النساء والعنف الجنسي
رقم الايداع:
2003/12138
رقم العدد:
19
تاريخ النشر:
2019
رئاسة التحرير:
هيئة تحرير:
تصميم:
سكرتارية التحرير:
افتتاحية
يتناول هذا العدد موضوعًا يعد، رغم قدمه وكثرة تناوله، هو موضوع” النساء والعنف الجنسي“. ورغم أن تناول موضوع قديم مثل هذا هو عادة مدعاة للأسف لأنه يدل على عدم حدوث تقدم يذكر، إلا أنه يحدونا الأمل هذه المرة، في ظل حملات عالمية قوية وتحركات ناشطية مؤثرة، وفي ظل تصميم من النساء حول العالم على فضح ما يتعرضن له من عنف جنسي في أماكن العمل، وفي المواصلات العامة، وفي الشارع، وفي المنزل، أن يحدث تغيير معتبر تشعر به النساء والمجتمع ككل. ويأتي هذا العدد من“طيبة” كجزءٍ من هذه الحملة، فيضع بين يدي قراء العربية بعض الأبحاث النظرية والتطبيقية التي من شأنها تطوير رؤية مكتملة لموضوع العدد وإن تكن – بطبيعة الحال – قاصرة عن الإلمام بكل تفاصيله و جوانبه.
في دراسة بعنوان:”تأقلم الإناث البالغات من ضحايا العنف المنزلي” تقدم الباحثتان عرضًا لنتائج دراسة ميدانية حول آليات التأقلم لدى النساء المعنفات والأسباب التي تدعوهن لاستخدام تلك الآليات أو الإحجام عن ذلك. كما تؤكد الدراسة أهمية الدعم الذي يقدم لهؤلاء النساء من قبل المجتمع المحيط بهن في الأسرة وبين الأصدقاء وزملاء العمل، بالإضافة إلى الدعم المؤسسي المتمثل في مؤسستي القضاء والشرطة ومؤسسات المجتمع المدني في مساعدة هؤلاء النساء على التعامل الإيجابي مع العنف الذي يفرض عليهن التعامل معه، بل والأثر السلبي الكبير لغياب هذا الدعم على قدرتهن على التأقلم والتغلب على آثار العنف المنزلي الذي تعرضن له.
أما دراسة“آثار التحرش الجنسي الاقتصادية والمهنية على المرأة العاملة” فتعرض لجانب آخر أساسي للعنف الجنسي على حيوات النساء وهو المتصل بالحياة المهنية للمرأة العاملة، بما تتضمنه من توفير الاحتياجات الأساسية والأمان المادي للنساء وأسرهن، بالإضافة إلى تمكينهن اقتصاديًا وتوفير التحقق المهني الذي ينشده الجميع، رجالاً ونساءًا. وتأتي مصداقية الدراسة من اعتمادها على عدد ضخم من دراسات الحالة التي توفر تفاصيل قد لا تطرأ على الذهن عند التفكير في آثار التحرش الجنسي على النساء. فكثيرًا ما يتجه التفكير في التحرش الجنسي بالنساء في أماكن العمل إلى الأثر النفسي والمعنوي، ولكن هذا البحث يلفت إلى أن للتحرش الجنسي أثرًا ماديًا ومهنيًا، يؤدي بدوره إلى أثار نفسية نظرًا لعدم التحقق المهني والحاجة المادية، مما قد يؤدي إلى أثر نفسي سلبي مضاعف.
وفى نفس الإطار يأتي مقال مترجم بعنوان:”النساء، والعمل، والعنف واللحظة اليبرالية الجديدة” وهو يعرض لثلاثة كتب يجمعها انتقاد أثر سياسات الليبرالية الجديدة (تترجم أحيانًا بـ“النيوليبرالية“) والعولمة على ظروف العاملات في بعض البلدان الفقيرة، خاصة في آسيا، مثل الهند وبنجلاديش، وأثر العنف المنزلي على أحوال هؤلاء النساء الفقيرات اللاتي يعملن في معظم الأحوال من داخل منازلهن، بما يترتب على ذلك من صعوبة التنظيم والانخراط في مؤسسات حماية تحفظ حقوقهن، كاتحادات العمال والنقابات، وغيرها. كما تجعل من العنف المنزلي الذي يتعرضن له عنفًا في مكان العمل أيضًا، وهو وضع لا يُنظر إليه كثيرًا عند النظر إلى العنف في أماكن العمل.
ويأتي مقال (يسري مصطفى) بعنوان:”سجين الحكاية” ليحاول الإجابة عن سؤال:”لماذا العنف الجنسي ضد النساء؟“، فيحاول المقال تقديم طرح نظري للإجابة عن السؤال في الوقت الحالي، وفي ظل رفض كبير لتلك الممارسة في أوساط عديدة في الوطن العربي. يضع“يسري مصطفى” العنف الجنسي ضد النساء في إطار حديث يتعامل مع تلك الممارسة من منطلق أنها تعبير عن شعور الرجال – في الوطن العربي، بصفة خاصة– بالضعف وتهديد المكانة؛ مما يدفعهم إلى إثبات قدرتهم على الفعل عن طريق ممارسة العنف، بصفة عامة، والعنف الجنسي، بصفة خاصة.
أما (هالة كمال) فتركز في مقالها على التحرش الجنسي في مصر في الأعوام القليلة الماضية من خلال عدة أحداث نالت قدرًا كبيرًا من اهتمام الرأي العام سواء في وسائل الإعلام الرسمية، أو في وسائل التواصل الاجتماعي، أو في مجتمعات النشطاء/ ات، و كانت لها أصداء جديرة بالمناقشة والتحليل، في مقال رصين تحاول فيه الكاتبة مناقشة تلك الأحداث بموضوعية الباحثة المدققة، وفي إطار قراءات لأحداث أخرى عالمية من شأنها إلقاء الضوء على تلك الأحداث المحلية.
أما مقال:”أنت، وهن، ونحن الفاعلات، ونحن المفعول بهن، أيضًا؟” فهو يتناول واحدة من أهم حملات المقاومة للعنف الجنسي ضد النساء والمسماة بحملة“أنا أيضًا” أو“Me Too” والتي انضمت إليها كثيرات من النساء المشهورات والمتحققات مهنيا اللاتي قررن التمرد على صمتهن طوال أعوام طويلة. وتأتي أهمية الحملة في استغلالها لقنوات التواصل الاجتماعي على الإنترنت، وبالتالي انتشارها على نطاق واسع جدا حول العالم، كما يوضح المقال.
وفي إطار المقاومة أيضًا، تأتي دراسة مهمة للباحثة القانونية، (ماريان سيدهم) حول قوانين العنف ضد النساء حول العالم، وكيف ساعدت تلك القوانين في تخطي كثير من العقبات التي عادة ما تجعل النساء يحجمن عن إتخاذ السبل القانونية لنيل حقوقهن في حالة التعدي عليهن جنسيًا بطريقة أو بأخرى، فتحتوي الدراسة على أمثلة لتلك القوانين من بلدان مثل: الهند وألمانيا والسويد وغيرها، في محاولة لإنارة الطريق للتشريع في مصر وغيرها من الدول العربية وإلقاء الضوء على الثغرات التي حاولت قوانين دول أخرى ملأها.
ويحتوي باب الوثائق على عرض لمبادرة رائدة لمقاومة التحرش الجنسي في الجامعات المصرية، هي مبادرة“وحدة مناهضة التحرش والعنف ضد المرأة بجامعة القاهرة“، فتعرض (مها السعيد)، مُؤسسة الوحدة ومديرتها، لظروف إنشاء تلك الوحدة والدعم، أو المعوقات، التي قابلت المجموعة التي ساهمت في تأسيس الوحدة. وتأتي أهمية تلك الوحدة كونها أول وحدة تنشأ لهذا الغرض في جامعة مصرية، ومن نجاحها في إلهام جامعات أخرى بإنشاء وحدات مماثلة. أما السبب الآخر فهو أهمية الجامعات نفسها، كمؤسسات تضع لبنات تطور المجتمع، وهي من المؤسسات المنوط بها تمكين النساء. فالجامعة مكان تكون فيه المرأة طالبة وأستاذة، وموظفة إدارية، وعاملة، على قدم المساواة مع زملائها من الرجال (وإن كانت أيضًا المؤسسات ذات السقف الزجاجي الذي لا يمكن النساء من الوصول لمواقع القيادة إلا في حالات تعد قليلة جدا بالنسبة لأعدادهن)؛ مما يجعل تعرضها للعنف الجنسي داخل الجامعة نفسها مشكلة خطيرة، جديرة باهتمام الدولة وكل أطياف المجتمع أيضًا.
أما كتاب“الثورة تبدأ من البيت” الذي تعرض له داليا يوسف فهو عن حق كتاب شديد التميز، حيث يقدم شكلاً جديدًا من أشكال المقاومة يتمثل في المقاومة عن طريق الحكي والإبداع؛ حيث تقدم النساء تجاربهن عن العنف الذي يتعرضن له بكلماتهن– وأشعارهن – في بعض الأحيان، دون تدخل من المحرر، مما يلغي المسافة بين القراء من الجنسين وصاحبات التجارب ويمنح التجربة دفء الصدق والمباشرة.
وختامًا، نرجو أن يكون هذا العدد من“طيبة” إضافة، ليس فقط على مستوى التنظير والإسهام المعرفي، على أهمية ذلك، وإنما إسهام ناشطي أيضًا من شأنه مقاومة العنف الجنسي ضد النساء، بما يقدمه من دراسات ميدانية ودراسات حالة مهمة للنساء اللاتي تعرضن للعنف الجنسي في منازلهن أو أماكن العمل، أو تلقي مقالات قيمة حول أسباب ووقائع التحرش والعنف الجنسي في مصر، والعالم العربي، ومن أبحاث حول أشكال مناهضة هذا العنف في بلادنا وبلدان أخرى حول العالم، نأمل أن تُؤتي ثمارها، في ظل تجمع تلك الجهود، ولفت النظر أن المسكوت عنه، لم يصبح مسكوتًا عنه الآن، ولن يعود أبدًا مسكوتًا عنه بعد الآن.