نساء العراق يدفعن الثمن الأكثر فداحة للحرب

اعداد بواسطة:

بهيجة حسين

اغتصاب نزيلات مستشفى الأمراض العقلية

يتعرضن للأمراض القاتلة والعقم

وكأنني أبحث عن إبرة في كومة قش، بحثت عن المرأة العراقية داخل محرقة الحرب الأنجلو أمريكية في العراق.

وكلنا نعرف لأننا عشنا وقائع حرب شرسة حصدت أطفالاً ورجالاً ونساءً وبيوتًا وآثاراً ومرافق، حرب مثل كل الحروب تحرق الحياة بلا رحمة ولا أخلاق ولا احترام لقوانين، دفعت البشرية من أجل إرسائها نضالات مريرة ودماء وأعمارًا، ويبدو أنه مازال أمام البشرية طريق طويل وشاق عليها أن تسير فيه لمواجهة عنف وشراسة ووحشية الاستعمار والإمبريالية، وما يسمى بالعولمة وزمن القطب الواحد.

ولخصوصية وضع النساء في ظروف الحروب والنزاعات المسلحة جاء بحثنا عن أوضاع المرأة العراقية في تلك الحرب، فلم نجد إلا القليل من المعلومات الخاصة بأوضاع المرأة وما تعرضت له، فلم يول الإعلام المرأة العراقية في الحرب اهتمامًا خاصًا، ومن خلال القليل الذي وصلنا سوف نحاول إلقاء الضوء على وضع المرأة العراقية وفي انتظار اهتمام مختلف بأوضاعها حتى تتمكن الجهات المعنية بحقوق الإنسان عمومًا والمرأة بوجه خاص من تقديم المساعدات اللازمة لها.

وعبر شاشات التليفزيون تنقل صورة حية لنساء العراق في زيهن التقليدي (العباءة السواء الفضفاضة وغطاء الرأس الأسود المنسدل على الأكتاف تغطى نصف الجسد الأعلى) يقفن في طوابير لساعات طويلة يحملن أواني فارغة تحت تهديد أسلحة قوات الغزاة التي تحاصرهن في انتظار دورهن للحصول على حصة المياه التي كانت توزعها عربات على المناطق التي دمرت الغزاة مرافقها، إنه امتداد للعبء الملقى على عاتق المرأة في السلم من تدبير احتياجاتها واحتياجات أسرتها الأساسية. سجل الصورة نفسها موقع الـ B.B.C على الإنترنت معلقًا عليها : “المرأة العراقية من أشد القطاعات تضرراً بسبب الحرب الحاليةفي تقرير نشره الموقع بعنوان كارثة تواجه المرأة العراقية“.

وفي تصريح للدكتورة ثريا عبيد رئيس صندوق الأمم المتحدة لرعاية السكان قالت: “إن الاحتياجات الأولية للنساء مهملة تمامًا في زحمة إمدادات الإغاثة“.

كما قال ويليام ريانالمتحدث الرسمي باسم الصندوق : “هؤلاء السكان في ضائقة رهيبة، إن حالات الحمل متسارعة وخطرة حتى مع استبعاد عامل الحرب الذي جد، إن الحالة الصحية للنساء في العراق قد طغت عليها الحرب والعقوبات حتى صار الأمر في منتهى الخطورة“.

ويذكر أن العراق يشهد يوميًا ولادة قرابة ألفي طفل.

وتؤكد تقارير صندوق الأمم المتحدة لرعاية السكان أن تعقيدات الحمل والولادة هي الأسباب الرئيسية للوفاة بالنسبة للنساء والفتيات المشردات خارج منازلهن في أوقات التوتر: حيث نقل المعلومات المتاحة حول الصحة في مثل هذه الأوقات.

قيصرية بدوت تخدير:

وفي تقرير للهولندي كاردی رویممثل منظمة اليونيسيف في العراق قبل الحرب بساعات قال: كان مشهد النساء العراقيات الحوامل قبل 19 مارس يوم هبوط أول قنبلة على العراق مأساويًا فقد هرعت هؤلاء النساء إلى المستشفيات لإجراء عمليات قيصرية قبل موعد ولادتهن الطبيعية، وذلك لخبرتهن السابقة في حرب 91 حيث ماتت الكثيرات من النساء أثناء الولادة لنقص الإمكانات أو اضطرار بعضهن إلى الولادة القيصرية دون تخدير.

ناقوس الخطر:

ووفقًا لإحصائيات صندوق الأمم المتحدة لرعاية السكان، فإن واحدة من كل خمس نساء بين سكان العراق الذين يبلغون ٢٥ مليون نسمة يمرون الآن بفترة حمل، ويقدر الصندوق أن ١٥٠ ألف امرأة حامل في العراق هن عرضة الآن للتأثر الشديد بالحرب، وإن أكثر من 20 ألف امرأة ستكون في حاجة عاجلة للمساعدة في حالات الولادات المتعثرة التي تحتاج إلى عناية فائقة كالولادات القيصرية، وربما أثرت كثافة القتال بارتفاع حالات الإجهاض، وهؤلاء النساء يحتجن علاجًا خاصًا يحميهن من الإصابة بالأمراض المعدية القاتلة أو ربما تسبب العقم فيما بعد، وهنا يدق ناقوس الخطر: حيث يبلغ عدد الأمهات اللاتي يلقين مصرعهن في العراق حاليًا. ٣٧ بين كل مائة ألف ولادة سليمة، هذا بالمقارنة بـ ٢١ حالة فقط في الدول المتقدمة.

جنون الاغتصاب:

ولا يقتصر تردي الأوضاع الصحية في العراق عمومًا. وبالنسبة للمرأة على وجه الخصوص على الحوامل فمع ضرب وسلب المستشفيات وما فيها من أجهزة طبية، وغياب الأطباء انهارت الرعاية الصحية ووصل لحد انعدامها، ولم يصلنا تفاصيل حول الأوضاع الصحية للمرأة في العراق أثناء الحرب ومع غياب تام لأية صورة من صور النظام التي يمكنها حماية المستشفيات والجرحي والمصابين عمومًا نستطيع أن نتخيل الوضع وما وصل إليه، وانعكاساته الشديدة على المرأة بشكل خاص.

 
ولادات قيصرية بدون تخدير

ووفقاً لتقرير لجنة الصليب الأحمر الدولية كانت هناك جريمة ترتكب في حق النساء الأكثر ضعفًا هؤلاء المحتجزات في عنبر النساء بمستشفى الرشيد لعلاج الأمراض النفسية والعصبية في بغداد حيث تعرض المستشفى للنهب وأصيب بأضرار بالغة، ووسط الفوضى والدمار وغياب الرقابة والأمن، تعرضت نزيلات المستشفى من المريضات نفسيًا اللاغتصاب والجوع والعطش بعد تدمير محطة المياه النقية، وكان المشهد المؤلم لمريضات نفسيات يدركن حدود مأساتهن بعد اغتصابهم يجلسن في أركان الدمار يطردن بضعف الذباب الملتصق بأجسادهن ولا يعرف أحد مصير هؤلاء، ومنهن من طردن وهن ربما يحملن في أحشائهن مصيرًا مجهولاً لحمل الاغتصاب، ويحملن مصيًرا أكثر بؤسًا وبشاعة.

ولم يكن الاغتصاب مقصوراً على نزيلات مستشفى الرشيد للأمراض العقلية ببغداد فحسب، فقد ذكر تقرير كارل دی رویممثل منظمة اليونيسيف في العراق تفاقم ظاهرة اختطاف الفتيات العراقيات واغتصابهن مما يصعد الغضب الشعبي وخلق ظاهرة ترفضها المجتمعات العربية وتدينها بشدة وتعاقب عليها بقسوة، وتشير أصابع الإتهام إلى أن التواجد الأمريكي له دور في العمليات، مشيرًا إلى أن الأسر العراقية باتت تخشي على فتياتها من مغادرة منازلهن وأصبح الخوف يهيمن على الأسر العراقية، وأكد كارل أن أسوأ الأوضاع توجد في العاصمة بغداد“.

وفي رسالة من واشنطن بوست ولوس أنجلوس تايمز لجريدة الأخبار المصرية بعنوان العراقيون يصرخون: جنود الاحتلال ينتهكون حرمة نسائناجاء فيها أشعلت الممارسات الأخيرة لقوات الإحتلال الأمريكي في العراق المزيد من غضب المواطنين العراقيين في مدينة حيتالعراقية حيث جرت مواجهات عنيفة بين المواطنين العراقيين وقوات الاحتلال التي كانت الشرطة العراقية تعاونها، ويقول المواطن العراقي إسماعيل ربيعأن الأمريكيين الذين كانوا يقومون بعمليات تفتيش عن الأسلحة من منزل إلى منزل في المدينة انتهكوا كرامة وشرف النساء العراقيات، وأن العراقيين لن يقبلوا هذه الانتهاكات، وكانت المدينة التي يصل عدد سكانها إلى ٢٠ ألف نسمة أغلبهم من المسلمين السنة المحافظين، قد شهدت مظاهرات عنيفة قام فيها العراقيون بإحراق قسم الشرطة وطرد قوات الاحتلال الأمريكي خارجه.

نعم هما الحرب والاحتلال، ولم نقرأ ولم نسمع أن محتلاً كان رحيمًا بالمحتلين، حرب واحتلال ارتكبت فيها كل الجرائم صغرت أم كبرت سواء كانت قتلاً واغتصابًا وحرقًا ونهبًا وسرقةً ودمارًا أم كانت جريمة ترتكب بأصابع جندی أمريكي يقف عند إحدى نقاط التفتيش في بلدة الناصرية جنوب العراق يتحسس أجساد النساء العراقيات لتفتيشهن ويشعرهن بالمذلة والمهانة في الوقت نفسه الذي يتحسس زميلة أمام المبنى الإعلامي في بغداد جسد ميسون الموسوي مراسلة قناة النيلللأخبار منتهكًا هذا الذي في البصرة وذاك الذي في بغداد كل القوانين والقواعد الدولية التي نصت على احترام حقوق وحماية النساء أثناء الحروب.

ولكنها الحرب التي لم تترك أمًا أو جدةً أو أختًا أو مريضة نفسية أو صحفية دون اعتداء أيًا كان نوع الاعتداء وحجمه في الحرب فلم يتم بعد رصد عدد حالات النساء اللواتي فقدن عائلهن الزوج الأب الأخ الابن ولم يتم الوقوف على عدد حالات النساء اللواتي أبعدتهن ظروف الحرب عن أسرهن بها وفقدان الاتصال بذويهن.

هي الحرب بكل توحشها وشراستها يدفع الجميع ثمنها الفادح وتدفع المرأة الثمن الأكثر فداحة، مرة لأنها إنسان، في بلد الحرب ومرة لأنها امرأة.

شارك:

اصدارات متعلقة

الحصاد - عامان على الخلع " دراسة تحليلية "
دليل تدريبي " العنف ضد النساء "
فتحي نجيب والحركة النسائية المصرية وحقوق الانسان
ممنوع على الستات
ماما تحت الأنقاض
تشويه مش طهارة
العمالة المنزلية : استغلال جنسي تحت نظام الكفالة
المرآة لم تحررني، بل زادتني بوعي وثقل تاريخي كأنثي