بيان المرأة الفلسطينية في يوم المرأة العالمي
جری، في الأراضي الفلسطينية المحتلة، توزيعَ البيان التالي، بمناسبة يوم المرأة العالمي، تحت عنوان: “لنجعل الثامن من آذار أسودًا على الاحتلال“.
إلى جماهير نسائنا البطلة، إلى أمهاتِ الشهداءِ والمعتقلين والمصابين وزوجاتهم وأخواتهم وبناتهم.
إلى كلِّ نساء شعبنا في كل مخيمات وقرى ومدن فلسطين الموحدين في نضالهم في مواجهة سياسة القمع والإرهاب والاعتقالات الجماعية والتجويع والتجهيل.
إلى كل أخواتنا في دخان المعركة، حيث إحترقت كل النظريات المعادية للمرأة.
يا جماهير نسائنا العظيمة:
نحييكن، نشد على أياديكن في عيدكنَّ، يومُ المرأة العالمي، والذي يصادفُ هذا العام وشعبنا يخوضُ ويُصعد من انتفاضته أجمع وبصموده البطولي، إن استمرارَ الاحتلال مستحيل، وإنه لا حلَّ إلا بتحقيق أهداف شعبنا الوطنية في العودة وتقرير المصير وإقامة دولتنا الفلسطينية المستقلة بقيادة “م. ت. ف” الممثلُ الشرعي والوحيد لشعبنا في كافة أماكن تواجده. فكلُّ التحية لدور المرأة الفلسطينية في انتفاضة شعبنا المجيدة، متقدمةً الصفوف معلنةً جاهزيتها النضالية مع جماهير شعبنا، متحديةً غطرسة أعدائنا الذين لا يتورعون عن قتل الأطفال في مضاجعهم بالغازات السامة، ودفن أبنائنا أحياءً.
إليكن يا من حولتن مآتم الشهداء إلى أعراس جماهيرية لشعبنا، يا من حملتن جثث فلذات أكبادكنَّ على رؤوسكن، لتخلصنها من تلويث الأيدى الفاشية الملطخة بدماء أبناء شعبنا، نتقدمُ بالتحية إليكن، وإلى جميع الحركات النسائية العالمية التي أعلنت استنكارها للعدوان الفاشي الذي يشنه الصهاينة النازيون ضد أبناء شعبنا وحقوقه المشروعة, وناضلنَ وعملنَ من أجل التضامن مع قضية شعبنا وحقوقه المشروعة.
لقد كان لدور المرأة الفلسطينية في الانتفاضة أهمية وطنية عامة وعارمة، وعلى شرف الثامن من آذار نتوجهُ إلى قطاعاتنا النسائية لجعل هذه المناسبة منطلقًا وطنيًا ينضح بالنشاط الداعم والدافع بالانتفاضة للأمام، فلتشارك مناضلاتنا في اللجان الشعبية في الأحياء والمدن والقرى والمخيمات بشكل متزايد، وترسم برامجها في تصعيد الانتفاضة، ودعم أهلنا المتضررين. ولنرسل الوفودَ لجمع التبرعات وفضح إجراءات الاحتلال، ولتنخرط عاملاتنا في النقابات العمالية لمزيد من تنظيم وتأطير صفوفهنَّ خطوة مع العمال نحو تحقيق الانتصار.
يا جماهير نسائنا العاملات، لتعملن على رصِّ صفوفكن إلى جانب إخوانكن العمال بمقاطعة الهمل أيام الإضراب العام. فأنتن أكثرُ من يعاني من سياسة التمييز العنصري والتعسفَ المتواصل. فدوركن هو جزءٌ من دور الطبقة العاملة الفلسطينية، التي بفضل وحدتها أوقعت سلطات الاحتلال في الإرباك وزادت من خسائره اليومية.
يا معلماتنا الباسلات، ستكون الأيام القادمة أيامًا حاسمة بالنسبة لمستقبل أبنائنا الطلبة، فقد عملت سلطات الاحتلال على إغلاق مؤسساتنا التعليمية في كافة أرجاء وطننا المحتل، ولذا علينا أن نعمل معًا، وأن نوحد صفوفنا، وأن نتجاوب مع نداء قيادتنا الوطنية الموحدة للانتفاضة، وأن نواجه جميعًا سياسة التجهيل وإغلاق المؤسسات التعليمية.
أيتها الأمهات في المخيمات والقرى والمدن، ليستمر عطائكن في جوانبه المختلفة لمواجهة جنود الاحتلال ومستوطنيه .
ولتعتبر كل منكن أن كل من يُعتقل ويُجرح ويُصاب هو بمثابة ابن لها، ولتعمل على نجدته. وقد ضربتن أمثلةً رائعةً في هذا المجال، فليستمر عطاؤكن وتضحياتكن، فبهذا وحده نعمل على كسر سياسة القبضة الحديدية.
باسم الانتفاضة المجيدة ندعوكم جميعًا إلى تطوير مفهوم الاقتصاد البيتي عبر تصنيع كافة المواد الغذائية والملابس محليًا كحلقة هامة على طريق مقاطعة منتوجات الاحتلال لكسر عموده الفقري، وذلك من خلال العودة للأرض مصدر الخير والسعادة. يا نساءَ شعبنا الباسلات، ليكن يومكنَّ يوم الثامن من آذار تعبيرًا عن مشاركتكن، ودوركنَّ من خلال المشاركة الحاشدة في المسيرات النسوية الجماهيرية الصامتة في كل مدن وقرى ومخيمات وطننا، لنعلن للملأ أجمع أننا مع كافة أبناء شعبنا ضد سياسة الاحتلال، ومن أجل تحقیق حقوق شعبنا الوطنية المشروعة، مؤكدينَ على ضرورة عقد مؤتمر دولي للسلام کامل الصلاحيات، وبحضور كافة الأطراف.
وهنا، ومن على ثرى الوطن المغتصب، السليب، نرفعُ صوتنا مدويًا: لا للاحتلال، ولا لجميع الحلول الاستسلامية التي تتجاهلُ حقوق شعبنا الثابتة والعادلة. ولنرفع علم فلسطين ليعانق شمس الحرية وسماء الأوطان. لتؤذن المآذن، لتدق أجراسُ الكنائس مبددةً بصوتها هذا الصمت العربي.
مزيدًا من الانخراط في المسيرات والاعتصامات والمظاهرات العارمة. ولنعمل معًا على دحر الاحتلال، وإقامة دولتنا الفلسطينية. مزيدًا من الاعتماد على الاقتصاد المنزلي والوطني.
والمجدُ والخلودُ لشهدائنا الأبرار.
المرأة الفلسطينية في الأراضي المحتلة 8/ 3/ 1988
في بداية عددنا الثالث، نؤكدُ أن لكم علينا حق الاعتذار، فالعددُ الثاني من مجلتنا (المرأة الجديدة) قد صدر منذ عامين تقريبًا، وهي فترةٌ لم يكن طولها محل اختيارنا، وإنما هي نتيجة لكثير من الظروف وإن لم تخل من استنزاف الكثير منها، بالذات في الفترة الأخيرة، في جمع مادة لهذا العدد، وقد يجد البعض ردًا على الملاحظات التي وصلتنا بشأن العددين الأول والثاني.
وقد نوفيكم بعضاً من ديننا لكم في الاعتذار برصد سريع لما وقع في هذين العامين من الأحداث، وانعكاس ذلك على أفكارنا بشأن موضوع العمل النسائي.
نذكركم أننا قد افتتحنا العدد الثاني من “المرأة الجديدة” بدعوة كافة الفصائل الوطنية الديمقراطية من النساء للعمل والتنسيق معًا، من أجل صياغة برنامج للحركة النسائية المصرية. وكان أملنا وقتئذ أن ننتهز فرصةَ الاحتفال بيوم المرأة العالمي في 8 مارس ١٩٨٧م.. لنعلنَ هذا البرنامج كخطوة أولى بسبيل الدعوة إلى العمل من أجل تشكيل اتحاد نسائی مصری.
وقد كنا – ولا زلنا – نرى أن نجاح عمل ضخم كهذا يستدعى توفرَ بعضَ الشروط في القائمات به.
1 – القناعةُ التامة بأن النضال النسائي يتضمنُ بالإضافة إلى النضال العام، نضالاً نسائيًا نوعياً من أجل القضايا النوعية الخاصة بالنساء، فلا هو نضالُ القضايا النسوية فقط متجاهلاً ارتباطها بقضايا المجتمع، كما أنه ليس نضالاً سياسيًا عامًا تقومُ به النساء وسط النساء. وأن النضالين يتوازيان في الأهمية، ولا يصح تقديمُ أحدهما على الآخر، إذ أن التركيز على واحد منهما دون الآخر إنما يعنى انتفاصًا لحرية المرأة؛ إذ هو في الحالة الأولى ينكرُ تحررها كمواطنة، وفي الثانية ينكر تحررها كامرأة.
۲ – الاقتناعُ باستقلالية هذا العمل النسائي، بحيثُ تشتركُ فيه النساءُ من أوسع القطاعات بشكل فردي، وذلك بغض النظر عن انتماء أي منهن إلى جماعة بعينها أو حزب بعينه، ويبقى المحددُ للانتماء مدى الإلتزام بالبرنامج النسائي الوطني الديمقراطي.
3 – بما أن الخطوط العريضة لهذا البرنامج الديمقراطي تتضمنُ بعض النقاط الجوهرية التي لا يمكنُ وضعها محل نقاش، مثل الموقف مع العدو الصهيوني، والموقف من الديمقراطية والإيمان بالمساواة الكاملة للمرأة مع الرجل، دون أي تنازل في مواجهة المدِّ الرجعي الذي كان لقضية المرأة نصيبُ الأسد من هجومه، فإنَّ عمليةَ التنسيق هذه لا يمكنُ أن تضم بالتالي أي نساء لهن منذ البداية موقفٌ متحفظٌ من هذه النقاط الجوهرية، ناهيكَ عن موقف معارض.
وبغض النظر عن تفاصيل يوم 8 مارس ١٩٨٧م.. وبغض النظر عن الشكل الذي آل إليه الاحتفال، فإن جلسات التنسيق قد استمرت تنعقد بالفعل على مدى ما يربو عن الستة أشهر، باستضافة من الاتحاد النسائي التقدمي في مقر حزب التجمع الرئيسي، وقد تضمنت (لجنةُ التنسيق) كما اتفق على تسميتها، تضمنت عضوات من الاتحاد النسائي التقدمي، ناصريات، عضوات من لجنة الدفاع عن حقوق المرأة والأسرة، وبعضًا من محررات هذه المجلة. وفي سياق عملية التنسيق هذه تم الاتفاق على بعض النقاط وفشلنا في الاتفاق على البعض، لنجدنا اليوم في افتتاحية عددنا الثالث في حاجة إلى تقييم المرحلة السابقة هذه لنرى ما إذا كنا أنجزنا شيئًا مما كنا نهدفُ إليه، وأسباب الفشل فيما لم ننجزه.
وقبل أن نستطردَ في التحليل يجدرُ بنا أيضًا أن نذكرَ أن هذه الفترة قد شهدت في الشهور الأخيرة محاولةً أخرى للتنسيق استدعتها الانتفاضةُ الباسلة للشعب الفلسطيني البطل على أرضه المحتلة، حيثُ شكلت هذه المجموعات بالإضافة إلى عدد من المستقلات “اللجنة القومية النسائية لمناهضة العدو الصهيوني ومساندة الشعب الفلسطيني “لم يتجاوز نشاطها إصدارُ بيان تضامني مع الانتفاضة لم نفلح في طباعته .. فلماذا؟
لاشك أن محاولات التنسيق هذه قد ساهمت في تحديد القوى، وتعريف بعضها بالبعض الآخر، وتمييز الاختلافات والاتفاقات، بالإضافة إلى تحديد النقاط التي لا خلاف عليها ، كما ساهمت بالتأكيد .. أو على الأقل بالنسبة لمجموعتنا، في أن تحسم مواقف من قضايا بعينها، وليس هذا بالإنجاز القليل، فالتعرفُ على الآخرين وبلورةُ النفس من خلال الجدال والاتفاق والاختلاف مع آراء أخرى، هما خطوتان ضروريتان لأى مجموعة تدعى لنفسها دورًا طليعيًا وسط الجمهور –أيَّ جمهور– ولكننا لسنا نبخسُ هذه المرحلة حقها إذا قلنا أن هذا هو تقريبًا الحد الأقصى لما أنجزته.
إن محاولةَ وضع برنامج نسائي مشترك ينظم الحركة النسائية المصرية، هو مهمة تشترطُ أول ما تشترط الاستعدادَ للعمل المشترك الخالي من التعامل بشك مع الأطراف الأخرى، والذي يفترضُ الرغبةَ الحقيقية عند كافة الأطراف في الوصول إلى هدف مشترك، كما يفترضُ قناعةً عميقةً بأهمية التنسيق معًا والعمل معًا بشكل عام، وبشكل خاص في الفترة الحالية التي يتعاظمُ فيها المد الرجعي… وتلوحُ في الأفق مخالب العدو الفاشي نهمةً للنيل من كل مكاسب حالية أو مستقبلية، حصلت أو قد تحصلُ عليها المرأة المصرية.. إن هذه القناعةُ هي الأساسُ لعملية التنسيق هذه… إذ أن هدفَ هذه العملية يتجاوز في الحقيقة عمليات الحشد من أجل مؤتمر كذا أو مهرجان كيت.. أو أي مناسبة كانت وكان منطقها (شكلنا أفضل لو كنا أكثر عددًا) حتى ولو لم ترتكز هذه الأعدادُ على خلفية مشتركة، ناهيكَ عن أرضية جماهيرية تمثلُ الأعدادُ طليعتها .. وهذه الروحُ نستطيعُ أن نجزم بغيابها في كثير من الأحوال، فبرغم تواتر الجلسات والنقاشات..الخ، إلا أن روح الحلقية والشللية وغياب الروح الكفاحية التي هي آفاتُ كل عمل مشترك، كانت سائدةً في أغلب الأوقات، وتراوح التعبيرُ عن ذلك بين تركز النقاشات حول نقاط خلافية تفتقدُ لكل حيوية، وصغرى (باستثناء مغزى إضفاء طابع سياسي بعينه دون الآخر)، وبين التعالي على التنسيق برمته بدعوى عدم الرغبة في التعامل مع طرف أو آخر، والاكتفاء بالمتابعة عن بعد، أو إبداء التعاطف مع طرف دون آخر .. وإذا كانت هناك فروقٌ في درجات خطورة كل من الموقفين، إلا أنهما في النهاية يعكسان نفسَ التقدير القاصر لخطورة وإلحاحية وضع المرأة الراهن، وحاجتها إلى لَمِّ الشمل والضرب معًا في مواجهة العدو المشترك.
كذلك لم تقتصر مشكلاتُ المجموعات المنسقة على النقاط السابقة، وإنما كان السببُ الرئيسي في سطحية عملية التنسيق هذه افتقارُ كافة القوى المنسقة لأى خلفية أو تراكم حي من العمل وسط النساء، سواءً في الأحياء أو مواقع العمل.. إلخ . كان هناك افتقادٌ لأي ثقل نسائي جماهيري تستندُ إليه المجموعات في نقاشها .. كانت تلك النقاشات تتوقفُ دائمًا عند عتبة التطبيق أو الاختبار العملي لها .. لقد كانت المراكمة الجماهيرية لأي من المجموعات كفيلةً بأن تتجاوز حتى الروح الحلقية التي كانت سائدةً بأن تحسم خلافات نظرية بدلائل من الواقع.. ولكن غياب مثل هذه الحركة، جعل الخلافات تتم من خلال النقاش – والنقاش فقط – بين ممثلين لكافة المجموعات المتحاورة، وكان هؤلاء مستندين في نقاشاتهم إلى الحجج النظرية أو إلى حسابات التوازن بين القوى.. إلخ .
ولغياب ثقل جماهيري يحسمُ أيًا من هذه الخلافات.. كان الأمر يبدو وكأن الهيمنة لمن يمتلك مزايا أكثر، كالمقر الذي نجتمعُ فيه، أو آليات طباعة أوراقنا .. أو حتى الشكل التنظيمي المتبلور.. ذلك بالإضافة إلى أن الطابع الفوقي الحلقى المنعزل التنسيق والنقاش انعكس غالبًا على موضوعات النقاش التي كانت في كثير من الأحيان فوقية وحلقية ومنعزلة.. بحيثُ كان غيابُ النقاط الحيوية، والقضايا الحيوية التي هي محورُ هموم أي عمل نسائي ديموقراطي.. كان غيابُ هذه النقاط هو في الوقت نفسه نتيجةً وسببًا لإفشال عملية التنسيق بالشكل الفوقي الذي تمت به .. فالنقاطُ الحيويةُ تنبثق من عمل حيوى، وعمومًا فإن أي برنامج يفقد مصداقيته أو جدوى صياغته أصلاً إذا لم يُصغ على أرض من الواقع ليُطبق على ذات الأرض من أجل تغييرها إلى ما نبتغي أن تكون عليه، ولن ننجز ذلك أبدًا .. سوى بالتوجه القصدى المنظم إلى جماهيرنا من النساء لنعمل معهن وبينهن، ونحشد معًا جيشًا منظمًا سقفه اتحادُنا النسائي الوطني الديمقراطي على طريق تحرر المرأة المصرية، والتي قُدر لها أن تحارب معركتي تحرر. تحررها كامرأة، وتحررها كمواطن.