العدد صفر – رسائل الذاكرة
رقم العدد:
صفر
تاريخ النشر:
1998
التقديم:
فريق التحرير:
ملتقى المرأة والذاكرة
نحن مجموعة من الباحثات والباحثين المهتمين بقراءة التاريخ الثقافي العربي من منظور يأخذ في الاعتبار التشكل الثقافي والاجتماعي للجنسين. التقينا حول اهتمامنا بالتاريخ الثقافي العربي واجتمعنا على اختلاف تخصصاتنا بل وأحيانا على اختلاف أفكارنا ومواقفنا. يجمعنا إحساسنا بالحاجة الملحة لوجود مؤسسات بحثية عربية فعالة تشجع وتدعم الباحثات والباحثين المهمومين بالبحث فى الجوانب الثقافية التي تمس قضايا المرأة المعاصرة. يجمعنا أيضًا اقتناعنا بأهمية توطيد وتوسيع دائرة اتجاهات البحث عبر التخصصات وذلك للخروج من العزلة الأكاديمية المفروضة علينا بسبب المبالغة في حصر الباحث في مجال التخصص الدقيق. وأخيرًا وليس آخرًا، نتفق جميعًا على أهمية القيام بأبحاث متخصصة بالتعاون مع أو في سياق تجمعات نسائية نشيطة مهمومة بتحسين وضع المرأة في المجتمع.
لماذا التركيز على إعادة قراءة التاريخ الثقافي العربي كمدخل لتناول قضايا المرأة المعاصرة والنهوض بوضعها في المجتمع؟
إن الهدف من هذه القراءة هو إعادة التوازن المنشود للذاكرة الجماعية التي تم تشويهها بسبب عملية الإقصاء والاستبعاد التي عانت منها النساء والفئات المهمشة فى المجتمع. ونظرًا إلى أهمية الذاكرة الجماعية في تشكيل الهوية وفي تحديد عناصر الانتماء والترابط بين أفراد المجتمع الواحد ومن ثم تحديد القضايا الرئيسية وتوضيحها، يكتسب البعد التاريخي أهمية خاصة. ينصب اهتمامنا على قراءة التاريخ العربي من منطلق أن النساء يشكلن جزءًا هامًا من المجتمع وأنهن قمن بدور هام في صنع وتشكيل التاريخ العربي وأنه لأسباب لا مجال للخوض فيها الآن، تم استبعادهن من التاريخ الرسمي المدون، أو بعبارة أخرى تم تهميش دورهن وتقليص حجم وأهمية مساهمتهن مما أدى إلى تشويه التاريخ ومن ثم تشويه الذاكرة الجماعية. إن الهدف من إعادة قراءة التاريخ العربي لا يقتصر على كونه هدفًا أكاديميًا يبغى المعرفة ويطلب العلم كغاية في حد ذاته. إنه هدف سياسي من الدرجة الأولى إذ إنه يعد تعبيًرا عن موقف
من الحياة واهتمامًا بالمشاركة الإيجابية في الواقع الثقافي والاجتماعي من أجل إحداث تغيير أو تطور نحو حياة الثقافية واجتماعية أكثر عدلاً وأكثر توازنًا لجميع أفراد المجتمع.
إن القراءات الحديثة فى تاريخ الشعوب المختلفة فتحت، ومازالت تفتح، مساحات واسعة للمعرفة كما سلطت الضوء على علاقة المعرفة بالقوة أو بالسلطة السائدة، مما ترتب عليه مراجعة بعض الفرضيات الأساسية في مناهج البحث المعتمدة. هناك تراث غزير من الدراسات في التاريخ استطاعت بالفعل التصدى لعمليات الاستبعاد والتهميش التى تعانى منها المرأة في العلوم وفى الحياة اليومية. وعلى نفس المنوال، هناك تراث ثرى جدًا من الدراسات التاريخية التي تعيد النظر في مناهج التأريخ السائدة في موقفها من فئات عديدة في المجتمع تم تهميش حضورها وإقصاؤها من الذاكرة الجماعية. هذه المادة البحثية موجودة بصفة أساسية بلغات أجنبية لأنها بطبيعة الحال تتناول تواريخ شعوب أخرى، إلا أن هناك أيضا كمًا لا بأس به من الدراسات التاريخية المكتوبة بلغات أجنبية عن التاريخ العربي (لباحثين وباحثات من أصل عربي أو أجنبي) تهتم بالنساء كفئة من الفئات المهمشة وتسعى إلى التعامل مع الآثار المترتبة على عصور الإقصاء والاستبعاد.
وبالنظر إلى المكتبة العربية، نكتشف خلوها شبه التام من الدراسات في التاريخ العربي التي تتطرق إلى قضايا التشكل الثقافي والاجتماعي للجنسين. وأسباب هذا القصور كثيرة وشائكة وتستحق المناقشة، أذكر منها على سبيل المثال، ودون الاستفاضة في عرضها التدهور العام الذي طال الجامعات، وانهيار مؤسسات البحث عامة والبحث في العلوم الإنسانية والاجتماعية خاصة، وعدم وجود حركة نسائية لها القدرة على فرض أسئلتها واهتماماتها على الساحة الثقافية. ومن ثم أصبحت هناك حاجة شديدة لخلق تراكم معرفي من الدراسات التي تبحث في التاريخ العربي من منظور يأخذ في الاعتبار التشكل الثقافي والاجتماعى للجنس والتى تستفيد من النظريات الحديثة في مجال العلوم الإنسانية والاجتماعية وتتناول التاريخ من زوايا عبر التخصصات المختلفة.
هذا عن الفرضيات البحثية الأساسية التي يتبناها الملتقي
إن الهدف الأساسي وراء تأسيس ملتقى المرأة والذاكرة هو دعم الأبحاث في التاريخ الثقافي العربي وتشجيع الإصدارات الثقافية التي من شأنها إضافة معلومات هامة تعين المجموعات النشيطة في مجال حقوق النساء. ومن ثم يصب عمل أعضاء الملتقى بصفة أساسية في إنتاج مادة ثقافية متخصصة وأخرى غير متخصصة أو سهلة التداول لتكون متاحة لجمهور أوسع من القراء.
ما هي الأنشطة التي يقوم بها ملتقي المرأة والذاكرة في الوقت الحالي؟
على سبيل المثال لا الحصر، يتبنى الملتقي المشروعات التالية: إصدار كتاب سنوى يحتوى على دراسات متخصصة في التاريخ الثقافي العربي من منظور يأخذ في الاعتبار التشكل الثقافي والاجتماعي للجنسين. وجمع وتوثيق سير النساء المصريات اللاتي شاركن في الحياة العامة في أوائل القرن الحالي خصوصًا هؤلاء اللاتي لعبن دورًا هامًا في دفع الحركة النسائية. وتجربة إعادة كتابة بعض السير والحكايات الشعبية من منظور نسوى. وإصدار نشرة من أجل دعم الصلات بين الباحثين في مجال التاريخ الثقافي العربي ولتيسير تبادل الخبرات. وإنشاء مكتبة متخصصة في الدراسات التاريخية.
وتصب هذه الأنشطة جميعًا في طريق واحد هو إنتاج مادة ثقافية من شأنها زعزعة بعض المفاهيم السائدة حول أدوار النساء وعلاقتها بالثقافة، بهدف توفير الأدوات الثقافية الفعالة للمساهمة في إزالة العقبات التي تحول دون نهضة المرأة.