النساء والتاريخ
رقم الايداع:
2003/12138
رقم العدد:
15
تاريخ النشر:
2010
رئاسة التحرير:
هيئة تحرير:
تصميم:
افتتاحية
يتعرض هذا العدد من“طيبة” لموضوع من أكثر الموضوعات تأثيرًا فيما يختص بالنساء وأوضاعهن في المجتمعات كافة، وهو موضوع علاقة النساء بالتاريخ، فيحاول العدد الإجابة عن أسئلة حول دور الحقب التاريخية المختلفة والظروف السياسية والإقتصادية والاجتماعية في تلك الحقب في تشكيل صور النساء في الوقت الحاضر، بالإضافة إلى موضوعات مهمة أخرى نستعرضها في السطور التالية.
تفتتح العدد ورقة بعنوان:”نحو تأسيس منهج لدراسة تاريخ النساء في مصر: مؤسسة المرأة والذاكرة– رؤية شخصية“، وفيها تقدم“هالة كمال” عرضًا بحثيًا متميزًا لأنشطة مؤسسة“المرأة والذاكرة“، وهي مؤسسة أهلية بحثية التفتت إلى الدور الخطير الذي لعبته، ومازالت تلعبه، الكتابة التاريخية في تشكيل صور النساء وأدوارهن. كما قامت المؤسسة في مشروعاتها المختلفة، كما يتضح من مقال“کمال“، بإعادة كتابة للتاريخ المصرى تهتم بدراسة تاريخ النساء ودور هذه الدراسة التاريخية في التعرف على أدوار النساء. وتقوم المؤسسة بهذا الجهد كعمل سیاسي يهدف إلى تقديم رؤية بديلة للتاريخ، بالإضافة إلى تشكيل وعى بديل بأحوال النساء في الحاضر والمستقبل.
کما تقدم“نولة درويش” عرضًا لمشروع آخر لكتابة التاريخ الإسلامي من منظور نسوى من خلال عرض عدد من أعداد مجلة“المرأة والحضارة” تحت عنوان“المرأة في التاريخ الإسلامي“، وهو عدد يحتوى على عدد كبير من المقالات، بالإضافة إلى مائدة مستديرة وباب وثائقى وغيرها. ويتضح من خلال العرض تركيز المقالات على الحضور البارز للنساء في حقب مختلفة من التاريخ الإسلامي وتراجع هذا الحضور في حقب أخرى وأسباب مثل هذا البروز أو التراجع. ولكن تأخذ عارضة هذا العدد على جميع مواده أنها تتعامل مع“المرأة المسلمة” بطريقة“جوهرانية” تتجاهل الاختلافات بين النساء المسلمات في أقطار مختلفة وأحيانًا داخل القطر الواحد، في الوقت نفسه الذي تتجاهل فيه هذه المواد الجوانب المشتركة بين النساء المسلمات وغيرهن من نساء العالم.
يحتوى العدد أيضًا على مقال نظري مهم لـ“أليس كيسلر – هاريس“، تحت عنوان:”لماذا سيرة حياة؟” وفيه تقدم الكاتبة مدخلاً آخر لدراسة التاريخ وهو سيرة الحياة فتقدم الكاتبة رؤية حول كتابة سيرة الحياة كنوع تاريخي وليس أدبيًا فقط، حيث تعتبر سيرة حياة الفرد انعكاسًا للأوضاع السياسية والاجتماعية في مجتمعه/ ها. وتتخذ“كيسلر – هاريس” من سيرة حياة كاتبة المسرح الأمريكية“ليليان هيلمان” نموذجًا لما تدعو إليه من استخدام سيرة حياة الفرد كمصدر تاریخی مهم. وتؤرخ الكاتبة من خلال سيرة الحياة هذه لموقف المجتمع المتحيز ضد فردية المرأة الكاتبة والمثقفة، فبينما يتقبل المجتمع بعض المواقف الأخلاقية للكُتَّاب الذكور؛ يبدى تشددًا كبيرًا ورفضًا شديدًا للتصرفات نفسها عندما تصدر من امرأة، بل وقد يبلغ التحيز درجة تنحو بهذا المجتمع إلى إنكار أي صفة إيجابية تتمتع بها المثقفة مثلما يحدث في حالة“هيلمان” التي تقدم بصورة“الوقحة” وغير المبالية بينما تنكر عليها صفات الكرم والحنان والقدرة الكبيرة على إدارة الموارد المالية لها ولزوجها.
كما يقدم مقال، «خمسون عامًا من محاولة التأثير النسوى على الجمهورية الفرنسية الخامسة” لـ“رينبو مورای“، عرضًا تاريخيًا مفصلاً لجهود ونضالات الحركة النسوية في فرنسا من أجل اكتساب مزيد من الحقوق السياسية للنساء على مدى الخمسين عامًا الماضية. وتتمثل أهمية المقال في هذا العدد في إظهار مدى المقاومة الشرسة لحصول النساء على حقوقهن السياسية حتى في دولة يتم النظر إليها عادة على أنها معقل للمناداة بالعدل والمساواة بين البشر جميعًا، مما يدفعنا إلى المزيد من التأمل في أحوال النساء في بلدان أخرى لا تتمتع بالقدر نفسه من الإيمان بهذه القيم في دساتيرها وسياساتها.
ومن فرنسا إلى فلسطين، حيث تعرض منيرة صبرى“الكتاب أدوار المرأة الفلسطسنية في الخمسينيات حتى أواسط الستينيات 1950 – 1965: المساهمة السياسية للمرأة الفلسطينية” للناشطة والباحثة الفلسطينية“فيحاء عبد الهادي“، وفيه تقدم“عبد الهادى” دراسة ميدانية لشهادات الرواة والراويات حول تاريخ نضال النساء الفلسطينيات في حقبة من أهم حقب الصراع العربي – الإسرائيلي. وتؤكد“عبد الهادي” في كتابها الدور الرائع الذي قامت به النساء في تأريخ المراحل المختلفة للصراع والأدوار العديدة السياسية والاجتماعية والعسكرية للنساء في هذا التاريخ.
ومن خلال الورقة القيمة التي يقدمها“خالد أبو الليل” تحت عنوان:”المرأة في المأثور الشعبي العربي: الجازية ابنة السلطان سرحان” يقدم هذا العدد لأحد أهم جوانب التاريخ وهو التاريخ الشعبي وعلاقته بالنساء، حيث يتضح مدى احتفاء السيرة الشعبية – الشفاهية والمدونة– بالمرأة ممثلة في هذا البحث بـ“الجازية” ابنة السلطان سرحان في السيرة الهلالية. ويركز البحث على الأدوار الإيجابية للجازية ودلالتها على مكانة النساء في المجتمع العربي، التي يعد المأثور الشعبي انعكاسًا لها.
في مقال“المتحف من منظور النوع الاجتماعي” يقدم“يسرى مصطفى” رؤية نسوية لجانب من أهم جوانب الثقافة التاريخية وهو“المتحف“. فكثيرًا ما يكون المتحف ليس مخزنًا وأرشيفًا للتاريخ فقط، لكنه مصدر للمعرفة والتثقيف حول موضوع معين أيضًا. ويلفت“يسرى مصطفى” النظر في مقاله إلى إهمال هذا الجانب الأخير من ثقافة المتحف، خاصة فيما يختص بالنساء وقضايا النوع الاجتماعي، ويدعو“مصطفى” المنظمات الحقوقية والنسوية بصفة خاصة للاهتمام بهذا الدور الخطير للمتحف في قضايا النوع الاجتماعي كجزء لا يتجزأ من النشاط التمكيني الذي تقوم به.
أما التاريخ العثماني في مصر أو في غيرها فيحصل على نصيب الأسد في هذا العدد، حيث يشتمل العدد على ثلاث مواد تدور كلها في إطار التاريخ العثماني. ففي بحثهما المعمق حول“وصايا، ووقفيات، وأفعال: هبات النساء المدينية في اسطنبول العثمانية” تقدم كل من“إيجين إسين” و“ابرو أوسوداغ” دراسة للدور الذي لعبته النساء في المدن العثمانية مابين القرنين الخامس عشر والتاسع عشر من خلال أوقافهن، وهو دور اجتماعي في حصول النساء على هوية مدينية وفي دعم دورهن كمواطنات في الدولة العثمانية. ويؤكد البحث أن“الوقف” لا يقتصر على كونه نوعًا من أنواع البر فقط وإنما يتعدى ذلك ليصبح أيضًا أداة لأدوار اجتماعية مختلفة مثل التوظيف والتعامل مع القوانين والمحاكم الشرعية والتعرف على حاجات المجتمع والاستجابة والمساهمة في تخطيط المدن وإمدادها بالمرافق اللازمة لقضاء حاجات ساكنيها.
وبالمثل، تؤكد ورقة“محمد عفيفي” حول“المرأة والثروة والعائلة في مصر في العصر العثماني” دور“الوقف” في دعم مكانة النساء في الفضاء العام في مصر العثمانية من خلال إدارة أوقافهن بما يتضمنه ذلك من القدرة على التفاوض وغيرها من مهارات القيادة والإدارة، وإن كان يظهر أيضًا الوجه الآخر المتمثل في استغلال الوقف أحيانًا في حرمان النساء من الميراث أو في التحكم في مستقبلهن من قبل آبائهن أو أزواجهن حتى بعد وفاة هؤلاء الأزواج.
أما كتاب“مصر في محمد على” والذي تعرض له“رندة أبو الدهب” فهو يقدم شهادة للرحالة الإنجليزية“صوفيا لين” حول أحوال النساء من طبقات اجتماعية مختلفة في عهد محمد على، وذلك عن طريق ما تمتعت به كامرأة إنجليزية من حرية في التنقل والتعرف على النساء في فضائهن الخاص بمن فيهن نساء الطبقة الحاكمة من خلال الدخول إلى مجتمعات“الحريم” في قصر السلطان نفسه، فيقدم الكتاب نظرًة لنساء مصر في هذا العصر تختلف كثيرًا عن نظرة الرحالة من الرجال.
نرجو أن يمثل هذا العدد الذي نعتقد أنه قد تأخر كثيرًا في تناول هذا الموضوع المهم من موضوعات الدراسات النسوية، إضافة للمكتبة العربية في دراسات النساء، وندعو القراء مجددًا إلى التفاعل مع مواد العدد من خلال البريد الإلكتروني لمؤسسة المرأة الجديدة أو لرئيسة تحرير هذا العدد.