الحياة الخاصة تحت التهديد: أزمات مجتمعية ورسمية

تاريخ النشر:

2022

باحث/ة رئيسية:

رئيس المركز: حسین بهجت

مدخل وتمهيد

يعد الحق في الخصوصية حقًا أساسيًا لضمان الحريات الشخصية للأفراد في المجتمع، لحماية الأفراد من مختلف التدخلات التعسفية وغير المبررة في الحياة الشخصية. مع غياب الخصوصية يصبح التمتع بالحياة الخاصة في خطر. تواجه الحياة الخاصة عدة أشكال من التدخلات من المجتمع والدولة. وبالإضافة إلى ذلك، ازدادت التحديات التي تعيق حق المواطنين/ ات في الخصوصية مع التقدم التكنولوجي المستمر. كما تغيب سياسات وتشريعات مناسبة وشاملة لحماية الحياة الخاصة والحق في الخصوصية. بل هناك تشريعات تبيح التدخلات الرسمية في الحياة الخاصة. يجب على القانون والسياسات العامة حماية الحياة الخاصة من التدخلات المختلفة، وليس التدخل فيها.

التدخل في الحياة الخاصة له آثار شديدة الخطورة على الفرد والمجتمع. انتهاك الخصوصية والحياة في الخاصة قد يكون سببًا في إنهاء حياة البشر, إما عن طريق العنف من أطراف أخرى أو الانتحار. هذا ما حدث مؤخرًا في واقعة انتحار الفتاة التي تدعى بسنت، والتي انتحرت بسبب الضغوط التي عانت منها عقب تهديد وابتزاز أحد الشباب لها بنشر صور خاصة تم تزييفها. هذه الواقعة هي حالة واحدة تعبر عن المخاطر التي قد تتعرض لها الفنات المهمشة وبشكل خاص النساء بسبب انتهاك الخصوصية والحياة الخاصة. تلك الانتهاكات التي لها أشكال عديدة.

الحق في التمتع في الحياة الخاصة هو أحد حقوق الإنسان الأساسية. ينص الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في مادته الثانية عشر بأنه لا يجوز أن يتعرض الفرد لتدخلات تعسفية في حياته الخاصة ومن حق الفرد أن يحميه القانون من تلك التدخلات التعسفية. كما أكد العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية على هذا الحق في مادته السابعة عشر.

لقد نص الدستور المصري على أن للحياة الخاصة حرمة، وهي مصونة لا تمسكما نص أيضًا في نفس المادة بأن للمراسلات البريدية, والبرقية والالكترونية، والمحادثات الهاتفية, وغيرها من وسائل الاتصال حرمة, وسريتها مكفولة“. كما نص أيضًا بأن للمنازل حرمة والحياة الآمنة حق لكل إنسان، وعلى الدولة الالتزام بتوفير الأمن والطمأنينة للمواطنين ولكل إنسان مقيم في مصر.

المشكلة في القانون أنه لا يفرق بين الصور العادية والصور الجنسية التي تكون لها تأثير أكثر خطورة مجتمعيًا، كما أن القانون لا يشمل الطرق المختلفة غير المشروعة للتحصل على الصور غير الالتقاط, كسرقة الصور.

أحد أشكال الاعتداء على الحياة الشخصية للفتيات والسيدات هو ما يطلق عليه الانتقام الإباحي. تشير تلك العبارة إلى استخدام ونشر صور أو مواد جنسية بدون موافقة أصحابها وفي الأغلب تكون الضحايا من النساء. بعض الباحثين يرون بأن هذا المصطلح غير مضبوط بسبب اقتصاره على المواد التي تنشر بدون موافقة أصحابها بغرض الانتقام فقط، ولكنها قد يكون لها دوافع أخرى، كما أن هذا العنف يأخذ أشكالاً متعددة، لذلك اقتُرح تسمية هذه الظاهرة بالمواد الإباحية غير الرضائية (Franks, 2017; McGlynn & Racley,2017) .

انتشر هذا الوباء في العالم بأسره، والوضع في مصر ليس مختلفًا. فقد تعددت وقائع تسريب صور جنسية لفتيات بدون موافقتهن على شبكة الإنترنت. في إحدى الوقائع الشهيرة في العام 2020 ظهر حساب على تطبيق تليجرام يقوم بنشر صور فاضحة لفتيات من المنصورة (البرعي, 2020). كما يقول أحد مؤسسي مبادرة لمواجهة الابتزاز الإلكتروني بأنهم يتلقون 700 حالة يوميًا، ووصل إجمالي الحالات إلى 400 ألف حالة منذ إنشائها (سعد, 2021) في بعض الحالات قد يتطور هذا الأمر ويؤدي إلى انتحار الفتاة بسبب الضغط النفسي والخوف مثل ما حدث في الواقعة التي عرفت إعلاميًا بفتاة الهرم (سيف, 2021). تشير تلك الوقائع إلى وجود خطر يهدد الحياة الخاصة المصريين والفتيات والنساء بشكل خاص. لهذا الأمر عدة آثار سلبية خطيرة على الحالة النفسية والجسدية والاجتماعية للفتيات بشكل خاص بسبب وضعهن المهمش في الثقافة المحافظة. كما يؤدي هذا الأمر إلى نشر العنف في المجتمع ففي بعض الأحيان قد يؤدي تسريب تلك الصور إلى اعتداء أهل الفتاة عليها، وقد يؤدي إلى القتل تحت مبرر الشرف.

هناك قوانين تحمي الحياة الخاصة فى التشريعات المصرية ولكنها تحتوي على الكثير من المشكلات. على سبيل المثال تنص المادة 327 من قانون العقوبات بأن كل من هدد غيره كتابة بارتكاب جريمة ضد النفس أو المال معاقب عليها بالقتل أو السجن المؤبد أو المشدد أو بإفشاء أمور أو نسبة أمور مخدشة بالشرف وكان التهديد مصحوبًا بطلب أو بتكليف بأمر يعاقب بالسجن. ويعاقب بالحبس إذا لم يكن التهديد مصحوبًا بطلب أو بتكليف بأمر. وكل من هدد غيره شفهيًا بواسطة شخص آخر يمثل ما ذكر يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على سنتين أو بغرامة لا تزيد على خمسمائة جنيه سواء أكان التهديد مصحوبًا بتكليف بأمر أم لا. وكل تهديد سواء أكان بالكتابة أم شفهيًا بواسطة شخص آخر بارتكاب جريمة لا تبلغ الجسامة المتقدمة يعاقب عليه بالحبس مدة لا تزيد على ستة أشهر أو بغرامة لا تزيد على مائتي جنيه“. يعبر هذا القانون عن قصور في التعامل مع المشكلات التي تهدد الحياة الشخصية وبشكل خاص الأخطار الإلكترونية الجديدة. حيث إن الابتزاز والتهديد هو أحد أشكال المواد الإباحية غير الرضائية، ولكنه ليس الشكل الوحيد. ففي كثير من الأحيان يكون نشر هذه الصور الخاصة بدون ابتزاز أو تهديد.

وينص القانون المصري في المادة 309 من قانون العقوبات بأن يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على سنة كل من اعتدى على حرمة الحياة الخاصة للمواطن، وذلك بأن ارتكب أحد الأفعال الآتية في غير الأحوال المصرح بها قانونًا أو بغير رضاء المجني عليه : ( أ ) استرق السمع أو سجل أو نقل عن طريق جهاز من الأجهزة أيًا كان نوعه محادثات جرت في مكان خاص أو عن طريق التليفون. (ب) التقط أو نقل بجهاز من الأجهزة أيًا كان نوعه صورة شخص في مكان خاص“.

كما تنص المادة 309 مكرر ( أ ) على أن يعاقب بالحبس كل من أذاع أو سهل إذاعة أو استعمل ولو في غير علانية تسجيلاً أو مستندًا متحصلاً عليه بإحدى الطرق المبينة بالمادة السابقة أو كان بغير رضاء صاحب الشأن. ويعاقب بالسجن مدة لا تزيد على خمس سنوات كل من هدد بإفشاء أمر من الأمور التي تم التحصل عليها بإحدى الطرق المشار إليها لحمل شخص على القيام بعمل أو الامتناع عنه“. كما يوضح هذا التشريع أيضًا قصور في مواجهة التحديات العصرية التي تواجه الفتيات بشكل خاص فيما يتعلق بنشر المواد الإباحية غير الرضائية.. المشكلة في القانون أنه لا يفرق بين الصور العادية والصور الجنسية التي تكون لها تأثير أكثر خطورة مجتمعيًا، كما أن القانون لا يشمل الطرق المختلفة غير المشروعة للتحصل على الصور غير الالتقاط, كسرقة الصور (محمد, 2019). تلك القوانين لا تكفي لمواجهة ظاهرة المواد الجنسية غير الرضائية, فتلك التشريعات لا تواجه الظاهرة بشكل خاص, وتنص على تجريم الصور التي أخذت عن طريق التلصص والتجسس بشكل خاص وهذا لا يعبر عن نشر المواد الإباحية غير الرضائية التي قد يكون تم التحصل عليها رضائيًا أو عن طريق السرقة. كما أن العقوبات تعد هزيلة وغير كافية لمواجهة هذا الشكل من العنف الإلكتروني.

وضعت العديد من الدول قوانين خاصة لمكافحة هذه الظاهرة, وجرمتها بشكل واضح وصريح مثل أستراليا وكندا واليابان ونيوزيلندا, وفي الفلبين بعقوبة تصل إلى 7 سنوات، كما أن في عدد من الولايات في الولايات المتحدة أصبح هذا الأمر جناية.

تنص المادة 25 في قانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات رقم 175 لسنة 2018 بأنه يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن ستة أشهر, وبغرامة لا تقل عن خمسين ألف جنيه ولا تجاوز مائة ألف جنيه، أو بإحدى هاتين العقوبتين, كل من اعتدى على أى من المبادئ أو القيم الأسرية في المجتمع المصري، أو انتهك حرمة الحياة الخاصة أو أرسل بكثافة العديد من الرسائل الإليكترونية لشخص معين دون موافقته، أو منح بيانات إلى نظام أو موقع إلكتروني لترويج السلع أو الخدمات دون موافقته أو بالقيام بالنشر عن طريق الشبكة المعلوماتية أو بإحدى وسائل تقنية المعلومات, لمعلومات أو أخبار أو صور وما في حكمها, تنتهك خصوصية أى شخص دون رضاه، سواء كانت المعلومات المنشورة صحيحة أم غير صحيحة“. هذا القانون أيضًا لم يتطرق إلى خصوصية المواد الإباحية غير الرضائية والتي من المفترض أن يكون لها وضع خاص في القانون بسبب طبيعتها الجنسية وآثارها على الفرد والمجتمع بسبب الطبيعة الخاصة لتلك المواد.

كما استخدم القانون ألفاظًا غامضة لا علاقة لها بحماية الحياة الشخصية (سيناقش هذا الأمر لاحقًا). كما أن المادة 26 من نفس القانون تعاقب فقط معالجة معطيات شخصية للغير لربطها بمحتوى مناف للآداب العامة أو لإظهارها بطريقة من شأنها المساس باعتباره أو شرفهوهذا الأمر لا يعبر عن طبيعة المواد الإباحية غير الرضائية، والتي تكون غير معالجة أو معدلة في أغلب الحالات.

الكثير من الدول أدركت أن التشريعات القائمة لا تكفي لحماية الأفراد من هذا الخطر. لذلك وضعت العديد من الدول قوانين خاصة لمكافحة هذه الظاهرة، وجرمتها بشكل واضح وصريح مثل أستراليا وكندا واليابان ونيوزيلندا، وفي الفلبين بعقوبة تصل إلى 7 سنوات، كما أن في عدد من الولايات في الولايات المتحدة أصبح هذا الأمر جناية (Franks, 2014). لذلك يحتاج القانون المصري تشريعًا واضحًا يجرم المواد الإباحية غير الرضائية بعقوبات مشددة, وبدون إقحام ألفاظ غامضة قد تستخدم للاعتداء على الحريات الشخصية والممارسات الشخصية الرضائية المختلفة.

هذا الأمر هو جزء من مشكلة أكبر، تتمثل في غياب تشريعات وسياسات ملائمة للتحديات والتدخلات التي تواجه الحياة الخاصة وحق المواطنين والمواطنات في الخصوصية. بل على العكس, بعض التشريعات والممارسات الرسمية تتدخل في الحياة الخاصة بشكل غير مبرر.

تشير شهادات النساء اللائي يعشن بشكل مستقل بأنهن يخضعن لعدة أشكال من الوصاية الاجتماعية. يبدأ الأمر بالسمسار الذي يتدخل في الحياة الخاصة للفتيات ويسألهن عن حالتهن الاجتماعية وأسباب عيشهن وحدهن, وقد يتدخل صاحب العقار والجيران وقد يدخلون عنوة لتفتيش البيت إذا شكوا في وجود رجل، ويصل الأمر أيضًا إلى قيام حارس العمارة بالسؤال عن هوية الزوار وتقرير بقائهم أو عدم بقائهم في المنزل، بالإضافة إلى ذلك قد يتعرض الرجال لتلك التدخلات أيضًا (ذكي، 2021؛ الصواف، 2021؛ الحرة, 2021). تلك الانتهاكات للحياة الخاصة والحق في الخصوصية تتسبب في أذى جسدي ونفسي كبير وقد تتطور إلى القتل في بعض الأحيان.

ظهر هذا فى واقعة مقتل سيدة دار السلام. أشارت التحقيقات بأن صاحب العقار والجيران اقتحموا شقة إحدى السيدات بسبب وجود رجل غريب معها، فتم التعدي عليهما بالضرب المبرح وخلال محاولة الهروب منهم, سقطت من الشرفة ( عبد الحميد,, 2021) من ناحية أظهرت السلطات تعامل جيد مع تلك القصية فقد تم القبض على المتهمين وعرضهم على النيابة التي قررت حبسهم بشكل سريع وناجز. ولكن خبرا في جريدة الوطن نقل عن مصدر بالطب الشرعي أنه تم أخذ مسحة مهبلية بناء على قرارات النيابة لبيان وجود معاشرة جنسية من عدمه قبل الوفاة(فهمي, 2021). الأمر الإيجابي أن النيابة تحركت بشكل سريع للقبض على المتهمين وتحويلهم للمحاكمة، ولكن على الجانب الآخر، النيابة أيضًا أمرت بالحصول على مسحة مهبلية للسيدة المقتولة لتبيان إذا كانت مارست علاقة جنسية مع الرجل. فيبقى السؤال لماذا رأت النيابة أن هذا الأمر مهم بخصوص هذه القضية التي توضح مقتل سيدة بسبب الوصاية الاجتماعية عليها.

الحياة الخاصة فى مصر تواجه الكثير من التدخلات وبشكل خاص إذا كانت تلك الحياة الخاصة تتعلق بالنساء والفتيات. موخرًا خرجت سائحة أوكرانية في بلكونة منزل في التجمع الخامس بالمايوه. تم القبض على تلك السيدة، وتم إخلاء سبيلها لاحقًا لأنها لم تقصد ارتكاب الواقعة.

كيف سيؤثر هذا الأمر على مجريات القضية، وهل سيؤثر في الحكم؟ في حقيقة الأمر ممارسة السيدة للجنس من عدمه لا يجوز أن يصبح جزءًا في مثل هذه القضية ولا يجب أن يؤثر على الحكم بأي شكل من الأشكال. ولكن ذلك عكس هذا التدخل من سلطات التحقيق في الحياة الشخصية للسيدة المقتولة، الأمر الذي لا يجب أن يؤثر على الحكم بأي شكل من الأشكال. إن هذا التعامل مع تلك القضايا سيجعل الفتيات يتخوفن من الإبلاغ عن اعتداءات خوفًا من التشكيك في سلوكهن.

أظهر التحقيق في جريمة الفيرمونت تدخلات مشابهة في الحياة الشخصية. فبدلاً من حماية الشهود, تمت معاملتهم كمتهمين وإخضاعهن لكشوف شرجية وعذرية (مدى مصر, 2021؛ مصطفى, 2021). مرة أخرى تم التدخل في الحياة الخاصة من قبل جهات التحقيق للتحقق من حدثت أمور شخصية ليست لها أي علاقة بجريمة الاغتصاب الأصلية التي حدثت في الفيرمونت. كما تم تسريب مواد جنسية خاصة لهن ولم يتم محاسبة مسربي تلك المواد.

بالرغم من ذلك, هناك وقائع حدثت مؤخرًا حيث تعاملت الجهات الرسمية تجاهها بشكل إيجابي بخصوص حماية الحياة الخاصة. فقد تم الاعتداء وسرقة شاب في منطقة عين شمس بعد اقتحام الأهالي شقته بسبب وجود فتاه معه، حرر الشاب محضرًا وقامت قوات الأمن بالقبض على المتهمين وإبلاغ النيابة (دياب, 2021) قامت قوات الأمن في هذه الواقعة بحماية الشاب، كما قبضت على المعتدين.

الحياة الخاصة في مصر تواجه الكثير من التدخلات وبشكل خاص إذا كانت تلك الحياة الخاصة تتعلق بالنساء والفتيات. مؤخرًا خرجت سائحة أوكرانية في بلكونة منزل في التجمع الخامس بالمايوه. تم القبض على تلك السيدة، وتم إخلاء سبيلها لاحقًا لأنها لم تقصد ارتكاب الواقعة, كما قال مصدر أمنى بأنه تم القبض عليها لأنها ارتكبت جريمة نشر الفسق والفجور الذي يحاسب عليها القانون (دياب, 2021). أظهرت تلك الواقعة العديد من الأمور التي تهدد الفتيات يوميًا في مصر. السائحة عكس ما قيل في الإعلام لم تخرج عارية بل كانت ترتدي مايوه، كما أنها أيضًا كانت في مكان خاص في منزل مرتفع, ويوجد مسافات كبيرة بين البنايات. بالرغم من أنه تم تصويرها في مكان خاص وتم نشر هذا الفيديو على الإنترنت, تحركت السلطات للقبض على الفتاة بدلاً من القبض على الشخص الذي انتهك خصوصيتها وحياتها الخاصة. تم إخلاء سبيل تلك السيدة لأنها أجنبية وتجهل القوانين المصرية. ولكن تظهر تلك الواقعة التهديدات التي قد تواجه الحياة الشخصية للفتيات في مصر من المجتمع والجهات الرسمية, لو كانت تلك الفتاة مصرية لكان من الممكن أن تصبح معرضة للاتهام بتهمة نشر الفسق، رغم عدم قيامها بأي فعل مؤذي وهي لم تخرج للعلن عارية بالأساس.

مثل موقف المواد القانونية التي تتعلق بظاهرة المواد الإباحية غير الرضائية (الانتقام الإباحي), فإن القوانين التي تحمي الحياة الشخصية في مصر قاصرة بشكل كبير. تجرم المادة 309 من قانون العقوبات حالات التلصص والتجسس، ولكن التدخلات في الحياة الخاصة في مصر تأخذ أشكالاً عديدة غير التلصص والتجسس. القانون بالطبع يجرم استعمال القوة والعنف, ولكن تلك القوانين ليست كافية لحماية الخصوصية. في أغلب الأحيان, يتدخل صاحب العقار أو الجيران أو حارس العقار في الحياة الخاصة للأفراد وقد لا يؤدي إلى أي اعتداء ولكن السكان الذين يتعرضون لتلك المضايقات يضطرون إلى الرضوخ وبشكل خاص إذا كانوا فتيات بسبب الضغوط الاجتماعية. فلا يوجد تشريع مخصص في القانون المصري لمواجهة تلك الظاهرة وحماية الفتيات بشكل خاص من التدخلات المجتمعية غير المبررة.

هناك عدة قوانين في التشريعات المصرية تشكل خطر على الحياة الخاصة للمواطنين وحقهم في الخصوصية منها المادة 25 في قانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات رقم 175 لسنة 2018, بالرغم من أن ذلك القانون شرع لحماية الحياة الخاصة على شبكة الإنترنت، ولكن القانون لم يفعل هذا، وضع المشرع جملة فضفاضة وغير واضحة وهي اعتدى على أى من المبادئ أو القيم الأسرية في المجتمع المصري“. ذلك النص استخدم في الآونة الأخيرة لمحاكمة فتيات التيكتوك“. فبدلاً من حماية الخصوصية، قام هذا القانون باستحداث تهمة فضفاضة ولا توضح ما هي تلك القيم الأسرية التي تنتهك. كما أن تلك الجملة لا توضح ما هي علاقتها بالحياة الخاصة إن كان الغرض منها حماية خصوصية الأسرة فلماذا تم ذكر قيم ومبادئالتي ليس لها علاقة بحرمة الحياة الخاصة للأسرة. في حقيقة الأمر استخدمت السلطات ذلك النص للتدخل في الحريات الشخصية للمواطنين والفتيات بشكل خاص.

إن التدخل في الحياة الخاصة من قبل المجتمع والسلطة له عدة آثار ونتائج سلبية على الأفراد والمجتمع. فهو مدمر للحالة النفسية والسلامة الجسدية للأفراد, وانتهاك الحياة الخاصة بنشر ثقافة العنف في المجتمع, ويزيد من جرائم الاعتداءات والعنف المختلفة.

ولكن هذا الأمر ليس بالجديد فالقانون المصري يحتوي على عدة نصوص فضفاضة غير واضحة على خلاف نصوص القوانين الجنائية التي لابد أن تكون واضحة ومحكمة ولا تحتمل أكثر من معني. هذه التشريعات تمكن السلطات من التدخل في الحريات الشخصية للأفراد. تنص المادة 269 مكرر من قانون العقوبات: “يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن ثلاثة أشهر كل من وجد في طريق عام أو مكان مطروق يحرض المارة على الفسق بإشارات أو أقوال“. كما تنص المادة 278 على أن كل من فعل علانية فعلاً فاضحًا مخلاً بالحياء يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على سنة أو غرامة لا تتجاوز ثلاثمائة جنيه“. تلك القوانين لا توضح في مضمونها ما يعد إخلالاً بالحياء العام أو ما يصنف بالفسق، لذلك يترك الأمر لمنفذي القانون والهيئات القضائية لتحديد ما يعد فسقًاأو إخلالاً بالحياء العام“. ربما تكون الخصوصية غير متوقعة في الأماكن العامة، ولكن الحرية الشخصية والحياة الخاصة مازالت يجب أن تصان. هذه القوانين تعرض الحريات الشخصية في الأماكن العامة لخطر الاتهام. فإظهار العواطف أو التقبيل في الأماكن العامة يعد في كثير من الأحيان فعلاً فاضحًا أو تحريضًا على الفسق، بالرغم من عدم وجود عري أو فعل جنسي صريح قد يسبب أذى للمواطنين. يوجد في كثير من الدول مثل تلك القوانين لحماية الآداب العامة، ولكنها تكون مضبوطة بأفعال محددة وتكون لحماية المواطنين من المضايقات غير المرغوبة. القانون الألماني على سبيل المثال يجرم بالتحديد إظهار الأعضاء التناسلية أو القيام بفعل جنسي في الأماكن العامة (Federal Ministry of Justice, n. d). لذلك يجب التفريق في القانون بين الأفعال المؤذية للعامة والتي تعرضهم لمضايقات وتحرش مثل إظهار الأعضاء التناسلية وبين باقي الحريات الشخصية التي لا تتسبب بأذى.

كما أن إحدى مظاهر تدخل الدولة في الحياة الخاصة هي قوانين الزنا في المواد 273 و274 و275 و 276 و 277 من قانون العقوبات. يحتوي هذا القانون على عدة مشكلات وأولها هو التمييز بين عقوبة الرجل والمرأة. تعاقب المرأة المتزوجة بالحبس مدة لا تزيد عن عامين، أما الرجل المتزوج فيعاقب بمدة لا تزيد عن ستة أشهر. وثانيًا أن هذا الأمر يندرج تحت بند الحياة الخاصة، فلا يجوز للقانون التدخل في مثل هذه الأمور الخاصة ومعاقبتها، لأن الخيانة الزوجية تخص فقط أطراف هذه العلاقة وتندرج تحت مجال الحياة الخاصة، فلا يصح أن يتدخل القانون ويضع عقوبة الحبس. بالإضافة إلى ذلك، تنص المادة 237 من قانون العقوبات: “من فاجأ زوجته حال تلبسها بالزنا وقتلها في الحال هي ومن يزني بها يعاقب بالحبس بدلاً من العقوبات المقررة في المادتين 234, 236″. لا تظهر هذه المادة إصرار التشريعات المصرية على التدخل في الحياة الخاصة فقط، بل أيضًا يبرر القانون أيضًا قتل الزوجة من قبل زوجها في حالة تلبسها، مما يعد انتهاكًا واضحًا في الحق في الحياة والسلامة الجسدية للنساء.

إن التدخل في الحياة الخاصة من قبل المجتمع والسلطة له عدة آثار ونتائج سلبية على الأفراد والمجتمع. فهو مدمر للحالة النفسية والسلامة الجسدية للأفراد، وانتهاك الحياة الخاصة ينشر ثقافة العنف في المجتمع، ويزيد من جرائم الاعتداءات والعنف المختلفة، ويجعل الحياة الخاصة مباحة للتدخلات التعسفية من قبل الجميع. بجانب الآثار الاجتماعية، حماية الحياة الخاصة والحريات الشخصية أصبحت تمثل فائدة اقتصادية في العالم اليوم. تشير الدراسات إلى تأثر السياحة بالمسافة الثقافية (الفارق الثقافي) ومستوى الحريات الشخصية والمدنية في البلد المضيفة (Ng et al., 2007 Saha et al. 2016; Gholipour) لذلك، فإن تعزيز الحريات الشخصية والحق في الحياة الخاصة, يجعل البلاد أكثر جاذبية للسياح. لهذا وجود سياسات تحمي الحريات الشخصية وخصوصية الأفراد تصبح ضرورة لزيادة عدد السياح الدوليين، وجعل البلاد أكثر ألفة وجاذبية لهم. ربما يفسر هذا سياسات الإمارات في الآونة الأخيرة بخصوص هذا الشأن عندما قامت بإصلاحات تشريعية منها تخفيف عقوبة الإخلال بالآداب العامة من السجن إلى الغرامة, وإباحة المساكنة بين غير المتزوجين, وإلغاء القوانين التي تخفف عقوبة القتل تحت مسمى الشرف, واباحة شرب الخمور لمن يبلغون 21 عامًا.

 

هناك عدة عوامل مختلفة تهدد الحياة الخاصة في مصر. بعضها تقليدي ويتمثل في الوصاية الاجتماعية والرسمية التي تفرض على المواطنين وعلى النساء بشكل خاص. وبعضها حديث ظهر مع ظهور التحديات الرقمية الجديدة تكمن المشكلة في غياب سياسات وقوانين تحمي الحياة الخاصة في مصر، بل إن الممارسات والتشريعات الرسمية تبيع تدخل الدولة في الحياة الخاصة. لذلك يتطلب الأمر عدة إجراءات قانونية وتوعوية وثقافية مثل إصلاحات تشريعية لحماية الحياة الخاصة، وتغيير طريقة التعامل مع الكثير من القضايا، ونشر ثقافة احترام الخصوصية والحياة الخاصة في المجتمع. لذلك توصي الورقة بالآتي:

وضع سياسة متكاملة وواضحة لحماية الحياة الخاصة والخصوصية

مواجهة وباء المواد الإباحية غير الرضائية أو ما يعرف بالانتقام الإباحي عن طريق تشريع قانون مخصص لتجريم هذا الأمر ومعاقبته بعقوبات مشددة, على ألا يحتوي هذا التشريع على أي عبارات غامضة قد تستخدم لانتهاك الحياة الخاصة والممارسات والمواد الرضائية المختلفة.

استخدام وسائل التكنولوجية الحديثة لمكافحة وإغلاق القنوات والمواقع على شبكة الإنترنت التي تقوم بنشر المواد الإباحية غير الرضائية.

إلغاء جميع القوانين التي تحتوي على عبارات فضفاضة وغامضة مثل خدش الحياء العامو الفعل الفاضحونشر الفسقو الاعتداء على قيم الأسرة المصرية، واستبدال تلك القوانين بتشريعات واضحة ومحددة الألفاظ لحماية الموطنين/ ات من التصرفات التي تشكل مضايقات وتحرشا مثل إظهار الأعضاء التناسلية في الأماكن العامة. ليصبح هدف القانون هو حماية الأفراد والمجتمع من المضايقات الجنسية والتحرش، وليس التدخل في الحريات الشخصية.

التوقف عن استخدام ممارسات مثل المسحات المهبلية أو القيام بفحوص شرجية في مجربات التحقيق إلا في قضايا الاعتداء الجنسي إذا استدعى الأمر ذلك.

التوقف عن استخدام كشوف العذرية بشكل كامل حيث إنها ليس لها أي سند طبي ولا تعد حتى دليلاً على حدوث اعتداء جنسي من عدمه.

إلغاء جميع المواد التمييزية ضد المرأة في التشريعات، وإلغاء المواد التي تعاقب بالحبس على الخيانة الزوجية (الزنا) من قانون العقوبات بشكل كامل، ولكن يصبح من حق الطرف المتضرر طلب الطلاق إذا أراد/ ت، وإلغاء المادة 237 التي تخفف عقوبة الزوج الذي يقتل زوجته.

وضع تشريعات جديدة لتجريم التدخل في الحياة الخاصة للأفراد, لتتناسب مع الأشكال المتعددة التي قد يفرض المجتمع بها وصايته على الفئات المهمشة، والتي لا تندرج تحت القوانين الحالية.

تضمين المناهج التعليمية في مختلف المراحل الدراسية، مواد تثقيفية للتوعية بأهمية احترام الحياة الخاصة والخصوصية.

عمل حملات توعوية في الإعلام وعلى وسائل التواصل الاجتماعي بخصوص احترام الحريات الشخصية والحياة الخاصة والحق في الخصوصية.

تشجيع المواطنين وبشكل خاص النساء على الإبلاغ عند التعرض لانتهاكات أو تدخلات تعسفية في الحياة الخاصة.

Federal Ministry of Justice. (n. d). German criminal code

https://www.gesetze – im – internet, de renglisch stoc

Franks M. A. (2014) Drafting an effective “revenge porn” Iaw: A guide for legislators. https://doi.org/10.2139/ssrn.2468823

Franks M. A. (2017) Redefining revenge porn reform: a view from the front lines Florida Law Reviews 69 (5): 1251 – 1337. https://scholarship.law.ufl.edu/fr/vol69/2/ iss 5

Ghlipour H. F. Tajaddin R. Al-mulali, U. (2014). Does personal freedom influence. outbound tourism? Tourism Management 41, 19 – 25. https://doi.org/10.1016/ j. tourman.2013 .08 .010

McGlynn, C., & Rackley, E. (2017). Image – based sexual abuse. Oxford Journal of https://doi.org/10.1093/ojls/gaw033. 561 – Legal Studies, 37 (3). 534

Ng. S. I.. Lee J. A. Soutar, G. N. (2007). Tourists intention to visit a country. The impact of cultural distance. Tourism Management, 28 (6) 1497 – 1506. https://doi. org/10. 1016/ tourman. 2006. 11. 005

Sanu, S., Su, J. – J.. Campbell. N. (2016). Does political and Economic Freedom matter for inbound tourism? A cross – national panel data estimation. Journal of Travel 0047287515627028/ Research, 56 (2), 221 – 234. https://doi.org/10.1177

البرعي, هيثم (2020). القصة الكاملة لـ حوار التليجرام“.. والصور الفاضحة لمراهقات المنصورة. الوطن.

https://www.elwatannews.com/news/details/4828289

الحرة. (2021). بعد حادثة دار السلام.. معاناة المصريات المستقلات مع المجتمع والجيران و البوابالحرة.

https://www.alhurra.com/egypt/2021/15/ 03

حادثة دار السلام معاناة – المصريات المستقلات مع المجتمع والجيران والبواب

الصواف، مروة. (2021). عن مقتل فتاة دار السلام المصرية: وراء الشباك ألف عين وبواب“. درج.

/https://daraj.com/68120

دياب, باسم. (2021). إخلاء سبيل المتهمة بخلع ملابسها داخل بلكونة بالتجمع. أخبار اليوم

https://m.akhbarelyom.com/news/newdetails/ 3599575/1

إخلاء سبيل المتهمة بخلع ملابسها داخل بلكونة بالتجمع

دياب, باسم. (2021). الاعتداء على شاب بسبب علاقة غير شرعية مع فتاة بعين شمس. أخبار اليوم.

https://m.akhbarelyom.com/news/newdetails/360798/1

الاعتداء على – شاب بسبب علاقة غير شرعية مع فتاة C2% A0% بعين شمس

ذكي، نهاد. (2021)، ولاية جماعية على النساء: أنت وحياتك لمالك البيت والبواب والجيران. المنصة.

https://almanassa.com/ar/story/15982

سعد, ياسين. (2021). مؤسس صفحة قاوم لـ الشروق“: نستقبل 700 حالة ابتزاز يوميًا.. وهذه صفات المبتزين. الشروق.

https://www.shorouknews. com/ news/ view. 4d10-a562 – fb73c34b4829 – aspx? Cdate= 01122021 & id= 9e551052 – fd04

سيف، محمد. (2021). التحفظ على هاتف فتاة الهرمبعد اتهام لاعب كرة بابتزازها. الوطن.

https://www.elwatannews.com/news/details/5745514

عبد الحميد, أشرف. (2021) مأساة شابة مصرية .. اقتحموا شقتها بحجة اختلائها بصديق فانتحرت. العربية.

https://www.alarabiya.net/arab – and -world/ egypt/ 2021/13/03

مأساة طبيبة – مصرية اقتحموا – شقتها – بحجة – اختلائها – بصديقها فانتحرت

فهمي، خالد .(2021) مصدر بـ الطب الشرعي“: جثة سيدة السلاموصلت المشرحة مرتدية تيرنجالوطن.

https://www.elwatannews.com/news/details/5376764

مدى مصر. (2021). كيف تحول شهود اغتصاب فيرمونتإلى متهمين ولماذا أغلقت القضية؟. مدى مصر.

feature /22 /08/ https://www.madamasr.com / ar/ 2021

سياسة/ كيف تحول – شهود – اغتصاب فيرمونت إلى – متهمين/

مصطفى، بسمة. (2021) . قضية فيرمونت: كشوف عذرية وفحوص شرجية لـ الشهود“. المنصة.

https://almanassa.com/ar/story/14935

محمد, حسام محمد السيد. (2019). المواجهة الجنائية لظاهرة الثأر الإباحي “REVENGE PORN” دراسة مقارنة بين النظامين الأنجلوامري واللاتيني الجزء الثاني“. مجلة الدراسات القانونية والاقتصادية,

doi: 10.21608/ jdl. 2019. 132787. 177 – 1, (2) 5

محمود، رامي.(2022). رقصوا في رحلة للمعلمين.. إحالة معلمة مثالية و4 آخرين للنيابة الإدارية بالدقهلية. مصراوي.

https://www.masrawy.com/news/news_regions/details/2022/ 2152311/3/1

رقصوا في رحلة للمعلمين إحالة معلمة – مثالية – و – 4 آخرين – للنيابة الإدارية

شارك:

اصدارات متعلقة

أسئلة وأجوبة بشأن الوقاية من كوفيد 19 ومكافحتها للعاملين /ات في مجال الرعاية الصحية
الحصاد - عامان على الخلع " دراسة تحليلية "
دليل تدريبي " العنف ضد النساء "
فتحي نجيب والحركة النسائية المصرية وحقوق الانسان
ممنوع على الستات
ماما تحت الأنقاض
تشويه مش طهارة
العمالة المنزلية : استغلال جنسي تحت نظام الكفالة
المرآة لم تحررني، بل زادتني بوعي وثقل تاريخي كأنثي