نساء أعرفهم

إيمان

طفلة عمرها لم يصل بعد الرابعة عشر، طلقت أمها من أبيها منذ عدة أعوام وتركت الأم البيت وتزوج الأب من امرأة أخرى، وأنجب منها البنات والبنين وتوفي ، وكبرت إيمان في البيت مع زوجة والدها لعدم قدرة أمها على الإنفاق عليها، وكان البيت يتكون من حجرة واحدة تكتظ بالأم وأولادها، كان من الطبيعي أن يكون الاهتمام بها قليلاً، فخرجت من المدرسة لعدم توفر لا الوعي ولا المال للصرف عليها، بدأت تخرج إلى الشارع للتسول ولتبحث عن الاهتمام والحب والرعاية والأصدقاء، وذلك لم يقابل بترحيب من أخيها الأكبر ونهاها أكثر من مرة من الخروج الشارع لكن الشارع كان براحًا وأكثر دفئًا من المنزل ويوفر لها قليلاً من القروش تشبع جوعها واحتياجها، واستمرت إيمان في الخروج للشارع إلى أن شك أخوها في سلوكها بالشارع، فقام ذات صباح يوم غريب بربطها من قدميها وعلقها في السقف وأخذ يضربها أمام زوجة أبيها وأخوتها لأبيها وانتشر دوي صراخها أمام الناس بالحي، لكنهم كانوا متواطئين بصورة واضحة وكأنهم لا يسمعونها، فالجيران أيضًا لا يعجبهم خروجها المتكرر، وهم أيضًا مع إخوتها يشكون من سلوكها ابنة الـ 14 عامًاويجب أن يربيها أخوها ويرجعها إلى الصراط المستقيم، وظلت معلقة من أرجلها أربعة أيام محافظة على الشرف كي لا يهدر، إلى أن عذب صراخها أحدًا لا يعرفها وجاء البوليس وأنزلها وأخذت مباشرة إلى المستشفى حيث أجريت لها عملية بتر لساقيها التي أصابتها الغرغرينا من التعليق وربطة الحبل حول ساقيها، وتم القبض على أخيها، وخرج من الحي ككل الرجال الأبطال الذي يمكن أن يضحي بحياته ولا العار!! وأمام نفسه يرى أن أخته أخذت العقاب الذي تستحقه، وإن عادت سيعود.

حاولت الأسرة أن تضغط على إيمان كي تتنازل عن أقوالها في المحضر الذي كتب وقالت فيه الحقيقة، فزوجة الأب تطالب أن يحرر ابنها من الحبس كشرط لعودة إيمان للمنزل وإلا فلتذهب إلى الشارع الذي لا تستحق غيره.

وهنا في الشارع قابلتها وهي لا تعرف كيف تتأقلم مع الحياة بدون ساقين، ومنذ أن رأيت عينيها وهما لا يختفيان من إمامي، إيمان تلك الطفلة التي لم تر من الدنيا شيئًا، ولم تحقق بعد أي شيء، قذف بها إلى الشارع مشوهة وبدون ساقين وهي محتارة هل تتنازل عن المحضر وتعود إلى الأسرة أم تظل في الشارع. وإن عادت كيف ستعاملها زوجة أبيها وإخوتها !! المصير في كل الأحوال أسود.

ترى هل كان أى صبي في العائلة سيلقى المصير نفسه إذا ما خرج إلى الشارع؟ أم هناك قوانين للأولاد وأخرى للنساء؟ وإلى متى تظل حماية الشرف المزعوم حقًا لكل الإخوة والآباء والأقارب، تصوروا أن إيمان عند توقيع الكشف الطبي عليها وجد أنها عذراء؟؟؟.

أي شرف مع الفقر والعوز والحاجة، أليس أشرف لنا أن نطالب بمجانية التعليم لنمنع التسرب من التعليم، أليس أشرف أن نوفر مسكنًاً مناسبًا وعملاً مناسبًا لكل من يقدر على العمل، أن نقضي معًا على الفقر الذي يولد العنف ويشوه الأنفس ولا يرحم. إن الفقر هو الأساس لانتشار أطفال الشوارع وزيادة عددهم.

شارك:

اصدارات متعلقة

الحصاد - عامان على الخلع " دراسة تحليلية "
دليل تدريبي " العنف ضد النساء "
فتحي نجيب والحركة النسائية المصرية وحقوق الانسان
ممنوع على الستات
ماما تحت الأنقاض
تشويه مش طهارة
العمالة المنزلية : استغلال جنسي تحت نظام الكفالة
المرآة لم تحررني، بل زادتني بوعي وثقل تاريخي كأنثي