روي الجذور

الشركاء: اختيار

تاريخ النشر:

2020

تصميم الغلاف:

التدقيق اللغوى:

مراجعة:

ترجمة:

مقدمة اختيار

بدأنا مشروع هذه الإصدارة منذ شهور فقط، لكن يبدو لنا من مكاننا اليوم أنها كانت حياة أخرى، عالم بعيد تمامًا، انقلبت أحواله وقلبتنا بعنف، قبل أن نعتد أوضاعنا الجديدة. يكفي تأريخ الإصدارة بالعام ٢٠٢٠ لتستدلين على ما مررنا به, محررات وكاتبات ومترجمات, خلال فترة إنجاز مشروعنا (الرومانسي) المشترك. بقدر ما فُرضت علينا أسئلة ملحة وصعبة هذا العام، عن السياسة والعدالة والثورة والصحة العامة الإنتاج والامتيازات الطبقية والعنف الجندري، بقدر ما ظللنا متمسكات باستكمال مشروعنا.

تضم إصدارتنا كاتبات وشعراء نسويين/ ات من مصر ولبنان والجزائر والسودان. على المستويين العام والشخصي واجهنا كما واجهتُن آلامًا وصراعات كبرى في لحظة زمنية مكثفة، غالبًا سنقضي سنوات عدة لاستيعاب ما حدث بها والتعامل مع أثره. وباء عالمي، عزل وعزلة وتغيير أنماط الحياة والعمل اليومية والعلاقات الأسرية، ثورات وأزمات اقتصادية وحرائق وانفجارات فساد مدمرة، كلها حدثت لنا أو بالقرب منّا بدرجات مختلفة. اختبرنا الفقد وآلامه بموت ذوينا ومعارفنا بمرض لعين مباغت, وانتحار رفيقاتنا الأكثر هشاشة فى مواجهة اكتئاب اللحظة.

فقدت إحدى كاتباتنا أباها ثم عادت بعدها بأيام للتواصل معنا, واستقبلت الثانية تعليقاتنا التحريرية وهي تنتظر بجانب أمها بالمستشفى حتى التعافي، وتعرضت أخرى للاحتجاز على هامش أحداث ثورة محبطة واعتذرت عن المشاركة، ثم عادت لتنضم إلينا مع أول فرصة للتنفس. تختفي المكلومة أيامًا أو أسابيع، ثم نعاود التواصل والمناقشة والكتابة والبوح. كم نحن, محررات الإصدارة وفريق اختيار الأكبر, ممتنات لكل كاتبة ومترجمة ورسامة شارکت معنا رغم وطأة الظروف وأعطت جزءًا من روحها ووقتها لإنتاج هذا المنتج المعرفي الجاد والمسلي بنفس الدرجة، لعله يمنح قارئاتنا شيئًا قيمًا يحملنه معهن ويتخففن به وسط أجواء انهيار العالم. فخورات بكن إلى أبعد حد.

تفتح هذه الإصدارة نقاش حول الهوية والأدب. نبحث عن إمكانية وجود أدب نسوي، تحرري، كويري، قادر على كسر حالة هيمنة التصورات الأبوية والمعيارية الغيرية على أدبنا العربي. نتسائل عن ماهية هذا الأدب وكيف ترسى معاييره وترسم سياسات التمثيل به. لهذا السبيل, ندقق النظر في أعمال أدبية نرى فيها ملامح وجوه وأجساد مألوفة لنا، وانعكاسات حیوات ورغبات وروايات غالبًا ما تهمش وتمحى وتنكر علينا. نبحث عن جذور, عن تاريخ. أو نصنعهم بكتابات جديدة طازجة.

لطالما كان الأدب منجم الهويات المفقودة والمخبأة والهاربة. نرى فيه أناسًا يشبهوننا ولو في تفصيلةٍ صغرى، اعتقدنا أننا فريدات في حملها ووحيدات في تخبئتها. نتلصص على حياة أبطال القصة والقصيدة أملاً في أن نجد أثرًا لشيء ما يمثلنا، أن تجد في كلماتهم ما يصف مشاعرنا المعقدة التي عجزنا عن إعلانها مهما حاولنا مراراً. أملاً في ألا نكون وحيدين ولو لعدة ساعات أو دقائق. نبحث فيما بين السطور عنا، ننبش نبشًا، نزيل طبقات اللاوضوح التي تفرضها الرقابة على الكاتبات والكتاب، لنجد أسفلها رسائل تلمسنا. نأمل أن تأويلنا للنص لم يذهب بعيدًا جدًا عما أرادته كاتبته، أن نكون قد عبرنا جسر التواصل الانساني وفهمنا النصوص المضمنة والرسائل الخفية وراء النص. ثم ماذا إن ذهب، هو تأويلنا وهي قراءتنا.

فعلان نناقشهما هنا؛ فعل الكتابة وفعل القراءة، وما يمثلانه للهوية، هوية من تكتب وهوية من تقرأ. تركت لنا العديد من الكاتبات والشاعرات والمنظرات عادةً النسويات أعمالاً كتبن فيها عنهن وعن مشاعرهن تجاه نساء أخريات, مشاعر لم تكن بالضرورة مشروعة في مجتمعات أبوية تخاف النساء وطاقاتهن. كتبن بشكل مراوغ عن العالم، عالمهن هن, عن التجارب المخفيّة، وعن تلك الأصوات الداخلية عالية الصوت، ودسسن العديد من الأسرار المضمنة في النص؛ أسرار عن الهشاشة والقوة، واستراتيجيات العناد والمقاومة. أسرار تبوح بهويتهن، لكنها تتخفى من مقص الرقابة، وتستقبلها فقط من تفهم تلك الأسرار وتعيشها. تلاعبن بالاستعارات بأشكال مختلفة لترسمن لنا علامات الطريق، لأولئك اللاتي قيل لهن مرارًا وتكرارًا أنتن مجنونات, هستيريات, مرضى، شواذ! نصغي للسطور منتبهات لكن معنى خفي ومقصد مشفر باحثات في مرآه الأدب والتاريخ، كارهات لما تعكسه أحيانًا من فراغ ولا شئ سوي الفراغ! يكتبن فتتنفس هوياتهن المقموعة، نقرأ فتتنفس هوياتنا. نبحث في تلك القصص والمذكرات والخطابات عنا؛ نحن العاديات, الحقيقيات, اللا بطلات، من لم نخلق من وهم الرجال في صورة منحصرة في التضحيات والعطاء غير المشروط. لسنا فاتنات أغانيهم وحسب، لسنا ملائكة ولا شياطين، وبالتأكيد لا تنحصر هوياتنا في كوننا أمهات وزوجات وبنات أحدهم.

في بداية الإصدارة نعرض قراءات تحليلية، إما مراجعة لعمل أدبي شهير أو اشتباك مع حياة وأعمال كاتبة بعينها. في بعض هذه الكتابات تنسج الكاتبات مقالات بين النقد والشعر والرواية الشخصية، وكأنما يُقمن حوارات تقن إليها كثيرًا مع كاتباتهن المفضلات. رسائل مرهفة وحساسة وشخصية للغاية، ولا تخلو أبدًا من السياسة. يلحق ذلك في الإصدارة كتابات أدبية وشعرية كويرية عربية, تنشرها ونحن مؤمنات بأهمية كسر حواجز النشر العديدة والمشاركة ولو بتواضع في إتاحة مساحات للنشر الأدبي أكثر تحررًا ورحابة للجميع. نختتم الإصدارة بنص مترجم ملهم، يجمع ردود كاتبات نسويات ومثليات على سؤال لمن تكتبين؟لنستمتع بقراءة أدمغتهن واستراق نظرة على جمهورهن المتخيل، ولنتعلم عن غنى تجربة الكتابة, – لا سيما الكتابة النسوية من كاتبات سبقتنا بأربعة عقود في جغرافيا بعيدة ببلاد الشمال.

نحب ختامًا أن نرسل تحية واحتفاء صادق لنصوص لم تولد بعد, وُئدت قبل ميلادها، أو ولدت وخُبئت، أو فقدت صاحبتها صلتها بها قبل الأوان. نصوص كان من المفترض أن تنضم للإصدارة، استلمنا أفكارها وآمنا بها، لكنها لم تنجح في أن تتطور لمسودات مكتملةً بعد. نأمل أن نراها يومًا ما منشورة ومقروءة ومؤثرة. قد يكون الاحتفاء بنصوص لم تكتمل ولم تنشر غير تقليدي. قد يرى البعض أن هذا الاحتفاء لا مكان له ضمن مقدمة إصدارة ويأخذ من مساحة تقديم نصوص اكتملت بالفعل. لكننا نعارض. ندرك أننا نعاني من تمييز وعنف بنيوي ممنهج، يستنزفنا ويسرق منا طاقاتنا وأوقاتنا. يهددنا طوال الوقت بعقوبات قصوى، مجرد تخيلها يحثنا على قتل خيالنا بأنفسنا قبل أن يأخذ براحه ويبوح ويعلن عن نفسه وعنّا. كم من امرأة أرادت أن تكتب ولم تكتب؟ كم من نسوية، مثلية مزدوجة الميول، عابرة وعابر جنسيًا، تملكت منه/ ا شياطينها أو شياطين الآخرين ومنعتها من التعبير عما تراه؟ هل نفكر حين نبحث إمكانية إنتاج أدب كويري وخلق مساحات, لنشره وتوزيعه في تقاطعات الطبقة والعرق والجندر؟ أن نسأل بصدق وجدية: لما لا نقرأ لعدد أكبر من كتاب وكاتبات فقراء؟ داكني البشرة؟ لا ينتمون للمعيارية الغيرية؟ هل لانعدام وجودهم أم نضوب موهبتهم أم لأنهم كسالى؟ أم لأسباب أكثر بنوية وتجذرًا وتعقيدًا من ذلك؟ نرى أن مناقشة كهذه تقع في صلب موضوعنا.

أن نكتب أن يكن لنا صوت ووجود وحضور وحاضر وتاريخ موثق. أن يُمحي كل هذا، هو أن نُمحى نحن، وأن تُحرم أجيال قادمة كما حُرمنا من أى صلة بجماعة بشرية تشاركها همومها وطموحاتها. أن تعاني كل منهن كما عانت كل منا سنوات دون أمل أو رغبة في حياة زائفة ندعي فيها غير حقائقنا. نكتب لنروي حقيقتنا، لتحظى روايتنا, أو رواياتنا المتعددة، بمكانها المسلوب من واقع مجتمعاتنا وتاريخها. نكتب لنروي بقايا جذورنا التي اجتزّت وتُجتز أمام أعيننا كل يوم بشكل ممنهج، كي لا تُنبت لها نبتة. يمنعوننا وإن قاومنا المنع يمحون أثرنا الذي تركناه. نكتب وننشر لنحيي الأثر، ولأننا بالأساس لا نرضى بغير أن نبقى ونرسّخ جذورنا.

 

مقالات الاعداد

بحثًا عن رغبة كويرية: رسالة لأليفة رفعت
بيننا... ضدنا
حبّ عنيف أم عنف طبقي؟ التواطؤ مع سرديات التمييز في رائحة القرفة
حِيْنَ يكون القلب الوحداني قلب كويري وحسب
خواتم وأساور
رفيقتي حبيبتي
طرفي بُرهانٌ للمحبة
قصائد غير معنونة
لمن تكتبين؟ كولاج
أجدنا في الفواصل
شارك:

اصدارات متعلقة

عيد الأم ما بين الاحتفاء بقيمة الأمومة و ترسيخ الدور النمطي للنساء
خدمات الصحة الجنسية فيما بعد سن الإنجاب ضرورة لتمكين النساء
ختان الإناث في مصر... جريمة تعذيب ضد الإنسانية
حقوق النساء من اجل العدالة والتنمية
الإيدز خطر صامت يهدد حياة النساء في ظل جائحة كورونا
إشكاليات التقاضى فى جريمة التحرش الجنسي
أسئلة وأجوبة بشأن الوقاية من كوفيد 19 ومكافحتها للعاملين /ات في مجال الرعاية الصحية
الحصاد - عامان على الخلع " دراسة تحليلية "
دليل تدريبي " العنف ضد النساء "
فتحي نجيب والحركة النسائية المصرية وحقوق الانسان