النساء والثورة
رقم الايداع:
2003/12138
تاريخ النشر:
2011
رئاسة التحرير:
تصميم الغلاف:
التحرير:
افتتاحية
يأتي هذا العدد في سياق الزخم الثوري الذي يحيط بكل مناحي الحياة في مصر وغيرها من الدول العربية بعد قيام ثورة 25 يناير المجيدة في مصر وقيام ثورات تحررية أخرى في معظم البلدان العربية. ولكن وسط الزخم تأتى أيضا وقفة تأملية تهدف إلى تقييم الإنجاز الحقيقي للثورة، أين يصب؟ ولماذا تشح عطاءته؟ ويحاول هذا العدد أن يقدم مثل هذه الوقفة، وإن كان بشكل جزئي ومجتزأ، حيث لا تسمح المساحة بتقديم كافة جوانب الثورة، كما يؤثر وجودنا في قلب الأحداث في قدرتنا على تأملها بشكل واضح ومتكامل، ولكنها على أية حال محاولة، سوف تتبعها بالتأكيد محاولات أخرى لفهم وتقييم دور الثورات، بصفة عامة، والثورة المصرية، بصفة خاصة، في التأثير على حيوات النساء وحقوقهن السياسية والاجتماعية وغيرها.
يبدأ العدد بقراءة للثورة المصرية يقدمها «يسرى مصطفى» حيث يصف فيها الثورة بالربيع الصامت نظرا لعدم السماح لبعض الأصوات، وخاصة أصوات النساء، بالصدح على أشجار هذا الربيع، ويعزو «مصطفى» عدم السماح هذا لعدة أسباب ينبع بعضها من صعود قوى تقليدية ذات نظرة محافظة للنساء، أما بعضها الآخر فيرجع إلى انتهازية القوى الليبرالية التي عادة ما تستفيد من جهود النساء في إحداث الثورات ثم لا تلبث أن تغض الطرف تماما عن التعدى على حقوق النساء بعد نجاح الثورة، إذا كان من شأن مساندتها لهذه الحقوق التقليل من شعبيتها في هذا المناخ المحافظ والمعادي لحصول النساء على مكتسباتهن.
أما «هانية شلقامي» فتناقش بدورها في ورقتها بعنوان: «النساء أيضا جزء من الثورة» تراجع دور النساء بعد ثورة 25 يناير، رغم الدور الرائع الذي قمن به أثناء الثورة جنبا إلى جنب مع الرجال. وترجع «شلقامي» في ورقتها بعض الأسباب التي أدت إلى العمل على سلب النساء حقوقهن بعد الثورة إلى نسبة هذه الحقوق للنظام البائد الفاسد نتيجة لمساندة زوجة الرئيس السابق لهذه الحقوق ورئاستها للمجلس القومي للمرأة، وهو مؤسسة تنتمى للدولة، وإن كان بطريقة غير مباشرة، رغم ما في ذلك من غبن لعمل الكثير من مؤسسات المجتمع المدني العاملة في مجال الدفاع من حقوق النساء. وتخلص «شلقامي» في ورقتها إلى ضرورة تضافر الجهود في الظروف الحالية بما فيها جهود المجلس القومي للمرأة بما يمتلكه من إمكانيات جهود منظمات المجتمع المدني من أجل الحفاظ على مكتسبات النساء في مواجهة الهجمة الشرسة على هذه المكتسبات في فترة مابعد الثورة.
مقال «روبسبير: نسوى النظام القديم» هو قراءة تاريخية لأوضاع النساء بعد الثورات تناقش فيه «إليسا جولدشتان» موقف أحد ما يمكن تسميتهم بالنسويين من النساء إبان الثورة الفرنسية، وتخلص إلى أنه بالرغم من أن أفكار «روبيسبير» لم تكن نسوية بالقدر الكافي في ذلك الوقت ولكن حتى هذا القدر من النسوية تقلص كثيرا عقب قيام الثورة الفرنسية لصالح قضايا أخرى، بل ورؤى أخرى تعلي من شأن الأدوار البيولوجية للنساء على حساب أدوارهن كمواطنات وكائنات بشرية تتمتع بقدرات ذهنية مماثلة لما يتمتع به الرجال. وبالتالى تقلص دورهن في الفضاء العام مع دعاوى الفصل بين الفضاءين. وعليه، كانت النساء ومناصريهن من ضحايا الثورة الفرنسية التي أثبتت أنها كغيرها من الثورات قد جارت على حقوق الإنسان للبعض من أجل تأكيد نفس الحقوق للبعض الآخر.
وفي السياق التاريخي أيضا يقدم العدد عرضا لكتاب «العمالة النسائية والثورة الصناعية 1750- 1850» لـ «إيفي بينشبيك» الذي يعد من أعمدة الكتب في التاريخ الاقتصادي، حيث يناقش أثر الثورة الصناعية على حيوات النساء في المجتمعات الغربية، وبالتالي على الشئون الاقتصادية والاجتماعية في هذه البلدان. ويبين العرض من خلال قراءة نقدية ما يقدمه الكتاب من آراء من وجهة نظر عدد كبير من المراجع التي تناولت الكتاب بالعرض أو تناولت ما يتعرض له من موضوعات مثل: تاريخ عمل النساء، وأثر الميكنة على عمل النساء، وتأثير الثورة الصناعية على عمالة النساء أو بطالتهن. وتنبع أهمية العرض في هذا العدد من كونه يقدم رؤية لتأثير إحدى أهم الثورات في تاريخ الإنسانية على النساء، وهو أثر قد يتكرر في ثورات أخرى تختلف تماما في الشكل والمضمون وتشترك تماما في تأثيرها على أدوار ومكانة النساء في المجتمعات التي تقوم فيها تلك الثورات.
تأتى ورقة «النوع الاجتماعي والثورة البرتقالية» للتأكيد على نفس الأفكار وإن كان في سياق يختلف كثيرا، وهو سقوط الاتحاد السوفيتي وقيام دولة أوكرانيا فيها يسمى بالثورة البرتقالية. وتؤكد الورقة أيضا على انحسار المشاركة السياسية للنساء في فترة ما بعد الثورة في أوكرانيا، رغم محاولات أوكرانيا الحثيثة للالتحاق بالاتحاد الأوروبي عن طريق الاهتمام بقضايا النساء، ولكن أتى هذا أيضا من خلال سياسات الرفاه الاجتماعي للمرأة والطفل، وليس بالإعلاء من أدوار النساء في الفضاء العام. وتعزو الكاتبة هذا لقصور السياسات السلطوية في فترة ما قبل الثورة والتي لم تمكن الجماهير من الحصول على الوعي الكامل بالأدوار المختلقة للنساء في الفضاء العام.
أما مقال «النوع الاجتماعي والتعليم في المجتمعات الثورية» لـ «تاجنا د. موللد» فيقدم قراءة لعلاقة سياسات التعليم بالوعي بالنوع الاجتماعي في مجتمعات ثورية في كل من فيتنام ونيكارجوا وإريتريا باستخدام نظريات «بيير بوردييو» حول قدرة التعليم الرسمي في المجتمعات الثورية على «توليد استراتيجيات» يكون من شأنها تمكين النساء وإتاحة الفرص لهن للحصول على مكاسب لم تكن لتتحقق لهن إلا من خلال تطبيق هذه النظريات في مجتمعاتهن بعد القيام بالثورات. ويقدم البحث تطبيقات على ثلاثة مجتمعات ثورية هي: فيتنام ونيكارجوا وإريتريا، التأكيد على قصص الفشل والنجاح لتمكين النساء في هذه مع المجتمعات الثورية وأسبابها، خاصة ما يتعلق منها بقيام هذه الثورات.
کما تقدم «ميرا ماركس فيرى» عرضا موجزا لكتابين يناقشان الإنجازات النسائية في مجال السياسة في مجتمعات ثورية أيضا، ولكن تأخذ الكاتبة على أحد الكتابين التعميم الشديد في استخدام مصطلح الثورة، مما يتسبب في غموض السياق وعدم القدرة على استخلاص نتائج دقيقة تضيف إلى دراسات النساء والثورات، بصفة عامة، ودراسات النساء في تلك المجتمعات التي تشملها الأبحاث في الكتاب، بصفة خاصة.
وينتهي العدد بقصتين قصيرتين من قصص الثورة المصرية، إحداهما للكاتب المبدع «خالد الخميسى»، والأخرى قصة شبه سيرة ذاتية للكاتبة «سحر الموجى» يقدمان فيها صورة رائعة لأثر الثورة في أوجها على من اشترك فيها، وهو أثر يبدو من خلال القضية شديد الروعة والعمق.
وأخيرا، يبدو أن العدد في مجمله لا يقدم صورة شديدة التفاؤل لمستقبل النساء في ظل الثورات السياسية، وحتى الاجتماعية. ولكن ما يدعو للتفاؤل هو وجود هذا العدد ما بين يدي القراء/ ات، فمن ناحية يمثل هذا رغبة في التعرف على خبرات سابقة لأمم مرت بظروف مماثلة والاستفادة من الدروس التاريخية لما حدث للنساء فيها بعد قيام ثورات تحررية قامت فيها النساء بأدوار كبيرة، ومن ناحية أخرى، تؤهلنا هذه المعرفة للحذر مما هو قادم في مصر وإعداد العدة لمواجهته. كما يؤدى هذا الحفز في حد ذاته إلى مزيد من الوعي لدى النساء بحقوقهن وبالرغبة على الحفاظ عليها. فمن المؤكد أن التاريخ قد يعيد نفسه، ومن المؤكد أيضا أن للبشر قدرة على تغيير مسار التاريخ من أجل خلق تاريخ جديد إذا توفرت الإرادة لذلك.