الموارد البشرية والصحة الإنجابية والجنسية

طباعة: Promotion Team

الموارد البشرية: تعبير بارد عن مقدمى الرعاية الصحية

الموضوع الذي يدور حوله هذا العدد من المجلة موضوع محوري: حيث تعرب الأوراق الواردة، برفيع البيان، عن أهمية مقدمى الرعاية الصحية فى أداء الخدمات الصحية لوظائفها، مقيسةً بمستوى تدريبهم ومهاراتهم، ومدى الدعم الإدارى الذى يحصلون عليه، والأجور والحوافز الأخرى التي يتلقونها، وفرص تقدمهم المهنى، والظروف المتوقع أن يعملوا فيها، والموارد المتاحة لهم لأداء مهامهم. وتشى تلك الأوراق بمدى احتياج خدمات الصحة العامة إلى دعم مقدمى رعاية صحية على مستوى عال من التدريب، والأجور والحماس للعمل. في كل الدول التي شملتها تلك الدراسات.

يتضمن هذا العدد أبحاثاً عن النساء والرجال الذين يشكلون معًا قاعدة الموارد البشرية لخدمات الصحة الجنسية والإنجابية العامة فى بنجلاديش، وجواتيمالا، وإندونيسيا، وكينيا، وليتوانيا، ومنغوليا، والمغرب، وزامبيا، وفي برامج علاج الإيدز فى مالاوى وجنوب أفريقيا، وفى كل الحالات هناك العديد من أوجه الشبه. ونظراً الناس من الأنظمة الصحية والعاملين فى مجال الصحة على سبيل المثال تخفيض الوفيات بين الأمهات ومنع الإصابة بالفيروس المسبب لمرض الإيدز فهناك حاجة إلى المزيد من العاملين فى الصحة، وإلى تدريب أفضل، ومهارات أكبر، وكذلك تحسين كبير فى ظروف العمل ورواتب العاملين.

 

تزايدت بسرعة التقديرات الكمية لمدى تفاقم مشكلة الموارد البشرية، وتوفر إطلالة هذا العدد من المجلة بعض البيانات، وصورة أوسع للمشكلة. لا تركز الكثير من البيانات المتوفرة على خدمات بعينها، ولكن على القوى العاملة فى النظم الصحية ككل. لذلك، فقد جمعنا في هذا العدد من المجلة أوراقاً عن قضايا الموارد البشرية فى مجال رعاية الصحة الجنسية والإنجابية تحديداً، وكذلك أوراق تركز بشكل أساسي على تنظيم الأسرة، ورعاية الأمومة، والإجهاض غير الآمن، وبرامج علاج الإيدز.

ويوضح مقال جيرين، وجرين، وبيرسون استنادًا إلى بيانات وطنية وإقليمية تأثير القصور في عدد القابلات والممرضات والأطباء في أفريقيا جنوب الصحراء على رعاية صحة الأم والتوزيع غير المتساوى لأخصائيي صحة الأم على المناطق الجغرافية والمرافق الصحية المختلفة، وأبلغ تصوير لهذا الوضع يتضح، في هذا العدد من المجلة، من خلال رسالة إلى المحررΦ تصف كيف أن طبيباً شاباً تخرج لتوه من أحد كليات الطب في أوروبا وذهب لزيارة قسم رعاية الأمومة في دولة أفريقية جنوب الصحراء ففشل في العثور على الأطباء الذين ذهب لرؤيتهم، بل لم يجد أيًا من العاملين هناك. وفي غضون ساعة من وصوله وجد نفسه منخرطًا في مساعدة سيدتين على الولادة، ثم طُلب منه أن يجرى بجراحة قيصرية عاجلة. إن استخدام تعبير قصور عدد المتخصصين فى الرعاية الصحيةلوصف مثل هذا الوضع غير مناسب بالمرة.

لعل أوضح بداية أمامنا للتعامل مع النقص في الخدمات الأساسية، مثل رعاية الطوارئ والرعاية الإنجابية، تتمثل في إلحاق المزيد من الدارسين بكليات الطب والتمريض، وترقية التدريب والمهارات. بيد أن تلك ليست بالمهمة اليسيرة. في هذا الصدد، يصف لنا إسلام، وحق، وواكسمان، وبهويانΦ برنامجاً وطنيًا تم تنفيذه في بنجلاديش على مدى أربع سنوات، وتضمن تلقى العاملين الطبيين، والممرضات، ومديري المرافق، وفنيى المعامل تدريباً فى المستشفيات الجامعية الثمانية بالبلاد.

وتمثل الهدف من هذا البرنامج في تحقيق الفعالية الكاملة لمرافق رعاية الطوارئ والرعاية الإنجابية في مستشفيات المناطق والمناطق الفرعية بالبلاد. وفى عام ٢٠٠٤ كانت 105 مستشفى من بين مستشفيات المناطق الفرعية البالغ عددها ۱۲۰، قد أصبحت عاملة تماماً فى مجال رعاية الطوارئ والرعاية الإنجابية، كما أصبحت ٥٣ من بين ٥٩ مستشفى من مستشفيات المناطق تقدم خدمات رعاية طوارئ ورعاية إنجابية شاملة، مقارنة بـ ٣٥ فقط سنة ۱۹۹۹. وإنها لمهام شاقة تلك المتمثلة فى الحفاظ على هؤلاء العاملين واحتفاظهم بوظائفهم، والاستمرار فى إشراك الأطراف الفاعلة الرئيسية (خاصة المدربين)، وإدخال متدربين جدد، وتبنى نظم جديدة ثبتت فاعليتها من أجل إتباع معايير ثابتة في الممارسة وتحسين نوعية الرعاية، وترقية المزيد من المرافق القائمة، وضمان توفير الخدمة على مدار أربع وعشرين ساعة.

على أن أفضل التدريبات لا يكفى وحده. ففى ورقة عن التوسع فى خدمات رعاية ما بعد الإجهاض في ٢٢ من بين ۳۳ مستشفى من مستشفيات المناطق العامة في جواتيمالا، قدم كيسلر، وفالينسيا ديل فال، وسيلفا وصفًا لبرنامج استغرق ۱۸ شهرًا، واشتمل على تعزيز المعرفة والقدرات الفنية للعاملين، والتوسع برعاية ما بعد الإجهاض، وتحسين البنية التحتية المرتبطة بها، وتوزيع مواد معلوماتية، وإدخال نظام إشراف على الإجهاض. ولكن على الرغم من تقديم نوعية أفضل من الخدمة لعدد أكبر من النساء في تلك المستشفيات، فإن مستوى الوفيات والمضاعفات الحادة ظل دون تغير خلال الفترة التي أجريت فيها الدراسة. ويرجع ذلك إلى أن عمليات الإجهاض التى تمر بها أولئك النساء قبل وصولهن إلى المستشفيات وتلقى الرعاية ظلت على درجة عدم الأمان نفسها التى كانت قائمة قبل بداية تطبيق البرنامج. فكل ما استطاع مقدمو الرعاية الصحية أن يفعلوه وهو مهمة أساسية في الصحة العامة في تلك الظروف أن يقدموا أفضل ما في الإمكان من علاج للمضاعفات التي أصابت النساء. ولو كان باستطاعتهم أن يحصلوا على إذن الحكومة بإعلام النساء بتوفر تلك الخدمات، فلربما كان بمقدورهن التقدم مبكرًا لتلقيها قبل أن تصبح المضاعفات حادة. ولكن على المدى الطويل، فإن البدء بجعل الإجهاض آمنا هو الحل لتلك المشاكل.

الواقع أن استمرار التجاهل الصارخ لاحتياجات النساء لا يقتصر على ما يتعلق بالإجهاض فقط: ففى معظم البلدان الفقيرة فى العالم لا نستطيع أن نطلق على الممرضات وغيرهن من مقدمي الخدمة في المستوى المتوسط، والذين يُعهد إليهم برعاية الأمومة، إلا مساعدين مهرةلأن قلة منهن فقط قابلات كاملات التدريب. وعلى الرغم من أن أولئك الذين يطلق عليهن قابلات مجازاً يُلجأ إليهن بشكل متزايد لتقديم الرعاية الماهرة للأمهات الحوامل والأطفال حديثي الولادة، فإنهن لا تلقين ما يجب لهن من تقدير. ففى المغرب، على سبيل المثال، هناك نقص دائم في الاعتراف المهنى بالقبالة يرى تيمار، وفيسانديى وحاتم، وآبل، وكوبلوك أن ذلك يتسق مع انتشار عدم المساواة بين الجنسين، وتدنى وضع النساء عموماً. وتتناول ورقتهم في هذا العدد من المجلة تاريخ التدريب على التوليد في المغرب منذ خمسينيات القرن الماضى مع برنامج يتطلب مجرد الحصول على شهادة التعليم الابتدائي، بينما كانت معظم النساء يتلقين الرعاية من معاونات أو ممرضات أو دايات، مدربات أو غير مدربات. ولم تقم الدولة بإنشاء برنامج لمرحة ما بعد الدراسة الثانوية لتدريب القابلات على المهارات الأساسية إلا في التسعينيات. ويؤكد كتاب هذه الورقة على أهمية الاعتراف بالقابلات ومعاملتهن بوصفهن على كفاءة ومهارة والنظر إليهن على أنهن شريكات مقدّرات للممرضات وأخصائيي أمراض النساء والتوليد. وهم يرون أنه على هذا الأساس فقط يمكن لممارسة التوليد فى دول مثل المغرب أن تتطور إيجابيًا لتصبح رعاية للأمومة معتمدة على النساء.

تبدأ الورقة التي تقدمها شنايدر، وبلاو، وجيلسون، وتشابيكولى، وجودج، من فرضية أنه من غير المرجح ارتفاع مستوى النفاذ إلى علاج مضادات الفيروسات القهقرية في العديد من الدول النامية دون وجود نظم صحية قوية وتوفر العاملين الصحيين الماهرين والمتحمسين بشكل كاف، وهم الذين ينظر إليهم الآن على أنهم قاعدة التوسع فى علاج الفيروس المسبب لمرض الإيدز. ويعني ذلك فى أفريقيا جنوب الصحراء التعامل مع مشاكل التوفر، والهجرة والتوزيع، وتنوع المهارات، والمكافآت، والإنتاجية والإدارة، وكذلك الاهتمام بمجموعة متنوعة من مهام القيادة. وينبغى، أيضًا، النظر في القيود التي يضعها الاقتصاد الكلى على توظيف مقدمى الرعاية الصحية، كما أن هناك حاجة إلى تقييم كوادر العاملين متوسطى المستوى والعاملين فى الصحة المجتمعية ودورهم الممكن في التوسع فى علاج الفيروس المسبب لمرض الإيدز.

وتقدم فان دام وكيجلز تعليقاً قيماً على هذه الورقة يتعلق بحقيقة أن الأنظمة الصحية التي أنشأت في الأصل لتقديم الخدمات الصحية المتعلقة بالمراحل الحادة من المرض للأم والطفل، أصبح عليها، فجأة، أن تقدم الخدمة لأعداد هائلة من مرضى الإيدز الذين يحتاجون إلى رعاية الحالات المرضية المزمنة طوال العمر. وتوفر الورقة بيانات حول مدى توفر الأطباء والممرضات مقارنة بأعداد مرضى الإيدز في ١٣ دولة، وذهبا إلى أن البلدان التى تصل نسبة مرضى الإيدز فيها أكثر من ۲۰۰۰ مريض يعيشون مع الإيدز لكل طبيب عليها أن تطور نماذج تقديم علاج مضادات الفيروسات القهقرية مختلفة عن تلك المتبعة في جنوبي أفريقيا، وبالقطع عن تلك المتبعة في البرازيل أيضًا. التي يتوفر فيها طبيب لكل مريضين من مرضى الإيدز.

وتقدم بالمر دراسة حالة عن احتياجات الموارد البشرية فى النظام الصحى المتبع في مالاوى، والتي تتميز بانخفاض حاد في أعداد العاملين في قطاع الصحة، مقارنة حتى بالمعايير الإقليمية. وقد ساعد الممولون الحكومة على تطوير برنامج موارد بشرية طارئ، وتمويله، بهدف التعامل مع العوامل التي تدفع العاملين في خدمات الصحة العامة إلى ترك المهنة. وتناقش هذه الورقة أيضًا، حقيقة أن المانحين كانوا مترددين في ضخ استثمارات مهمة يحتاجها التعامل مع مشكلة بهذا الحجم والتعقيد، بسبب الحساسيات الاجتماعية والسياسية المتعلقة بها، وبسبب القلق حول استدامة التدخل، ومخاطر رفع الاعتمادية على المانحين.

تركز العديد من الأوراق البحثية في هذا العدد على القضايا النوعية الجانب الإنسانى من الموارد البشرية في رعاية الصحة الجنسية والإنجابية ووجهات النظر الواردة فيها هى فى الأساس وجهات نظر المريضات ومقدمات الخدمة. تدرس وود وجوكسΦ (مقال غير مترجم فى هذا العدد) آثار سعى ممرضات تخطيط الأسرة لوصم ممارسة المراهقين للجنس لأنهن لا يقرونها. فذلك يؤدى إلى معاملة فظة للمراهقات وعدم الاستعداد للإقرار بتجاربهن كمستخدمات لوسائل منع الحمل، وهو ما ينسف استخدامهن الفعال لتلك الوسائل. على أنه، إلى جانب التعنيف، فهناك قضايا أخرى مثل احترام العاملين فى مجال الصحة للسرية، حيث يفتقر المراهقون عادةً لضمان السرية في مرافق الرعاية الصحية الأولية.

وقد توصلت دراسة أجرتها جاروسفيسين، وليفاسور، وليلجيستراند على ليتوانيا، وقيمن فيها قرارات الممارسين العامين فيما يتعلق باحترام أو وعدم احترام سرية من هم أقل من ١٨ سنة، إلى أن تلك القرارات كانت تتأثر كثيرًا بقوى خارجية. وتشمل تلك القوى الإطار القانونى والموقف الاجتماعي من ممارسة المراهقين للجنس، والجوانب المؤسسية في المرافق الصحية مثل وجود ممرضة أثناء إجراء الفحص، ومدى إتاحة نظام حفظ الملفات الصحية. وتشمل العوامل الفردية علاقات الممارسين العامين مع أسر المراهقين ومواقفهم الشخصية من قضايا الصحة الجنسية والإنجابية. وعلى ذلك، فهناك تركيبة من العوامل التي لا يمكن الفصل بينها بسهولة، التي تدفع مقدمي الخدمة إلى محاكاة المعايير الاجتماعية للعالم المحيط بهم.

بيد أن العاملين في مجال الصحة لا يُنظر إليهم بشكل سلبى دائمًا. ففى ورقة مقدمة من إندونيسيا *. حول هذا الموضوع، ارتقى وصف مقدمى الرعاية الصحية بهم إلى مصاف الملائكة. فقد وصف أوتومو، وأرسياد، وهاسمى الدور المحوري الذي تلعبه متطوعات تخطيط الأسرة على مستوى القرية في إندونيسيا، واللاتي لا يقتصر دورهن على الترويج لتنظيم الأسرة وتقديم ما يساعد عليه، ولكن تخطاه إلى تنظيم اللقاءات، وتقديم المعلومات، وتنظيم أنشطة مدرة للدخل، وتقديم المساعدة الادخارية والائتمانية، وجمع البيانات وتقديمها وتوفير خدمات رفاه الأسرة الأخرى. وقد أصبح عملهن الذى كان له عميق الأثر فى التعاطى مع تخطيط الأسرة في البلاد ينظر إليه على أنه من المسلمات، حتى أنهن لا تتقاضين عليه أجرًا حتى اليوم. ويبدو أن ذلك يعود في المقام الأول إلى كونهن نساء تعملن في أبعد المناطق عن مراكز السلطة.

على أن المجتمع الذي تخدمه مقدمات الرعاية الصحية قد يحبط، في بعض الأحيان، ما تسعين إلى إحداثه من تأثير إيجابي على صحة النساء في تلك المجتمعات، وهو ما تصفه الورقة المقدمة من جاكوبΦ وآخرون. فعلى الرغم من العمل لخمسة عقود في برنامج لصحة المجتمع وتنميته فى الهند، ذی توجه واضح لصالح النساء، لا يزال التحسن في صحة النساء وتمكينهن متخلفاً كثيرًا عما أنجزه الرجل في هذا المجال. ويعتقد كتاب هذه الورقة أن السبب في ذلك هو المجتمع الذى يستخدم بميله الشديد نحو الذكور – المرافق الصحية وبرامج التعليم والتوظيف لمصلحة الرجل والصبى أكثر من استخدامه لها لمصلحة المرأة والفتاة.

ومن أمثلة الأوضاع الأخرى التي يتعارض فيها ما يفضله المجتمع مع ما يفضله العاملون في مجال الصحة مكان تقديم الرعاية ونوعيتها. وهو ما توضحه الورقة التي قدمها من بنجلاديش بولوم، وشارمان، ورونسمانزΦ. فقد نظرت تلك الدراسة فى جدوى الإنجاب في البيت مقارنة بالإنجاب فى المرافق الصحية من منظور مساعدات الولادة الماهرات. وقد أوضحت نتائج الدراسة وجود قيود كبرى تواجهها هؤلاء المساعدات أثناء الولادات المنزلية، وتشمل سوء النقل، وعدم ملائمة البيئة للوضع، وعدم كفاية المواد والأدوات، والافتقار للأمان، وعدم ملائمة التدريب والإشراف الطبي، وهي كلها أمور تعوق، فى بعض الأحيان، تقديم رعاية ماهرة. وكان أصعب ما فى الأمر الضغوط التي تمارسها الأسر من أجل الالتزام بمعايير الولادة التقليدية وإقناع تلك الأسر بالقبول بضرورة إحالة النساء إلى مرفق طبي ما عندما تواجه مشاكل فى الولادة. ومع ذلك تفضل بعض الأسر أن تلد النساء في البيت.

أخيرًا، قد تتقوض الجهود الوطنية الهادفة إلى بناء مهارات العاملين في مجال الصحة وتقديم خدمة على مستوى راق عندما تتغير الحكومة فيؤدى ذلك إلى تغير السياسة. وقد تتأثر تلك الجهود سلباً، أيضًا، عندما يُفتقر إلى إجماع بين الحكومة والجماعات المانحة، ويوجد تنافس بين الأولويات الصحية، ويتم تسييس المناقشات حول قضايا مثل الخصوبة والإجهاض. وقد أوضح هيل ودود، وداشدورج حدوث ذلك مؤخرًا في منغوليا، وهي بلد كانت تحرز تقدماً ملحوظًا في استخدام وسائل منع الحمل وتعليم النساء، وتقلصًا في وفيات الأمهات، ونجحت في إيجاد خدمات صحية مبتكرة صديقة للمراهقين، وطورت ممارسات لجماعات الأسر وصلت إلى المهمشين من السكان. وهكذا قد تختلق السياسة أهدافًا للصحة العامة تؤدى فى كثير من الأحيان إلى إضعاف مقدمي الخدمة الصحية.

ملامح أخرى

بدأت مجلة الصحة الإنجابية، منذ فترة، في نشر موضوعات عن قضايا الصحة الجنسية والإنجابية للمراهقين، بشكل منتظم. وهناك العديد من المساهمات في هذه الأدبيات فى عددنا هذا. من تلك المساهمات، ورقة قدمها وارنيوس وفاكسليد، وتشيشيمبا، وموساندو، وأونجانى ونيسن حول معارضة الممرضات/ القابلات للمواقف من احتياجات المراهقين الجنسية والإنجابية فى كينيا وزامبيا. وقد وجدت الدراسة أن من تلقين تعليماً أكبر وتعليماً مستمراً ملن إلى تبنى مواقف أكثر قرباً من الشباب. لذلك يقترح كتاب هذه الورقة التركيز على التفكير النقدى تجاه الأبعاد الثقافية والأخلاقية لممارسة المراهقين للجنس في التدريب ما قبل الجامعى والتعليم المستمر من أجل مساعدة الممرضات القابلات على التعامل بتعاطف أكبر مع واقع الممارسة الجنسية للمراهقين.

من تلك المساهمات أيضاً، الورقة التي قدمها رشيدΦ حول المراهقات المتزوجات فى الأحياء الحضرية الفقيرة في بنجلاديش، واللائى تمثلن جماعة شديدة الضعف. وقد وشت الطموحات الثقافية والاجتماعية بأن ۱۲۸ من بين ١٥٣ فتاة أجريت معهن المقابلات رزقن بأطفال قبل أن تكن مستعدات لذلك عاطفيًا أو جسمانيًا. ۲۷ من بينهن تخلصن من الحمل، أجبرت ۱۱ من بينهن على ذلك من أعضاء الأسرة الذين يعتمدون على ما يدررنه من دخل ويرغبون فى بقائهن فى العمل. إن الفقر، والظروف الاقتصادية، وعدم الإحساس بالأمان في الحياة الزوجية والسياسات المتبعة فى الأسرة، وغياب المهر، والتنافس بين أعضاء الأسرة، والزوجات، والأنسباء اجتمعت كلها لتدفع تلك الشابات إلى الإذعان للقرارات التي يتخذها الآخرون فيما يتعلق بحقهن في إنجاب الأطفال من أجل الاستمرار فى الحياة على أنه نظرًا لأن الإنتاجية الاقتصادية بدأت تتقدم دورهن الإنجابي في بعض الأسر، فإن أثر ذلك على القرارات المتعلقة بالإنجاب قد تزداد وطأة في المستقبل.

وعلى النقيض من ذلك، نجد أن معظم الشابات في اليابان لا تنجبن، حيث انخفض معدل الخصوبة في عام ٢٠٠٤ إلى 1.29. لقد دأبت سياسة السكان الدولية منذ ستينيات القرن الماضى على تشجيع تقليص نمو عدد السكان في العالم، بيد أن النجاح الذي أحرزته سياسات تخطيط الأسرة فى تحقيق هذا الهدف بدأ أنه تسبب فجأة في عودة بعض الديموجرافيين وصناع السياسة إلى تشجيع زيادة النسل. في هذا الصدد، تناقش ورقة جوتو، وياسومورا، وياب، ورايخ السبب الذي جعل اليابان تواجه حاليًا صراعًا بين الرغبة في تقليص حالات الحمل غير المرغوب فيه وزيادة معدلات الخصوبة على المستوى الوطنى فى الوقت نفسه. وقد توصلوا إلى وجود مشاكل نفسية اجتماعية في الأسر التي تم فيهال التخلص من الحمل غير المرغوب فيه. وقد وجدوا أيضًا أن الشباب يعتبرون تربية الأطفال حملاً لا يرغبون في تحمله فى معظم الأحيان: وتلك مشكلة متزايدة في بلدان أخرى كثيرة غير اليابان. وهم يرون أن على الحكومة أن تتعامل مع التحديات الاجتماعية التي تؤثر على حيوات الناس داخل الأسر، والتي تقف وراء معدلات الخصوبة المنخفضة الحالية، بدلاً من التركيز على محاولة عكس تقلص معدلات الخصوبة في حد ذاتها.

إن حق المرأة في تقرير ما إذا كانت راغبة في الاستمرار فى الحمل أم لا حق التزمت مجلة الصحة الإنجابية بالترويج له على صفحاتها منذ البداية. ومن دواعي سرورنا أننا استطعنا في هذا العدد أن ننشر ورقة لهنرى ديفيدΦ في هذا الموضوع، ركز فيها على التبعات التي تقع على الأطفال الذين يولدون لأمهات مُنعن من الإجهاض. وقد جمعت تلك الورقة نتائج دراسة استمرت لخمس وثلاثين سنة، وأجريت على أطفال ولدوا بين عامى ١٩٦١ و ١٩٦٣ في براج لأمهات حُرمن من إجهاض حمل غير مرغوب فيه. وتذهب نتائج هذه الدراسة، في مجملها، إلى أن منع إجهاض الحمل غير المرغوب فيه ينجم عنه ارتفاع احتمالات تأثير ذلك سلبًا على التطور النفسى – الاجتماعي والصحة العقلية لأطفال هذا الحمل حتى مرحلة الشباب، ويشمل ذلك احتياج الطفل إلى علاج نفسى، خاصة لو كان طفلاً وحيدًا.

شارك نيدادافولو وبراكنΦ بورقة حول محتوى المواد المعلوماتية المتعلقة بالإجهاض وتحديد نوع المولود في منطقة راجاستان بالهند، ورؤية الناس لها. ومعظم المواد المعلوماتية حول الإجهاض فى تلك المنقطة قدمها مقدم خدمة إجهاض واحد. وقد وفر القطاع العام مواد حول عدم قانونية تحديد نوع الجنين، بعضها لم يستطع التمييز بين اختيار النوع وأسباب الإجهاض الأخرى. وفي غياب معرفة الوضع القانونى للإجهاض، ساهمت الرسائل السلبية واللغة العنيفة للمواد المناهضة لاختيار النوع في النظر إلى الإجهاض على أنه غير مشروع في الهند. وبناءً على ما توصلا إليه من الدراسة، قاما بوضع كتيب مصور ممتاز موجه للمرأة ذات المستوى الضعيف في القراءة والكتابة، ودليل للمعلمين، يغطى الإجهاض وتحديد نوع الجنين، وقانون الإجهاض في الهند، ومخاطر الإجهاض غير الآمن، والحاجة إلى السعى للحصول على إجهاض آمن على يد مقدمي خدمة مدربين.

أخيرا، قام وو، وفيسانين وهيمينكي في دراستهم بتحليل المساهمات النسبية لقصور التقارير عن وفيات النساء، وإجهاض الجنين الأنثى وزيادة وفيات الأطفال حديثي الولادة من الإناث على ارتفاع نسبة أحد النوعين بين الأطفال حديثى الولادة في بلدة ريفية في مقاطعة أنهوى الصينية، بناءً على عينة شملت ٣٦٩٧ حالة حمل. وهي ليست أول دراسة تنشرها مجلة الصحة الإنجابية حول تفضيل أحد الجنسين فى أجزاء من آسيا، ولا يتوقع أن تكون الأخيرة. وقد توصلت هذه الدراسة إلى أن الإجهاض الانتقائى للأجنة الإناث ربما كان أكبر مساهم فى الارتفاع الشديد لنسبة الذكور بين الأطفال حديثي الولادة. ويبدو أن قصور الإعلام بالمواليد من الإناث وإهمال الأطفال حديثى الولادة من الإناث أو سوء رعايتهن يلعب فى ذلك دورًا ثانويًا. وقد ساعدت التكنولوجيا الجديدة، خاصة الأشعة بالموجات فوق الصوتية قبل الولادة، على أن تصبح سياسة الطفل الواحد في الممارسة طفل واحد على الأقل“. تصف هذه الورقة أيضًا كيف قام العاملون في تخطيط الأسرة في البلدة بإجراء اختبار الحمل بشكل إجبارى كل شهرين أو ثلاثة على كل المتزوجات دون الخمسين، وكيف كان يتم إبلاغ مكتب تخطيط الأسرة بالبلدة بنتائج كل حمل، وما إذا كان قد أسفر عن سقوط حمل أو إجهاض أو ولادة طفل متوفى، أو ولادة طفل حي، أو وفاة طفل حديث الولادة. هذا المستوى من فرض النظام والسيطرة على الحمل نفسه يستحق المزيد من الاهتمام.

أخيراً، بدا أنه من المناسب أن نعيد نشر الخطوط الإرشادية الأخلاقية للإتحاد الدولي لأطباء أمراض النساء والتوليد حول الإعتراض الأخلاقي في هذا العدد من المجلة، نظراً لتأثير الاعتراض الأخلاقى على ممارسة أخصائيي التوليد وأمراض النساء، وغيرهم من مقدمى رعاية الصحة الجنسية والإنجابية. فهذه الخطوط الإرشادية توضح مسؤولية مقدمي الخدمة في كل وقتعن علاج المرضى الذين يتولون رعايتهم، أو تقديم ما يفيدهم ومنع ما يضرهم. وأى اعتراض أخلاقى على علاج مريض يجب أن يأتي في مرتبة تلى واجبه الأول هذا“.

منظور النوع الاجتماعي

هناك جانب شبه غير مرئى فيما يتعلق بمسألة الموارد البشرية، وتظهره الأوراق المنشورة في هذا العدد، وهو الجانب الخاص بالنوع الاجتماعي. ففى البلدان التى يتدنى فيها وضع المرأة كثيرًا عن وضع الرجل، على وجه الخصوص، لا ترتفع فقط احتمالات إهمال المريضات أو سوء علاجهن، ولكن وضع العاملات في صحة المرأة عادة ما يكون أقل، أيضًا، من وضع أخصائيي الصحة والعاملين فيها من الرجال، وكذلك الحال أيضًا بالنسبة لأجرها (إن تقاضت أجرًا في الأصل). كذلك، عادةً ما تقل مهارات النساء في تلك البلدان غما يتطلبه تقديمهن لمستوى مناسب من الرعاية للمرضى. إنه ليس من قبيل المصادفة ولا سوء الحظ أن تظل وفيات النساء بما فيها تلك الناجمة عن تعقيدات الإجهاض غير الآمن، مشكلة صحة عامة كبرى في هذا العدد الكبير من البلدان. فمرد ذلك أن النساء من الطرف الأساسي والمتأثر الأساسي.

الخلاصة

من المحبط ألا يؤدى إنتاج المعرفة، في كثير من الأحيان إلى تحرك ملموس. ومن المقلق أيضًا أن أفضل الأفكار والجهود تبذل لوصف أسباب وأبعاد المشاكل، بينما يعانى الأفراد والمؤسسات الموجودة على الأرض، والمسؤولين عن تنفيذ الحلول، دائمًا، من نقص العمالة، والتمويل، والدعم. إن الاستنتاجات التي يمكن أن نخلص إليها من الأوراق المقدمة فى هذا العدد واضحة جلية.

فعلى الدول أن تعمل معًا للتعامل مع الاحتياج العالمي لمقدمي خدمات الرعاية الصحية المهرة على مستوى العالم. وللوفاء باحتياجات السكان الذين يتزايدون دائمًا المتنامية لمزيد من الرعاية الصحية التي تلعب فيها الموارد البشرية دوراً محوريًا، ينبغي أن تُخصص للصحة نسب أكبر من الميزانيات الوطنية، وينطبق ذلك على العالم المتقدم الذي يملك المال لتدريب كل ما يحتاج من عاملين في مجال الصحة دون انتزاعهم من النظم الصحية التى تعانى موارد أقل بكثير. أخيراً، ينبغى على مقدمى الرعاية الصحية أن ينضموا معًا في جمعيات مهنية ونقابات حتى يناضلوا من أجل الحصول على تدريب وظروف عمل أفضل، ومن أجل إيجاد نظم صحة عامة قوية، لأن مصلحتهم من مصلحة مرضاهم.

مختارات مترجمة من مجلة

Reproductive Health Matters

يصدر هذا العدد بتمويل من مجلة الصحة الإنجابية بإنجلترا

Reproductive Health Matters

الصور الداخلية من إعداد R. H. M

صورة الغلاف

صورة غلاف العدد الإنجليزي

رقم ٢٧ مايو ٢٠٠٦

حفل تخرج الممرضات

مدينة مكسيكو ١٩٩٦

 

Φ المقالات التي تحمل هذه العلامة غير منشورة في هذا العدد ويمكن الرجوع إليها في العدد الإنجليزي رقم ٢٧(١٤) مايو ٢٠٠٦.

مقالات الاعداد

تعزيز نظام الصحة والارتقاء بالعلاج بمضادات الفيروسات القهقرية
معالجة أزمة الموارد البشرية في مالاوي
تأثير نقص المهنيين الصحيين في مجال صحة الأمومة في إفريقيا جنوب الصحراء
المولدات في المغرب شريكات ماهرات في رعاية الأمومة
مواقف الممرضات القابلات من احتياجات المراهقين الجنسية والإنجابية في كينيا وزامبيا
الارتقاء برعاية ما بعد الإجهاض في جواتيمالا
قواعد مرشدة حول الاعتبارات الأخلاقية في مسألة الاعتراض الضميري
قائمة المصطلحات
نظم الصحة وتيسير الحصول على عقاقير مضادات الفيروسات القهقرية لعلاج فيروس نقص المناعة البشرية في أفريقيا الجنوبية
شارك:

اصدارات متعلقة

عيد الأم ما بين الاحتفاء بقيمة الأمومة و ترسيخ الدور النمطي للنساء
خدمات الصحة الجنسية فيما بعد سن الإنجاب ضرورة لتمكين النساء
ختان الإناث في مصر... جريمة تعذيب ضد الإنسانية
حقوق النساء من اجل العدالة والتنمية
الإيدز خطر صامت يهدد حياة النساء في ظل جائحة كورونا
إشكاليات التقاضى فى جريمة التحرش الجنسي
أسئلة وأجوبة بشأن الوقاية من كوفيد 19 ومكافحتها للعاملين /ات في مجال الرعاية الصحية
الحصاد - عامان على الخلع " دراسة تحليلية "
دليل تدريبي " العنف ضد النساء "
فتحي نجيب والحركة النسائية المصرية وحقوق الانسان