطيع تبيُّنها بسهولة، لذا فإن ما يؤخر وجود تشريعات تنصف النساء بالإضافة إلى غياب الإرادة السياسية، هو غياب مناهضة العنف على أجندة الأحزاب والساسة.

عوائق الإصلاح التشريعي، ( التي بالضرورة تؤثر على تطور التشريعات الخاصة بمناهضة العنف ضد النساء):

  • إصدار أغلب القوانين بقرار من رئيس الجمهورية،فلا تأخذ مقترحات القوانين دورتها الطبيعية حيث تطرح من البرلمان أو الحكومة، مرورًا بكافة مراحل إصدارالتشريع، وطرحها للحوار المجتمعي.

  • تنفيذ البرلمانين ما يسمى بالخطة الوطنية المطروحة عليهم من الدولة دون حرية تليق بدورهم.

  • عدم وعى البرلمانين بأبعاد مثل هذه القضايا.

  • عدم وجود منظومة كاملة؛ لضمان تنفيذ التشريعات من خلال السياسات، ففي حالة إصدار تشريع لمناهضة العنف ضد النساء؛ يتطلب ذلك وضع الاستراتيجيات، وتخصيص جزء من الموازنة لتنفيذها مثل: وضع الكاميرات، أو التوعية الإلزامية في المدارس،وغيرها.

  • عدم تنفيذ القانون في المناطق البعيدة عن التواجد أو السيطرة الأمنية

تلقي هذه الورقة الضوء على التشريعات الحالية الخاصة بالعنف الجنسي، وما يشوبها من قصور، وبعض النماذج المقارنة التي يمكن الاسترشاد بها كما تشير إلى العوائق الأخرى التي تقف أمام النساء حتى إذا تغافلن عن القصور التشريعي وقرَّرن اللجوء للقضاء. وأيضًا أسباب تأخر تعديل هذه التشريعات، والذي لا يمكننا فصله عن التحديات المرصودة أمام عملية الإصلاح التشريعي، والمؤثرة بالضرورة على التشريعات الخاصة بمناهضة العنف الجنسي ضد النساء.

ماريان سيدهم: محامية وباحثة قانونية، درست السياسات العامة الأمريكية وإعادة هيكلة المجتمع المدنى أثناء المراحل الانتقالية. تعمل باحثة لدى مؤسسة حرية الفكر والتعبير.

(1) قانون الإجراءات الجنائية المصري

(2) Spain to introduce “yes means yes’ sexual consent law. The Guardian. (18 July 2018

(3) ’ffirmative consent. “Enough is Enough” New York’s college students law. Ny.gov.

(4)Sex and Consent on Campus rules. California University

(5) Sexual offence legislation based on consent. Sweden 2018

(6) القواعد المتعلقة بالإثبات. الإجراءات الجنائية. د/ محمد زكي أبو عامر

(7) قانون العقوبات، إعداد رئيس المحكمة د/ أحمد إبراهيم عطية، الطبعة السادسة

(8) AGG (General Act on Equal Treatment )Federal anti- Discrimination Agency. Germany

(9) LOI n° 2002-73 du 17 janvier 2002. France

(10) The Sexual Harassment of Women at Workplace (Prevention, Prohibition and Redressal) Act, 2013. India

(11) The Act on special protection for workers against reprisals for whistleblowing

Concerning serious irregularities, the Whistleblowing Act. Sweden

اصدارات متعلقة

الحصاد - عامان على الخلع " دراسة تحليلية "
دليل تدريبي " العنف ضد النساء "
فتحي نجيب والحركة النسائية المصرية وحقوق الانسان
ممنوع على الستات
ماما تحت الأنقاض
تشويه مش طهارة
العمالة المنزلية : استغلال جنسي تحت نظام الكفالة
المرآة لم تحررني، بل زادتني بوعي وثقل تاريخي كأنثي