الاجهاض : خطابات متعددة

رقم الايداع:

12761/2006

رقم العدد:

13

تاريخ النشر:

2008

افتتاحية العدد

أصبح الإجهاض الآمن على رأس قضايا الصحة؛ ليس فقط الصحة الانجابية بل والصحة العامة، خاصة بعد أن تضمنت الأهداف التنموية للألفية الثالثة هدفًا مستقلاً لتقليل معدلات وفيات الأمهات بحلول عام ٢٠١٥ بنسبة ٧٥% من معدلات عام ۱۹۹۰ . ومن المعروف أن الإجهاض غير الآمن يمثل نسبة كبيرة من وفيات الأمهات التي تصل سنويًا إلى ما يزيد عن نصف مليون معظمها فى الدول النامية، يمثل الإجهاض غير الآمن نسبة %۱۳ منها على مستوى العالم.. وإن كانت أكبر من ذلك بكثير في بعض البلدان (۲۹ في أرجواي و٤٨% في منتفيديو على سبيل المثال). كما إن مضاعفات الإجهاض غير الآمن تمثل معاناة كبرى للنساء اللاتي بقين على قيد الحياة وعلى رأسها الإلتهابات والعقم والأنيميا .. وكلها تؤثر على نوعية حياة المرأة التي نجت من الموت.

المشكلة الأساسية أن سعي النساء للإجهاض مرتبط ارتباطًا وثيقًا بشروط حياتهن الاقتصادية والاجتماعية ناهيك عن صحتهن. ومن تسعى للإجهاض رغم القيود القانونية المفروضة عليه فى العديد من البلدان، ورغم معرفتها بأنها تنتهك القانون، ورغم معرفتها بأنها قد تتعرض للموت.. لها أسبابها القوية على عكس ما يحاول معارضو الإجهاض ترويجه التي تجعلها تتكبد كل تلك المخاطر. ومن هنا فإن الإجهاض الآمن لن يتحقق فى الواقع إلا عندما تتوافق القوانين السائدة مع الأسباب التي تدفع النساء للإجهاض.

وقد أثيرت قضية الإجهاض فى مصر مجددًا هذا العام فى إطار مشروع التعديل القانوني الذي اقترحه نائب البرلمان الأستاذ محمد خليل قويطة لتوسيع القانون الحالى، ليكون الإجهاض قانونيًا فى حالة النساء اللاتي تعرضن للاغتصاب. والتعديل المقترح هو بحد ذاته خطوة الى الأمام مقارنة بالقانون الحالي والذي يجرم الإجهاض إلا في حالة واحدة هي أن يمثل الاستمرار فى الحمل خطرًا على حياة الأم.

ورغم أن التعديل القانوني المقترح لم يقر بعد، إلا أنه أثار نقاش واسع في الإعلام المصري المرئي والمقرؤ، تداخلت فيه المنظورات الدينية والحقوقية، بالسياسية والاجتماعية. كانت تلك النقاشات مهمة فى كسر التابوهات المتعلقة بالإجهاض والكشف عن الأوهام المتعلقة بمسألة جعل الإجهاض قانونيًا، والمخاوف من أن ذلك سيرفع من معدلات الإجهاض، وسيساعد على ترويج العلاقات الجنسية خارج الزواج، والإباحية ..الخ. أيضًا كشفت تلك النقاشات عن استخدام الدين عن غير حق لحظر الإجهاض، والجديد في مصر على الأقل محاولة التلاعب في استخدام تقدم المعرفة العلمية لتعزيز وجهات النظر المعادية للإجهاض. الأخطر استخدام بعض نشطاء حقوق الإنسان للمنهج الحقوقي لمعارضة حق المساء فى الإجهاض.. تحت ما يسمى بحق الجنين“.

ومن هنا قررنا أن يتناول هذا العدد الخطابات المختلفة حول قضية الإجهاض، واخترنا موضوعاته بحيث تنقل نقاشات مماثلة في بلدان عديدة حول القضايا التي أشرنا لها. ورغم التنوع في البلدان التي تعرضت لها مقالات هذا العدد، سنجد أن هناك تشابهًا كبيرًا بينها وبين النقاشات التي جرت في مصر.

في البداية يوضح مقال إليزابيث أهمن وإقبال شاه الإجهاض غير الآمن: تقديرات عالمية لعام ٢٠٠٠مدى انتشار حدوث الإجهاض غير الآمن انطلاقًا من تقديرات منظمة الصحة العالمية القائمة على أرقام عام ٢٠٠٠، حيث تحدث ١٩ مليون حالة إجهاض غير آمن كل عام، أي أن حملاً واحداً من بين عشر حالات حمل ينتهي بإجهاض غير آمن، وكلها تقريباً تحدث في الدول النامية. وأهمية المقال هو أنه يؤسس لفكرة أن الإجهاض غير الآمن هو قضية مهمة من منظور الصحة العامة.. “وقد تحقق تقدم كبير في تحسين بعض جوانب الصحة الإنجابية، وكان ذلك أوضح ما يكون في استعمال وسائل منع الحمل. ومع ذلك، لا تزال عمليات الإجهاض غير الآمن تحدث في كل مناطق البلدان النامية بالرغم من أنه يمكن منعها بالكامل. ويعني هذا من منظور الصحة العامة تبعات رئيسية فيما يتعلق بمراضة ووفيات الأمهات وإن لم تقتصر عليها، إلى جانب التكاليف المالية التي تتكبدها النساء والخدمات الصحية لمعالجة المضاعفات، ولذلك لا بد أن يظل لمنع الحمل غير المقصود أولوية قصوى لتحسين صحة النساء الإنجابية. ويظل مهمًا كذلك أن ندرس ونرصد مدى حدوث الإجهاض غير الآمن عالميًا وإقليميًا وعلى مستوى البلد الواحد، كي يظل بالإمكان تقدير أثره على الصحة العامة“.

وبناءً على التقديرات السابقة، يقدم مقال مارج بيرر القوانين الوطنية والإجهاض غير الآمن .. أبعاد التغييرتحليلاً للعلاقة بين الأسس القانونية للإجهاض الواردة بالقوانين الوطنية والإجهاض غير الآمن، ويفند أهم الحجج التي يستخدمها معارضو الإجهاض، ألا وهي أن جعل الإجهاض قانونيًا سيزيد من حجم عمليات الإجهاض .. وجدنا نمطاً واضحاً في أكثر من ١٦٠ بلدًا يشير إلى أن التشريعات التي تبيح الإجهاض على أساس طيف واسع من الأسباب تسفر عن انخفاض حالات الإجهاض غير الآمن، وبالتالي انخفاض كبير في حالات الوفاة الناجمة عنها، مقارنة بالتشريعات التي تقيد الإجهاض بدرجة كبيرة“.

كما أشرنا من قبل، ولأول مرة فى تاريخ النقاش حول الإجهاض فى مصر بدأت بعض الناشطات في مجال حقوق المرأة في استخدام خطاب حقوق الإنسان للدفاع عن حقوق الجنينورفض حق النساء في الإجهاض. وفي هذا السياق يتصدى مقال روندا كوبلن وآخرون حقوق الإنسان تبدأ منذ الولادة: القانون الدولي ومزاعم حقوق الأجنة، لتفنيد تلك المزاعم من خلال استعراض الوثائق الدولية والإقليمية لحقوق الإنسان بدءًا من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان ومرورًا بالعهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية واتفاقية حقوق الطفل واتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة، والاتفاقية الأوروبية لحماية حقوق الإنسان والحريات الأساسية والاتفاقية الأمريكية لحقوق الإنسان والميثاق الإفريقي لحقوق الإنسان والشعوب، ويخلص إلى أن تلك المواثيق توضح صراحة أن حقوق الإنسان تبدأ عند الولادةوأنها ترفض صراحة، سواء في صياغتها الأصلية أو كما فسرت في ما بعد، مطالب البعض بأن تلحق حقوق الإنسان بالإنسان منذ بدء الحمل أو في أي مرحلة كانت قبل ولادة الجنين. كما تقر هذه المواثيق والمعاهدات بأن إعمال القوانين التي تقيد الإجهاض يعرض حق المرأة في الحياة وغيره من الحقوق الإنسانية للخطر. وهو مقال شديد الأهمية عمومًا وبشكل خاص للعاملين في مجال حقوق الإنسان في مصر.

من جانب آخر فإن عددًا من مقالات هذا العدد تعرض للنقاشات التي دارت بين عديد من الأطراف المعنية بقضية الإجهاض، والتي يمكن أيضًا الربط بسهولة بينها وبين النقاشات التي دارت في مصر. ومنها خطاب المهنيين الطبيين واستخدام حجة القناعة الضميريةلرفض تقديم خدمات الإجهاض للنساء، خاصة الفقيرات اللاتي يحتجن هذه الخدمة ويلجأن للمستشفيات العامة. وكما يوضح مقال مونيكا جونيا وآخرون الإجهاض فى ظل وضعية قانونية مقيدة: آراء أطباء النساء والولادة في الأرجنتين، هناك احتياج لأن تقوم حركة صحة المرأة وحقوقها بعمل توعية مع هذا المجتمع من الأخصائيين حول احتياجات النساء وحقوقهن استنادًا لدورهم البارز في مجال تقديم الرعاية الصحية الإنجابية وكذلك في مجال الصحة العامة. وخبرة الناشطات المصريات في هذا المجال إيجابية، فرغم أن كثير من الأطباء كانوا يؤيدون ختان الإناث في التسعينيات، إلا أن العمل مع الجمعية المصرية لأطباء النساء والولادة ساهم في اتخاذ الجمعية (المؤتمر السنوي ۱۹۹۷) لموقف يرفض كل المحاولات لتطبيب الإجهاض أو إدراجه ضمن الممارسات الطبية.

ويبرز مقال مايكل تان خطابات الجنين وسياسات الرحم، تشابهاً مذهلاً بين الحجج التي تستخدمها القيادات الدينية والسياسية في كل من الولايات المتحدة الأمريكية وإيران والفلبين، كما يبرز التناقض بين الحماية القانونية المُحكمة للأجنة من جانب، والمواد القانونية الهزيلة المتعلقة بقتل الأطفال، من جانب آخروالتي تشي بأن قوانين الإجهاض وعقوباتها المشددة مقارنة بالقوانين الأخرى، تبدو مرتبطة بالحفاظ على شرف الرجل وسلطته على المرأة والأسرة، أكثر من ارتباطها بحماية الجنين نفسه. وهو ما تؤكده الحجج التي تستخدم عادة في رفض الإجهاض باسم الحفاظ على الأخلاق ومنع تفشي الإباحية.

يشير مقال تان أيضًا إلى نقطة هامة عادة ما يتم تجاهلها تماماً فى معظم الخطابات حول الإجهاض، وهي المعاناة النفسية النساء. عملية اتخاذ قرار الإجهاض ليست أمراً سهلاً وليست لحظة عابرة فالنساء يتحدثن مع نساء أخريات. ومع شركائهن، ومع الجنين، وتذهبن للكنائس أيضًا وتصلين من أجل علامة تشير إليهن بالإجهاض أو عدم الإجهاض…. بعض الأمهات يتحدثن إلى أطفالهن أنا آسفة، ولكن على أن أفعل ذلك حتى يعيش أخوتك وأخواتك“. وهو ما يؤكد على ما جاء على لسان الأمهات فى دراسة مصرية وأعدتها المرأة الجديدة في تسعينيات القرن الماضى – أنا أعلم أنه حرام .. ولكن الله سيسامحنى لأنه يعرف أننى مضطرة لعمل ذلك“. ومن ثم فإن تفكيك الصورة المحيطة بالإجهاض وفهم سياقها الاجتماعي والتاريخي، من الأمور المهمة جدًا لتعزيز الدفاع عن حقوق الصحة الإنجابية وخدماتها“.

كما يضم العدد ثلاثة مقالات تعكس تعامل القوى السياسية المختلفة في إسبانيا، وتايلاند والمكسيك مع قضية الإجهاض، يوضح مقال بيليم كارتينيرو وآخرونالإجهاض في إسبانيا الديمقراطية الأجندة السياسية للبرلمان ۱۹۷۹ ٢٠٠٤ أن غالبية البرلمانيين الذين شاركوا في المناقشات المتعلقة بالإجهاض طوال تلك الفترة كانوا من النساء (١٤٣ امرأة، و۷۲ رجلاً)، وعلى الرغم من أن النساء كنّ أقلية في البرلمانات الثمانية، لكنهن هيمنّ على النقاش المتعلق بقضية الإجهاض وتقدمن بمعظم المبادرات التشريعية (60%)

يحكي مقال مارتا لاماس وشارون بيسل الإجهاض والسياسة فى المكسيكعن تجربة مماثلة في جانب منها للتجربة المصرية، حيث ثارت المناقشات حول حق النساء التي تعرضن للاغتصاب في الحصول على الإجهاض بشكل قانوني. وعلى عكس مصر فإن القانون المكسيكي يعترف بهذا الحق أما ما أثار النقاش فهو محاولة حاكم إحدى الولايات في إلغاء هذا الحق. ويوفر هذا المقال مع مقال أندريه ويتاكر الكفاح من أجل إصلاح قانون الإجهاض في تايلاندخبرات مفيدة حول الآليات المختلفة التي تستخدمها القوى المناهضة للإجهاض والمنظمات النسائية. والمقالات الثلاث معًا تمثل خبرة شديدة الثراء في مجال الخطابات حول الإجهاض، واستراتيجيات التعامل مع الحجج المناهضة للإجهاض. وتوضح أن رغبة النساء في الديمقراطية فى حد ذاتها لا تقود تلقائياً إلى زيادة الاهتمام بالحقوق الإنجابية والجنسية.

ولكي تصبح هذه الحقوق جزءاً بالفعل من النقاش والوعي على المستوى العام، يجب تناولها صراحة من خلال الأجندة السياسية. ولهذا السبب، فإن جزءاً جوهرياً من النضال من أجل الحقوق الإنجابية والجنسية يتمثل في كيفية ربط المطالب النسوية بالسياق الاجتماعي، أو كيفية صياغة تلك المطالب بطريقة تمس المشاعر الديمقراطية لدى الناس“.

وأخيرًا يبرز مقال فرانسواز جيرار وفاندا توفيسكا أدلة واضحة ومقنعة: المحكمة البولندية لحقوق الإجهاضأهمية العمل بشكل استراتيجي وعلمي لتغيير المواقف المجتمعية من حق النساء فى الإجهاض الآمن، فقد كانت المحكمة لحظة مهمة في الدفاع عن حقوق الإجهاض في بولندا . وقد ضمن التوقيت، وهو شهران قبل الانتخابات العامة، أن تكون المسألة الإجهاض أهمية أكبر. واستمر الأثر لبعض الوقت؛ فقد نشرت معظم الصحف اليومية، وثلاث من المجلات الأسبوعية السياسية الخمس وثلاث مجلات نسائية مقالات عن المحكمة، كما غطتها العديد من برامج الإذاعة والتليفزيون. واستخدمت بعض المحطات حالات فردية في المقابلات، والبرامج الجماهيرية، والأفلام التسجيلية.

إن مقالات هذا العدد تدعونا في مجملها لأهمية التصدى لدراسة الإجهاض فى بلادنا بشكل شامل، وخاصة فيما يتعلق بالأسباب التي تدفع النساء إلى السعى لتجربة يراها الوجدان الشعبي تجربة مؤلمة ولادة كل يوم ولا سقط كل سنة، ودروسها يمكن أن تساعد المجموعات الحقوقية والنسائية فى وضع استراتيجية طويلة المدى لكى يمكن للنساء المصريات وخاصة الفقيرات منهن ممارسة حقهن في الإجهاض الآمن.

مقالات الاعداد

خطابات الجنين وسياسات الرحم
الإجهاض والسياسة في المكسيك: "السياق هو الأساس "
الإجهاض في ظل وضعية قانونية مقيدة
الكفاح من أجل إصلاح قانون الإجهاض في تايلاند
الإجهاض في إسبانيا الديمقراطية: الأجندة السياسية للبرلمان ١٩٧٩ – ٢٠٠٤
أدلة واضحة ومقنعة: المحكمة البولندية لحقوق الإجهاض
المطبوعات
الإجهاض غير الآمن: تقديرات عالمية لعام ٢٠٠٠
قائمة مصطلحات
القوانين الوطنية والإجهاض غير الآمن أبعاد التغيير
حقوق الإنسان تبدأ منذ الولادة : القانون الدولي ومزاعم حقوق الأجنة
شارك:

اصدارات متعلقة

وسائل التواصل الاجتماعي ترسخ العنف ضد النساء
نصائح للمصورة الصحفية بشأن الوقاية من "كوفيد" 19" أثناء التصوير الصحفي
نصائح بشأن السلامة النفسية للنساء في أوقات الأزمات
ورقة قانونية بشأن مشروع قانون الأحوال الشخصية الجديد
كيف تحررين محضر تحرش
عيد الأم ما بين الاحتفاء بقيمة الأمومة و ترسيخ الدور النمطي للنساء
خدمات الصحة الجنسية فيما بعد سن الإنجاب ضرورة لتمكين النساء
ختان الإناث في مصر... جريمة تعذيب ضد الإنسانية
حقوق النساء من اجل العدالة والتنمية
الإيدز خطر صامت يهدد حياة النساء في ظل جائحة كورونا