افتتاحية العدد

وفى الختام نتمني أن تقدم موضوعات هذا العدد مادة تساعد على إثارة حوار واسع بين النشيطات والنشطاء. في مجال الدعوة الصحة الجنسية والإنجابية، وبين القائمين على إصلاح النظام الصحي في مصر، بحيث يمكن تطوير خدمات الصحة الجنسية والانجابية للنساء من جميع الأعمار، كما نأمل أن توفر آداة مفيد في مراجعة مدى التقدم المحرر في مجال الصحة الإنجابية فى مصر، بعد مرور عشر سنوات على تطبيق برنامج عمل مؤتمر السكان والتنمية،الذي استضافته القاهرة عام ١٩٩٤.

يناقش هذا العدد من قضايا الصحة الإنجابية،قضية هامة هي إصلاحات النظم الصحية وتأثيرها على خدمات الصحة الإنجابية. وأهمية القضية تنبع من عدد من الأمور،منها الجدل الدائر في الأعوام الماضية حول إصلاحات النظم الصحية على المستوى الدولي في المنتديات الدولية وعلى رأسها منظمة الصحة العالمية،والبنك الدولي وكذلك على المستوى الوطني في كل بلد على حدة. وقد جاء هذا الجدل على خلفية تطبيق سياسات وبرامج التكيف الهيكلي التي فرضتها المؤسسات الدولية المالية على الدول النامية، وما ارتبط بها من تراجع في دور الدولة في دعم الخدمات الأساسية ومن بينها الصحة، وهو ما أدى إلى انخفاض الإنفاق الحكومي على الصحة،وتدنى جودة الرعاية الصحية في القطاع الصحي العام، ودخول القطاع الخاص بقوة مؤديًا إلى عدم الإنصاف والمساواة في توزيع الموارد المحدود،المزيد من الاستبعاد للفئات الأفقر،من السكان، والنساء في القلب منهم.

من جانب آخر هناك جدل بين النسويات والنشيطات فى مجال صحة المرأة بخصوص مدى أخذ احتياجات النساء في مجال الصحة الإنجابية والجنسية فى الاعتبار عند تصميم وتنفيذ إصلاحات النظم الصحية، فبعد الإنجاز الذي تحقق في كل من المؤتمر الدولى السكان والتنمية ۱۹۹٤ ، والمؤتمر الدولي الرابع للمرأة ١٩٩٥،بخصوص الاهتمام بالصحة والحقوق الإنجابية بما يضعها على قائمة الأولويات الوطنية والدولية، فقد جاءت أهداف الألفية الثالثة (منشورة في هذا العدد) غير معبرة عن هذا فلم تتضمن سوى مساحة محدودة للصحة الإنجابية والجنسية.

وقد ساهم في تكريس الوضع، أن السياسات الصحية الدولية بدأت فى ذلك الوقت فى تطوير أدوات ومؤشرات لقياس كفاءة الأنظمة الصحية، لم تتمكن في غالبية الأحوال من قياس السياقات الاجتماعية والسياسية التي تجرى فيها إصلاحات النظم الصحية، ولم تضع في اعتبارها المعاناة والتجارب الفعلية للنساء فى جميع المراحل العمرية لذا فهذا العدد يقدم خبرات متنوعة من عدد من البلدان النامية التى تتشابه فى ظروفها السياسية والاجتماعية والاقتصادية مع مصر بشكل عام، والتى وجدنا فيها فرصة للتعلم من النجاحات وتجنب الاخفاقات التي مرت بها عملية إصلاح النظام الصحي في تلك البلدان.

وقبل أن نستعرض مقالات العدد نشير في عجالة إلى الوضع فى مصر. لقد انتهت المرحلة الأولى من إصلاح النظام الصحي في مصر (۱۹۹٦ ۲۰۰۱)، وبدأت مرحلة خمسية جديدة تحت اسم إصلاح النظام الصحي +٥٠. ورغم ذلك لم تشارك كل الأطراف المعنية وأعنى تحديدًا المنظمات غير الحكومية والنشطاء في مجال الصحة وحقوق الإنسان بما فيها المنظمات المعنية بصحة النساء وحقوقهن لا في التحضير أو التخطيط لأى من المرحلتين،أو حتى تقييم للمرحلة الأولى.

واستعراض أبرز جوانب الاستراتيجية المصرية فيما يتعلق بإصلاح النظام الصحي يوضح ذلك حيث لا تبرز في تلك الجوانب قضايا صحة النساء عمومًا والصحة الإنجابية والجنسية للنساء والفتيات،باستثناء جهود بعض الهيئات مثل المجلس القومي للطفولة والأمومة، والموجهة لقضايا صحية بعينها مثل ختان الإناث،والزواج المبكر. بين الفتيات. ولعل مناسبة مرور عشر سنوات على المؤتمر الدولى للسكان والتنمية في العام القادم ( ٢٠٠٤) تحمل لكل الأطراف فرصة لتقييم ما تم بالفعل، ومحاولة الدفع باحتياجات النساء الإنجابية والجنسية مرة أخرى بؤرة اهتمام القائمين على إصلاح النظام الصحي.

معظم مقالات هذا العدد من العدد ٢٠ لمجلة الصحة الإنجابية بالإنجليزية (نوفمبر ٢٠٠٢). وكانت معظم تلك المقالات تطويرًا لأوراق ناقشتها دائرة حوار دولية نظمتها هيئة تحرير مجلة الصحة الإنجابية في لندن في ۱۲ فبراير ۲۰۰۲ توضح معظم المقالات في هذا العدد أن عملية إصلاح قطاع الصحة في العديد من البلدان تحتاج إلى تقييم عميق من زاوية مدى تحقيقها للمساواة بين الفئات السكانية المختلفة ، ومراعاتها للمساواة النوعية في توفير الرعاية الصحية للرجال والنساء. كما أن المقالات توضح من خلال التجارب الفعلية المعروضة بإسهاب،مدى نجاح المقاييس المستخدمة حاليًا (مقياس دالىومقياس الفعالية / التكلفة) على الصعيد العالمي والوطني على تحديد الأولويات الصحية، من منظار يضع المساواة النوعية في اعتباره،أى كيف أثر استخدام تلك المقاييس على تهميش احتياجات الصحة الإنجابية.

تقول مارج بيرز في مقالتها إصلاحات قطاع الصحة: الآثار المترتبة علي خدمات الصحة الجنسية والإنجابية. أن الإجابة على هذا السؤال غير مؤكدة في أحسن الأحوال، فقد حققت البلدان ذات الدخل المتوسط نجاحاً أفضل كثيراً من النجاح الذي حققته البلدان ذات الدخل المنخفض، وحققت مناطق الحضر نجاحاً أفضل مما تحقق في المناطق الريفية، كما حققت الطبقات الوسطى نجاحاً أفضل من الطبقات الفقيرة التي لم تشعر بأثر إيجابي أو سلبي، وخاصة في البلدان الفقيرة وبين الشرائح الاجتماعية الفقيرة بجميع البلدان بما فيها البلدان الغنية. أما وضع النساء فكان الأسوأ، وخاصة حيثما يتعلق الأمر بتحملهن تكلفة الخدمات الصحية ، وتقدم تحليلاً نقدياً لموقف الهيئات الدولية من الصحة الإنجابية والجنسية، موضحة أن ما تتمتع به النساء في الدول الأكثر تقدماً من صحة جيدة إنما يعود بدرجة كبيرة إلى توفر خدمات الصحة والإنجابية لهن على مدى عقود طويلة، وأن ذلك يكفى بحد ذاته دليلاً على أهمية تلك الخدمات للنساء في البلدان النامية.

وتوجه مقالة بيرر نظرنا إلى أهمية مشاركة كافة الأطراف المعنية بما فيهم مؤسسات المجتمع المدني، ومنها المنظمات النسائية فى صياغة السياسات الوطنية المتعلقة بإصلاح النظم الصحية، مؤكدة على أن كل الأطراف لديها الكثير للتبادل مع الآخرين، وأهمية أن يتناول الناشطون قضايا إدارة وتنظيم وتمويل النظم الصحية بشكل عميق، وأن يدرك القائمون على عملية إصلاح النظم الصحية فى المقابل أن تحقيق الصحة الجيدة لا يتحقق فقط بالتمويل ذو الكفاءة ، بل يقتضي أيضًا إعمال مبادئ العدالة الاجتماعية، والإنصاف النوعي وحقوق الإنسان. وتنهى بيرر مقالتها بالأسئلة التالية التى تؤكد معها على أهميتها فى أى حوار جاد حول إصلاح النظام الصحي:

  • نعم للإصلاحات، ولكن ما نوعها ولفائدة من ؟

  • إن لم تكن مسؤولية الدولة، إذن فمسؤولية من ولماذا؟

  • نعم للمسائلة،إنما لمن ؟

تناقش بريا ناندا في مقالتها الأبعاد المتعلقة بالنوع الاجتماعي في فرض الرسوم على المستهلكين،ما تطرحه الدراسات التي تمت في عدد من البلدان الإفريقية (غان، وسوازيلان، وأوغندا، وزائير) من أن نظام فرض الرسوم على المستهلكين كثيراً ما يتبعه نقص في استخدام الخدمات الصحية، خاصة بين القطاعات السكانية الأفقروأن تردد المصابين بالأمراض المنقولة جنسياً خاصة النساء قد انخفض بعد فرض الرسوم،ثم عاد للارتفاع بعد إلغائها. مشيرة إلى قدرة الفقراء على دفع رسوم الخدمات الصحية لا ترتبط فقط بدخولهم، ولكن أيضًا بأسعار السلع والخدمات الأساسية الأخرى التي يحتاجونها، وأن إدراك البعد النوعي فيما يتعلق بقدرة النساء على التحكم في الموارد واتخاذ القرار والتي تتضاءل كما توضح الدراسات في الأسر الفقيرة.

ويناقش مقال سیدنی روث توجهان مختلفان من التصدي لقضايا النوع من خلال المقارنة بين مشروعين من مشروعات الصحة الإنجابية في أفريقيا،وأمريكا اللاتينية. وتؤكد استنتاجاتها على أن قضية النوع الاجتماعي لا يمكن تناولها بفاعلية دون تأمين المشاركة الواسعة للنساء في الأنشطة المجتمعية، وفي تصميم ومتابعة المشاريع المتعلقة بالصحة. ويؤكد المقال على أن أفضل طريقة لمواجهة القيود المبنية على النوع الاجتماعي في مجال الصحة الإنجابية تكمن في العمل مع النساء بهدف تغيير أوضاعهن،وباستخدام مناهج المشاركة التي تعزز من تمكين النساء. ومع قراءة هذا المقال تتداعى إلى الذهن تجربة الهيئة القبطية الإنجيلية للخدمات الاجتماعية في بعض قرى المنيا في صعيد مصر، والتي تم فيها تبنى نفس المنهج ( المشاركة،والتمكين) بما ساعد على انخفاض نسبة ممارسة عادة ختان الإناث فى العديد من تلك القرى،بل إن أحد تلك القرى قد أصدرت في بداية التسعينات،وثيقة تحظر ممارسة الختان على بنات القرية وهو الأمر المستمر حتى الآن.

وفى دراسة تفصيلية عن التغطية الشاملة وتأثيرها المحتمل على خدمات الصحة الإنجابية تحلل مجموعة من الباحثين الأبعاد المختلفة للنظام التأمينى الجديد الذي شرعت الحكومة التايلاندية في تطبيقه مؤخراً، وما يعنيه ذلك من تغير في أدوار وزارة الصحة،والاشكاليات التى ينبغى التصدى لها ، بدءاً من تجاوز نقص القدرات التنظيمية والإدارية التي يعاني منها الشكل الحكومى الجديد ( المكتب الوطني للتأمين الصحى)، وخاصة فيما يتعلق بالقدرات على وضع مؤشرات وآليات لعمل التعاقدات مع مقدمي الخدمة من القطاع الخاص، ومتابعة التزامهم بهذه التعاقدات بشكل جاد.

ويلفت مقال لورا رايشتنباخ عن الأبعاد السياسية لعملية تحديد الأولويات فى مجال الصحة الإنجابية، فتلفت أنظارنا إلى كيف تتحدد الأوليات الصحية في الواقع الفعلي، وأهمية الاستفادة من النظم العلمية الأخرى مثل العلوم السياسية لتطوير مقاييس أدق لعملية تحديد الأولويات السياسية. وعبر تطبيق تلك المقاييس المقترحة من خلال دراسة حالة فى غانا، توضع رايشنباخ كيف أمكن أن يأخذ سرطان الثدى أولوية أعلى (ممثلة في حجم الاهتمام السياسي،والمخصصات المالية، والدعوة) من سرطان عنق الرحم فى غانا، رغم أنه وفقاً المقاييس المستخدمة بالفعل مثل مقياس دالي، أو الفعالية مقابل التكلفة، فإن سرطان عنق الرحم ينبغى أن تكون له أولوية أعلى.

وتعرض هيلاري ستاندينج في مقالتها نظرة عامة على برامج الإصلاح الصحي في وانعكاساتها على حملات الدفاع عن الصحة الجنسية والإنجابية والدعوة إلى حمايتهما في البلدان ذات الدخل المنخفض. وبدءا من أواخر الثمانينيات، تسطر الورقة الخطوط العريضة للتحولات الاقتصادية الكلية والاتجاهات السياسية الرئيسية التي تؤثر على البلدان المعتمدة على المعونة الخارجية وكذلك على عمليات الإصلاح الرئيسية في قطاع الصحة. وتنظر الورقة بعدئذ في الآثار المترتبة على برامج الاقتصاد الكلى والإصلاح المتعاقبة فيما يتعلق بحملات الدفاع عن الصحة الجنسية والإنجابية.

أما مقال فيروج تانجشارونشتين عن مراجعة توصيات المؤتمر الدولي للسكان والتنمية عام ١٩٩٤ ، التي تمت من خلال الجمعية العامة للأمم المتحدة عام ۱۹۹۹ والمعروفة باسم مؤتمر السكان بعد مرور خمس سنوات ( 5 +ICPD)، فيقدم عرضاً موجزاً ولكنه مهم لأبرز المؤشرات التي اتفق عليها لمتابعة التقدم في تطبيق برنامج عمل مؤتمر السكان.

هيئة التحرير

مقالات الاعداد

التغطية الشاملة وتأثيرها على خدمات الصحة الانجابية في تايلاند
الأبعاد السياسية لعملية تحديد الأولويات في مجال الصحة الإنجابية
بانوراما للتغيُرات في مجال إصلاح قطاع الصحة
مطبوعات
إصلاحات قطاع الصحة وخدمات الصحة الجنسية والأنجابية
الأبعاد المتعلقة بالنوع الاجتماعي في فرض الرسوم على المستهلكين
النوع الاجتماعي ومشاركة المجتمع المحلي في مشاريع الصحة الأنجابية
مراجعة أهداف وغايات المؤتمر الدولي للسكان والتنمية
ما بعد مؤتمر السكان.. إلى أين نذهب ؟
6
إصلاحات قطاع الصحة
شارك:

اصدارات متعلقة

استفحال المنظومة الأبوية المصرية في انتهاك أجساد القاصرات / القصر
دور قطاع الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات في تمكين المرأة في مصر
ملك حفنى ناصف
غياب السلام في “دار السلام”.. نحو واقع جديد للعلاقات الزوجية
مطبوعات
نبوية موسى
من قضايا العمل والتعليم
قائمة المصطلحات Glossary
مطبوعات
مطبوعات