وصايا،ووقفيات، وأفعال:

التصنيفات: الحق في المواطنة

تاريخ النشر:

2010

وصايا،ووقفيات، وأفعال:

هبات النساء المدينية في اسطنبول العثمانية

تأسست الأوقاف الإسلامية لأغراض خيرية، وأصبحت الأوقاف العثمانية – خاصـة بين القرنين الخامس عشر والثامن عشر – من ممارسات الهبة النابعة من التضامن. وقد لعبت النساء دورًا نشطًا في إنشاء تلك الأوقاف وصيانتها، بوصفهن واقفات. كانت تلك الأوقاف توفر، بشكل شبه حصري، خدمات مدينية عامة. وعلى الرغم مـن كثـرة الدراسات التي تناولت النساء والأوقاف، يتيح لنا النفاذ إلى ما وراء الدوافع الظاهرية للوقف

والتي عـادًة ما تتشابك مع دور المرأةالراعيـة لـلأسرةأوالمسلمة التقية” – أن نسعى لإثبات أن الأوقاف، بوصفها من أعمال البر، خاصة تلك التي أنشئت كمساحات منظمة عرفت باسمالكليات، أصبحت مؤسسات استطاعت النساء من خلالها أن ترعى ( في نفسها وفي الآخرين) الهوية المدينية، وأن تعبر عن أوجه مختلفة للتضامن المديني بوصفهن مواطنـات في مدنهن. هذه الصورة للمرأة بوصفها واهبة مدينية تعيـد صياغة صـور صورتها بوصفها مواطنة نشطة في المدن العثمانية، خاصًة اسطنبول.

كانت الأوقاف العثمانية أوقافًا تأسست لأغراض خيرية ابتغاء المثوبـة مـن الله، بين القرنين الخامس عشر والتاسع عشر بشكل أساسي. ورغم أن الفقه الإسلامي حدد لها الأبعاد الرئيسية، فقد اكتسبت الأوقاف العثمانية سمات خاصة ومنظمة بوصفها ممارسة هبات مدينية (2005 Isin and Lefebvre). هذا فضلاً عن أن إنشاء الوقف أصبح الوسيلة الرئيسية لإنشاء المدن، والسبيل الذي يتم عن طريقه تقديم، ما نسميه اليوم الخدمات الاجتماعية والثقافية،للمواطنالعثماني. وقد استفاد مواطنو اسطنبول، طيلة الفترة التي كانت فيهـا تلك المدينة عاصمة للدولة بين 1453 و1922، من تلك الأوقاف. قد يندهش القارئ، للوهلة الأولى، من مصطلحالمواطن العثماني“. فالمواطنة الحديثة تبدو وليدة الدولة القومية التي أصبح فيها للفرد، تحت سلطة تلك الدولة، حقوق والتزامات معينة. وتشمل تلـك الحقوق تحديدًا الحقـوق المدنيـة (حرية التعبير والحركة، وسيادة القانون)، والسياسية (التصويت، والسعى للترشح في الانتخابات النيابية)، والاجتماعية (الرفاه، وتأمين البطالة، والرعاية الصحية). تختلف تفاصيل المزج بين تلك الحقوق ومدى عمقه بين دولة وأخـرى، بطبيعة الحال، ولكن يُنتظر دائمًا من أي دولة ديمقراطية حديثة أن تحترم مجموعـة مـن تـلـك الحقوق والالتزامات المتعلقة بالمواطنة. وفي المقابل، لا يمكن وصف الرعايا العثمانيين، رغـم ما كان لهم من حقوق، بأنهم مواطنون، بالمعنى الحديث للمصطلح. فالمواطنة – كما وصفناها للتو – رغم أن تاريخها حديث نسبيًا، فإن لها، بشكل عام، تاريخًا أطول بكثير مـن تـاريـخ الدولة القومية. ويرجع الدارسون اليوم بهذا التاريخ، كما هو معروف، إلى سياسات اليونان القديمة والقانون الروماني. وقد طبقت سياسات اليونان والرومان، على حد سواء، المواطنة بوصفها هويًة مدنيًة، رغم وجود اختلافات فيما بينهما. بل إن الباحثين دفعوا بحدود المواطنة التاريخية والجغرافية لمسافات أبعد؛ فدرس البعض المواطنة في بلاد النهرين، والتي وجـدت قبل سياسات اليونان والقانون الرومـانـي بقـرون ( Springborg 1992). كذلك طـرح الدارسون التساؤلات حولتغريبالمواطنة، فبدؤوا يدرسون المواطنة في الصين القديمة، والهند القديمة، والتراث القديم عند اليهود والمسيحيين والمسلمين. في كل تلك الدراسات، ظهرت المواطنة لا كعضوية في ولاية، ناهيك عن العضوية في دولة قومية، بل كمؤسسة ترمز إلى روتين عام وممارسات، ومؤسسة تجعل من البشر كائنات سياسية، مما يسمح لهم بالتعامـل مع بعضهم البعض من خلال الوسائل السياسية بدلاً من الوسائل العنيفة ;Isin 2002a)

Keyman and Igduygu 2005. وعلى ذلك يمكن تعريف المواطنة بأنها أفعال التفاوض حول الاختلافات عبر وسائل غير عنيفة، بدلاً من محو كل طرف للآخر للقضاء على مثل تلك الاختلافات. المواطنة تربي بشرًا يرون أنفسهم كائنات لهـا حـقـوق ولكنهـا قـادرة، في الوقت نفسه، على الاعتراف بحقوق الآخرين. تربيـة مـثـل تـلـك الهوية السياسية تتطلـب ممارسات، وطقوسًا، وعادات؛ لذلك تنصب تعريفاتنا للمواطنة، بشكل متزايد، على كونها تلك الممارسات، وكذلك الحالة التي تنتج عنها. لا يعني ذلك أن المواطنة، كوضع قانوني، لا أهمية لها، ولكنه مجرد تأكيد على أن ممارسات المواطنة هي التي تجعـل هـذا الـوضـع القـانوني ممكنًا. فبـدون الممارسات يستحيل وجـود المواطنة، وبدون الوضـع القـانوني لا تفعيـل للمواطنة.

ولكن يبقى السؤال المتعلق بما إذا كانتالمواطنةمفهومًا ملائمًا للنظر في إنشاء الوقف بوصفه من أفعال البر ذات المظهر الديني Isin and Lefebvre 2005)). ولكـن، لماذا نصر على استخدام المواطنة في وصف عمل من أعمال البر؟ هنا تلتقى مقاربتنـا مـع دراسـةصـبا محمود” Saba Mahmood’s (2005) عن حركة المساجد النسائية في مصر المعاصرة. فقـد درستصباكـيـف تسعى الحركةالتعليم المسلمات المعاصرات فضائل وأخلاقيات وأساليب تفكير يرى المتلقون أنها أصبحت غير ممكنة أو لا علاقة لها بحياة المسلم العـادي” Mahmood 2005,4)). ورغم أن اهتمام الباحثة كان منصبًا على الظـرف المعاصر، فإن مـا ذهبت إليه من أن تلك الممارسات تعنىليس فقط تعليم المسلمة الكيفية الصحيحة لأداء الواجبات الدينية والعبادات، بل – وهو الأهم – كيف تنظم سلوكها اليومي بحيث يتـسـق مع مبادئ البر والفضائل الإسلاميةيتصل اتصالاً وثيقًا بدراستنا التاريخية لإنشاء الوقف بوصـفـه مـن أعمـال الـبر Mahmood 2005,4)). تضعصبا محمـودالسياسة في قلـب الممارسات الأخلاقية اليومية، وتشكك، وهي: محقة في ذلك، في الـذات المستقلة العالميةالمقاومةللقوانين والمعايير بوصفها الذات السياسية المثلى. لذلك فهـي تـرى ( Mahmood,2005,9) أنهمن الأساسي أن نتساءل عما إذا كان من الممكن فعلاً أن نعرِّف نوعيـة عالمية من الأفعال – مثل أفعال المقاومة – التي تقع خارج الظـروف الأخلاقية والسياسية التي اكتسبت منها تلك الأفعال معناها الخاص“. وتذهبصبا” Mahmood (2005,9) إلى أن من شأن ذلك أن يخلق صعوبة في التعرف على أشكال الوجود والفعل، التي لا تتناوها بالضرورة الروايات المهيمنة. وبالمنطق نفسه، نذهب نحن أيضًا إلى أن ما تذكره الروايات المهيمنة، من عباب حقوق المواطنة – بوصفها عضوية في دولة قومية – عن أسلوب حكم الرعايا العثمانين لا يعني بالضرورة غياب مفهوم واضح، وإن كان ضمنياً, للحقوق. فنحن نجد الحقوق والالتزامات معبرًا عنها في أفعال تأسيس الوقف (بوصفها من أعمال البر) بما تشتمل عليه من مستفيدين (بالحقوق) وآخرين مُلزمين بها. نحن نعترف بأن تناول أفعال البر هذه بوصفها أفعال مواطنة ليس بالمهمة اليسيرة، فضلاً عن إثارتها لعدد من القضايا المربكة. ولكننا مع ذلك نصر على استخدام المواطنة، لأننا نعرف أنها وجدت في ثقافات سابقة أخرى، بمعناها الأوسع الذي سبق أن أشرنا إليه Springborg 1987,1992)). أفعال البر التي نحن بصدد وصفها هنا، ليست بالطبع أفعال مقاومة أو مطالبة بالحقوق، على الأقل بالمعنى الذي نفهمه من المصطلحين. ولكن القدرة على ممارسة الفعللا تقترن فقط بالأفعال التي تقاوم المعايير، ولكنها مقترنة أيضًا بالعديد من السبل التي يسكن المرء بها المعايير“(Mahmood 2005,.15). وعلى ذلك فنحن نتفق معصبا محمودفي أندراسة الظروف الموضوعية والعملية استطاعت المرأة فيها أن تنمى مختلف أشكال الرغبة والقدرة في الفعل الأخلاقي مشروع مختلف تمامًا عن المشروع الاستشراقي الذي يُرجع الرغبة في الخضوع إلى سمت ثقـافي لا – تاریخی بطبيعته” Mahmood 2005,15)). وهو ما يمثل مسألة صائبة على وجه الخصوص في طرح المرأة بوصفها منشئة للوقف. فبينما كانت المواطنة بوصفها حقًا دستوريًا مصحوبًا بأهلية للملكية ينزع عن النساء أهليتهن لمثل تلك الأعمال (كمـا كـانـت الحـال في الممارسات الغربية حتى ظهور حركات المطالبة بحق المرأة في التصويت في القرن العشرين)، كانت المرأة العثمانية تمارس مواطنتها بإنشائها للأوقاف، في غياب عدم الأهليـة القانونية. وعلى ذلك، فبدلاً من إثبات شرقية المرأة العثمانية احتجاجًا بافتقادهـا للحقوق، سوف نوضـح كـيـف استطاعت أن تسكن المعايير الدينية الظاهرة لتصبح فاعلًة سياسيًة. سوف نسعى لرؤية أعمال البر بوصفها أعمال مواطنة، وسوف نشكك، في الوقت نفسه، في المغزى الـذي نفـهـم بـه المواطنة وفاعليها، وكذلك ما نعتبرهسياسيًا“.

على هذه الخلفية سوف ندرس إنشاء النساء للأوقاف في المدن العثمانية، وكما أشرنا في السابق، كانت الأوقاف وسيلة مهمة أقيمت بها المدن، وقُدمت من خلالها الخدمات الاجتماعية والثقافية إلى من يمكن أن نطلق عليهممواطنين عثمانيين“. كانت مباني الأوقاف وخدماتها على تنوع كثيف، فبين القرنين الخامس عشر والتاسع عشر أنشئ على سبيل الوقف الآلاف من المدارس، والمكتبات، والمساجد، والفنادق، والخانات، والبازارات، والأسبلة، والجسور، والمستشفيات، والمطاعم الخيرية، وملاجئ الفقراء، والمساكن، والأضرحة، والحمامات، والقناطر. ولا تقدم دراسة الأوقاف العثمانية التي حفظتها وثائق الوقف المحفوظة في الأرشيفات العثمانية في اسطنبول، إلا لمحة بسيطة عن تلك الأوقاف بوصفها ممارسات هبة مـن المواطنين العثمانيين إلى المواطنين العثمانيين Hoexter 2002)). وهنـاك أيضًا الآلاف من سجلات المحاكم الشرعية العثمانية، التي سجلت فيها الآلاف من الوقفيات (Agmon 2004;

Ze’evi 1998)). بالإضافة إلى ذلك، هناك الآلاف مـن وثائق الـوقـف والسجلات الخاصة بها في مديرية الأوقاف بـأنقرة. عـلى كـل تـلـك السجلات والوقفيـات اعتمدت دراسات الوقف. كانت تلك الوقفيـات وصايا وتصرفات قانونية، في آن معًا، بالمعنى القانوني للمصطلحين. وهناك حقيقة قيلت كثيرًا، ولكننا نحتاج إلى التأكيـد عليهـا هنا، وهي أن تلك الوقفيات كانت وصايا مؤبدة. فالوقف لم يكن يُقصد بـه أن يخدم غرضًا معينًا لفترة قصيرة، ولكن إلى الأبد، وليس لأي سلطة دنيوية أن تحلـه. هذا بالإضافة إلى أن الغرض منه لم يكن خدمة مصالح جماعة اجتماعية معينة في فترة زمنيـة مـا، ولكـن أن يخـدم الجميع إلى الأبد، وتلك الجزئية بالذات تمثل قاعدة مهمة وعالمية في ربط المدينة بالمواطنة.

نهدف في مقالنا هذا إلى تقديم مؤسسة عطـاء خـيـرى قانونيـة إسـلامية رعاهـا القـانون العثماني Hennigan 2004))، وتم تقنينها وتنظيمها إلى درجة أنها تولت تقديم جل الخدمات الاجتماعية، والثقافية، والدينية، والاقتصادية في القرن التاسع عشر gizaksa 2000; Gil) (1998. هذا التاريخ شديد التعقيد، ولكننا سوف نركـز عـلـيـه مـن زاويـة المساحة، والنـوع الاجتماعي، والفعل بعد الاستشراقIsin 2002b,2005) ). لم تكن أنماط الوقف ولا فاعلوه، ولا قوانين إنشائه، ولا وظيفته بالأمور المستقرة أو المتسقة أو الثابتة عبر القرون. ورغم ذلك، فقد خلقت الأعداد الضخمة من منشآته وتكرارها أنماطًا واسعة.

تلك الأنماط الواسعة للوقف العثماني حظيت بدراسات عميقة نسبيًا، وقد خلَّف جيـل أسبق من المؤرخين من أمثال عمر لطفى باركان Omer Lutfi Barkan, 1942))،وعشان إرجينOsman Ergin, 1936,1944))،وفؤاد كوبریلی (fuad Kopril,1938, 1942) وعلی همت برکی Ali Himmnet Berki, 1946))،وم. حمدي الماليلي ( M. Hamdi Elmalili (Ozturk 1995 a) أدبيات رائدة لجيل جديد من المؤرخين من أمثال بهـاء الـدين يديلديز Bahaeddin Yediyldiz, 2003))، ونظيف أوزتورك (,Nazit Ozturk, 1995b 2003)، وحسن يوكسيل Hasan Yüksel,1998))، ومراد جيزاكجا Murat Gizaksa,),1995,2000)، وآمى سنجر Amy Singer,2000,2002))، وميريام هو یکستر Miram) Hoexter,1998, 2002)، وأحمد أكجوندوز (Ahmet Akgündüz) استطاعوا تعميق تلـك الدراسات والاتساع بآفاقها. ومؤخرًا، تجدد الاهتمام بموضوعات العطاء الخيري والعطاء الإنساني Ozbek 2005 ; Powers 1999; Powers and Peled 1989; Singer 2002). ونتيجة ذلك حظيت دراسات الوقف العثماني بنوع من التماسك 1998) Hoexter) لم تحظ به العديد من دراسات الوقف الإسلامي الأخرى المنشورة بالفرنسية والإنجليزية. ومع ذلك، فلم يُدرس الربط بين الوقف العثماني والمواطنة، خاصًة المواطنة من زاوية النوع الاجتماعي. لا يعني ذلك، بالطبع، أن هذا الربط خلٌو من المشاكل، أو أن كـل دارسي الوقـف يوافقـون عليه، ولكن الجدير بالملاحظة أن مؤسسة عطاء خيرى مثل هذه، قدمت خدمات عديدة عبر قرون طويلة، وفي استمرارية غير منقطعة، وإلى حد جعلت الحقوق التي تنطوي عليهـا أكثـر عمقًا من تلك التي نصفها بأنها من حقوق المواطنة، دون أي تشكيك فيها، ومع ذلك لم يُنظر إليها في إطار المواطنة، سواء في الدراسات الغربية أو الشرقية (Baer 1997; Gerber 1983;

( Hoexter 2002; Peri 1992. هذا فضلاً عـن أن دراسات الاستشراق تجعلنا نعتقـد أنالمواطنةوجدت في الغرب فقط. ونحن على اقتناع تـام بـأن تفسير التصرفات والوثائق المؤسسة للأوقاف الخاصة بالنساء بوصفها ممارسة للمواطنة لن تسهم فقط في تفكيك انقسام جوهرى بين ما يُزعم أنه شرق وغرب، بل وسيعمق من فهمنا للمواطنة في حد ذاتها.

لقد أثبتت هويكستر (Heexter,1998) أن جيلاً سابقًا من الدارسين للوقف العثماني ركز على جوانبه المؤسسية. ولكن دراسات جديدة لفتت، مؤخرًا، الانتباه إلى الجواب الدينية، والاجتماعية، والاقتصادية، والسياسية للوقف، ففتحت بذلك سبلاً جديـدة لتفسير هذه المؤسسة الإسلامية والعثمانية شديـدة الدلالة. وقد أشارت هویکستر (Hoexter,1998) إلى وجود ثلاث مراحل لتطور دراسات مؤسسة الوقف الإسلامي في القرن العشرين؛ حيث ركزت دراسات المرحلة الأولى على الجوانب القانونية للوقف، بيـنما انصرف العديد من الدارسين في المرحلة الثانية، إلى استكشاف الدلالات الأوسع لتلك المؤسسة، وركز بعضهم على جوانب معينة في المؤسسة نفسها، واستخدم بعضهم وثائق الوقف لدراسة قضايا أخرى. وتراوحت الموضوعات التي غطتها تلك المرحلة الثانيـة مـن كيفية استخدام الحكام للوقف أداًة للسلطة السياسية، خاصًة في سياق التوسع العثماني، إلى نشر سيطرة الإسلام على الولايات، وأهمية الوقف الأهلى في دراسة الميراث وجوانب النـوع الاجتماعي المتعلقة بالملكية.

وقد ركزت هويكستر Hoexter 1998, 484)) على المرحلة الثالثة التي ترى أنهـا بُنـيـت على دراسات المرحلتين الأولى والثانية، فكانت بداية دراسات جديدةأدخلت الوقف ضمن إطار مفاهيم عامة أيديولوجية وسوسيولوجية وثقافية“. في هذا السياق، ننتوى في مقالنا هذا، أن نطرح ربطًا بين المدن والمواطنة. وسوف نذهب إلى أن النساء العثمانيات بإنشائهن العديد من الكليات (مجمعات أوقاف كانت تُعرف في الأصل باسم العمارات ) في اسطنبول، أثَّرن في المساحات والأشكال الحضرية العامة وشكَّلنها، بل وأرسين شعورًا بالانتماء، والظهور العام، والانخراط المديني للمرأة – المواطنة في اسطنبول. وسوف نثبت وجود علاقة بين المـدن والمواطنة، كان يُزعم أنها لم توجد سوى في تاريخ المواطنة الغربية فقط، وذلك بدراسة مختلف الكليات التي أنشأتها نساء عثمانيات في اسطنبول.

تناولنا في السابق جوانب النوع الاجتماعي والفعل عند النظر في الأوقاف بوصفها أعمال بر. أما فيما يتعلق بالمساحة، فمن المهم أن نشير إلى أن الوقف نادرًا ما كان يُنشأ كمبنى منعزل؛ حيث كان، في معظم الأحيان، جزءًا من تنظيم معقد لعدد من الأوقاف التي تمثل مجتمعًة شبكة اجتماعية واقتصادية. هذا فضلاً عن أنه كان من الشائع أيضًا أن تُنشأ تلك الشبكات كمساحات منظمة من البداية. كان يُطلق على تلك المساحة المنظمةكلية“.. وقد استخدم الواقفون العثمانيون الأوقاف وسيلة لبنـاء المـدن، لمـا تـوفـره مـن خـدمات مختلفة في تلك الوحدات الجيدة التنظيم (الكليات أو العمارات)، والتي كانت المدن تتخذ من خلالها هيأتها النهائية Inalcik 1973; Singer 2002; van Leeuwen 1999) ( وقد لعبت تلك الكليات دورًا عظيمًا في الثقافة المدينية اليومية التي تشكلت من خلالها الهويات السياسية والاجتماعية للمواطنين. فمعظم المدارس، والمكتبات، والمساجد، والفنادق، والخانات، والبازارات، والأسبلة، والجسور، والمستشفيات، والمطاعم الخيرية وملاجئ الفقراء، والمساكن، والأضرحة، والحمامات، والقناطر أقيمت كأجزاء ضـمن تلك الكليات. هذه المساحات المنظمة لا تشهد فقط على الجوانب البنيوية والطرازية للعمارة العثمانية، ولكنهـا تشهد أيضًا على استفادة أجيال من المواطنين العثمانيين من مختلف الخدمات الاجتماعية والمادية. وقد شملت الأوقاف أيضًا أملاكًا غير منقولة أخرى مثل الأراضي الريفية التي تدر ريعًا ينفق منه على أملاك حضرية، وكذلك أملاكًا منقولة مثل النقد، والكتب، والأشياء القيمـة الأخـرى. وقد قدَّر أحد دارسي الوقف، وهو نظيف أوزتورك Nazif Ozturk,2003)) عدد الأوقاف التي أنشئت خلال عمر الدولة العثمانية بأكثر من 35,000 وقف، كان كل منها يضم العديد من مثل تلك المنشآت؛ وهو ما يعني أن الغالبية العظمي مـن العمارة العثمانيـة والمـدن بُـنيـت أوقافًا. وحسب ما أورده أوزتورك (Öztürk, 1995b) فقد كانت تلك الأوقاف – بالأعـداد لهائلة من الموظفين الذين كانت تستخدمهم والدخل الذي كانت تدره – تمثل نحو 16 بالمائة من الاقتصاد العثماني في القرن السابع عشر، و 27 بالمائة في القرن الثامن عشر، ونحـو 16 بالمائة في القرن التاسع عشر. كذلك يقدر دارس آخر للأوقاف، وهومراد جيزاكجـاأن الأوقاف كانت توفر أكثر من 8 بالمائة من فرص العمل في الدولة العثمانية في أواخـر القـرن التاسع عشر (gizaksa,2000)).

هناك خاصية أخرى مهمة متعلقة بالوقف، وهي أن إنشاءه لم يكـن عملية مركزية أو عملية تقودها الدولة. Inalcik et al.1994))، فقد كان إنشاء الوقف يعني وقف ممتلكاتخاصةعلى أغراض خيرية إلى الأبد، لتؤدي وظائف محددة في وثيقة إنشاء الوقف (الوقفية)، ووفق الشروط الواردة فيها. وكان الوقف على نوعين: وقف أهلى (ذُرَّي) ووقف خيري. ولكنه كان، في الحالتين، يؤدي وظائف عامة. كذلك كانت وثيقة الوقف تحدد كيفية إدارة أملاك الوقف وصيانتها، وكان يتم تسجيل الوثيقة رسميًا على يد قاضي في المحكمة الشرعية، ولكنها لم تكن تتطلب تصديقًا أو موافقة من السلطة المركزية. وتمثلت المبادئ التي تقوم عليها الوقفية في العادة في: السيادة المطلقة (إدارة الوقف وصيانته ممولـة مـن مـصـادر يدرها الوقف نفسه و / أو مصادر ترد إليه من أوقاف أخرى)، والتأبيد ( بمجرد إنشاء الوقف لا يمكن إلغاؤه من قِبَل أي سلطة، رغم التخفف من التمسك الصارم بهـذا المبـدأ في القرن التاسع عشر)، والاستقلال (بمجرد إنشائه يصبح التحكم فيه وإدارته شأنًا داخليًا)، والعطاء الخيرى (يجب أن يقدم الوقف خدمة عامة). كان مـن بـيـن منشئى الـوقـف كـبـار السلاطين وزوجاتهم والباشوات، وكذلك أبناء الطبقة الأقل بروزًا في النخبة العثمانية الحاكمة ونخـب التجار. ومما يحمل دلالات أكبر، أن منشئى الأوقاف كان من بينهـم عـدد ملحوظ مــن النساء ومن غير المسلمين، وهو جانب يحتاج إلى الدراسة مـن حيـث الحقوق والالتزامات. (Fay 1997; Meriwether 1997)

من الحيوي، إذن، أن نوضح كيف لعبت الكليات، بوصفها مساحات منظمة، دورًا مهمًا في بناء المدن العثمانية. وفي هذا الصدد، ألقى العديد من الدارسين الضوء على أهمية التقاليد المعمارية والثقافية العثمانية في تشكيل الكليات (Goodwin 1987; Kuban 1994; Ozer 1987; Yerasimos 2005). وقد استفادت اسطنبول، عاصمة الدولة، أكبر استفادة من إنشاء الكليات؛ إذ لم تنتشر تلك الكليات في أي مدينة أخـرى في أنحاء الدولة انتشارها في اسطنبول (Kuban 1994). فبعد فتح اسطنبول (1453)، تبنى محمـد الـثـاني استراتيجية رئيسية تمثلت في إعادة إعمار المدينة بالسكان بعد ما فقدت مواردها الاجتماعية والاقتصادية، خاصًة خلال الحصار 2003) Unan). ولهذا الغرض تحديدًا أقيمت أول مجموعة من المنشآت التعليمية والعامة، وضمتها كليتا إيوب سلطان (1458) وفاتح (1463 – 1970). وقد استُخدمت الكليات السابقة، في اسطنبول العثمانية، أيضًا، في إعادة تأهيل المدينة، وكانت وسيطًا في إنشاء أحياء جديدة في أنحاء مختلفـة مـن المدينـة Kuban 1994, 169)). أقيمت الكليات في اسطنبول لخدمة أغراض عديدة، ولكننا نستطيع أن نجمعها تحت تصنيفين كبيرين، على أساس الخدمات العامة التي كانت تقدمها للمدينة 1994) Kuban). المجموعة الأولى هي تلك الكليات التي صممت وأقيمت لخدمة المدينة بأسرها، مثـل كـليـات فـاتـح، وبايزيد، وخاصكي، وشاهزاد، والسليمانية، وعاتك سلطان، ونور عثمانية، ولالالي. وقد اشتملت تلك الكليات على مرافق عديدة مثل المدارس، والمساجد، والأسبلة، والمكتبات، والمستشفيات، والمطاعم الشعبية (الخيرية)، والملاجئ، والحوانيت، والحمامات العامـة. أمـا المجموعة الثانية فأقيمت لخدمة الحي الذي أنشئت فيه وتلبية احتياجاته والمنطقة المحيطة به، مثل كليات مراد باشا، وعاتك عـلى بـاشـا، وداود باشا، ومهرمـاه سـلطان. كانـت كـلـيـات المجموعة الثانية أصغر حجمًا، وعادة ما تكونت من ثلاث وحدات هي: المسجد، والضريح، والمدرسة. وقد كانت تلك الخدمات الأساسية جوهرية في بناء أحياء جديدة أو إعادة إحياء أخرى قديمة (Ozkoçak 1999).

ورغم اعتراف عثمان نوري إرجين Osman Nouri Ergin 1936,1944))، وإبراهيم آتش Ibrahim Ates 1982, 1987))، وبهـاء الـديـن يـديـلـديـز Bahaeddin Yediyildiz) (2003 بالوظائف المدنية للوقف، فقد رأوا فيها جميعًا مجمعات دينية، على أن أعـالهـم تطلعنـا على تفاصيل نشاط تلك الكليات وكيف لعبت دورها بوصفها مؤسسات مدنية دفعت تطور أحياء جديدة بما وفرته من خدمات صحة عامة وأمان، وبما وفرتـه مـن بنية تحتيـة للتفاعـل الاجتماعي. هذا فضلاً عن أن الكليات رعت الهـويـة المدينيـة في المدينـة؛ إذ يذهب يوكسيل Yüksel,1998,160)) إلى أن نحو 70% من الأوقاف التي بنيت في الدولة العثمانية، كانـت في المدن. ولكن يمكن القول أيضًا أنه حتى بالنسبة للأوقاف التي لم تكن في المدن، فقد كانت مرتبطة بتلك التي في المدن عن طريق اقتصاد سياسي لازم لها، يتدفق فيـه الـدخل بينهما في الاتجاهين. لم يكن للمدينة العثمانية، حتى 1856, إدارة بلدية على الطراز الغربي يدفع فيهـا المواطن أجورًا وضرائب مقابل الخدمات التي تقدمها له المدينة، ولكن كانت الأوقاف هي التي تقدم مختلف الخدمات الاجتماعية والعامة في المدينة. كذلك لعبت الأوقاف دورًا مهما في تشكيل الهيأة الحضرية؛ إذ يؤكد يوكسيل Yiksel,1998,160)) أن الوقف لعب ثلاثة أدوار رئيسية في تشكيل النسيج الحضري للمدن العثمانية، وهي: ترميم الأوقاف السابقة وتجديدها ( استمرار الخدمات الحضرية في المدينة)، وتحسين محيط الوقف، خاصة الأرصفة والطرقات (النفاذ إلى الخدمات الحضرية)، وتوفير معلومات مفصلة عن الخصائص الديموجرافية والمادية للمدينة، نجدها في وثائق الوقف (حفظ الأرشيف التاريخي للمدينة).

هناك المزيد الذي يمكن قوله عن الكليات وأهميتها في بناء ثقافة مدنية. ولكـن المدهش في الأمر أن القليل فقط قيل عنها بوصفها مساحات مدنية منظمة. ومما يحمل دلالات مهمة، أن النساء كن من بين أبرز مؤسسي الكليات. وقد عرفت لهـن الأدبيـات قـدرهن بوصفهن راعيات للعمارة. كما ربطت بشكل خاص بين المكانة والثروة Bates 1978,1993)). ولكننا نعلم أيضًا أن الوقف، رغم أن منشئه فرد، فإن المستفيد منـه عـادة مـا يكـون عـامـة النـاس Hoexter 2002, 14)). وربما يشهد إنشاء النساء للكثير من الأوقاف والكليات على حقيقة أنهن، بوصفهن أمهات وزوجات للسلاطين، كن يساعدن في جوانب أخـرى مـن مـفـردات الحكم، غير الحرب والدولة والغزو. وهو ما يجعل من الكليات عاملاً مهمًا في إبراز جوانب المساحة، والنوع الاجتماعي، والفعل إبرازًا واضحًا.

عرفت دراسات النوع الاجتماعي للمرأة دورها في إنشاء الوقف (Hoexter 1998, 481) وقد فسر الدارسون أعمال البر التي كانت تقوم بها النساء، عادًة، من زاويـة سـلطاتهن الاجتماعية والسياسية المتعلقة بالملكية أو بالعلاقات الأسرية. ومن المعروف أن امتلاك المرأة للأملاك لا يساعد فقط على تحسين وضعها في الأسرة، بل كـان أيـضـًا مـن بـيـن العـديـد مـن الوسائل التي استطاعت المـرأة من خلالها أن ترعى تماسك الأسرة، واستمراريتها، واستقرارها 1997,41) Fay).

وقد ركزت العديد من الدراسات على الدور المهـم الـذي لعبتـه النساء، مـن مختلـف الطبقات، في تشكيل علاقات الملكية والأسرة. ووفرت لنا تلك الدراسات، بتركيزهـا عـلى مناطق مختلفة في الدولة العثمانية، مصدرًا مهمًا لفهم الوقف بوصفه مؤسسة اجتماعية، سياسية، واقتصادية، وكيف كانت النساء فاعلات مهمات في تشكيل المدن. ومـن أمثلة تلك الدراسات تلك التي أجريت على النساء في يافا وحيفا في انقلاب القرن العشرين Agmon 1998))، والنساء منشئات ومديرات الأوقاف في دمشق أواخـر العـصر العثماني Deguilhem 2003))، ونساء العائلات الدمشقية في مطلع القرن الثامن عشر Establet and Pascual 2002))، ودور النساء في الأسرة المملوكية في القرن الثامن عشر 1997) Fay)، وأوضاع النساء الاجتماعية والاقتصادية في بورصا في القرن الثامن عـشـر Gerber 1980))، والنساء راعيـات العمـارة الدينية في دمـشـق فـي العصر الأيوبي Humphrey 1994))، والنساء وأوقـافهن في حلب العثمانية في القرن التاسـع عـشـر 1997) Meriwether)، ونساء القدس في القرن السابع عشر 1995) Ze’evi).

وقد رُئي في إنشاء النساء للأوقاف، أيضًا، استراتيجية لتعزيز شبكات سيطرتهن الهادفة إلى الحفاظ على استقرار عائلاتهن، واستمرارها والحفاظ على ميراثها. وقد أشارت بييرس (Pierce 1993) إلى أن الطبقة الحاكمة كانت تعتمد في نشاطها على علاقات شخصية وعائلية وأسرية معقدة، لعب فيها الرجال والنساء، على حد سواء، أدوارًا مهمة في تشكيل الشبكات الاجتماعية خلال القرنين السادس عشر والسابع عشر في اسطنبول، ومن أمثلتهـا أوقـافخاصکی سلطانفي القدس. كذلك أثبتت دراسـةآمـى سـنجرعـن المطاعم الشعبية العثمانية Ottoman public kitchen (2005) أهمية الأوقاف فيما يتخطى الأغراض الدينية؛ حيث أكدت أن عملية إنشاء الوقف قدتقف وراءهـا دوافع روحــية، أو اجتماعـية، أو اقتصادية، أو سياسية، وربمـا تنـطـوى عـلى مـصـلـحــة شـخـصـية أو طمـوح أيضًا” Singer 2005,481)). كذلك أوضحت دراســة حــــــــديثة لثيس – شينوسـاك (Thys-Senocak 2006) أن نساء الطبقة الحاكمة العثمانيـة كـن يتعاملن مـع بنـاء الأوقاف بوصفها مشروعات عامة.

ركزت النقاشات التي دارت على صفحات الأدبيات الأقدم عـلى الـدوافع وراء إنشاء الأوقاف. وكثيرًا ما قيل إن النساء كن يلجأن لإنشاء الأوقاف للحفاظ على ممتلكاتهن وما تدر لهن من دخل ناشئ عن ميراث، وكذلك للسيطرة عـلى الـزوج أو عائلتــــــه. ویـری بـاير Baer 1983)) أن المرأة، بوقفها لأملاكها، لم تكن تحميها فقط من المصادرة أو الاستيلاء، بـل وتتمتع بريعها أثناء حياتها وتحافظ على حقها في إدارة تلك الأملاك. وعـادًة مـا كـان وقـف الأملاك يُنسب إلى نساء النخبة والثريات فقط، بيد أن الدراسات الحديثة أثبتت أن النساء من كل الطبقـات كـن تـوقفن الأوقاف في ظـل مختلف الظروف السياسية، والاجتماعية، والاقتصادية، والثقافية. فنساء يافا وحيفا، من عائلات الطبقة المتوسطة، استطعن استغلال الازدهار الاقتصادي الذي شهده أواخر القرن التاسع عشر لإنشــاء عـدد لا بأس بـه من الأوقاف، ساهمت في ارتقاء أسرهـن في السلم الاجتماعي وتبوءهن مكانـة أعلـى Agmon 1998)). أيًا كان الأمر، فقد كان تركيز تلك الدراسـات عـلى الـدوافع الظاهرية لإنشاء الأوقاف.

على أننا لو نظرنا وراء الدوافع المباشرة (سواء استطاعت منشئات الوقف التعبير عنها صراحة أم لا)، فسنلاحظ، بكل تأكيد، أن النساء كانت لهن حيوات مدينية وعامة، وأنهن كن صاحبات وجود مديني، واقتصادي، واجتماعي. فلم تكن المرأة ذاتًا سلبيًة محبوسة في بيتهـا، بل كانت تتحرك في أرجاء المدينة، تزور الأصدقاء والجيران والأقارب، كما استطاعت أن تجعل من نفسها ذاتًا مدنية عندما أنشأت الأوقاف، فجعلت من نفسها مانحًة للهبات. فكمـا يشير جربر Gerber 1980, 233))، كانت المرأة مشاركة بكثافة في الحياة المدنية والاجتماعية للمدينة، واحتلت مواقع مهمة في الحياة اليومية لبورصا في القرن السابع عشر. كذلك كانت النساء على وعى تام بالمدينة ومشاكلها، وكذلك احتياجاتها. ولنـا أن نذهب إلى أن النساء، بوصفهن مواطنات في المدينة، أنشأن الأوقاف لأسباب مختلفة، لا يمكن اختزالها في الدوافع التي قد تم – أو لم يتم – التعبير عنها صراحًة، ونود هنا أن نؤكد أهمية إنشاء النساء للوقـف بوصفه تعبيرًا عن المسئولية المدنية تجاه المدينة، وأن نركز على الدور الذي لعبته تلك الأوقاف في بناء المدينة وصياغتها وصيانتها. كذلك نود التأكيد على أن أعمال البر التي قامت بها النساء يمكن رؤيتها على أنها أعمال تنم عن الحرص على المدينة ومواطنيها، خاصًة المهمشين اجتماعيًا وسياسيًا فيها. فقد كانت تلك الأعمال تنم عن الحرص على الغرباء بقدر الحرص على أعضاء الأسرة، ومن الخطأ أن يُظن أن حرصـهـن كـان مـقـصـورًا عـلى شبكاتهن الاجتماعيـة فقـط, بوصفهن راعيات لها. فقد كانت هؤلاء النساء، بوصفهن مواطنات مسئولات وحريصات على المدينة وأهلها، يرعين الجماعات المقصاة والمهمشة اجتماعيًا في المدينة، بمن فيهم العبيد، والفقراء، فضلاً عن توفير المهـور للفقيرات، ورعاية الأرامل والأيتام، بـل والحيوانات (خاصًة الطيور، والكلاب، والقطط، وطيور اللقلق).

لو أقررنا بأن إحـدى وظائف الوقف العثماني المهمـة تمثلت في خلـق هـويـة مدينية ورعياتها، فسيتعين علينا أن نفترض للمرأة فهمًا راسخًا لتلك الوظيفة. فقد تشاركت النساء والرجال، بوقف أملاكهم، في تشكيل المساحات العامة، وبالتالى تعزيز الشعور بالانتماء للمدينة (Hoexter 2002,121). وذلك أن إنشاء الوقف يعني تحديد الغرض منه، وتنظيم إدارته والتصرف فيه، وجوانبه القانونية والمالية مع القاضي، ثم تحرير الوقفية نفسها (وثيقـة الوقف)، بموادها التي تنص على الغرض من إنشاء الوقف وكيفية إدارته والتصرف فيه. كل ذلك يتطلب مهارات اجتماعية وثقافية لا بأس بها، وقدرة على التفاوض مـع كـل الأطـراف المعنية؛ كما يتطلب أيضًا خبرة شخصية في مسائل البناء، والإدارة. وقد ساعدت النساء أيضًا، بما أنشأنه من أوقاف، في تعريف صفات مديرى الوقف، والـذيـن كـانـوا هـم أيـضـًا حراسـه بشكل أساسي؛ وعادةً ما كانت تلك الصفات تركز عـلـى بعـض الفـضـائل مثـل الإخلاص، والدراية بالشريعة، والإحساس بالمسئولية، والجدية، والنظافة، والنزاهة، والمهارة، وسعة العلاقات. تلك الخصال مجتمعة يمكن أن نرى فيها الفضائل المدنية، والتي لعبت النساء دورًا مهمًا في خلقها وتعهدها بالرعاية.

ألقت الدراسات، التي صدرت مؤخرًا عن الحياة اليومية، الضوء على أهمية مؤسسات البر في صياغة مفردات وثقافـة المـدن العثمانية Faroqhi 2000; Humphrey 1994)). ولاسطنبول، بوصفها عاصمة الدولة العثمانية منذ 1453 وحتى 1922، أهمية خاصة في فهم الثقافة الحضرية والحياة اليومية، فضلاً عـن أن دراسة أوقافهـا تـفـتـح أمامنـا سـبلاً جديدة لاستكشاف العلاقة بين المدن والمواطنة. ونحن نذهب إلى أنه كمــا كـان للمواطنين انخراط نشط في الشئون الاجتماعية والاقتصادية للمدينة، فقد كان للنساء، في اسطنبول العثمانية تعبير عن الهوية المدينية، من خلال إنشاء العديد من الأوقاف، فبحلول منتصف القرن السادس عشر كانت 37 ٪ من الأوقاف المسجلة رسميًا في اسطنبول لواقفات من النساء ( (Faroqhi 2000,118). كذلك أثبتت دراسة أجريت في ثلاثينيات القرن العشرين أن 128 سبيلاً من بين 491 سبيلاً أقيمت في اسطنبول، كانت أوقافًا أوقفتهـا نـسـاء مـن مختلف الطبقات الاجتماعية Can 1999,28)). وكثير من تلك الأوقاف أنشئت بوصفها أجزاء من كليات وتشى الدراسة المتأنية للكليات بأهمية تلك المساحات المنظمة في تشكيل الحياة اليومية الحضرية في اسطنبول، وكذلك بمدى حرص النساء، بوصفهن مواطنات، على مراقبة احتياجات مدينتهن والمحتاجين فيها. إن النساء باهتمامهن بمواطنيهن، الحاليين والذين لم يولدوا بعد، لم يقمن فقط ببناء المدن، بل وبالاستثمار في المقصين والمهمشين. وقد جعلت منهن أعمال البر واهبات وجعلت من المستفيدين أصحاب حق في هباتهن.

أوضحت دراسة باير المهمة Baer 1983)) عن المرأة والوقف كيـف أصبحت النساء ذوات فاعلة. وقد اعتمدبايرفي دراسته على عينة من نحو 500 وثيقة وقف نشرها باركان وأيفردي Barkan and Ayverdi 1970))، وركز فيهـا عـلى الأوضاع الاقتصادية للنساء بوصفهن صاحبات أملاك، وتحدى الدور المزعوم للمرأة العثمانية الذي يجعلها دائـمًا تابعة. وقد أثبتبايرأن الأوقاف التي أنشأتها النساء في القرن السادس عشر في اسطنبول كانت تتسم بالسمات التالية: كانت صغيرة، وتشتمل على أملاك حضرية، وكانت المنشِئَات يـدرن الأوقاف بأنفسهن في المقام الأول، وقد يشارك الرجال بعد ذلك. وقد لاحظ أن منشئات الأوقاف يُخَصَّصن مبالغ ضئيلة نسبيًا لصيانة الأوقاف التي أنشأنها وإدارتها. ولكنـه أثبـت أيضًا أن النساء، في الفترات التالية، أوقفن موارد أكبر مما أوقفه الرجال على الأغراض العامة. ورغم أهمية مساهمةباير، فقد كان تركيزه منصبًا على الجوانب الاقتصادية للوقف فقط، مهملاً الجوانب الاجتماعية والثقافية له. وظلت الدراسات غائبًة عن كيفية لعب أعمـال الـبر لدور أعمال الهبة الرامية إلى تحقيق التضامن والنابعـة مـن مـسئولية مدنية. ويذهب ثيس شينوساك (Thys- Senoeak 1998, 2006) إلى أن إنشاء نساء الطبقة الحاكمة للأوقاف في اسطنبول أصبح أولوية مهمة لديهن في أواخر القرن السادس عشر والقرن السابع عشر، على خلاف الفترات الأسبق والتي كان التركيز فيها على البناء في الولايات.

أنشئت في اسطنبول العديد من الكليات الشهيرة التي حملت أسماء نساء. وكانت تلـك الكليات على صنفين: صنف أنشأه الأبناء أو الأزواج، والآخر أوقفته النساء بأنفسهن. أنشأ محمد الثاني، على سبيل المثال كليةناقشيديل سلطانفي فاتح باسم والدته،ناقشيديل سلطانسنة 1919. كذلك أقامأحمد الثالثكليةينى والدةفي أوسكودار لوالدته أمة اللهجولنوز سلطانبين عامي 1708 و 1710. وقد لعبت كليةينى والدةدورًا مهمًا في الحركة الإصلاحية التي قام بهاأحمد الثالثعندما أراد تحسين ظروف معيشة المواطنين وكذلك الارتقاء بجماليات المدينة. على أننا سوف نركز على الكليات التي أنشأتها النساء، دون أن يكون في ذلك تقليل من شأن تلك التي أنشئت بأسمائهن.

شيدت النساء العديد من الكليات المهمة في اسطنبول. وكان من بينها كليةخاصكي خرمالتي أقيمت على عدة مراحل بين عامي 1538 و1550، وتولى تصميمها وتنفيذها المعماري العثماني الشهير،سنان“. وقد اشتملت على عدة وحدات، حيث ضمت مسجدًا،ومدرسًة، ومطعمًا شعبيًا، ومستشفى للنساء. كذلك أمـرتخاصکی خـرمببناء حمـام مزدوج، للرجال والنساء في حي آقسراي، بالقرب من قصر طوبكابي. وقد كان الحمام عبـارة عن جزءين متطابقين متظاهرين من المرافق أحدهما للرجال والآخر للنساء. وقد شكل الحمام المزدوج هذا نمو حي عالي الكثافة السكانية في تلك المنطقة، بما وفره من خدمة من الخدمات الأساسية في المدينة. كذلك أمرتخاصکیببنـاء العـديـد مـن المنشآت الأخـرى خـارج اسطنبول، في القدس، وأنقرة، وأدرنة، ومكة؛ فضلاً عما أوقفته من مبالغ كبيرة على الفقيرات والحجاج والعبيد. على أن الجانب المهم في أوقافها هو أنهـا، وعلى خلاف سابقاتها اللاتي اقتصرت أعمالهن على العواصم الإقليمية في الأناضول، أوقفت العديد من المنشآت في المـدن المهمة الأخرى في أرجاء الدولة Pierce 2000;58)). ويذهب بيبرس Pierce 2000)) إلى أن أوقافخاصکی خرمهي التي جعلت مـن اسطنبول مساحة مهمة لأعمال الهبات المدنية. وكما ذهب بيبرس Pierce 2000,60)) أيضًا، نذهب نحن إلى أن أوقافخاصكي خرميمكن رؤيتها على أنهاعمل من أعمال الاهتمام بالمرأة“.

وقد سارتمهرماه سلطانعلى خطى والدتها، فأمرت ببناء كليتين في اسطنبول. وتم بناء أولاهما سنة 1538، وتقع في حي أوسكودار،عند تقاطع الأراضي الآسيوية والأوروبية للإمبراطورية. أما الثانية فكانت في حي أدرنة كابي. وتشى أعمال تلك الأم وهـذه الابنة بوعيهما بأهمية توفير الخدمات المادية والثقافية للمواطنين، وهو ما جعل من منشآتهما لا مجرد نماذج مهمة للعمارة العثمانية، بل ودليل على كيفية استخدام الوقف تقنيًة للحكـم تـرعـى مـن خلالها الهوية المدنية Hoexter 2002)).

كذلك أنشأتنوربانو، والدة السلطان مراد الثالث، سنة 1583،كليةعاتك والدةفي اسطنبول أيضًا، في حي أوسكودار Kuran 1984))، فكانت، كما أشرنا في السابق، استجابة لاحتياجات المدينة وخدمة لمصالحها في مجملها، مثلهـا في ذلـك مـثـل كـليـتـي فـاتـح وبايزيد. وقد اختير لها موقع استراتيجي، حيث كانت تهدف لتشجيع نشوء استيطان ونمو في أوسكودار وما حوله. وبعـد إنشائها، أصبحت المنطقـة مركزًا سكنيًا وتجاريًا رئيسيًا في سطنبول. وقد وفرت تلك الكلية العديد من المرافق الخدمية للمدينة، ومنها مدرسة، ومطعم شعبي للفقراء. وفي فترة متأخرة، سنة 1856، استُخدمت الكليـة مستشفى عامًـا عنـدما انتشرت الكوليرا في المدينة. لقد وفرت مرافق الأوقاف وخدماتها التي قدمتها كـليـات مثـلعاتك والدة، دعمًا للمواطنين، ليس من الناحية الاقتصادية فقط، ولكن من خلال توفيرها فرصا للتفاعل الاجتماعي في الحمامات العامة، والمساجد، والمكتبات؛ كما رعت أيضًا الهويات التعريفات المدنية Kuran 1996)). فضلاً عن ذلك، فقد حافظتعاتك والدةعلى تراث المدينة، بوصفها مواطنة مسئولة، وذلك عندما أعادت بناء جامعقرة مصطفى باشا“.

نستطيع أن نرى في أفعال البر التي قامت بها النساء العثمانيـات حـضورًا لشعور قوى بالمدينة وإحساسًا بالواجبات المدنية. فلو درسنا، على سبيل المثال، أوقافبـزم عـالم والـده سلطان” (والدة السلطان عبد المجيد)، سوف نرى كيف تصور نفسها متضامنة مع المدينة ومواطنيها. فقد استطاعت، لثرائها، أن تنشئ وتوقف العديد من المرافـق حـول اسطنبول, حيث أقامت العديد من الأسبلة في اسطنبول، مثل تلك التي في قاسم باشا (1840)، وطوبكابي (1843)، وسيليفري (1841). كانت إقامة الأسئلة تعنى توفير خدمة حيوية للحي، تمامًا كما كانت الحال مع الحمامات Can 1999)) فقد كانت الخدمات والمرافق التي يوفرها الوقف، مثل الأسبلة والحمامات، عوامل مهمة في تحديد مدى نمو السكان في الحي واندماجه في المدينة (Faroghi 2000). لقد لعبتبزم عالم والدة سلطاندورًا كبيرًا في النمو الحضري للعديد من أحياء اسطنبول بما شيدته من مرافق؛ حيث أوقفت مستشفى الغرباء ( 1845 ) التي كان مواطنو اسطنبول يتلقون فيها الخدمات الصحية مجانًا، كما أنشأت مدرسة الوالدة (1850) وقام السلطان عبد المجيد بإلحاق ابنه وابنته بها ليكون مثالاً يحتذيه الآخرون في المدينة. ولا تزال هذه المدرسة تعمل حتى الآن، حيث أصبحت تحمـل اسـم مدرسة كغال أوغلو أناضول الثانوية. لقد أضحتبزم عالم والدة سلطانامرأة مرموقة في اسطنبول بما قدمته من خدمات للفقراء والأيتام، وما اشتهرت به من حرص على مواطنيهـا ومساهمات في حياتهم اليومية. وكما فعلتعاتك والدة سلطان، حرصتبزم عالمأيضًا على الحفاظ على المنشآت التاريخية في المدينة، فأعادت بنـاء مـسجـد قـرة مصطفى باشا، کما أمرت ببناء جسر جالاطا الشهير في إيمينوي.

وفي حين شكلت مختلف أوقافعاتك والدة سلطانحى أوسكودار، كانـت كـلـيـةمهرشاه والدة سلطانهي التي بدلت حي إيوب من حال إلى حال، وكذلك محيطه. ولطالما لعب هذا الحي دورًا مهمًا في تشكيل الحياة اليومية في اسطنبول وما حولها. وقد عرفتمهرشاه والدة سلطانلهذا الحي أهميته الدينية والثقافية، فأمرت بإنشاء كليتها لتلبيـة الاحتياجات المتزايدة لتلك المنطقة، والتي ضمت مطعمًا شعبيًا، ومكتبة، ومسجدًا، استجابوا جميعًا لاحتياجات الحي الذي كان يشهد نموًا سريعًا. وكانت المكتبـة مـن ضـمـن الخـدمات الكثيفة التي قدمتها الكلية، حيث كانت تحتوى على 540 كتابًـا مـسجلاً فيها، كـانـت كـلـهـا هبـات مـن مـواطنين عـاديين. وتحتفظ المكتبـة السليمانية حاليًا بمحتويات تلك المكتبـة Gültekin 1994)). كذلك كان المطعم الشعبي من الأجزاء المهمة لكلية مهرشاه؛ إذ ما زال يقدم حتى اليوم الطعام لأكثر من 1500 مواطن من سكان اسطنبول. ورغم أن هذا المطعـم يقع في إيوب، فهو يخدم أحياء أخرى تشمل كاغيثان، وبيال باشـا، وأوسكودار، ومالتيـب. ونود أن نؤكد هنا استمرارية تلك المؤسسات ودورهـا المهـم في خـلـق مساحات وخدمات مدنية في اسطنبول. من الجدير بالملاحظة في هذا المقام تلك الاستمرارية المنظمة التي حرصت عليها خدمات اجتماعية مهمة، مثل المطاعم الشعبية، طيلة قرون لتساهم بذلك في ترسيخ التضامن الاجتماعي والثقافة المدينية في المدينة.

لعبت كلية مهرشاه إذن، كما أشرنا في السابق، دورًا مهمًــا فـى حـى إيـوب منذ إنشائها. نستطيع أن نقول الأمر نفسه على حى إيمينوى وكلية يني كامي. فمع تنظـيـم تلـك المساحة أضحى حي إيمينوى قبلًة ثقافية واقتصادية واجتماعية مهمة في اسطنبول، وكذلك أصبح البازار المصري، الذي أنشئ ضمن تلك المساحة، أحـد أنـشط الأماكـن فـى اسطنبول وأكثرها حيوية. وقد استنفدت تلك الكلية وقتًا وجهدًا هائلين؛ إذ أسستها صفية والدة سلطان سنة 1597، ولم تكتمل إلا سنة 1663 على يد نورهان هاتيس والدة سلطان, وهو ما يمكن أن نرى فيه تضامنًا بين الأجيال والتزامًا بين كـل النساء المنشئات للأوقاف. (Bates 1993; Thys-Senocak 1998)

قد يقال إن كل الأمثلة التي أوردناها حتى الآن إنما هي لنساء من النخبة، ولكننا نستطيع أن نلاحظ وجود أوقاف في اسطنبول أوقفتها نساء من طبقات اجتماعية أخرى أيضًا. ومن ذلك مثلاً، ما نصت عليه وثيقة وقف زينة خاتون، ابنة كمال، أحد الرعايا العثمانيين العاديين، والمسجلة سنة 1587، مـن أن تلاميذ مدرسة مصطفى شلبى الواقعة في أوسكودار، يحصلون، بموجب الوقفية، على ملابس جديدة في كل عيد من الأعياد الدينية. وبالإضافة إلى ما أوقفته على التلاميذ، أوقفت أيضًا 1000 أكجة تمنح للقراء والمعوزين، خاصًة الفقيرات والأرامل Ayanoglu 1963)). كذلك أنشأت إحـدى الرعايا العثمانيات، وتُدعى زينب خاتون، مسجدًا ومدرسة في إيوب بموارد متواضعة. وكانت مدرسةسـتـى خـاتونأول مدرسة تقيمها امرأة عثمانية في اسطنبول. كذلك أوقفتجولـفـام خـاتونمدرسة في أوسكودار. وفي سنة 1768 أوقفتأقموش هاتيس قادنمدرسة في فنار. وكان من أهم الأوقاف في أسطنبول وقفیدی سوفرالى سكينة خاتون“. وقد ضم هذا الوقف مسجداً وسبيلاً، وكان هذا المسجد يقدم الطعام للفقراء سبع مرات في اليوم، واستمر على هذا الحال أربعة قرون، حتى استولت الحكومة الجمهورية على ممتلكاته سنة 1965،ليست لدينا أدلة تثبت أن تلك النساء كن ينتمين إلى دوائر ثرية أو قوية، فضلاً عن أن ألقابهن (خاتون، خانوم، ابنة) تشير إلى أنهن كن من بنات الطبقة الاجتماعية العادية، رغـم أنهن لم يكـن مـن الفقيرات بطبيعة الحال.

وقد لعبت أعمال البر، أيضًا، دورًا مهمًا في الأشغال العامة، بما فيها تعبيد الطرقات، وبناء الجسور، وتنظيم توريد المياه. ومن ذلك ما قامت به بعض النساء مـن بنـاء القناطر، حيـث أطلقتصالحة والدة سلطانبناء قناطر في بوغازكوي سنة 1732، على الجانب الأوروبي من البسفور. وفي 1788 مولتمهر شاهبناء قناطر لخدمة طوفان، وجالاطا، وبيوغلو.

لقـد أوضحـت هـو يكستر Hoexter 1998)) وبييرس Pierce 2000)) وسنجر Singer 2005)) أهمية الأوقاف التي أنشأتها النساء في المدن العثمانية. واستنادًا إلى دراسة مختلف مرافق الكليات وأوقافها، نستطيع أن نذهب إلى أن النساء، من مختلف الطبقات في الدولة العثمانية، أضحين واقفات أوقفن المرافق والخدمات التي كان لها دور حاسم في بنـاء التضامن المديني والمواطنة. لقد حاولنا، في هذا المقال، أن نثبت أن النساء منشآت الأوقاف ساهمن في تشكيل الهوية المدينية، التي تعنى الحقوق والانخراط. وهو ما يمكننـا مـن تعـزيـز حجتنا المتعلقة بالعلاقة بين أعمال البر وأعمال المواطنة. لقد ركزت أدبيات أوقاف النساء، على وجه الخصوص، على رعايتهن للعمارة، وربطت بينها وبين المكانة الاجتماعية، والثراء، وكذلك الدين في معظم الحالات؛ ولكن، وكما أثبتنا، فقد كان في أعمال البر التي قامت بها النساء رعاية للثقافة المدينية، أيضًا، امتدت لقرون طويلة، وهو ما يجب أن نعيه بوصفه معنى أعمق من الوصايا الفردية، أو الخاصة، أو المستقلة. لقد كان لدى النساء العثمانيات فهم ممتاز لمسئولياتهن المدينية؛ وحرصٌ على مدنهن ومواطنيهن المعاصرين والقادمين في الأيام المقبلة، كما تشهد بذلك الوقفيات التي تركنها، والأعمال التي قمن بها.

تشى الصورة المهيمنة للمرأة العثمانية، بوصفهامن الرعايا الشرقيين، بأنها كانت سلبية، كما تصورها وقد غطى الحجاب وجهها، وحُجبت عن الأنظار، ليس لها من المهارات العامة أو القدرات أي نصيب Yegenoglu 1998)). كذلك تـشـي صـورة المدينة العثمانية المهيمنة، بوصفها فصيلاً منالمدينة الشرقية، بأنها تفتقر إلى الهوية المدينية والمؤسسات الجماعية Weber 1978, 1223-4, 1233))، على أن الوقف، بوصـفـه هيبة تـشى بالتضامن، والدور النشط الذي لعبته النساء في إنشاء الأوقاف وصيانتها ينفي كلتا الـصـورتين. ورغم كثرة ما نُشر عن المرأة والأوقاف، يتيح لنا الولوج إلى ما وراء الدوافع الظاهرية للوقف والتي عادًة ما تتشابك مع دور المرأة الراعيـة لـلأسرة أن نسعى لإثبات أن الأوقاف، بوصفها من أعمال البر، خاصًة تلك التي أنشئت ككليات، أصبحت مؤسسات استطاعت المرأة من خلالها أن ترعى (في نفسها وفي الآخرين) الهوية المدينية، وأن تعبر عن أوجه مختلفة للتضامن بوصفها من مواطني المدينة وممـن يعيشون لهـا. وتشى الأوقاف التي أوقفتها، بوصفها أعمال بر وكذلك بوصفها تعبيرًا قانونيًا (وقفيات)، بعزمهن الأكيد على أن يصبحن ذوات مسئولة. وقد فسرنا تلك الوقفيات والأفعال بوصفها تعبيرًا عن رغبتهن في أن يتحققن بوصفهن مواطنات. ولكن ذلك لا يعني أن النساء كن مواطنات، على النحو الذي نفـهـم بـه المواطنة الحديثة؛ ولا أنهن كن مدينيات على النحو الذي تتحقق به المدينة الحديثة. ففي ذلك استشراق عكسي، بمعنى أننا نغدو بذلك غير معتبرين بعـض الممارسات مواطنًة، إلا لو اتسقت مع المعايير الغربية المستقرة. ولكننا نعنى بقولنا إن المرأة العثمانية كانت قادرة على أن تتصرف بوصفها مواطنة استكشافًا لإمكانية تفسير أعمال البر على أنها أعمال مواطنة مختلفة، وبالتالي التفكير فيما إن كان هذا الاختلاف يمكن أن يلقى الضوء على المعنى الذي قد تحمله المواطنة الحديثة والهوية المدينية في المجتمعات المعاصرة.

تم تقديم نسخة أقدم من هذا المقال في ورشة العمل العثمانية بالبحيرات الكبرى، جامعه تورنتو (17 – 19 مارس 2006). ونود أن نتوجه بالشكر إلى فيرجينيا أكـسان وفيكتو أوستابشوك لدعوتنا إلى تلك الورشة، وأن نشكر أيضًا المشاركين في ورشـة العمـل الـذين طرحوا أسئلة عميقة ومحورية مكنتنا من إدخال تحسينات مهمة على المقال. ونعـرب عـن امتناننا، ايضا،لـسلما أكيزيكي أوزكو جاكعلى قراءتها الدقيقة لنسخة مراجعة بعد ورشة العمل، ولتعليقاتها المهمة التي استفدنا منها كثيرًا. كذلك كانت التعليقات التي قدمها ثلاثة محكمين، غير معلومي الاسماء بالنسبة لنا، والمحرر روبين لوجهرست، تعليقات حاسمة في إضفاء المزيد من الدقة على حجتنا، ونحن ندين لهم بالعرفان على تلك المقترحات.

Engin Isin and Ebru Ustundag. “Wills, Deeds, Acts: Women’s Civic Gift-Giving in Ottman Istanbul. In Gerder, Place and Culture, Vol. 15, No. 5. October 2008, 519-532.

Agmon, Iris,1998. Women, class, and gender: Muslim Jaffa and Haifa at the turn of the 20th century. International of Middle East 30, no. 4: 477-500.

Agmon, Iris. 2004. Women’s history and Ottoman Sharia Coury records: Shifting perspectives in social history. Hawwa 2: 172-209.

Akgu ndu z, Ahmeet. 1996. I slam Hukukunda ve Osmanli tatbikatinda vakif miiessesesi (The institution of Waqf in Islamic law and Ottoman practice) istanbul: Osmanli Aras tirmalari Merkezi.

Ates I brahim, 1982. Hayri ve sosyal hizmetler ac isindan vakiflar (the institution of Waqf from the perspective of Social services). Vakiflar Dergisi 15:55_88.

ـــــــــ, 1987. Kanuni Sultan Su leyman’in su vakfiesi (The water waqf of Suleiman the Lawgiver ). Ankara: Ku ltu r ve Turizm Bakanlig I Yayinlari.

Ayanog lu, Fazil. 1963. Vakif yapan Tu rk kadinlari (Turkish women as pious endowers). I’stanbul U niversitesi Hukuk Faku ltesi Mecmussi 29, nos, 1-2: 3-9

Baer, Gabriel. 1983. Women and waqf: An analysis of the Istanbul tahrir of 1546. Asian and African Studies 17: 9-27.

—–. 1997. the Waqf as a prop for the social system: Sixteenth-twentieth centuries. Islamic Law and Society 4, no. 3: 264-97.

Gender, Place and Culture 529

Barkan, O mer Lu tfi. 1942. Osmanli imparatorlug unda bir Iskan ve kolonizasyon metodu olarak vakiflar ve temllikler 1: Istila devirlerinin kolonizator Tu rk dervis leri ve zaviyeler (Awqaf and trust as methods of Colonization and settlement in Ottoman empire). Vakiflar Dergisi 2:279-304. Barkan, O mer Lutfi, and Ekrem Hakki Ayverdi. 1970. I’stanbul vakiflari tshrir defteri: 953 (1546) tarihli (An analysis of the Istanbul awqaf registers (1546). Istanbul: Baha Matbassi.

Bates, U lku. 1978. Women as patrons of architecture in Turkey, In Women in the Muslim world, ed. L. Beck and N. Keddie. Cambridge, MA: Harvard University Press.

——. 1993. The architectural patronage of Ottoman women. Asian Art 2:51-65.

Berki, Ali himmet. 1946. Vakiflar (awqaf). Istanbul: Aydinlik Basimeve,

Can, Sevim. 1999. Osmanli devletinde vakif kuran kadinlar (Women as waqf founders in Ottoman state). Kadin ve Aile 108. Also available at

https://www.siyanet.gov.tr/turkish/DIHANET/ara99/kadin.htm.

C izakc a. Murat.1995. Cash waqfs of Bursa. 1555-1823. Journal of Economic and Social History of the Orient 38, no. 3: 313-54.

——. 2000. A history of philanthropic foundations: The Islamic world from the seventh century of the present. Istanbul: Bogazic I University Press.

Deguilhem, Randi. 2003. Gender blindless and societal influence in late Ottoman Samascus: Women as the creators and managers of endowments. Hawwa 1, no. 3:329-50.

Ergin, Osman. 1936. Turkiye’de s ehircilig in tarih-i inkis afi (Historical evolution of Turkish urbanism). Istanbul: Cumhuriyet Matbaasi.

——. 1944. Tu rk imar tarihinde vakiflar, belediyeler, patrikhaneler (Awqaf, municipalities and patriarchates in the history of turkish public facilities).

Istanbul: Turkiye Basimevi.

Establit, Colette, and Jean Paul Pascual. 2002. Women in Damascene families around 1700. Journal of the Economic and Social History of the Orient 45:301-19.

Faroqhi, Suraiya. 2000. Subjects of the sultan: Culture and daily life in the Ottoman empire, London: I. B. Tauris.

Fay. Mary Ann. 1997. Women and waqf: Toward a reconsideration of women’s place in the Mamluk household. International Journal of Middle east 29, no. 1:ss-51.

Gerber, Haim. 1980. Social and economic position of women in an Ottoman city, Bursa. 1600-1700. International Journal of Middle East 12, no. 3:231-44.

——-, 1983. The waqf institution in early Ottoman Edirne. Asian ans African Studies 17: 29-45

Gil, Moshe. 1998. The earliest waqf foundations. Journal of Near Eastern Studies 57: 124-40.

Goodwin, Godfrey. 1987. A history of Ottoman architectrue. New York: Thames and Hudson.

Gu ltekin, Gu lbin. 1994. Mihrisah Valide Sultan Ku lliyesi (Ku lliye of Mihris ah Valide Sultan). Istanbul Ansiklopedisi 5:459-61.

Hennigan. Peter C. 2004. The birth of a legal institution: The formation of the waqf in third-century

A. H. Hanafi ligal discourse. Keiden: Birll.

Hoexter, Miriam. 1988. Waqf studies in the twentieth century: the state of the art. Journal of the Economic and Social History of the Orient 41, no. 4: 474-94.

—–, 2002. The waqf and the public sphere. In the public sphere in Muslim societies. ed. M. Hoexter, S. N. Eisenstadt, and N. Levtzion, 119-38. Albany: State University of New York Press.

Humphrey, Stephen S. 1994. women as patrons of religious architecture in Ayyubid damascus. Muqarnas 11: 35-54.

Inlacik, Halil. 1973. the Ottoman empire: The classical agy, 1300-1600. Praeger History of Civilization. New York: Praeger Publishers.

Inalcik, hlil, at al., eds. 1994. An economic and social history of the Ottoman Empire, 1300-1914. Cambridge: Cambridge University Press.

Isin, Engin F. 2002b. Being political: Genealogies of citizenship Minneapolis: University of Minnesota Press.

—–, 2002b. Citizenship after orientalism. In Handbook of Citizenship Studies, es E. F. Isin an B.S. Turner, 117-28. London: Sage.

——, 2005. Citizenship after orientalism: Ottoman citizenship. In Citizenship in a globalizing world:

European question an Turkish experiences, ed. F, Keyman and A. I’c.vdugu, 31-51.

London: Routledge.

Isin, Engin F., and Alexandre Lefebvre. 2005. The gift of law: Greek euergetism and Ottoman waqf. European Journal of Social Theory 8, no. 1:5-23.

Keyman. Emin Fuat, and Ahmet Ic duygu, 2005. Citizenship in an Global world: Europian questions and Turkish experiences. London: Routledge, 530 E. Isin and E. U stu ndag

Ko pru lu, Fuad. 1938. vakif mu essesesi ve vakif vesikalarinin tarigi ehemmiyeti (The institution of waqf and the historical significance of waqf deeds). Vakiflar Umum Mu du rlu g u Nes riyati 1: 1-6.

—–, 1942. vakif mu essesesinin hukuki makiyeti ve tarugu tekamu lu ( The legal character and the historical evolution of the institution of waqf ). Vakiflar Dergisi 2: 1-35.

Kuban, Dog an. 1994. I’stanbul: Bir kent tarihi (Istanbul: A history of the city). Istanbul: Tarih Vakfi.

Kuran, Aptullah. 1984. U sku dau Atik Valide Ku lliyesinin Yerles me du zeni ve uapim tarihi U zerine (On the history of the construction and layout of Atik Valide Ku lliye in U sku dar). In Suut Kemal Yetkin’e Armag an. Ankara: hacettepe U niversitesi.

—–, 1996. A spatial study of three Ottoman capitals: Bursa, Edirne, Istanbul. Muqarnas 13: 114-31. Mahmood, Saba. 2005. Politics of piety: The Islamic revival and the feminist subject. Princeton, NJ: Princeton University Press.

Meriwether, Margaret. 1997. Women and waqf revisited: The case of Aleppo, 1770-1840.

In women in the Ottoman empire: Middle Eastern women in early modern era, ed. M. Zilfi. 128-152. London: Brill.

Zbek, Nadir. 2005. Philantrophic activity, Ottoman patriotism, and the Hamidian regime. International Journal of Middle East Studies 37, no. 1: 59-81.

zer, Filiz. 1987. The complexes built by Sinan. Journal of the Islamic Environmental Design Research Centre 1-2: 198-205.

zkoc ak. Selma Akyazice. 1999. The reasons for building: The cases of Ru stem Pas a and Yeni Valise

Mosques. In Essays in honour of Aptullah Kuran, ed. C. afesciog lu and L. Thys-s enocak, 265-76. Istanbul: Yapi Kredi Yayinlari.

Ztu rk, Nazif. 1995a. Flmalili M. Hamdi Yazir go zu yle vakiflar (Awqaf according to Elmalili m. Hamid Yazir). Ankara: Turkiye Diyanet Vakfi.

——, 1995b. Turk Yeniles me tarihi c erc evesinde vakif mu essesesi (The institution of waqf eithin the cintext of Turkish modernization). Ankara: Turkiye Diyanet Vakfi.

—–, 2003. Azinlik Vakiflari (Minority awqaf). Ankara: Altinku re.

Peri, Osed. 1992. Waqf and Ottoman welfare policy: The poor kitchen of Hasseki Sultan in eighteenthcentury Jerusalim. Journal of the Economic and Social History of the Orient 35: 167-86.

Pierce, Leslie p. 1993. The imperial harem: Women and sovereignty in the Ottoman empire. Oxford: Oxford University Press.

—–. 2000. Gender and sexual propriety in Ottoman royal women’s patronage. In Women, patronage, and self-representation in Islamic societies, ed. D. Fairchild Ruggles. Albany: State University of New York Press.

Powers, David S. 1999. The Islamic family endowment (waqf|). Vanderbilt Journal of Transnational Law 32: 1167-90.

Powers, David S. and Alisa-Rubin peled. 1989. Orientalism, colonialism, and legal history: The attack on Muslim family endowments in Algeria and India Comparative Studies in Society and History 31, no. 3: 535-71. Singer, Amy. 2000. A note on land and identity: Form ze amet to waqf. In New perspectives on property and land in the Middle East, ed. R. Owen and M. P. Bunton, 161-73. Cambridge, MA: Harvard University Press.

——. 2002. Constrcting Ottoman beneficence: An imperial soup kitchen in Jerusalim. SUNY series in Near Eastern Studies. Albany: State University of New York Press.

—-. 2005. Serving up charity: The Ottoman public kitchen. Journal of Interdisciplinary History 35, no. 3: 481-500.

Springborg, Patricia. 1987. The contractual state: Reflections on orientalism and despotism. History of Political Thought 8, no. 3: 395-433.

—–. 1992. Western republicanism and the Oriental prince. Cambridge: Polity Press.

Thys-senocak. Lucienne.2006. Ottoman women builders: The architestural patronage of Hadice Turhan Sultan. Women and gender in the early modern world. Burlington: VT, Ashgate.

——-. 1998. The Yeni Valide mosque complex at Emino nu. Muqarnas 15: 58-70.

Unan, Fadri. 2003. Kurulus undan Gu nu mu ze Fatih Ku llliyesi (Fatih kulliye from its origins to the present). Ankara: Turk Tarih Vakfi.

Van Leeuwen, Richard. 1999. Waqfs and urban structures: The case Ottoman Damascus. Studies in Islamic Law and Society vol. 11. Leiden: Brill.

Weber, Max. 1978 (1921). Economy and society: An outline of interpretive sociology, ed. G. Roth and C. Wittich. Trans. G. Roth and C. Wittich. 2 vols. Berkeley: University of California Press.

Yediylidiz, bahaeddin. 2003. Onsekizinci Yu zyilda Tu rkiye de Vakif Mu essesesi: Bir Sosyal Tarih Incelemesi (The institution of waqf in 18th century Turkey: A social history). Ankara: Tu rk Tarih Kurumu.

Yeg enog lu Meyda. 1998. Colonial fantasies: Towards a feminist reading of orientalism. Cultural Social Studies. Cambridge: Cambridge University Press.

Yerasimos, Stephane. 2005. Constantinople: Istanbul’s historical heritage. Paris: Ko nemann.

Yu ksel, Hasan. 1998. Osmanli sosyal ve ekonomik hayatinda vakiflarin rolu (1585-1683) (The role of awqaf in Ottoman social and economic life). Sivas: Dilek Matbaasi.

Ze eve, Dror. 1995. Women in the 17th-century Jerusalem: Western and indigenous perspectives. International Journal of Middle East Studies 27, no. 2: 157-73.

——. 1998. The use of Ottoman Sharia court records as a Source for Middle Eastern social history: A reappraisal. Islamic Law and Society 5, no. 1: 35-56.

اصدارات متعلقة

الحصاد - عامان على الخلع " دراسة تحليلية "
دليل تدريبي " العنف ضد النساء "
فتحي نجيب والحركة النسائية المصرية وحقوق الانسان
ممنوع على الستات
ماما تحت الأنقاض
تشويه مش طهارة
العمالة المنزلية : استغلال جنسي تحت نظام الكفالة
المرآة لم تحررني، بل زادتني بوعي وثقل تاريخي كأنثي