العدد الرابع – رسائل الذاكرة

آفاق البحث النسوي

ماهي أفاق البحث النسوي، وما هي الأسئلة المطروحة على أجندة البحث في هذا المجال؟ أو بالأحرى ما هي الأسئلة التي تهمنا، أو ماذا نأخذ وماذا نترك، بحيث تعبر الأسئلة المطروحة عن واقعنا واحتياجاتنا البحثية؟ أول ما يتبادر إلى الذهن كثرة القضايا وتنوعها وتشابكها، بحيث يصعب أحياناً الفصل بينها. ولذلك، اخترت التركيز على مجال يهم الباحثات والباحثين في ملتقى المرأة والذاكرة وهو استعادة تاريخ نساء الشرق الأوسط. وقبل أن أتطرق إلى بعض الموضوعات المهمة بالنسبة لنا، أبدأ بعرض سريع للقضايا التي تناولتها الباحثات النسويات في سياقات مختلفة وحدث بالفعل تراكم معرفي ذو شأن في الغرب. هناك مساحات مشتركة كثيرة جداً وتجارب يمكن الاستفادة منها، ولا أقول نقلها نقلاً، مع الأخذ في الاعتبار التمايزات الموجودة على المستوى الاجتماعي والسياسي والاقتصادي والثقافي. (۱)

هناك علاقة وثيقة بين بدايات البحث في تاريخ النساء وبين حركات المطالبة بحقوق النساء التي نشطت ونمت بسرعة في القرن العشرين. ومع هذا لم ينحصر البحث في تاريخ النساء في نطاق أجندة مرسومة بصرامة لتلبية احتياجات الحركة، ونجحت الباحثات النسويات في إثارة موضوعات كثيرة والتفاعل مع الفرضيات المعرفية وعموماً، سلكن أربعة اتجاهات رئيسية. أول اتجاه يركز على إنجازات النساء العظيمات على نسق إنجازات الرجال العظماء في التاريخ التقليدي. ثاني اتجاه يدرس أصول ومصادر المجتمعات الأبوية حيث تقع النساء ضحايا المجتمع. هنا يتجه البحث إلى تحليل علاقات القهر والقمع والعلاقات غير المتكافئة بين الجنسين. ثالث اتجاه يسلط الضوء على الفترات التي شهدت محاولات منظمة من قبل النساء للتصدي لفكرة استبعادهن من الحياة العامة. رابع اتجاه مستوحى من مبادئ أساسية في الوعي النسوي وهو أن نعتبر ما هو شخصي سياسياً ومن ثم نتعامل مع العام والخاص بوصفها مساحات مرتبطة ومتشابكة. ومن الأشياء الهامة في البحث النسوي التشكيك في التضاد الثنائي بين العام والخاص.

مع حلول الثمانينات نجحت الباحثات النسويات والمؤرخات في إنتاج كم هائل من المعرفة التاريخية عن النساء. هذا التراكم شجع محاولات عديدة من قبل باحثين وباحثات لتقييم هذا الاتجاه. فمثلاً في الثمانينات نجد كتابات تقيم ما حدث. في مقالة شهيرة للمؤرخة جيردا ليرنر Gerda Lerner تستعرض فيها بعض إنجازات الباحثات النسويات في التاريخ. أولاً، أثبتن أن للنساء تاريخاً تم بالفعل طمسه وتهميشه.

في مجال الأدب مثلاً، نكتشف أنه كانت توجد كاتبات كثير جدًا لم يعترف بهن النقاد واعتبروا أعمالهن غير جيدة رغم تميزها. والآن نقرأ لهن وتمتلئ المكتبات بكتبهن. اثبتن أيضًا أن هناك تمييزًا ضد المرأة في كتابة التاريخ وهو تمييز مبني على الجنس وليس على القيمة، وهذه نقطة مهمة. ثالثًا، برهن على ضرورة اعتبار فكرة التشكيل الثقافي والاجتماع للجنسين عنصراً تحليلياً في كتابة وقراءة التاريخ. رابعًا، ونظراً إلى أن المصادر التاريخية في العادة تستبعد النساء، أصبح من الضروري إعادة قراءتها وتحليلها من منظور يعي هذا التمييز. أي أن الهدف ليس كتابة مصادر جديدة فقط، وإنما وجب علينا أن نذهب إلى القديم ونقرأ مع الأخذ في الاعتبار انحيازات المؤرخين ضد المرأة. خامساً، ذهبن إلى أن الحقب التاريخية المتعارف عليها تناسب إنجازات الرجال وهمومهم ويجب إعادة النظر فيها. سادساً، هناك حاجة لمراجعة مجموعة الافتراضات المعرفية الأولية.

جميع الأسئلة المتضمنة في هذا العرض السريع مطروحة ومازالت على أجندة البحث في تاريخ نساء الشرق الأوسط. هناك أيضاً أسئلة كثيرة مرتبطة بحياتنا وواقعنا توجه البحث في مناطق أخرى. تستفيد هنا وتتفاعل مع باحثات أخريات من بلدان العالم الثالثأو بلدان لها قدر عال من السمات المشتركة. أما عن الاتجاهات الهامة، من وجهة نظري. في البحث في تاريخ نساء الشرق الأوسط فهي بدأت بالفعل، ولكنها تحتاج إلى جهد وتركيز لتفرض نفسها على ساحة البحث في العالم العربي. فهي اتجاهات تتناول تاريخ النساء مع الأخذ في الاعتبار متغيرات أساسية، منها نشأة وصياغة خطاب الحداثة عن المرأة، الاستعمار وأثره على كتابة التاريخ، بعض المشاكل التي وعت بها أخيراً الحركة النسائية العالمية وهي خصوصية التحديات وارتباطها بالواقع الفعلي المعاش، أو إلى أي مدى تتدخل هوية وانتماءات السائل أو السائلة في توجيه الإجابات وتشكيل أسلوب البحث. وتفكيك المركزية الغربية. على صعيد آخر، نحتاج في العالم العربي إلى الانفتاح على ثقافات العالم والتحرر من أن تلعب الثقافة الغربية دور الوسيط بيننا، فلا نتعرف على الإنتاج الثقافي في الهند إلا عندما يجري الاعتراف به في الغرب. إلى جانب هذا، فإن إدخال المنظور المقارن في الدراسات التاريخية، خاصة تلك التي تتناول تاريخ النساء، من شأنه أن يثري البحث ويجنبه الوقوع في تبني الافتراضات السائدة.

إن استعادة تاريخ نساء الشرق الأوسط ليس بالأمر السهل، لأننا نفعل هذا ونحن محاطون بصراعات سياسية وحضارية كثيرة ومتضاربة. كلها تستخدم المرأة وتاريخها لكسب النقاط. فكتابة التاريخ مرتبطة بصياغة وتشكيل الوعي، وكتابة بحث عن عقود الزواج في القرن الثامن عشر يمكن أن تتحول إلى معركة سياسية على صفحات الجرائد. هذه المحاذير تقودنا إلى مناقشة مشاكل حرية البحث في العالم العربي وغياب المؤسسات البحثية التي تهيئ للباحثات والباحثين الظروف المواتية لإجراء الأبحاث على صعيد آخر. هذه المحاذير تضع في صدارة الوعي والاهتمام العلاقة بين البحث والنشاط الاجتماعي من أجل التغيير.

هذا العدد : نحاول في هذا العدد تقديم تنويعات بحثية تلقي بالضوء على تاريخ النساء أو تستخدم التاريخ في المشاركة في مناقشات دائرة حول قضايا بعينها. فترصد داليا عزمي ديناميكية الجدل النسوي بين نساء العالم الأولونساء العالم الثالث“. وتسلط الضوء على نجاح الباحثات من العالم الثالثفي إعادة صياغة المفاهيم والمبادئ النسوية. ففي البداية، يتم التركيز على فكرة الاختلاف والخصوصية الثقافية والعرقية بدلاً من الأختية” sisterhood ثم تليها مرحلة تفكيك لمفهوم الاختلاف وبيان إمكانيات تحوله إلى خطاب أحادي وجامد، ثم تأتي محاولات صياغة مفاهيم ذات دلالات جديدة. أما رانيا عبد الرحمن فتركز على مساهمة الباحثات النسويات في إعادة النظر في الكتابات السائدة حول وضع المرأة في جزر الكاريبي ومدى ارتباطهن بالمجال العام، وذلك من خلال تسليط الضوء على الوضع الخاص بالنساء في ظل نظام العبودية السائد. اما هالة كمال، فتستشرف التاريخ لتقدم مساهمتها في الجدل الدائر في الأوساط النسوية حول السبل المجدية لانخراط العمل النسوي في المجال العام. أما عرض ليلى حسيني لكتاب اليسون بيكر، أصوات مقاومة، فيلقى بالضوء على اتجاه بحثي قوي، يعتمد على الروايات الشفاهية في إعادة كتابة تاريخ النساء، وإعادة تقييم الدور الذي قمن به في فترات تاريخية حاسمة، وهي في هذا المثال بالتحديد فترة النضال الوطني في الجزائر. أما كتاب العمل الأهلي المرأة في المنظمات الأهلية العربية، الذي تعرض له هدى السعدي، فهو يربط أيضاً بين النضال الوطني وبين عمل الجمعيات النسائية في كافة البلدان العربية.

إن مشاركة النساء المنتميات إلى ثقافات العالم المختلفة في قراءة التاريخ من منظور يأخذ في الاعتبار عنصر التشكيل الاجتماعي والثقافي للجنسين، أي gender من شأنه أن يفتح آفاقاً واسعة للبحث والتنقيب قد تقدم رؤى مختلفة ومسارات جديدة نسعى فيها وإليها.

هدى الصدة. أستاذة بقسم اللغة الإنجليزية كلية الآداب جامعة القاهرة، وعضوة مؤسسة بملتقى المرأة والذاكرة.

(۱) تناولت هذه النقطة في مقابلة عنوانها المرأة والذاكرةفي مجلة ألف ( عدد خاص عن الجنوسة والمعرفة: صياغة المعارف بين التأنيث والتذكير) العدد ۱۹، ۱۹۹۹

مقالات الاعداد

المشاركة السياسية للنساء العرب في مجال العمل الأهلي
الأستاذة زينب الإتربي
قالت الرواية
صدر مؤخراً
أنشطة الملتقى
أعزاؤنا القراء والقارئات
يا نساء العالم : هل تتحدن!!
تصوير المرأة في كتابة جامايكا في الفترة ما بين عامي 1900 - 1950
ثقافة النساء والسياسات النسوية
قصص لم ترو: اشتراك المرأة المغربية في الحركات الوطنية وحركات المقاومة المسلحة
شارك:

اصدارات متعلقة

الحصاد - عامان على الخلع " دراسة تحليلية "
دليل تدريبي " العنف ضد النساء "
فتحي نجيب والحركة النسائية المصرية وحقوق الانسان
ممنوع على الستات
ماما تحت الأنقاض
تشويه مش طهارة
العمالة المنزلية : استغلال جنسي تحت نظام الكفالة
المرآة لم تحررني، بل زادتني بوعي وثقل تاريخي كأنثي