“هيستيرية التحرش الجنسي”

اعداد بواسطة:

أخلاقيات الحرمان والقمع

وطن على حافة الخطر

وتتعدد صور هذا الانتهاك الجسدي اليومي من الختانإلى الاغتصابإلى الضرب المبرحإلى غيرها من صور الانتهاك التي لا تقع تحت حصر. وأما التحرش الجنسي فإنه يمتد حتى يشمل كل الإناث سواء كن محجبات أو غير محجبات، صغارًا أو كبارًا. وتتعدد أيضًا صور التحرش الجنسي ابتداءً من المعاكسةالتي تحدث عادة أمام مدارس البنات أو في الشوارع أو محطات المترو، حتى تصل إلى صور التحرش الجنسي المرتبط بالسلطة مثل تحرش المدير بسكرتيرته، أو تحرش الأستاذ بتلميذته، أو تحرش رجال الأمن بالنساء والفتيات في الشوارع. ومع أن هذا الانتهاك الجسدي يقع كل يوم، ويتكرر التحرش الجنسي كل ساعة: إلا أن المجتمع المصري قد تعود على تجاهل هذا الأمر، فهو من قبيل المسكوت عنه، ومما لا يجوز الحديث فيه. ومن ثم ظل كظاهرة بعيدًا عن الاهتمام العام العلني، وبعيدًا عن الدراسة العلمية التي تبحث أسباب الظاهرة ومدى خطورتها وإيجاد حلول لها. ولكن ما حدث أيام عيد الفطر في منطقة وسط القاهرة وابتداءً من منطقة طلعت حرب حول دور السينما وتوسع إلى منطقة الكورنيش ثم ميدان عبد المنعم رياض فميدان التحرير، وهو قيام مجموعة من الشباب المراهق والصبية بالتحرش الجنسي الجماعي بالنساء والفتيات اللائي تصادف وجودهن بهذه المناطق سواء كن محجبات أو غير محجبات أو حتى منقبات وفي غيبة أي تواجد أمني دق ناقوس الخطر أمام فئات كثيرة من أفراد المجتمع المصري، ودفعهم للخروج من حالة الخداع الذاتي وإدمان الهروب من الحقائق القاسية والتوقف مليًا أمام ما ندعيه حول أنفسنا من أننا شعب مؤمن ومتدين بطبيعته، ولا يمكن أن يحدث لدينا وفي بلدنا مثل هذه الأشياء المستوردة من الغرب! وبينما انهمر سيل من الكتابات حول الظاهرة من قبل من أرقتهم – تحاول بحث أسبابها ونوعية القائمين بها وما هي دوافعهم في ذلك.. إلخ واهتمت معظم الصحف الخاصة والحزبية والمدونات على الانترنت بهذه الظاهرة وأكدت وقوعها وأيدت ذلك بأقوال بعض ضحايا التحرش الجنسي: خرجت وزارة الداخلية يتبعها في ذلك الصحف الحكومية تؤكد أن هذه الوقائع لم تحدث، وأن ما قيل ليس سوى أكاذيب تسئ إلى سمعة مصر، وتسعى للنيل من شرف مجتمعها المؤمن، وأنه لم يثبت أن تقدمت أی سيدة أو فتاة ببلاغ يؤكد الاعتداء عليها. وبصرف النظر عما تدعيه الحكومة ووزارة الداخلية، فإن الحقائق الصلبة لمشاهداتنا اليومية تؤكد أن وقائع التحرش الجنسي تتم كل يوم ولا تجد من يتصدى لها، وأن هذه الوقائع ليست في حاجة لبيان رسمي يؤكدها أو ينفيها. وإذا كانت وقائع التحرش الجنسي تحدث كل يوم فما هي أسباب هذه الظاهرة؟ أزعم أن ما يسمى بمظاهرات الجوع الجنسي، وهو مجرد تعبير عما يحدث تحت السطح في المجتمع المصري، وإن كان تعبيرًا إجراميًا لا أخلاقيًا يفرغ غضبه وسخطه وإحباطه في أضعف الحلقات وهي النساء كما أزعم بأن هذه البلطجة الجنسية ليست إلا امتداد للبلطجة السياسية التي شاهدناها في انتخابات مجلس الشعب وانتخابات الاتحادات الطلابية، وأخيرًا انتخابات اتحاد العمال.

البلطجة الجنسية امتداد للبلطجة السياسية

كما أزعم بأنها بلطجة المحيطين والمهزومين اقتصاديًا، أولئك الذين لا يجدون فرصة عمل وليس لديهم أمل فيها، أولئك الذين يريدون الزواج ولا يجدون شقة ولا يعرفون السبب الحقيقي لهذا الإحباط وهذه الهزيمة. وليس ما أذكره اختصار لأسباب الظاهرة أو ردها إلى سببها الحقيقي أو التماس العذر لهؤلاء البلطجية، إنني لا أعفي النساء من مسئولية الدفاع عن أنفسهن والتصدي للظاهرة بالفعل والرأي، ولكن العكس هو الصحيح

فما هو دور الفتاة والسيدة في مقاومة هذه الظاهرة؟ أعتقد أن دور النساء الفردي سيكون غير مجد في مكافحة هذه الظاهرة: فلابد من الكفاح الجماعي ومن خلال جمعيات النساء وحقوق الإنسان عامة والمنظمات السياسية النسائية والأحزاب في الاتجاه الآتي: –

1 – ضرورة وضع الحديث في إطاره السليم، وهو أنه حلقة قديمة جديدة لما تتعرض له النساء في مصر من انتهاكات جسدية وتحرش جنسي، ومن ثم فإنه ليس ظرفًا عارضًا أو طارئًا مخصوصًا بانتهاكات وسط القاهرة.

۲ كشف القناع الزائف عن الأحداث التي وقعت وغيرها مما سيقع مستقبلاً، ومقاومة أساليب الخداع الذاتي والحياء الزائف الذي يرى في الأحداث التي وقعت وغيرها أمرًا يجب السكوت عنه، وطرح القضية النقاشي الاجتماعي العلني، وطرحه للدراسة العلمية وسبر أغوار الظاهرة ومسبباتها الحقيقية وليس ما يدعيه الكثيرون من أسباب أخلاقية وهمية.

3 – تحریض كل سيدة وكل فتاة تتعرض لأية صورة من صور التحرش الجنسي على الإبلاغ عنها للجمعيات النسائية ولوزارة الداخلية دون خوف حتى تصبح حالات التحرش الجنسي ثابتة وغير قابلة للإنكار من الجهات الرسمية.

4 – الكفاح الجماعي من خلال جمعيات النساء خاصة لتغير نظرة المجتمع المصري نحو هذه الجريمة ومن تقع عليها باعتبارها ضحية تستوجب الحماية والمساندة.

5 – التصدي وبقوة لكافة الأفكار المتخلفة التي يرددها بعض دعاة الفضائيات وأدعياء التدين الذين يلقون اللوم على الضحية ويدعون أن التحرش سببه النساء والفتيات وما يرتدينه من ملابس، لأن هذه الأقوال غير المسئولة تهدم فكرة حرمة الجسد الإنساني وحق الإنسان في الأمان وحريتة في ارتداء ما يشاء.

6 – التأكيد على أن الظاهرة ليس مبعثها القصور التشريعي كما يدعي البعض فالتشريع المصري وإن كان لا يعرف جريمة التحرش بهذا الاسم، إلا أنه يعرفها بالمعنى وهو جريمة هتك العرضوخدش الحياء ومن ثم فإن النصوص القانونية موجودة ولكن ينقصها التفعيل واهتمام المجتمع والبحث عن الأسباب الحقيقية للظاهرة، وخاصة أسبابها الاقتصادية والسياسية والثقافية.

7 – التأكيد على أن القضية ليست مجرد حدث عارض أو أن المقصود هو اتهام الحكومة أو الداخلية بالتقصير ولكن جوهر القضية أن الحدث مؤشر على مستقبل مجتمع ووطن يعيش على حافة الخطر بينما يتشدق دعاته ويروج سياسييه بالحياء والتدين والعدل الكاذب ويسيرون به نحو الغوغائية وتقليص الحريات الشخصية وقهر طموحات الشباب رجالاً ونساءً، وحقهم في حياة عادلة تؤمن فيها الضروريات، بينما هم لا يجدون أدنى غضاضة في إطلاق الغرائز المتوحشة لنيل السلطة والمناصب وجمع الثروة، بينما يعيش الشعب تحت خط الفقر.

شارك:

اصدارات متعلقة

الحصاد - عامان على الخلع " دراسة تحليلية "
دليل تدريبي " العنف ضد النساء "
فتحي نجيب والحركة النسائية المصرية وحقوق الانسان
ممنوع على الستات
ماما تحت الأنقاض
تشويه مش طهارة
العمالة المنزلية : استغلال جنسي تحت نظام الكفالة
المرآة لم تحررني، بل زادتني بوعي وثقل تاريخي كأنثي