وثيقة القاهرة ماذا حدث منذ 1994
رقم العدد:
9
تصميم الغلاف:
التحرير:
ترجمة:
هيئة تحرير:
افتتاحية العدد
مقدمة ضرورية
أولاً نعتذر لقرائنا عن عدم صدور العدد في موعده، وذلك بسبب العقبات التي يخلقها قانون الجمعيات الجديد، والذي تثبت الأيام صحة رؤية المنظمات غير الحكومية، له من حيث تقييد وإعاقة عمل المنظمات غير الحكومية. لقد انتقل إصدار مجلة الصحة الإنجابية إلى مؤسسة المرأة الجديدة – هذا هو العدد الأول بعد إشهار المؤسسة – وكان علينا أن نحصل على موافقة وزارة الشئون الاجتماعية على المنحة المقدمة من مجلة الصحة الإنجابية الإنجليزية، لإصدار ترجمات لبعض مقالاتها إلى العربية. ورغم أن القانون ينص على أنه ينبغي لجهة الإدارة أن ترد على الطلب المقدم في خلال ستين يومًا إلا أن الوزارة لم ترد بالموافقة حتى شهر أكتوبر.
ثانيًا: ننتهز هذه الفرصة لنقدم خالص الشكر والامتنان باسم مؤسسة المرأة الجديدة، لكل من شارك في أعمال هذا العدد بداية بالمترجمين، ومراجع اللغة، ومكتب بروموشن تيم، فالجميع قاموا بعملهم كالمعتاد بعد أن شرحنا لهم الظرف الذي نمر به، ووافقوا على عدم الحصول على مستحقاتهم إلا بعد وصول الموافقة لتقديرهم لأهمية مجلة قضايا الصحة الإنجابية. ونقدم شكرنا أيضًا إلى هيئة Reproductive Health Matters Magazine, UK حيث تفهموا الوضع وأسباب تأخرنا في الالتزام بالمواعيد المنصوص عليها في الاتفاقية المبرمة معهم.
وأخيرًا نضع بين أيديكم هذه العدد حول “عشرة أعوام بعد تطبيق برنامج عمل المؤتمر الدولي للسكان والتنمية” ونأمل أن يحوز تقديركم، وأن تصلنا تعليقاتكم على البريد الإلكترونى لمؤسسة المرأة الجديدة، [email protected]
تتبع أهمية هذا العدد من طبيعة الموضوع ألا وهو ماذا حدث بعد مرور عقد على المؤتمر الدولى للسكان والتنمية. لقد أثار المؤتمر وبرنامج العمل الصادر عنه في ١٩٩٤، جدلاً حادًا في كل العالم، وبشكل خاص في البلدان العربية والإسلامية وصل إلى حد مقاطعة بعض الدول للاجتماع. كما أن برنامج العمل الصادر عن المؤتمر والمعروف بوثيقة القاهرة، مثل في حينها قفزة كبرى للأمام فيما يتعلق بقضايا الصحة الإنجابية، حيث طرحت من خلال منظور حقوق الإنسان، كما أثار المؤتمر العديد من القضايا المسكوت عنها، مثل ختان الإناث، والإجهاض، والصحة، الجنسية للشباب، والتثقيف الجنسى، إلخ. وكلها أمور أدت إلى إنجازات هامة على صعيد المفاهيم والسياسات والقوانين المتعلقة بالصحة والحقوق الإنجابية والجنسية.
وربما لم تثر وثيقة من الوثائق الدولية من الجدل ما أثارته وثيقة المؤتمر الدولى للسكان والتنمية ١٩٩٤ والمعروفة بوثيقة القاهرة. كانت عملية الوصول إلى صياغة نهائية للوثيقة عملية مضنية لكل الأطراف، واستطاعت الحركة النسائية الدولية مدعومة بجهود الحركات النسائية على المستوى الوطنى أن تحقق نجاحًا كبيرًا سواء على مستوى المحتوى أو اللغة. بدأ ذلك بتغيير اسم المؤتمر حيث تم إضافة كلمة التنمية.. بما يعكس النقلة التي تمت في تناول قضايا صحة النساء وإخراجها من المفاهيم الديموغرافية البحتة، إلى مفهوم التنمية بالمعنى الأشمل والأوسع. من جانب آخر تم إدخال مفهوم الحقوق الإنجابية والجنسية وتوسيعه ليشمل صحة النساء والفتيات في كل مراحل العمر. وكانت وثيقة القاهرة أول وثيقة دولية تحمل مصطلح الحقوق الإنجابية. ورغم أن الوثيقة لم تنجح في أن تحمل الوثيقة مصطلح الحقوق الجنسية، إلا أن القضايا المتعلقة به كانت مثار نقاش واسع وعميق، وكان من أبرز القضايا التي أثارتها هى مسئولية الرجال والفتيان عن سلوكهم الجنسى، وتحمل تبعات ذلك السلوك: وهي أمور اتضحت أهميتها فيما بعد. على سبيل المثال الجدل الواسع في الإعلام المصرى حول قضايا إنكار النسب، أو قضية هند الحناوي وأحمد الفيشاوي، والذى نوقشت فيه لأول مرة مسئولية الرجال عن سلوكهم الجنسي، وجاء حكم المحكمة مؤكدًا على ذلك.
وفي مصر شهدت الشهور السابقة للمؤتمر والتالية لها جدلاً واسعًا بين الحركة النسائية المصرية وبين القوى المحافظة، وحظت قضية التشويه الجنسى للإناث (الختان) على سبيل المثال باهتمام غير مسبوق ونجحت الحركة النسائية في السنوات التالية في تغيير السياسة الحكومية المصرية فيما يتعلق بالختان. وللأسف فإن ذلك الاهتمام لم يستمر بنفس القوة، فعلى عكس المشاركة القوية والفاعلة للمنظمات غير الحكومية خاصة المنظمات النسائية في ١٩٩٤، كانت هناك مشاركة محدودة كمًا وكيفًا في الاجتماع الدولى في ٢٠٠٤ عام بمناسبة مرور عشر سنوات على وثيقة القاهرة.
لقد جرت مياه كثيرة في مجال الصحة الإنجابية – سواء مدًا أو جذرًا – ومن الهام أن نتعلم من تجارب الآخرين في الدول ذات الأوضاع المشابهة لنا في آسيا وإفريقيا وأمريكا اللاتينية، وهى خبرات ثرية عن حق. وقد حرصنا في هذا العدد – الذي اخترنا مقالاته من أحدث عددين صدرا باللغة الإنجليزية – أن يعكس تنوع القضايا المثارة حاليًا في مجال الصحة الإنجابية والجنسية، سواء على مستوى المفاهيم والإشكاليات أو على مستوى السياسات والخدمات. وقد تبدو بعض المقالات والآراء مختلفة عن الأوضاع الحالية في المجتمع المصري والعربي، لكنها تظل شديدة الفائدة من زاوية النهج الذى تتبناه في تناول القضايا، ألا وهو عدم التجاهل أو الإنكار حتى الآن ما زالت العديد من الدول العربية ومن بينها مصر تهمل قضايا الأمراض المنقولة جنسيًا، وإن كانت الشواهد تدل على انتشارها الواسع رغم نقص الدراسات والبحوث والمعلومات. وهذا النقص بحد ذاته سبب مهم وراء غياب الخدمات الضرورية: حيث تكتفي الجهات المسئولة بالتهوين من شأنها. لقد حدث ذلك مثلاً مع ختان الإناث: فحتى عام ١٩٩٥ كانت الحكومة المصرية تشير إليه في تقاريرها إلى الهيئات الدولية، باعتباره عادة في سبيلها إلى الانقراض إلى أن جاءت نتائج المسح الديموغرافى والصحى (۱۹۹5) الصادمة لنعرف أن %۹۷ من النساء المصريات في الفترة العمرية ١٥–٤٩ سنة قد خضعن للختان. وتكرر الأمر نفسه مع قضية العنف الأسرى ضد النساء، حيث كان يتم إنكاره إلى أن جاءت نتائج المسح الديموغرافى المشار إليه لتوضح أن امرأة من بين كل ثلاث نساء متزوجات أو سبق لهن الزواج تعرضت للضرب على الأقل مرة واحدة في العام السابق على المسح.
يتضمن العدد مقالات متنوعة كتبتها أكاديميات وناشطات في المنظمات غير الحكومية، وبعض من يعملن في مؤسسات التمويل، وهو بذلك يقدم طيفًا واسعًا من الرؤى والخبرات فيما يتعلق بكيفية تطبيق برنامج عمل المؤتمر الدولي للسكان والتنمية، النجاحات التي تحققت والتحديات والإشكاليات التي برزت في التطبيق، والتدخلات المتميزة التي أبدعتها قوى التغيير.
يطرح العدد إجمالاً قضية هامة، ألا وهى قضية أهمية بناء التحالفات والشراكات بين مختلف الأطراف المعنية الحكومية وغير الحكومية والقطاع الخاص. متناولاً الدروس المستفادة من عدد من التجارب المختلفة في هذا المجال. فمقال فيسيكا جوميس يناقش الشراكة التي تمت بين الحكومة والمنظمات غير الحكومية في المكسيك، وهي خبرة نحتاج إليها بشدة في الدول العربي، خاصة في ظل سياسات التكيف الهيكلي وتراجع دور الدولة في توفير الخدمات الصحية. ويطرح مقال دايان كوبر (وآخرون) عشر سنوات من الديمقراطية في جنوب إفريقيا: توثيق التغيرات التي طرأت على سياسة الصحة الإنجابية ووضعها ودور المنظمات غير الحكومية في الضغط على الحكومة لإحداث المزيد من التغييرات وتقديم الخدمات، وخاصة في مجال فيروس نقص المناعة البشرية/ الإيدز.
أمر آخر يزيد من أهمية هذا العدد هو وجود أكثر من مقال، وأكثر من خير عن النساء العربيات، وهو أمر يحمد لمجلة الصحة الإنجابية، حيث أن صوت النساء العربيات غائب بدرجة كبيرة من النقاشات الدائرة حول قضايا الصحة والحقوق الإنجابية والجنسية، فتقدم لنا الباحثة والناشطة اللبنانية أفاميا قدور (وآخرون) في مقال “مفاهيم النساء عن الصحة الإنجابية في ثلاثة مجتمعات حول بيروت – لبنان” محاولة لتعريف الصحة الإنجابية من منظور النساء العربيات في إطار الوضع الاقتصادي والعلاقات الزوجية الجيدة وقدرتهن على مواصلة الحياة، والورقة تحمل موقفًا نقديًا – بغض النظر عن الاتفاق أو الاختلاف معها – لبرنامج عمل مؤتمر السكان، وهذه خطوة مفتقدة عمومًا حيث لا توجد سوى دراسات عربية محدودة باللغة الإنجليزية تشتبك مع القضايا المثارة دوليًا. أما الورقة الثانية “هل تتحدى النساء في البلاد العربية النظام الأبوي؟؟” بقلم فيليب فارجس، فتناقش إشكالية هامة ألا وهي لماذا لم ينعكس انخفاض معدلات خصوبة النساء في البلدان العربية على وضعيتهن في المجتمع والتي ما زالت منخفضة كما أوضح تقرير التنمية الإنسانية العربي الذي صدر عام ٢٠٠٢.
في هذا العدد أيضًا ورقة باربارا كلوجمان التي انتقلت من صفوف النسويات الناشطات في مجال صحة المرأة إلى صفوف العاملين في مؤسسات التمويل، حيث تعمل حاليًا كمسئولة عن البرامج المتعلقة بالصحة الإنجابية والجنسية في مؤسسة فورد. هذه الخبرة المزدوجة ساعدت المقال على التصدي لعدد من القضايا الهامة في العلاقة ليس فقط بين هيئات التمويل والمنظمات غير الحكومية، بل وبين المنظمات غير الحكومية في الشمال والجنوب، وهي تطرح – من بين قضايا أخرى – مسئولية المنظمات غير الحكومية في الجنوب بشكل خاص عن التأثير على “أجندة” مؤسسات التمويل وأولوياتها، من خلال قراءة متأملة للنجاحات والتحديات التي أعقبت المؤتمر الدولي للسكان والتنمية (القاهرة ۱۹۹٤) وقدرة المجتمع المدني وهيئات التمويل على معالجتها. وتناقش الورقة أيضًا أهمية التحالفات مع الحركات الأخرى التي تواجه التحديات نفسها في ظل العولمة، وتزايد المد الأصولي في العالم.
ومن خلال استعراض كيف تم تطبيق مبادئ المؤتمر وتوصياته على مدى العقد الماضى، تؤكد ليلى الحسيني، في مقالها “التقدم العالمي في مجال السياسات والعمل الدفاعى حول الإجهاض” على أهمية البحوث والعمل الدفاعي في كسر الصمت العالمي عن الإجهاض غير المأمون، والحاجة إلى الجمع بين المداخل الحقوقية ومداخل الصحة العام، وإلى خلق شراكات استراتيجية مع حركات العدالة الاجتماعية الأخرى كأساس لزيادة فعالية الجهود المتعلقة بالإصلاح القانونى ولكفالة حصول النساء على خدمات الإجهاض المأمون.
أما دراسة “تجارب الفقراء مع الخدمات الصحية في تنزانيا“، فتناقش أسئلة هامة “ماذا كانت تجربة الفقراء مع الخدمات الصحية بعد إدخال برنامج إصلاح القطاع الصحي والمشاركة في التكلفة؟؟ وهل تحققت أهداف الوصول إلى الخدمة ومستوى الرعاية والعدالة؟ وما هي العوائق الأساسية التي واجهها الفقراء للوصول للخدمات، وكيف أثر ذلك على صحتهم وعلى تعرضهم للخطر على المدى الطويل؟“. وهي وثيقة الصلة بما يجري في مصر بعد إدخال سياسات التكيف الهيكلي، وخصخصة الخدمات الصحية وصناعة الدواء في مصر. نفس الحجج المطروحة في هذا المقال لتمرير موضوع إدخال الرسوم على الخدمات الصحية – التي كانت يومًا ما مجانية – هي التي استخدمت في تبرير سياسات التكيف الهيكلى والخصخصة في مصر، والحق أن هذه الدراسة تطرح علينا أهمية عمل مراجعة مشابهة للأدبيات المتوفرة في مصر، من منظور النوع الاجتماعى والعدالة الاجتماعية فقد أصبح الفقراء – وخاصة النساء – بشكل متزايد بدون حماية صحية، خاصة في حالات الطوارئ.
وأخيرًا يتضمن العدد وثيقة هامة هى أول خطة استراتيجية عالمية تعدها منظمة الصحة العالمية عن الصحة الإنجابية، وقد تبنتها الجمعية العامة السابعة والخمسين لمنظمة الصحة العالمية في مايو ٢٠٠٤، بعد مشاورات مكثفة في جميع الأقاليم مع ممثلى وزارات الصحة والهيئات المتخصصة والهيئات غير الحكومية وشركاء الأمم المتحدة وغيرهم من الأطراف المعنية الرئيسية. تحدد هذه الاستراتيجية خطوات العمل المطلوبة لإسراع التقدم نحو تحقيق الغايات التنموية للألفية والغايات والمستهدفات الدولية الأخرى ذات الصلة بالصحة الإنجابية، خاصة المؤتمر الدولى للسكان والتنمية عام ١٩٩٤ وخطته الخمسية للمتابعة. وكما يقول د. بول فان لوك – مدير قسم بحوث الصحة الإنجابية – منظمة الصحة العالمية” يمثل الإجماع القوي للجمعية العمومية لمنظمة الصحة العالمية على هذه الاستراتيجية رسالة واضحة أن جميع الدول ملتزمة ببذل قصارى جهودها لتنفيذ برنامج العمل الخاص بتحقيق أهداف المؤتمر الدولي للسكان والتنمية الذي تم تبنيه عام ١٩٩٤.
هيئة التحرير
مقالات الاعداد
- الناشر: المرأة الجديدة
- الناشر: المرأة الجديدة
- الناشر: المرأة الجديدة