الإجهاض قضية للنقاش
رقم العدد:
5
التحرير:
ترجمة:
هيئة تحرير:
تقديم
هل نجرؤ على مناقشة الواقع؟
موضوع هذا العدد هو قضية الإجهاض. اخترنا أن نتناولها لأنها قضية هامة وتؤثر على صحة وحياة ملايين النساء في مصر وفي العلم كله، ذلك أن غالبية حالات الإجهاض تتم بشكل سري لأن قوانين كثير من البلدان تحظر إجراء الإجهاض إلا في أحوال محدودة حينما يمثل الحمل خطرًا على حياة المرأة أو صحتها، ورغم أن الإحصائيات في مصر تكاد تكون غائبة إلا أن الإحصائيات الدولية توضح مدى خطورة الموضوع. تقدر منظمة الصحة العالمية أن 13% من وفيات الأمهات،أو ما يقرب من ۸۰۰۰۰ حالة وفاة سنويًا تنتج عن مضاعفات الإجهاض وتنتج تلك المضاعفات عن إجراءات الإجهاض غير الآمن، وهو ما جعل قضية الإجهاض تحتل موقعًا هامًا في المناقشات الدائرة حول صحة المرأة، وحول السياسات السكانية عمومًا. ولعل أبرزها المناقشات التي احتدمت في منتصف التسعينات حول وثيقة المؤتمر الدولي للسكان والتنمية (القاهرة ١٩٩٤).
تمس السياسات التي تتصدى للقضايا السكانية جانبًا حساسًا من حياة البشر. وتاريخيًا انحصرت السياسات السكانية في البعد الديموغرافي الذي يتعامل مع التحكم في خصوبة النساء كاستراتيجية أساسية لحل المشكلات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية، دونما أي اعتبار للصحة والحقوق الإنجابية للنساء. وتحضيرًا للمؤتمر قامت النساء في جميع أنحاء العالم بجهود دؤوبة لتصبح صحة النساء وحقوقهن في بؤرة الاهتمام، وقد انعكس ذلك على الوثيقة التي كرست لأول مرة مفهوم الحقوق الإنجابية للنساء في عدد من فقراتها، وقدمت تعريفًا واضحًا للصحة الإنجابية باعتبارها ليست مجرد الخلو من المرض أو الإعاقة ولكنها حالة من اكتمال الرفاهية البدنية والنفسية والاجتماعية، في جميع الأمور المتعلقة بالجهاز التناسلي ووظائفه وعملياته “كما أن الوثيقة أشارت إلى أن رعاية الصحة الإنجابية من شأنها تعزيز حقوق الفرد بما في ذلك حقه في أن يقرر بحرية ومسؤولية عدد أطفاله وفترة المباعدة بينهم وحقه في حياة جنسية مرضية وآمنة.
وقد تعرضت الوثيقة أيضًا لقضية الإجهاض وتأثيرها على صحة النساء في الفصل السابع، مشيرة إلى إن عدد كبير من النساء يضطر إلى الإجهاض لأسباب متعددة، وأهمية أن يتم ذلك بطريقة آمنة حفاظًا على حياة النساء (فقرة ١٢) كما حثت الوثيقة على إتاحة الثقافة الجنسية والإنجابية وكذلك سبل وسائل منع الحمل الآمن حتى لا يحدث حمل غير مرغوب فيه تضطر معه بعض النساء إلى الإجهاض (فقرة 5) على أن النقاشات المحتدمة حول الموضوع انتهت بالوثيقة النهائية إلى التعامل مع الإجهاض باعتباره بديل اضطراريًا، وحث الحكومات على القيام بالإجراءات اللازمة لمساعدة النساء في تحاشي الإجهاض (فقرة ١٥)، كما أكدت على أنه لا يجوز بأي حال أن يتم الترويج للإجهاض كوسيلة من وسائل تنظيم الأسرة.
وفي مصر كما في غالبية دول العالم يتم التعامل مع موضوع الإجهاض بإسدال ستار من الصمت على الموضوع سواء على مستوى المنظمات غير الحكومية – بما في ذلك المنظمات النسائية ومنظمات حقوق الإنسان والمنظمات التنموية التي تعمل في مجال الصحة عمومًا أو صحة المرأة تحديدًا – وكذلك على مستوى البحث العلمي، فما أندر الدراسات التي تصدت لدراسة حجم الظاهرة والعوامل المؤثرة عليها. وكل ذلك يعكس مدى حساسية الموضوع، وتشير الدراسات المحدودة المتاحة إلى أن العديد من النساء اللاتي لا يرغبن في استمرار الحمل يلجأن إلى الإجهاض، ويستخدمن في ذلك إلى وسائل متعددة ومتنوعة، كالأدوية والأعشاب، وحمل الأثقال،أو استخدام بعض الأجسام لفتح عنق الرحم، الخ، أو يلجأن إلى عمليات الإجهاض السرية في أماكن يفتقر معظمها إلى أبسط القواعد الصحية ويمثل الكثير منها خطرًا على صحة النساء خاصة الفقيرات منهن. وعندما تؤدي عمليات الإجهاض تلك إلى مضاعفات،تذهب تلك النسوة إلى المستشفيات لتلقى الرعاية الصحية. كما تشير خبرات النساء أنهن لا يلجأن إلى الإجهاض إلا مضطرات، ويعتبرنه خبرة مؤلمة وهو ما يكشف عنه المثل الشعبي “ولادة كل يوم ولا سقط كل سنة“. أننا في حاجة لإرساء إجهاض آمن وشرعي إذ أننا أمام حقيقة أنه سواء حظيت النساء بدعم شريك الحياة والأسرة والأطباء والحكومات والمجتمع أم لم ينلن فإنهن يلجأن إلى الإجهاض.
والقانون المصري لا يبيح إجراء الإجهاض إلا في الحالات التي يمثل الحمل فيها خطرًا على حياة الأم. كما يعاقب القانون كل من يشارك في عملية الإجهاض سواء من يقوم بها أو النساء أنفسهن، وهو ما يدفع بالعملية إلى الشوارع الخلفية حيث تنعدم شروط الأمان وتتعرض صحة بل وحياة الآلاف من النساء للخطر. وقد طرحت المرأة الجديدة أهمية توسيع مجال الإجهاض القانوني في ۱۹۹٤ بحيث يشمل حالات الاغتصاب وسفاح المحارم، وفشل موانع الحمل، والحالات التي يكون فيها الجنين مصابًا بتشوهات خلقية. وقد أثار ذلك الموقف وقتها ردود فعل متضاربة على أن الأعوام التالية شهدت تصريح فضيلة شيخ الأزهر محمد طنطاوي بحق المرأة المغتصبة في إجراء الإجهاض، وفتاوى من الأزهر بإمكانية إجراء الإجهاض في حالات التشوه الخلقي للأجنة.
أن هذا العدد بمثابة إعادة فتح الموضوع من جديد، ودعوة كافة الأطراف المهتمة بين النشطاء والأكاديميين إلى التعامل العلمي مع الموضوع. ولذلك حرصنا على أن نختار عددًا من الموضوعات التي تتناول جميع جوانب الموضوع النظرية والعملية. وتتناول مقالات العدد قضية خطابات القوى المختلفة حول الإجهاض، ومسألة التغييرات القانونية من أجل جعل الإجهاض آمنًا، ومواقف القوى المختلفة – خاصة مقدمو الخدمة الصحية – من قضية الإجهاض، وجهود النسويات في تطوير المفاهيم المتعلقة بصحة النساء عمومًا والإجهاض خصوصًا، كما حرصنا على أن تكون المقالات من بلدان متنوعة وخاصة من الدول النامية التي تتشابه ظروفها معنا بحيث يمكن أن نتعلم من خبراتهم في التصدي لقضية الإجهاض. وأخيرًا حرصنا على أن نطرح وجهات النظر المختلفة بما يساعد على تعميق المناقشة.
مقالة مارج بيرر هي افتتاحية لعدد خصصته مجلة الصحة الإنجابية عن الإجهاض قبيل انعقاد مؤتمر السكان،وهي تطرح فيه وجهة نظر مخالفة لما أقرته الوثيقة النهائية للمؤتمر الدولي للسكان والتنمية ١٩٩٤ – كما أشرنا من قبل – وتتساءل “كيف يستثنى من الحق في منع حمل غير مرغوب فيه،الحق في التخلص من حمل غير مرغوب فيه؟ موضحة أن التحكم في الخصوبة لقديم قدم وجود الجنس البشري، وأن الإجهاض هو أول وسيلة عرفتها البشرية لمنع الحمل. وتذكرنا بيرر بأن استخدام وسائل منع الحمل، ومفاهيم مثل الوالدية المخططة وتنظيم الأسرة والتحكم في الخصوبة والإنجاب لم تصبح فقط مقبولة اجتماعيًا بل تعتبر على المستوى الوطني هي السلوك الاجتماعي المقبول بعينه.
أما مقال جوان جوزيه وسيلفينا راموس فيحلل مستوى المعرفة الحالي عن الإجهاض المتعمد في أمريكا اللاتينية، من خلال استعراض نقدي للمعلومات التي تم الحصول عليها من الاجتماعات والندوات الإقليمية التي عقدت في التسعينات،والمقالات المنشورة في المجلات الطبية الدورية في هذا المجال. كما يناقش الجوانب النظرية والمنهجية للبحوث عن الاجهاض والمخاوف ودواعي القلق الأخلاقية والسياسية، بهدف تحليل الأبعاد السياسية للإجهاض المتعمد بصورة أكثر عمقًا،وبصورة خاصة فيما يتعلق بالتشريع،والرأي العام، وتطوير البرامج الصحية.
ويناقش مقال سوزانا رانس تأثير الخطابات المختلفة في المجتمع على قضية الإجهاض، وعلى مواقف القوى المختلفة منها، من خلال متابعة تغيير موقف الحكومة البوليفية من الموضوع بعد ممارسة القوى المحافظة للضغوط عليها. كما يناقش المقال أيضًا مواقف مقدمي الرعاية الصحية من قضية الإجهاض، وفي نفس السياق يأتي المقال المنشور عن تجربة أندونيسيا حيث يعرض لدراسة تمت مع مجموعات من مقدمي الخدمة الصحية من أطباء،وتمريض، والدايات والعاملين الميدانيين في مجال تنظيم الأسرة، كما يعرض المقال لتجربة أندونيسيا في مجال تعديل التشريعات المتعلقة بالإجهاض والإشكاليات المرتبطة بها.
وتكشف الدراسة المنشورة هنا عن المكسيك أن النساء اللاتي يعنين من مضاعفات الإجهاض هن أكثر المجموعات تهميشًا وإهمالاً في سلم خدمات الصحة الإنجابية المقدمة للنساء، ويجئن في مستوى تال بعد حالات الولادة القيصرية والعادية.
وفيما يتعلق بجهود المنظمات النسائية يصف مقال ويلزا فييرا وآخرون مشاركة المجموعات النسائية العاملة في مجال الصحة والحقوق الإنجابية للمرأة في الحملات من أجل توفير الإجهاض القانوني في المستشفيات العامة بالبرازيل. ويوضح المقال أن المسالة لا تتعلق فقط بتغيير القانون، بل تقتضي تأهيل مقدمي الخدمة الصحية وتدريبهم، فالنساء لا يحتجن فقط للحق في الإجهاض وإنما للمزيد من الخدمات والكوادر الطبية المدربة على إجراء عملية الإجهاض أيضًا في جميع أنحاء البلاد.
ورغم عدم وجود مقال خاص بقضية الإجهاض في مصر ضمن إعداد مجلة الصحة الإنجابية، فإن هذا العدد يتضمن دراسة عن فهم النساء للمراضة المتعلقة بالحمل في ريف مصر، تناولت بشكل سريع موضوع الإجهاض. وهذه الدراسة توضح أن حدوث حالات الاكتئاب بعد الإجهاض تحدث بين الأمهات اللاتي حدث لهن إجهاض تلقائي، أي ترتبط برغبة الأم في بقاء الحمل، حيث أن النساء من عدمها.
وأخيرًا بشكل غياب البيانات ذات المصداقية في مصر عائق كبير أمام إجراء العديد من البحوث اعتمادًا على سجلاتنا ويتجلى ذلك بشكل واضح جدًا في بحوث الإجهاض وخاصة عن الإجهاض المتعمد والذي يصعب تفريق المضاعفات الناتجة عنه من مضاعفات الإجهاض العادي في كثير من الحالات، وقد وضعت منظمة الصحة العالمية بعض الخصائص التي يمكن عن طريقها ترجيح نوع الإجهاض كما عرض ذلك في مقالة عن مقدمي الخدمات الصحية في أندونيسيا.
ويثير هذا العدد أيضًا قضية مناهج البحث في قضايا شديدة الحساسية مثل الإجهاض، وأهمية المناهج البحثية النسوية في التعامل مع الموضوع بحيث يمكنها عن حق أن تعكس وجهات نظر النساء في القضايا المطروحة (الإجهاض). فالدراسة التي قامت بها جوتليب مانجيل وآخرون عن العوامل المرتبطة بالإجهاض القصدي في المستشفيات العامة بدار السلام، تنزانيا، كشفت عن رأي النساء في أن القوانين الموجودة قائمة على التمييز لأنها تنفي حق النساء في الاختيار في حالة حدوث حمل غير مرغوب فيه،بينما لا يحتمل الرجال المسئولين عن هذا الحمل أي من التبعات القياسية المترتبة عليه. كما أكدت أن النساء الفقيرات يحرمن من الحصول على الخدمات الآمنة لأنهن لا يمتلكن ما يكفي لتسديد التكاليف الباهظة في العيادات الخاصة التي تتم فيها عمليات الإجهاض رغم الموانع القانونية.
لقد أدركنا في مركز دراسات المرأة الجديدة الدور الذي تلعبه المناهج والأدوات البحثية عندما أجرينا دراسة عن إدراك النساء لحقوقهن الإنجابية. فبينما نزعت النساء في نقاشات المجموعات البؤرية لرفض الإجهاض، فإن الغالبية العظمى من النساء في اللقاءات المعمقة كشفن عن أنهن اجرين، أو يعرفن نساء أجرين عمليات إجهاض، وكشفن عن ثراء معلوماتهن فيما يتعلق بالوسائل التقليدية للإجهاض.
وأخيرًا فإننا نأمل أن يساهم هذا العدد في إثارة نقاش جاد حول موضوع الإجهاض في مصر، بحيث نتجاوز مرحلة إخفاء الرؤوس في الرمال إلى مرحلة المصارحة والعمل،وأن تساعدنا خبرات النساء في العالم على التصدي بشكل فعال لقضية تؤثر على صحة وحياة الآلاف من النساء المصريات،وعلى أن نشرع في إجراء دراسات عن الأبعاد المختلفة لقضية الإجهاض بحيث تتوفر لنا البيانات الضرورية، وهو أمر لا غنى عنه في مجال وضع سياسات فاعلة لتجنيب النساء مضاعفات الإجهاض غير الآمن.
هيئة التحرير
مقالات الاعداد
- الناشر: المرأة الجديدة