النسوية والهوية
رقم الايداع:
2002/12138
رقم العدد:
عدد تجريبي
رقم الطبعة:
الأولى
تاريخ النشر:
2002
رئاسة التحرير:
ترجمة:
هيئة تحرير:
تصميم:
لماذا مجلة نظرية
في مواجهة الاتهامات ومحاولات الاستغلال فكرت طيبة أن ترحل عن تلك المدينة التي لا تستطيع التفاهم مع أهلها، لكنها بعد أن فكرت قررت أن تبقى (قصة طيبة لأماني أبو زيد). لذا قررنا أن نبقى.. رغم إشكاليات اللغة، والمفاهيم، والأدوار النمطية، قررنا أن نستكمل جهد من سبقننا ونشتبك مع كل تلك الإشكاليات حتى نخلق لغة التفاهم والتفاعل مع كافة قوى التقدم –وهي كثيرة– في مجتمعنا.
بداية نرحب بقرائنا الأعزاء في العدد التجريبي من مجلتنا الوليدة طيبة، ونشكر كل من ساهمن وساهموا في تحويل تلك الفكرة إلى واقع ملموس سواء كان ذلك من خلال المشاركة المباشرة في موضوعات هذا العدد أو من خلال التشجيع والملاحظات البناءة. كما نتوجه بتحية خاصة إلى الأجيال السابقة من الرائدات، سواء على مستوى بلورة الخطاب النسوي من خلال النضال المباشر، أو من قمن بالمجهود النظري الذي نحن نتاج له اليوم. ولا يمكننا هنا أن نذكر الجميع، فالكل شارك بهذا القدر أو ذاك، وكل الأمل يبقى في الأجيال القادمة.
طيبة مجلة نسوية غير دورية يصدرها مركز دراسات المرأة الجديدة، وهي منظمة نسوية بدأت نشاطها منذ منتصف الثمانينات، وهي الفترة التي يبرزها بوضوح بحث “صفحات من نضال النساء المصريات” المنشور في هذا العدد، باعتبارها فترة إعادة نهوض الحركة النسائية المصرية. تتمحور أنشطة المركز حول برامج من شأنها دفع وتعزيز الحركة النسوية في مصر والعالم العربي وتعزيز حقوق النساء وقدراتهن من خلال مشروعات تهتم بالواقع المعاش للنساء من جهة والخطابات المتعددة حول أدوار النساء من ناحية أخرى.
تعانى المنطقة العربية – وخاصة مصر– من نقص في مجال التناول النظري لدراسات نسائية ونسوية مما يجعلنا دائما في وضع المتلقى لخطابات عالمية يتم صياغتها وتشكيلها بعيدًا عن واقعنا المعاش وتجربتنا الثقافية والتاريخية، هذا على الرغم من التزايد المستمر لإنتاج النسويات العربيات والمصريات، والذي للأسف ينشر معظمه باللغات الإنجليزية والفرنسية، أو يتوزع في دوريات مختلفة، تجعل من الصعب على المهتمين والمهتمات الاطلاع عليها بشكل منتظم. وقد شهدت مصر محاولات عديدة في العقد الأخير من القرن الماضي لإصدار دوريات نسوية نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر مجلات “هاجر” و“نور” و“نون” ولكنها للأسف لم تستمر، وفي ذلك ما يستدعي التمعن والتفكير والبحث. نأمل أن تكون مجلتنا امتدادًا لتلك المحاولات، كما نأمل أن تساهم في استعادة تلك المبادرات وتشجيع مبادرات أخرى لتطوير وتجميع الجهود النظرية من منظور نسوى، وهو مجال يتسع ويحتاج للعديد من الجهود.
أبرز ما نهدف له من خلال هذه المجلة هو التأكيد على التعددية والابتعاد عن مفهوم الخطاب الأحادي الشمولي المهيمن، وأن تكون طيبة منبرًا تتفاعل فيه وعبره الخطابات النسوية المتنوعة التي تشتبك بشكل فعال مع الخطابات الأخرى في المنطقة. كما نهدف أيضًا إلى مراجعة العلاقة بين مجال الدراسات النسوية (العمل النظرى) ومجال النشاط النسوى (الممارسة) لأننا نؤمن أن المساحات المشتركة بين المجالين لا تسمح بوجود هذا الانفصال المفتعل. لقد أثبتت تجربتنا العملية أن إثراء المجال النظري للدراسات النسوية يثرى بدوره مجال الممارسة العملية، وأن اشتباك العمل النظري مع المشكلات التي تواجهها النساء يؤثر إيجابيًا على تطوير أدوات للبحث النسوى تنطلق من الحياة اليومية للنساء بما يمكن من الربط بين النظرية والممارسة في العمل النسوى. ومن ثم نحاول أن تضم مجلتنا مختلف الأصوات والآراء التي من شأنها تطوير وإثراء الإسهامات النظرية في مجال الدراسات النسوية في مصر والمنطقة العربية وسد الفجوة بين النظرية والممارسة بصرف النظر عن مدى تطابق تلك الآراء مع رؤيتنا.
تعكس بعض العقبات التي واجهناها ونحن بصدد إصدار طيبة واقع المجال النظري للدراسات النسوية في مصر والدول العربية وبعضا من إشكالياته. بداية، فقد واجهنا مشكلة القصور والندرة الشديدة في مجال الدراسات النظرية المكتوبة باللغة العربية؛ فمعظم الكتابات التي تتناول المنطقة العربية ومنطقة الشرق الأوسط عامة –حتى تلك المكتوبة بأقلام كاتبات ترجع أصولهن لتلك المناطق – مكتوبة بالأساس باللغة الإنجليزية (أو الفرنسية في حالة المغرب العربي) وموجهة بالأساس لجمهور الأكاديميين والعاملين بتلك اللغات. لذلك اهتممنا بأن تضم طيبة ترجمة بعض تلك الأوراق والدراسات إلى اللغة العربية، لإيماننا بأن الترجمة تثرى عملية الاشتباك مع الخطابات الأخرى الإقليمية والعالمية وتفتح لنا آفاق عديدة لتناول الكثير من الموضوعات من وجهات نظر ورؤى مختلفة. ومن ناحية أخرى فإن عملية الترجمة تثرى مجال الدراسات النسوية نفسها وذلك من خلال إثراء لغة الحوار والبحث حول تلك الموضوعات وتحليلها. كما نضيف ناحية ثالثة، وهي محاولة اجتذاب النسويات العربيات إلى تطوير خطاب يستعمل اللغة العربية كأداة للتعبير، مما يؤدي إلى تطوير هذه اللغة وإثرائها بالبعد النسوي الغائب.
وينقلنا هذا إلى مناقشة إشكالية الترجمة وإشكالية اللغة. فالقصور الموجود في مجال الدراسات النسوية النظرية ينعكس بوضوح على مجال اللغة. ولا نعني هنا مجموعة المفردات التي تتكون منها لغة ما، ولكننا نعني قدرة اللغة ومرونتها للتعبير عن معاني ومفاهيم الدراسات النسوية ودراسات النوع الاجتماعي وتحليلها. لقد حاولنا مع المجموعة الرائعة من المترجمات اللاتي شاركن في هذا العدد أن نجتهد في الوصول إلى ترجمة سلسة للكثير من التعبيرات والمصطلحات التي مازال بعضها جديدًا على اللغة العربية (مثل الجندر، النوع الاجتماعي، والجنوسة) وتكون في نفس الوقت أمينة في توصيل روح النص إلى القراء. لكننا نؤمن أن هذا الموضوع يحتاج إلى جهود كبيرة، ونأمل أن تستطيع طيبة فتح باب المناقشة حول تلك الإشكالية وأن نساهم، ولو بالقليل، في إثراء اللغة المستخدمة في مجال الدراسات النسوية ودراسات النوع الاجتماعي. ولا يفوتنا هنا الإشارة إلى ثراء اللغة العربية في التعبير عن التباينات والتفاصيل الدقيقة. هناك حاجة إلى البحث في هذه اللغة العربية الثرية واستنباط التعبيرات التي تشير إلى واقع جديد على صعيد حركة النساء على مستوى العالم.
اتفقنا على أن تضم طيبة مجموعة من الأبواب الثابتة في كل عدد: أوراق ودراسات، مقالات مترجمة، عروض كتب، على أن تتصدى معظم الأبواب إلى قضية محددة في كل عدد، بحيث يتم تناول هذه القضية من أكثر من زاوية، ونعرض للآراء المختلفة حولها. تتناول كثير من موضوعات هذا العدد إشكالية الهوية، كيفية صياغتها وتشكيلها في إطار معطيات تاريخية واجتماعية بعينها، ومن ثم إعادة صياغة تلك الهوية وعلاقتها بسياسات القوى والخطابات السائدة. في مقالة “النساء والطب والسلطة في مصر في القرن التاسع عشر والمنشور ضمن كتاب “إعادة تشكيل النساء: النسوية والحداثة في الشرق الأوسط“، يتناول خالد فهمي أول مدرسة للقابلات التي أنشأها محمد على عام ۱۸۳۲، موضحًا أنه على عكس الشائع بأن تلك المدرسة كانت بداية التنوير وتطوير أوضع النساء في مصر، فإن دافع محمد على لإنشائها كان في الأساس لخدمة الجيش الذي كان يعاني من انتشار مرض الزهري، ولم يكن هناك بديل أمام محمد على سوى علاج النساء بالإضافة إلى تدريبهن على توفير العلاج لحماية جيشه المتنامي. ويتعرض خالد فهمي في مقالته لدراسة ظروف الملتحقات بهذه المدرسة، وحياتهن بعد التخرج وتدخل السلطة في شتى مناحي حياتهن لضمان تحقق الهدف من تعليمهن وهو الوصول لكافة المعلومات التي كان من المتعذر معرفتها من خلال الأطباء وحلاقي الصحة من الرجال.
تأتي أهمية عرض مقال فالنتين مجدم حول النساء وسياسات الهوية في أنه يقدم بانوراما حول تطور المفاهيم المتعلقة بالهوية عمومًا مع التركيز على تأثير ذلك في إدراك النساء كهويات مغايرة ومتنوعة، وذلك في إطار التغيرات التي أرستها آليات العولمة. والمقال هو مقدمة لكتاب “الهوية والسياسات والنساء: النسوية وإعادة تقييم الثقافة من منظور عالمي” الذي قامت بتحريره الكاتبة، وبالتالي فإن المقال يستعرض أهم الأفكار الواردة بالمقالات الأخرى التي يتضمنها الكتاب. وحيث أن الكتاب معنى بأوضاع النساء في منطقة الشرق الأوسط، فإن المحررة أولت جزءًا هامًا من مقدمتها لموضوع الإسلام السياسي مع ربطه بمفهوم الهوية الثقافية. وهي تتساءل عن آثار سياسات الهوية على الحركة النسوية وعلى مفهوم تحرير المرأة. وأخيرًا، فإنها تطرح أهمية الاستناد إلى مرجعية شاملة تربط نضال النساء في هذه المنطقة بالمناطق الأخرى في العالم حيث أن هناك إمكانية للتوصل إلى معايير موضوعية وقيم عالمية.
“صفحات من نضال النساء المصريات” جزء من دراسة قام بها مركز دراسات المرأة الجديدة خلال عام 1999، أو بالأحرى يمثل الجزء المنشور في هذا العدد الخلفية التاريخية التي يمكن أن تساهم في فهم الأوضاع الراهنة لحركة النساء المصريات. ويبدو جليًا من العرض التاريخي أن الحركة النسائية المصرية –كما هو الحال في العديد من الأقطار العربية الأخرى – قد ولدت في أحضان حركة التحرر الوطني وبالتوازي معها. ولكن ما أن تم إيجاد بعض الحلول للقضية الوطنية، حتى برزت على السطح الأصوات المنادية بعودة المرأة إلى ممارسة أدوارها التقليدية، مع ارتفاع حدة الخطاب الأبوى الذكوري الذي لم يعد حكرًا على الرجال وحدهم. ويبدو أن التنقيب والبحث في تاريخ النساء المصريات من منطلق نسوى يعد أحد الخطوات المهمة على طريق بلورة خطاب أو خطابات بديلة من ناحية، وفي محاولة الوصول إلى أرضيات مشتركة للنضالات النسائية. والجدير بالذكر أن هذه المحاولة ليست الأولى من نوعها سواء بالنسبة لنا أو لغيرنا من المدافعات والمدافعين عن قضايا النساء المصريات.
وتقدم ميرفت عبد الناصر نمطًا آخر أو صورة أخرى لتشكيل وصياغة هوية النساء وهي صياغتها عن طريق التعبير الجسدى أو كما تقول هي “الهوية المرسومة بحدود الجسد الذي تحول إلى بيئة خاصة أو وطن نحيا داخله وليس من خلاله“. وتناقش ميرفت عبد الناصر في مقالها عددًا من الظواهر الطبية (سلوكيات الأكل المرضية) والمجتمعية (الحجاب) التي تمارس النساء عبرها صياغة هوية مختلفة تعترف بهن كذوات إنسانية خارج الصور النمطية التي تشكلها لهن مجتمعاتهن من خلال التحكم بأجسادهن وإعادة تشكيلها. وتربط میرفت بين هذه السلوكيات وبين التغيرات السياسة والاقتصادية والاجتماعية في العديد من البلدان.
ويطرح عادل أبو زهرة في مقالة “تأنيث الثقافة” أن الثقافة الذكورية التي عاشت البشرية في ظلها آلاف السنين قد وصلت بالعالم مع بداية القرن الميلادي الجديد إلى طريق مسدود مأزوم. ويرى أنه قد أصبح من الضروري إعادة النظر في هذه الثقافة والنظر بتعاطف أكثر مع الثقافة النسوية، أى التي من صنع النساء. وفي تناول مشوق – ومثير للجدل أيضًا – يستعرض عادل أبو زهرة ملامح هذه الثقافة الأنثوية.
ومع أول أعدادنا نفتح ملف فلسطين. لقد رأينا تكريس مقالة في كل عدد من أعداد مجلتنا لمناقشة الأوضاع التاريخية والراهنة للحركة النسوية في فلسطين وعلاقاتها بالخطابات الاجتماعية والسياسية السائدة سواء على المستوى الرسمى أو غير الرسمي. يتناول مقال نهلة عبده العلاقة بين النسوية والوطنية في سياق الانتفاضة الأولى ودور النساء والمنظمات النسائية خلالها. وتميز نهلة عبده في مقالها بين نوعين من الوطنية: “الوطنية الرسمية” و“الوطنية الشعبية“. وبالرغم من انتقاداتها الحادة للنوع الأول من الوطنية إلا أنها تدرك مدى قصور الوطنية الشعبية خاصة في مجال حقوق المرأة وتمكينها. وتخلص نهلة عبده من خلال العمل الميداني ومقابلاتها مع العديد من النساء إلى زيادة الوعى النسوى وبروز الدور الذي لعبته المنظمات النسائية خلال الانتفاضة. وتعتقد أنه لا تراجع بالنسبة لدور النساء في حركة التحرير الوطنية الفلسطينية. ويبقى هذا الاعتقاد موضوعًا للمناقشة والتحليل خاصة في ظل التطورات التي طرأت على وضع القضية الفلسطينية وتأثير ذلك على الحركة النسوية ودور النساء.
ويأتي عرض كتابي: “المرأة والجنوسة في الإسلام“، و“الكتاب المقدس وفقًا لحواء” في إطار محاولتنا لفتح أبواب أوسع للحوار والاشتباك مع العديد من القضايا والموضوعات كما يأتي أيضًا ضمن رغبتنا في تحريك المياه الراكدة. فالكتاب الأول رغم صدوره من سنوات عديدة ورغم كونه أحد أهم الكتابات التي تتناول قضايا المرأة والنوع الاجتماعي من منظور تاريخي إلا أنه كما تشير هالة كمال في تقديمها له لم تتم ترجمته في مصر سوى مؤخرًا. وبينما يتناول كتاب “المرأة والجنوسة في الإسلام” قضايا المرأة والنوع الاجتماعي في إطار الثقافة الإسلامية من منظور تاريخي؛ يتناول “الكتاب المقدس وفقًا لحواء” صورة المرأة في الكتاب المقدس بعهديه القديم والجديد من وجهة نظر نسوية ومن وجهات نظر بحثية مختلفة.
كذلك نقدم ترجمة لعرض كتاب “إعادة صنع المرأة: النسوية والحداثة في الشرق الأوسط” والذي يتناول الصراع والتناقض بين النسوية والحداثة من خلال العديد من المقالات عن مصر وإيران وتركيا يجمع بينها التشابه في حياة النساء رغم اختلاف الخطابات السائدة القومية أو الدينية أو العلمانية.
وختامًا، نأمل أن نسهم، من خلال مجلتنا، ولو بالقليل في مجال الدراسات النسوية في مصر والمنطقة العربية كما نأمل أن تستأنف المطبوعات التي سبقتنا في هذا المجال نشاطها وإن تبادر مجموعات أخرى بإسهاماتها.
هيئة التحرير