النساء والخطابات الثقافية
رقم العدد:
3
رقم الطبعة:
الأولى
تاريخ النشر:
2003
رئاسة التحرير:
هيئة تحرير:
تصميم:
افتتاحية
في بداية العدد الثالث من“طيبة“, نود أن نشكر كل من تفضل بقراءة العددين السابقين والتعليق عليهما؛ ونعد أننا سنحاول التطوير عن طريق تجنب الأخطاء التي وقعنا فيها في العددين السابقين، والحرص على الحفاظ على ما نعتقد أنه قد أثار إعجاب معظم قرائنا.
وبعد, فمواد هذا العدد تدور حول الخطابات الثقافية المختلفة، التي ساهمت في تشكيل الصور والأدوار الاجتماعية لكل من النساء والرجال. ويتضمن المقال الأول في هذا العدد عرضًا قدمته نولة درويش لمعظم هذه الخطابات, في إطار تقديمها لأهمية الخطابات الثقافية المهيمنة، مثل: خطابات الإعلام, والتعليم, والدين, والأدب, في تكوين صور للنساء والرجال, وأدوارهم الاجتماعية, ومدى صعوبة تغيير هذه الصور حيث قد أصبحت جزءًا لا يتجزأ من ممارسات الحياة اليومية, التي يقوم بها الناس نساء, ورجال, دون وعي منهم بخطورتها وتعديها على حقوق إنسانية عديدة. وهذا المقال – الذي يمثل مظلة يوضع تحتها كثير من هذه الخطابات مجتمعة – محاولة لإثارة الوعي بخطورة تلك الخطابات وأهمية العمل على تغييرها. وتأتى مواد العدد الأخرى لتأخذ هذه الخطابات, كل على حدة، وتقدم صورة مقربة لمدى خطورة كل من هذه الخطابات.
وتأتي دراسة“أدب الأطفال” كبداية مناسبة, حيث تناقش هذه الدراسة دور الأدب في تشكيل صور ثابتة للأدوار الاجتماعية لكل من النساء والرجال, مع بداية تشكيل الوعى في مرحلة الطفولة, مما يكون له أكبر الأثر عندما يشب هؤلاء الأطفال عن الطوق, حيث يصعب تغيير أفكارهم واعتقاداتهم التي تكونت في مرحلة مبكرة, هي أيضًا مرحلة تشكيل الوعي لديهم. وتركز هذه الدراسة على أنه لا يوجد فرق كبير بين ما يقدم للطفل المصرى والطفل الفرنسي, عندما يتعلق الأمر بالأدوار الاجتماعية للطفل والطفلة, أو للرجل والمرأة.
ولا يختلف أدب الكبار, بالطبع, عن أدب الأطفال, فما هو إلا نتاج المجتمعات نفسها التي أفرزت الخطاب نفسه, وهو بالتالي يعيد إنتاجه ويؤكده على مر العصور. وهذا ما تبينه دراسة ناديا الشيخ عن صورة الزوج المثالي في كتابي“العقد الفريد” و“عيون الأخبار“, فنرى من خلال هذه الدراسة أن الأدوار الاجتماعية لكلا الجنسين تظهر في العملين في أبواب خاصة بصورة الزوجة المثالية والزوج المثالي, في محاولة لتنميط هذه الصور, دون أخذ الاختلافات الفردية في الحسبان.
أما كتاب“جندرة الخطاب / خطاب مجندر“, فهو يحتوى على مجموعة من الأعمال الأدبية من منطقة الشرق الأوسط, وكون هذه الأعمال انعكاسًا لصورة النساء في هذه المجتمعات, مع كونها في الوقت نفسه ذات أثر لا يمكن إنكاره في تأكيد هذه الصورة. وقد أثار عرض هذا الكتاب بعض المناقشات بين عضوات هيئة التحرير, حيث تتناول بعض فصوله بعض الأعمال الأدبية الإسرائيلية, مما قد يثير حفيظة بعض قرائنا, ولكننا آثرنا المضي في مشروع عرض الكتاب, من منطلق حرصنا على ألا نخشى التطرق إلى موضوعات قد تسهم في إثراء معلوماتنا عن صور النساء في مجتمع مجاور لنا, على الرغم من عدائنا للقيم الصهيونية العنصرية التي يتبناها هذا المجتمع ؛ فقد وجدنا أن من شأن مثل هذه المعلومات أن تحطم بعض الأساطير عن التفوق الاجتماعي لإسرائيل على المجتمعات العربية, والذي يحلو لكثير من كتابنا الحديث عنه.
أما الخطاب الثقافي اللغوى، فيحظى باهتمام كبير في هذا العدد، حيث اللغة هي وعاء الفكر, فإذا انطوى الخطاب اللغوى على بعض التحيز أو التمييز ضد النساء, انعكس هذا بدوره على صورة المرأة في المجتمع الذي يستخدم هذه اللغة كوسيلة للتواصل. وهذا ما يؤكده كتاب“معجم الوأد: النزعة الذكورية في المعجم العربي” لمحمد فكرى الجزار والذي تعرض له هالة كمال. ويؤكد هذا الكتاب أن قواعد واستخدامات اللغة العربية تدعو – في كثير من الأحيان – إلى التمييز ضد النساء والتحيز للرجال.
وتنطلق سلوى فرج في دراستها عن“المرأة في الأمثال الشعبية المصرية” من منطلق لغوي أيضًا تؤكد فيه أن التشكيل اللفظي والنحوي والصوتي للأمثال الشعبية يساعد على رسم صورة شديدة التحيز ضد النساء، وأن هذه الصورة بدورها تنتقل من جيل إلى جيل، عبر الأمثال التي اعتبرها المصريون – لسنوات عديدة – نبعًا للحكم المتوارثة من الأجداد والتي ينبغي الحرص على العمل بها, حيث هي نتاج تجارب أجيال عدة, ولكن لحسن الحظ فإن الاستبيان الذي قامت به سلوى فرج يؤكد أن هناك بعض الأمل في مناقشة ما قد جاء في الأمثال من قبل أجيال الشباب من المتعلمين ؛ مما يبشر بأن بعض الأفكار السلبية عن النساء والتي ترد في هذه الأمثال قد تكون في طريقها إلى الانقراض.
أما بحث منى فؤاد عطية, وهو بحث عن ممارسة لغوية أخرى, هي لغة الإعلانات، فهو يؤكد أن بعض هذه الصور السلبية النمطية يعاد إنتاجها في الإعلانات, وخاصة تلك الصور الخاصة بالأدوار الاجتماعية للنساء, مما يكرس لهذه الصور بين جمهور الإعلانات, ويصعب مهمة تغيير الأدوار الاجتماعية النمطية المنوط بالمرأة القيام بها. ومن المثير في هذه الدراسة أنها دراسة مقارنة, تقارن بين لغة الإعلانات في مصر وفي الولايات المتحدة الأمريكية, ولكنها تخلص إلى أن أدوار المرأة في المجتمع الأمريكي – الذي يدعى مزيدًا من التقدير لأدوار النساء مما هو متوافر لهن في المجتمع المصرى – تقترب بشدة من الأدوار الاجتماعية التي تروج لها هذه الإعلانات في مصر.
أما مقال“أسطورة المرأة” لريتا فريدمان فيتناول بالتحليل بعض الاعتقادات الخاصة بجمال المرأة, وكيف تمكنت هذه الاعتقادات المكذوبة من السيطرة على النساء واستعبادهن لأزمان طويلة, حتى جاءت الحركة النسائية بأفكار كان من شأنها تحرير النساء من سيطرة بعض أساطير الجمال الأنثوى على أذهانهن. أما مقال“رمزية الدورة الشهرية” فيناقش هو أيضًا بعض الأساطير الخاصة بالنساء في بعض المجتمعات, وهي أساطير اتخذت من دماء الطمث رمزًا لبعض الصفات التي يحلو لهذه المجتمعات إلصاقها بالنساء, كوسيلة لتنميطهن.
وتأتى دراسة أميمة أبو بكر“خطاب الأصولية الحداثية وتاريخ النساء” لتؤكد استغلال خطاب ثقافي سائد في مجال الكتابة الثقافية للمرأة لتحقيق انتصارات فارغة على أعدائه. فتبين الدراسة كيفية تناول الخطاب العلماني الحداثي المتطرف لقضية زى المرأة بالمنهج الأصولي المتطرف نفسه الذي يتهم أعداءه باستخدامه, وكيف أن هذا الخطاب ينبع من فكرة ذكورية هي أن جسد المرأة هو ملك للرجل, وبالتالي فمن حق هذا الكاتب أو ذاك أن يدعو إلى تقييده أو تحريره, طبقًا لأيديولوجيته الخاصة, بل وتؤكد أميمة أبو بكر على تجاهل هذا الخطاب الأصولي العلماني, المستقى من فكر ذكوري, لقدرة النساء على الدفاع عن حقوقهن عبر الأزمان المختلفة, وحركات المقاومة العامة والفردية التي قمن بها من أجل الحصول على حقوقهن, فينصب الرجال في هذا الخطاب أنفسهم – مثلهم في ذلك مثل أعدائهم من الأصوليين الإسلاميين – أوصياء على النساء, ويتمثل هذا في قضية غطاء الرأس وهل يجب على المرأة ارتدائه أم لا.
ومن أهم مواد هذا العدد الدراسة الخاصة بـ“دلالات الانحياز على أساس النوع الاجتماعى في التعليم” وهي تتعرض – كما يتضح من عنوانها – لأحد أهم الخطابات الثقافية وأشدها خطورة وهو خطاب التعليم, فالتعليم هو من أكثر الخطابات تأثيراً وانتشارًا. والدراسة المنشورة في هذا العدد – وإن كانت تتعرض لدلالات ونتائج الانحياز على أساس النوع الاجتماعي في مجتمع غربي هو المجتمع الأمريكي, إلا أن من شأنها أن تلفت الأنظار لما ينتشر في مدارسنا ومناهجنا الدراسية من خطابات, من شأنها تنميط الأدوار الاجتماعية الخاصة بالجنسين.
أما باب الوثائق في هذا العدد, فيعرض لوثيقتين تبين كل منهما كيف أن الخطاب الثقافي السائد في مجتمع معين قد يحرم المرأة من كثير من حقوقها المادية, وإن تعارض هذا مع رأي النصوص الدينية في هذا الموضوع, وهذا من خلال وثيقة حول الطلاق وأخرى حول الميراث.
وبعد, فنرجو أن تزيد مواد هذا العدد الوعي ببعض الممارسات المجتمعية الناتجة عن خطابات ثقافية تتسرب إلى حياتنا, وتشكل صور الأدوار الاجتماعية للجنسين في أذهاننا دون وعي منا, ففي اعتقادنا أن الوعي بالمشكلة هو أول خطوة للتعامل معها والتخلص منها. ونرجو أن يكون هذا العدد بداية لإسهامات جادة في طريق إعادة تشكيل الوعي عن طريق التحاور مع هذه الخطابات السائدة, كما كان العدد السابق“النساء والمقاومة” محاولة لخلق وعى بديل عن طريق تتبع بعض صور مقاومة النساء في أشكالها المختلفة, مما من شأنه أن يغير الاعتقاد السائد بسلبية النساء ووضعهن في دور المفعول به دائمًا.