نساء .. في ميدان الوطن

اعداد بواسطة:

من انتفاضة الخبز الى ثورة اللوتس

نساء .. في ميدان الوطن

  • جلست أمامهن ألاحظ الأعين السارحة تارة واللامعة تارة أخري ، منتفضة من الفرح معظم وقت الحوار، لكن أشد ما لفت انتباهي الطاقة الهائلة في أوصالهن, ابتسامة خفيفة منهن لثوان، العقد الموصول من جيل السبعينيات للألفية الثالثة أو هالة الشعر الأبيض علي رؤوسهن, تشعر وطاقة تنتقل لي كتيار كهربائي .

هن أماني وسهام وماجدة ، ثلاث نساء ، كن ممن حياهم أمل دنقل في كعكته الحجرية، في سبعينيات القرن الحالي ، وكذلك الأبنودي في ميدانه (قصيدة الميدان)، صحيح أن الفارق الزمني ليس بقصير ، إلا أنهن تواجدن في ميدان الوطن انتفاضة الخبز يناير ۱۹۷۷ ، وثورة ٢٥ يناير ۲۰۱۱، شاهدات عيان على روح القتال لدي قطاع من الشعب المصري التي لم تتوقف ما بين ۱۹۷۷ و ۲۰۱۱.

وصفت عالميًا بـ انتفاضة الخبزوالانتفاضة الشعبية من جانب المعارضة, فيما اتهمها نظام السادات بـ انتفاضة الحرامية، إلا أن أحداثها ظلت في الذاكرة ، كان محركها الرئيسي للمظاهرات القرارات الاقتصادية المفاجئة التي اتخذتها الحكومة يوم ١٧ يناير برفع أسعار السلع الأساسية, كالزيت والسكر والأرز والخبز الفينو والبنزين والسجائر، وهو ارتفاع لم يزد علي قرشين صاغ، فانفجر غضب الجماهير, في كل أنحاء القطر المصري, وخرجت المظاهرات الساخطة, التي تحولت إلي مواجهات مع الشرطة، تلاها نزول الجيش إلي الشوارع ، وإجبار السادات في اليوم التالي علي إلغاء رفع الأسعار، ثم تبعه بحملة اعتقالات واسعة بشيء من الوقار حاولت إخفاء شقاوة طفلة تطل من عينيها ، بدأت دكتورة ماجدة عدلي ، شهادتها علي أحداث يناير ٧٧ ، بأنها كانت في طريقها إلي جامعة الأزهر، لحضور مؤتمر عن الديمقراطية، وتم إلغاؤه واتجه الجمع إلى ميدان العباسية للمشاركة في المظاهرات التي خرجت من جامعة عين شمس، ثم شارع بورسعيد, لشارع الجيش ، وميدان العتبة، وهناك نزلت سيدات الحي وشبابه, بالآلاف للمشاركة، وبدأ الاصطدام بالشرطة ضرب بقنابل الغاز, من داخل قسم شرطة العتبة.

سبنا ميدان العتبة في الاتجاه إلى ميدان التحرير للالتحام بالمظاهرات, وخلصنا قرب منتصف الليل، لم يكن هناك اعتصام, والضرب كان علي طول الطريق من العتبة إلى التحرير، وكانت الدعوة مستمرة بالتظاهر في اليوم التالي، مع صعوبة التجمع، وحالة من العصيان المدني، وعرفنا بالمظاهرات في محافظات أخري, وقولنا هتبقي إرهاصات ثورة حقيقية” . “تواصلماجدةحديثها ، في اليوم التالي اتخذت المظاهرات نقلة كيفية وارتفع سقف المطالب من إلغاء الأسعار إلى إلغاء كامب ديفيد ووقف التطبيع مع الكيان الصهيوني“. وفي انتفاضة ٧٧ سقط ٤٤ شهيدًا ، ومن المشاهد اللي عمري ما هنساها ظابط كبير وجه مسدسه لضابط شاب صغير رفض ضرب المتظاهرين بالرصاص.

الدفء في وسط الناس

في وصفها للفارق بين ٢٥ يناير ۲۰۱۱, و ١٨ و ١٩ يناير ۱۹۷۷ ، ورد فعل النظام في الحالتين تري ماجدة أن الديكتاتورية لا تتعلم إلا بالسلب، في ٧٧ تم إجهاض استكمال الثورة بنزول الجيش وقرار الحظر, ولم تكن هناك قوي سياسية والمنابر حديثة العهد وليس لها تأثيرات، كما أن الشعارات طالبت بإسقاط الحكومة، ولم تمس النظام, كما ان السادات تصرف سريعًا وأقال وزير الاقتصاد وكون مجموعة اقتصادية، حقق المطلب وفي الوقت نفسه قمع الشعب، أما مبارك فكانت قدرته على الاستيعاب أقل, وكذلك أقل ذكاءً. وعن مشاركتها في ٢٥ يناير، قالت ماجدة، إنها تابعت الدعوة علي الإنترنت، وكان عليها المشاركة في مؤتمر عن التعذيب في أقسام الشرطةاحتفالاً بأعياد الشرطة، إلا أن الحدث تم تأجيله، ورغم مرضها اتجهت إلى مركز النديم لتأهيل ضحايا العنف والتعذيب, لترى ماذا يستطيع المركز أن يقدم لخدمة المتظاهرين, وأقامت في المركز لاستقبال المصابين، وتم تحضير معدات الإسعافات . ولم يقتصر الأمر على البقاء في المركز, كنت بنزل أطمن علي الميدان ولو في مصابين أقدر أجيبهم معايا على المركز, كان في حالات كتير انهيار عصبي, وضرب بالعصي والسنج، وقررنا انها مش هتوقف, وكنت بقضي معظم الوقت بين النديم, والمستشفي الميداني في التحرير، كنت بنزل آخد جرعات معنوية من المتظاهرين, وادفى بالناس خصوصًا وقت قصف المتظاهرين “.

تصر ماجدةأن نزولها كان خدمة معنوية لها، صحيح أنا كبيرة شوية، لكن قلت أن وجودنا ممكن يمثل حماية للشباب“.

نظام غبي

أما زميلة كفاح ماجدة, الروائية أماني خليل، لا تكف عن الابتسام والتفاؤل ، فتؤكد غباء النظام السابق، واستهانته بقوة الشعب, علي عكس السادات في السبعينيات, لم تختلف قصة أماني في مظاهرات السبعينيات عن ماجدة كثيرًا فهما صديقتان منذ زمن بعيد لا يعرفان بدايته.

عرفت بالمظاهرات ونزلت أنا وبنات عمي التلاتة, وروحنا علي جامعة عين شمس، وهناك اتفرقنا، وروحت مع مجموعة علي ميدان العباسية, بنهتف والأهالي بتهتف معانا ، وبدأنا الرحلة للانضمام لميدان التحرير، من شارع الجيش وبورسعيد لميدان العتبة, عمري ما هنسي عم حسن بياع اليوسفي علي عربية كارو, المظاهرة شغالة وهو بيقشر لنا يوسفي ونقرب قشره من عينيا لحمايتها من قنابل الغاز، واستمرت المظاهرات في اليوم التالي وحاولت أمانيالاتجاه مباشرة لميدان التحرير، وكان الصدام مع الشرطة وعرفنا بقرار الحظر واحنا في الميدان، واتفرقت الناس، حاولت أروح البيت ، واتجهت لبيت جدي في حدائق القبة لأنه كان الأقرب, من مصر الجديدة، ومشيت في شوارع وحواري, وفجاة جمعني الطريق بشابة أخري, مش فاكرة اسمها، ومشينا مع بعض ، خايفين ، وبنبعد عن أي تجمع فاكرة أننا لاقينا

أتوبيس وحاولنا نوقفه، لكن السواق رفض يفتح لنا الأبواب فوقفنا على الاكصدام ، فتح الأبواب وقبل ما نركب ضحك علينا واتحرك الأتوبيس بأقصي سرعة

أيها الواقفون على حافة المذبحة أشهروا الأسلحة!

سقط الموت، وانفرط القلب كالمسبحة.

والدم انساب فوق الوشاح!

المنازل أضرحة,

والزنازن أضرحة,

والمدى.. أضرحة

فارفعوا الأسلحة

واتبعوني

من قصيدة الكعكة الحجرية .. لأمل دنق

في ثورة ٢٥ يناير, نزلت أمانيمن بيتها متجهة إلى مركز النديم ، للاستعداد كما في كل تظاهرة, من استقبال اسماء معتقلين وتقديم دعم قانوني لهم, واحتياطي أدوات طبية وإسعافات أولية, “أول مرة نزلت الميدان كان يوم الجمعة ٢٨ يناير, وبعدها اتجهت للنديم ، لاستقبال المصابين, وبدأ حظر التجول، حاولت أرجع البيت علي نص الليل، ومشيت في الشوارع من رمسيس لباب اللوق, من امتداد شارع التوفيقية وشريف، وكان البلطجية نزلوا الشوارع ، فرجعت أنا والمجموعة اللي معايا علي مركز النديم تاني, وفضلنا هناك لحد يوم ٣١ يناير، ومن بعدها كانت خطتي أنزل يوم الميدان، وارتاح في البيت يوم, أشحن طاقة وأنزل, لحد يوم التنحى“.

الناقدة والمترجمة الدكتورة سهام عبد السلام من نساء مصر اللاتي نزلن للتظاهر منذ أواخر الستينيات وبالتحديد, مظاهرات الجامعة في ١٩٦٨، ومرورًا بـ ۱۹۷۱ , و ۱۹۷۲ ، حتى ٢٠١١ ، وتعرضت للحبس في سجن القلعة، لمدة يوم في فجر ٢٥ يناير ۱۹۷۲، بعد أن تم اعتقالها من مدرج الكلية , مع زملائها، تؤكد سهام أنه سيناريو واحد والأنظمة لا تعمل حسابًا لمتغيرات كثيرة مثل التكنولوجيا، أو رغبة الشعب في التغيير، يوم ٢٥ يناير ۲۰۱۱ ، كانت سهامعلى علم بالدعوة للتظاهر واتجهت إلى التحرير كمترجمة مع مراسل جريدة وول ستريت, متخيلة أنها مظاهرة صغيرة ، وبدأت رحلتها من الزمالك إلى كوبري قصر النيل لكنها وجدت الطرق المؤدية للميدان مغلقة، فأخذت طريقها إلي ماسبيرو, ثم العتبة ورمسيس ثم التحرير، وهناك اكتشفت أن الأمر أكبر من مجرد مظاهرة, ومع غروب شمس اليوم الأول ودعت مصاحبها، وفضلت البقاء في الميدان ، حتى منتصف الليل، حين اتجهت إلي منزلها القريب رغبة في كوب شاي ساخن, بعدها بدأ إجلاء المتظاهرين عن الميدان بالقوة. وفي اليوم التالي تنشقت قنابل الغاز في وكالة البلح ، أما في جمعة الغضب، فقد اتجهت سهامإلى ميدان مصطفي محمود, ومشينا من شارع جامعة الدول العربية، ثم عبد العزيز, إلي كوبري الجلاء، وهناك حسيت بالعجز، وكنا بنحاول نوقف عربيات الإسعاف لنقل المصابين، وبعدها عرفنا أنها بتسلمهم للأمن, واتجهت للزمالك، وبدأنا نشوف البلطجية، وعلى الساعة ٨ بدات حرب شوارع, وقررنا التوجه لميدان التحرير, مهما كان وبدأنا نقابل ناس راجعة من الميدان، وفقدت الاتصال بابنتي, وتوجهت لمركز هشام مبارك, لتنظيم الإسعافات واستقبال المصابين، لأن الشرطة كانت بتعتقلهم من المستشفيات العامة, وبقيت هناك لحد يوم ١ فبراير، بعدها تم نقل العيادة إلى ميدان التحرير، أحيانًا كانت تعود سهامإلى منزلها، لدقائق معدودة, للاطمئنان عليه وعلي أصدقائها الذين اتخذوا من منزلها استراحة, حتي عين الأمن مخبرًا يسكن على سطح منزلها, لمراقبة المترددين علي الشقة, حتي أنه اختلق حريقًا في منور المنزل ، حتى يدخل شقتها . عن الإصابات في الميدان بعد موقعة الجمل يوم ٢ فبراير تقول سهام كان بيوصلنا بالليل شهداء بالمئات ، غير إصابات انفجار العيون، وعن يوم ۱۱ فبراير الذي لا ينسي ، كانت سهام قد رتبت مع مجموعة من الفنانين لعرض مسرحي غنائي علي منصة الميدان, تغنى وآلاف المصريين يرددون وراءها سلطان وقاعد ع البهلي وبيسنده حكم هلهلي، أما ابنتها فكانت تقدم عرضًا للأراجوز، ولم تستطع سهامإكمال العرض، حتى تستمع إلي خطاب عمر سليمان مع أهل الميدان“.

في ختام كلامها تعبر سهام عن أحلامها نفسي في دولة مدنية ديمقراطية حقيقية, ومجلس رئاسي مدني“.

كنت فرحة بما سمعت أن جيلي استطاع تغيير ما حلم به المصريون على مدار عقود, إلا أن سعادتي وفخري أكثر بمن قابلتهن وقابلتهم من جيل يكبرني بعقود ثلاثة, لم تحرمهم، خصلات الشعر الأبيض, وألم المفاصل، أو من جبروت الرصاص الحي من المشاركة والتواجد ، وبالتحديد في موقعهم منذ السبعينيات متمركزين حول الكعكة الحجرية في الميدان . ..

شارك:

اصدارات متعلقة

الحصاد - عامان على الخلع " دراسة تحليلية "
دليل تدريبي " العنف ضد النساء "
فتحي نجيب والحركة النسائية المصرية وحقوق الانسان
ممنوع على الستات
ماما تحت الأنقاض
تشويه مش طهارة
العمالة المنزلية : استغلال جنسي تحت نظام الكفالة
المرآة لم تحررني، بل زادتني بوعي وثقل تاريخي كأنثي